السميع
كلمة السميع في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...
العربية
المؤلف | عبد المحسن بن عبد الرحمن القاضي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التاريخ وتقويم البلدان - المنجيات |
الدعاء استعانة من عاجز ضعيف بقوي قادر، واستغاثة من ملهوف برب قادر، وتوجه وتوكل على العزيز القاهر، ورجاء إلى مصرف الكون ومدبر الأمر، ليزيل علة، أو يرفع محنة، أو يكشف كربة، أو يحقق رجاءً أو رغبة، وهو الملجأ في وقت الأزمة، وأي أزمة وكرب أعظم مما نراه يحيط بإخواننا المحاصرين اليوم، يقصفون في مدنهم وبيوتهم، تلقى جثثهم في الطرقات، تهان كرامتهم وينال من نسائهم وأطفالهم، نراهم في سوريا على يد طائفة نصيرية خبيثة، وفي اليمن وليبيا ..
الحمد لله ذي القدرة والملكوت، والقوة والجبروت، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له حي لا يموت، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا.
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى وتوبوا إليه.
في زمان الحضارة والتقدم، في كل يوم يسمع العالم باختراع جديد، أو اكتشاف فريد في عالم الأسلحة، على تراب الأرض، أو في فضاء السماء الرحب، أو وسط أمواج البحر، والسلاح هو عتاد الأمم الذي تقاتل به أعداءها، فمقياس القوة والضعف في عرف العالم اليوم بما تملك تلك الأمة أو الدولة من أسلحة أو عتاد.
ولكن ثمة سلاح لا تصنعه مصانع الغرب أو الشرق، أقوى من كل سلاح مهما بلغت قوته ودقته وذكاؤه المزعوم، والعجيب في هذا السلاح أنه عزيز لا يملكه إلا صنف واحد من الناس، لا يملكه إلا المؤمنون الموحدون، فهو سلاح رباني، سلاح الأنبياء والأتقياء على مر العصور، ذلكم السلاح هو الدعاء.
الدعاء استعانة من عاجز ضعيف بقوي قادر، واستغاثة من ملهوف برب قادر، وتوجه وتوكل على العزيز القاهر، ورجاء إلى مصرف الكون ومدبر الأمر، ليزيل علة، أو يرفع محنة، أو يكشف كربة، أو يحقق رجاءً أو رغبة، وهو الملجأ في وقت الأزمة، وأي أزمة وكرب أعظم مما نراه يحيط بإخواننا المحاصرين اليوم، يقصفون في مدنهم وبيوتهم، تلقى جثثهم في الطرقات، تهان كرامتهم وينال من نسائهم وأطفالهم، نراهم في سوريا على يد طائفة نصيرية خبيثة، وفي اليمن وليبيا، وكثير من المنافقين الذين يحاولون إثارة الطائفية في مصر، والفوضى في تونس، وممن يحاولون صرف دين الأمة وتدمير أخلاقها وغيرها من علائم الاستكبار الصليبي الصهيوني، كلها أزمات تحتاج إلى حلول، غير أن ما نراه من استكبار جيوش سوريا وليبيا وجنودهم على العزل والمدن يثير كوامن النفس، ويذكّر بالقرآن: (وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ) [القصص: 39]، فلا ملجأ إذن لكل ما نراه يصيب إخواننا إلا بالدعاء، فالمؤمن حين يستنفد الأسباب في عمل مشروع، ويستعصي عليه الأمر، والأسباب لا توصله إلى ما يسعى من أجله، ينقل الأمر كله من قدراته الضعيفة هو إلى قدرة الله القوي العزيز سبحانه، ويفزع إلى الله تعالى واهب الأسباب ويقول: يا رب، ويدعو، فالأسباب إذا تخلت فلن يتخلى عنه الله.
إذا بليت فثق بالله وارض به | إن الذي يكشف البلوى هو الله |
والله مالك غير الله من أحد | فحسبك الله في كل لك الله |
إنه سبحانه يجيب دعوة المضطرين، ولهذا كان الأنبياء -عليهم السلام- يلجؤون إلى سلاح الدعاء إذا ضاقت بهم الأسباب.
سلاح الدعاء نجّى الله به نوحًا -عليه السلام-، فأغرق قومه بالطوفان، حين كذبوه فتح أبوب السماء بماء منهمر، جزاءً لمن كان كفر.
ونجى الله به موسى -عليه السلام- من الطاغية فرعون عندما طغى وتجبر وتسلط: (فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ * وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) [الشعراء: 61 - 67]، نجّى الله به صالحًا، وأهلك ثمود، وأذل عادًا وأظهر هودًا -عليهم السلام-.
الدعاء أعزّ الله به محمدًا في مواطن كثيرة؛ فإنه عند مدلهمات الأمور يلجأ إلى ربه ويلحّ عليه في المسألة؛ عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال: لما كان يوم بدر فاستقبل القبلة فجعل يدعو ويقول: "اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض". فلم يزل كذلك حتى سقط رداؤه وأخذه أبو بكر الصديق فوضعه عليه ثم التزمه من ورائه قائلاً: كفاك -يا نبي الله بأبي وأمي- مناشدتك ربك؛ فإنه سينجز لك ما وعدك، فأنزل الله: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ) [الأنفال: 9].
وقد أخبرنا القرآن الكريم أن الدعاء عند مواجهة العدو من أمضى الأسلحة وأقواها: (وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمْ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران: 147، 148]، في وقت الأزمات وتحزب الأحزاب: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران: 173- 175].
وقال تعالى عن جند طالوت: (وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ...) [البقرة: 250، 251] الآية.
وهكذا كل مسلم تنزل به نازلة أو تحل به أو بإخوانه نكبة، يلجأ إلى ربه بالدعاء والقنوت؛ في الصحيحين كان يقول –صلى الله عليه وسلم- حين يفرغ من صلاة الفجر من القراءة ويكبر ويرفع رأسه: "سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد"، ثم يقول وهو قائم: "اللهم أنج الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم كسني يوسف، اللهم العن لحيان ورعلاً وذكوان، وعصية عصت الله ورسوله".
والله تعالى قريب ممن دعاه: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة: 186]، والدعاء خير كله؛ فهو من أجلّ العبادات وأعلاها، وتركُهُ استكبار عن عبادة الله: (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) [غافر: 60]، ومن رفع يديه والتجأ إلى ربه ودعا لنفسه ولإخوانه المسلمين لم يخسر شيئًا، بل يربح ما قاله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها مأثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه إحدى ثلاث: إما أن يستجيب له دعوته، أو يصرف عنه من السوء مثلها، أو يدخر له من الأجر مثلها"، قالوا: يا رسول الله: إذًا نكثر؟! قال: "الله أكثر". أخرجه الحاكم وصححه. وأخبرنا -صلى الله عليه وسلم-: "الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم -عباد الله- بالدعاء". أخرجه الحاكم.
وما أحرى كل مسلم يرى مصاب إخوانه ويسمع نداءاتهم أن يستشعر كون المسلمين كالجسد الواحد الذي يتألم كله لبعضه، إنه الدور الذي يستطيع كل منا تقديمه، فهل كنا مقصرين في أداء هذا الواجب؟! هل تتذكر هذا الواجب وأنت تتوجه إلى ربك بالدعاء لآلام إخوانك الذين تسلط عليهم الأعداء؟! هل تذكرت أخي عند دعائك لإخوانك المحاصرين في بيوتهم ومدنهم، يؤذون على يد أمن وجيش كان يفترض به حمايتهم، فإذا به يقتلهم ويحاصرهم ويطردهم من مدنهم؟! تصور حال ذلك اللاجئ الطريد الهارب من الضرب والقصف، أو صاحبه الذي تمطره السماء قذائف وقنابل تهز الجبال وتصم الآذان، وتفكر في تلك المرأة التي ديس شرفها وأهين عرضها، وتخيل أنها أختك أو ابنتك، ألا تأخذك الحمية والغيرة؟!
ويا من تنام شبعان آمنًا مطمئنًا بين عيالك تذكَّر ملايين المسلمين حلّت بهم النكبات ونزلت بهم المصائب وتهددهم الفتن، ففرقت بين الولد وأبيه وبين الأم ورضيعها، ويا من ينعم بلذيذ المآكل والمشارب مع الصحب والإخوان: تذكّر إخوانًا لك لا يجدون ما يسد جوعتهم أو يروي ظمأهم، حتى الخبز عز عليهم، وهم في خوف ورعب لا يطاق، ويا من يسكن البيوت الباردة في الصيف، الدافئة في الشتاء، وينام على الفرش الوثيرة: أتعلم أن إخوانًا لك يفترشون الغبراء، ولحافهم السماء، وأمطارهم قذائف محرقة، وشهب لاهبة، لا تبقي ولا تذر، يهجرون من بلادهم التي عاشوا فيها، ما شعورك حين ترى صورة تلك العجوز التي تندب ولدها وتولول على مقتله بين يديها؟! وما ظنك لو كانت هذه العجوز أمك أو أختك أو قريبتك؟! أيهدأ لك بال أو تطمئن بك دار؟! وما من ذنب جنوه إلا أنهم يطالبون بحريتهم والعدالة والكرامة في زمن عزّ على هؤلاء الطغاة أن يمنحوها!! أين هذه المآسي ممن نسوا إخوانهم من دعائهم؟! (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ) [النمل: 62].
ما أجهل أقوامًا غفلوا عما أمامهم وألفوا حياة الدعة والراحة، والأمم من حولهم تطحنها الحروب وتعصف بها الكروب والفتن وهم في غفلة ساهون، وفي لعبهم سامدون، وكأن الأمر لا يعنيهم من قريب أو بعيد.
أتهزأ بالدعاء وتزدريه | وما تدري بما صنع الدعاء |
سهام الليل لا تخطي ولكن | لها أمد وللأمد انقضاء |
ما بال أقوام أمنوا مكر الله تعالى وظنوا أنهم في مأمن من العذاب والبلاء؟! (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمْ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمْ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ) [النحل: 45-47]، لله در عين بكت من خشية الله وخوف عقابه، ولله در عين ذرفت دمعها حزنًا وألمًا على مصاب المسلمين.
ولله در يد ترفع الضراعة إلى الله تسأل للمسلمين كشف الضر وزوال البلاء، والله سبحانه لا يخيب راجيًا ولا يرد سائلاً، وهو سبحانه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، إنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون مهما رأينا من قوة الاستكبار وأمن يبث الخوف.
الدعاء هو سيف الصالحين المخبتين والمضطرين مع تعاقب الأزمان، وسيف كل من ظُلم واستُضعف، وانقطعت به الأسباب، وأغلقت في وجهه الأبواب؛ ففي الحديث الصحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال –صلى الله عليه وسلم-: "ثلاث دعوات مستجابات: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده". وقال –صلى الله عليه وسلم-: "دعوة المظلوم مستجابة، وإن كان فاجرًا ففجوره على نفسه". وفي صحيحي البخاري ومسلم: "دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب".
ورب ظلوم قد كفيت بحربه | فأوقعه المقدور أي وقوع |
فما كان الإسلام إلا تعبدًا | وأدعيةًً لا تتقى بدروع |
وحسبك أن ينجو الظلوم وخلفه | سهام دعاء من قسي ركوع |
مريشةًً بالهدب من كل ساهر | منهلةًً أطرافها بدموع |
فالدعاء الدعاء لهذه الأمة، وترصدوا ساعات الإجابة، كيوم الجمعة، ووقت السحر، والثلث الآخر من الليل، ودبر الصلوات المكتوبات، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، واحرصوا على المال الحلال؛ فالمال الحرام يمنع الإجابة، وألحوا في الدعاء، وأيقنوا بالإجابة؛ قال –عز وجل-: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)، أقول قولي هذا، وأستغفر الله...
الخطبة الثانية: الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
وبعد:
فاتقوا الله -عباد الله-، واعلموا أن حاجة المسلم إلى ربه دائمة، فهو سبحانه الرزاق ذو القوة المتين، وما يصيب العباد من النعماء والخير فبفضله، ولا يمسهم شيء من الأذى والعنت إلا بعلمه وحكمته، ولا يرفع إلا بإذنه: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمْ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ) [النحل: 53]، ولا غنى للمسلم عن الضراعة واللجوء إلى خالقه في كل حال وفي كل زمان، أما في أزمان الفتن وضيق الحال وتقلب الأمور فإن الحاجة تزيد، فالعبد ضعيف بنفسه مهما أوتي من قوة وبأس، ولذلك فإن من الأسلحة التي نقاوم بها أعداءنا مهما بلغت قوتهم وتمادوا في طغيانهم الدعاء الذي نرى نتائجه بإذن الله إيمانًا بالله ونصرًا لعباد الله وخذلاً للطغاة، فله وحده الحمد والمنة.
وليرفع عنا الشدة، ولينصرنا بجند من عنده، وليمدنا بقوة من عنده، وليذيق عدونا بأسه وعذابه الذي لا يرد عن القوم المجرمين، فهل كان أحد منا يحلم بسقوط هؤلاء الطغاة الذين حاربوا دينه وعباده المؤمنين عشرات السنين، وها هم وأنظمتهم وأمنهم يتساقطون، وما كان أحد يتوقع ذلك.
لقد استجاب الله -عز وجل- وحقق دعاء الداعين، وتأمين المؤمنين، ولبى حاجة عباده المضطرين: (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ) [المدثر: 31]، (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الأنفال: 17]، وقال تعالى: (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنْ اللَّهِ فَأَتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ) [الحشر: 2]، فالله الله بالدعاء عباد الله، ادعوا الله بقلوب صادقة، وتحروا أوقات الإجابة، وقدموا بين يدي نجواكم صدقة، ادعوا الله بلهفة وتضرع وبكاء أن يستجيب كما وعد.
اللهم يا رحمن السموات والأرض ورحيمهما: لا يرد أمرك ولا يهزم جندك، سبحانك وبحمدك، اللهم فإنا نشكو إليك ضعف وحصار وضيق إخواننا في بلاد الشام وليبيا واليمن وسائر بلاد الإسلام، اللهم إنهم محاصرون ففك حصارهم، وخائفون فأمن روعهم، وجائعون فأطعمهم وأمدهم بالصبر والسكينة، احم أطفالهم ونساءهم، ارحم موتاهم واشف مرضاهم، كن لهم ولاتكن عليهم، اجبر كسرهم، وآنس وحشتهم، واربط على قلوبهم، وثبت أقدامهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين.
اللهم وارفع عنهم وجميع بلاد المسلمين الظلم والفقر والغلاء والوباء، وجنبهم الفتن ما ظهر منها وما بطن، واحقن اللهم دماءهم، وولِّ عليهم خيارهم، وأبعد عنهم أشرارهم يا قوي يا عزيز.
اللهم اضرب الظالمين بالظالمين، وأخرج عبادك المسلمين من بينهم سالمين غانمين، اللهم فرجك ونصرك وتأييدك ورحمتك لهم، أنت أعلم بحالهم منا، اللهم وفقهم إلى كل خير، وأجر لهم كل خير، اللهم تقبل شهداءهم واشف جراحهم، صبر أهلهم واحمهم بحماك يا رب العالمين.
يا غياث المستغيثين، ويا صريخ المستصرخين، ويا عون المؤمنين، ويا جار المستجيرين، يا ذا العظمة والسلطان، يا من قصمت القياصرة، وقهرت الجبابرة، وخضعت لك أعناق الفراعنة: نسألك بأنك أنت الله الذي لا اله غيره، الواحد الأحد الفرد الصمد، أن تهلك كل عدو وطاغية للإسلام والمسلمين يريد إذلالهم والنيل منهم، اكف المسلمين شرهم، ورد كيدهم في نحورهم، وأهلك جندهم وأضعف أمنهم ممن يريد القتل والإيذاء.
اللهم هيئ المسلمين دولاً وشعوبًا لنصرة المستضعفين والنيل من الظالمين، اللهم إنا نشكو إليك ضعف قوتنا وقلة حيلتنا وهواننا على الناس، أنت رب المستضعفين وجابر كسر المنكسرين، كن لإخواننا المسلمين وعبادك الموحدين.
اللهم وفق ولاة أمور المسلمين للحكم بشريعتك، والقيام بطاعتك، ونصرة دينك، برحمتك يا أرحم الراحمين.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.