البحث

عبارات مقترحة:

الخلاق

كلمةُ (خَلَّاقٍ) في اللغة هي صيغةُ مبالغة من (الخَلْقِ)، وهو...

المؤخر

كلمة (المؤخِّر) في اللغة اسم فاعل من التأخير، وهو نقيض التقديم،...

الواسع

كلمة (الواسع) في اللغة اسم فاعل من الفعل (وَسِعَ يَسَع) والمصدر...

الصراع في دارفور: ما دوافعه؟ ما أهدافه؟

العربية

المؤلف صالح بن عبد الله الهذلول
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التاريخ وتقويم البلدان
عناصر الخطبة
  1. سياسة الغرب في الكيد للمسلمين والكيل بمكيالين .
  2. اختلاقه الأكاذيب للاصطياد بالماء العكر بدارفور .
  3. معلومات عن دارفور .
  4. حقيقة ما يجري فيها .
  5. دروس وعبر من قضية دارفور .

اقتباس

إن اهتمام الغرب بمنطقة دار فور ليس وليد السنوات الأخيرة فقط، بل يرجع إلى أكثر من خمسين سنة مضت، فهي جزء من إقليم شرق أفريقيا الذي له ملفات ساخنة في السياسة الأمريكية؛ لأنه يمثل جسراً واصلاً بين العديد من الثقافات، وبلداً غنياً بالثروات، وأهله مسلمون كلهم، وهذا الإقليم بوابة مهمة يعبر منها من يريد الاتصال أو الانتقال من شرق إفريقيا إلى غربها، وله تاريخ إسلامي مجيد في التواصل بين القبائل من شرق أفريقيا ووسطها إلى غربها، فأسهم إسهاماً كبيراً في نشر الدين الإسلامي.

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد: الفيضانات الهائلة التي تجتاح بلداً اسلامياً مثل بنغلادش كل سنة، وتخلف وراءها أحياناً آلاف الغرقى، وملايين المشردين من الفقراء والعجزة والأطفال، ومليارات الخسائر المادية، لم يلتفت لها ضمير العالم! التمييز العنصري والتصفية الدينية التي يمارسها الهندوس تجاه المسلمين المستضعفين، في الهند عموماً، وكشمير خصوصاً، قضية داخلية لا علاقة للغرب بها! التهجير والإبادة الجماعية الصامتة منذ عقود من السنين التي يتعرض لها شعب أراكان المسلم في بورما، وشعب فطاني في تايلند من قبل الحكومات البوذية هناك لم تقلق الدول الكبرى! والانتهاكات الصارخة لحقوق الانسان في الشيشان وجنوب الفلبين وأفغانستان وأوزبكستان وأرتيريا والعراق لم تحظ بدموع الغرب الذي يتباكى على إهدار حقوق الإنسان! فضائح سجن أبي غريب وسجون غونتيناموا والسجون في أفغانستان كل هذه لا علاقة للغرب بها!.

.

وقبل هذه وبعدها عدوان اليهود المتجدد يومياً على الفلسطينيين وطردهم من بلادهم، وإحلال غرباء مكانهم، وهدم البيوت، وجرف المزارع، واقتلاع الأشجار، والقتل والتدمير الذي يشاهده العالم يومياً مما يقع في فلسطين، أين الضمير العالمي منه؟ أو لأن الغرب يحترم سيادة الدول وقضاياها الخاصة فلا يتدخل في القضايا الداخلية لدولة اليهود؟!.

أما دار فور فتتصاعد فيها الأحداث بصورة مذهلة، وتستيقظ لها مشاعر أمريكا وأوربا، تلك المشاعر المرهفة، وأخلاقهم الإنسانية، وتنال اهتماماً إعلامياً لا يهدأ، ويتداعى الغرب إلى استغلالها، إن لم يكن هو الذي أوقدها، ثم يصورها بغير صورتها، فيصفها أنها تطهير عرقي، وأنها حرب بين العرب والأفارقة، ويبرز أنها من صنع حكومة عربية وإسلامية، ثم يضع الغرب النصراني نفسه حكماً للدفاع عن المظلومين، والانتقام لهم من حكومتهم الظالمة؛ بالضغط عليها، وتهديدها، واستدعاء المبررات لفرض حصار اقتصادي، وبدلاً من أن يجوع ستة ملايين هم سكان دار فور، يجوع ثلاثون مليوناً هم سكان السودان! بل قد يتطور الأمر إلى غزو عسكري كما حصل في أفغانستان والعراق!.

أيها المسلمون: إننا لا نقر الظلم أياً  كان مصدره، ولا نرضى بالتمييز العرقي أو القبلي، كما لا يجوز السكوت على المأساة الإنسانية التي تقع في دار فور، وشردت المستضعفين، وأخرجتهم من ديارهم ليهيموا في صحراء مقفرة، يمسهم ضُر الفقر والمرض والحاجة، والبرد القارس في الشتاء، ولهيب الشمس المحرق في الصيف. يجب مساءلة كل من أهمل وأسهم فيها، وعقابهُ عقاباً رادعاً؛ لأنه من جانب ضارّ مسلماً واعتدى عليه، ومن جانب آخر عرّض دولة كاملة بشعبها الذي يزيد عن ثلاثين مليوناً، عرضهم لاجتياح عسكري أو حصار اقتصادي يجهز على بقية البنى التحتية لها.

عباد الله: دار فور اقليم يقع في غرب السودان، تبلغ مساحته أكثر من خمسمائة ألف كيلومترا مربعا، ويسكنه ما يقارب الستة ملايين نسمة، خمس وسبعون بالمائة منهم يسكنون الأرياف، وأغلبهم من أصول أفريقية لا ينحدرون من أصول عربية، والبقية هم بدو رُحَّل وينحدرون من أصول عربية، وكلا الطائفتين مسلمون سُنّة، وبينهم مصاهرة وتداخل، وقدر كبير من الانسجام والامتزاج، خلا بعض الصراعات المحدودة والطبيعية التي تنشب على المراعي ومصادر المياه عادةً.

فالصراع إذاً حول الموارد الطبيعية، وليس صراعاً عرقياً، وإن بدا أحياناً كذلك، أو يراد له ذلك؛ تعميقاً للخلاف! والدولة هناك تتحمل قدراً كبيراً من المسؤولية؛ لإهمال تلك المنطقة.

أيها المؤمنون: ما حقيقة ما يجري؟ ولماذا استهدفت السودان هذه المرة؟ هل هي أزمة إنسانية فعلية، فتعاطف الغرب معها من قبيل الإغاثة فقط؟ أم جزء من مخطط ما يسمى بالشرق الأوسط الكبير، والذي ستكون دولة اليهود أبرز دوله؟ أم حرب بالوكالة تجري على التراب السوادني بين أمريكا وفرنسا؟ وهل يمكن أن يكون تنافساً على الثروات من نفط ويورانيوم وغيره؟ أم هي رغبة منظمات تنصيرية تريد تغيير عقيدة منطقة سلمت قيادها للإسلام منذ قرون طويلة؟.

إن اهتمام الغرب بمنطقة دار فور ليس وليد السنوات الأخيرة فقط، بل يرجع إلى أكثر من خمسين سنة مضت، فهي جزء من إقليم شرق أفريقيا الذي له ملفات ساخنة في السياسة الأمريكية؛ لأنه يمثل جسراً واصلاً بين العديد من الثقافات، وبلداً غنياً بالثروات، وأهله مسلمون كلهم، وهذا الإقليم بوابة مهمة يعبر منها من يريد الاتصال أو الانتقال من شرق إفريقيا إلى غربها، وله تاريخ إسلامي مجيد في التواصل بين القبائل من شرق أفريقيا ووسطها إلى غربها، فأسهم إسهاماً كبيراً في نشر الدين الإسلامي.

فمنطقة دار فور إذاً منطقة إستراتيجية ثقافياً وتجارياً واقتصادياً، وهذه العوامل كافية أن ترشحها لأن توضع تحت منظار قوى الهيمنة والتربص بالمسلمين.

وحين استطاعت أمريكا في السنوات الأخيرة من كف أيدي المنظمات الإغاثية الإسلامية، وإغلاق مكاتبها، وتجميد أرصدة كثير منها، وإيقاف عملها، واعتقال عدد من العاملين فيها أو تخويفهم، فإنما كانت تهيئ المجال، وتخلي الساحات الإسلامية عند وقوع كوارث فيها؛ لتعيث المنظمات الكنسية وبعثات التنصير في الأرض فساداً، وهذا ما تفعله الآن في دار فور، فأقبلت بخيلها ورجِلها تحت دعوى الإغاثة لتوزيع قليل من الغذاء والدواء، وكثير من الأناجيل والمنشورات، ولتضيف إلى مصيبة التشريد والجوع مصيبةً أدهى وأمر، إنها مصيبة سلخهم من دينهم، وإدخالهم في النصرانية؛ ليموتوا على غير ملة محمد -صلى الله عليه وسلم-! ولا تجد من يتصدى أو يقف لها، كما كان الحال حين أبدت منظمات الإغاثة الإسلامية جهوداً ملموسةً ومشكورة في حروب أفغانستان والصومال والبوسنة وكوسوفا، فالجو شبه خالٍ للنصارى الآن في دار فور، فلا حول ولا قوة إلا بالله! وهو المستعان، وعليه التكلان!.

وهذا لا يعني انعدام حضور وتواجد هيئات الإغاثة الإسلامية أو جمعيات الهلال الأحمر من بعض الدول الإسلامية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، فجهودهم تشكر ولا تنكر، ولكن مقارنة بغيرها من الهيئات والمنظمات النصرانية فجهدهم قليل، مع أن الإقليم الذي فيه الكارثة إسلامي بكامله.

فاللهم أبرم لهذه الأمة أمراً رشيداً...

الخطبة الثانية:

الحمد لله كتب، الإحسان على كل شيء، وحرّم الظلم على نفسه، وعلى العباد، توعد الظالمين بأليم العقاب، ووعد المحسنين بجزيل الثواب.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد: معشر المسلمين، ولنا مع ما يجري في دار فور وقفات نستخلص منها دروساً وعبراً.

أولاً: إن الوقاية خير من العلاج، وكان الأولى والمتعين على الحكومة السودانية أن تبادر إلى منع قيام مثل تلك الأزمة، والسعي في نزع فتيلها قبل أن تقع، سيما وأن إرهاصاتها قد لاحت في الأفق منذ وقت طويل، وكانت قابلةً أن ينفذ من خلالها الأعداء، وتستغلها الأحزاب ذات التوجهات القومية، والجهات المأجورة التي لا يسرها ظهور الإسلام ولا علو المسلمين.

وما يجري في دار فور قد يتكرر في اقليم آخر، بل وحتى في بلدان إسلامية غير السودان، والتاريخ في هذا الشأن شاهد، فاتخاذ التدابير الواقية لمنع إثارة العصبيات وما يلهب نار حمية الجاهلية وتغليب الثارات، منعه قبل أن يحدث وإيجاد الحلول المناسبة أهون.

وقديما قال زهير:

ومـا الحـرب إلا ما علمـتم وذقتم

ومـا هـو عنــها بالحــديث المرجم

مـتى تبعــثوها تبعثــوها ذميــمةً

وتضــر إذا أضـــريتموها فتضرم

فتـعرككم عــرك الرحـى بثفـالها

وتلقح كــشافاً ثم تنتــج فتتئـم

فتنتـج لكـن غلــمان أشـأم كلهم

كأحـمر عــادٍ ثم ترضــع فتفــطم

فتغـلل لكــم مالا تغــل لأهـلها

قـرى بالعــراق مــن قفــيز ودرهم

كما أنها أقل تكلفة، وأضمن نجاحاً، من إطفاء النار بعد اشتعالها لأنها إذا شبت قد يتعزز إطفاؤها؛ وذلك أن الساعين في إيقادها وإضرامها قد يكونون أكثر وأقوى ممن عمل على إخمادها، وهذا الدرس والعبرة يصدق على حال الدول والمجتمعات والقبائل، كما يصدق -أيضاً- على حال الأسر والأفراد.

الثاني: إن العلم نور وهدى، وتسهيل وصوله إلى كافة الأقاليم يبدد الظلمة، ويهدي للطريق السوي، وأما طريق الجهل فلا يوصل إلا إلى مهالك.

وعلى أصحاب الشأن هناك نشر العلم والوعي، وإلا فإنه حتى الموالين للدولة سرعان ما تتغير مواقفهم وولاءاتهم للدولة إذا قادهم الجهل ولاحت لهم مصلحة عند غيرها...

الثالث: ترسيخ العقيدة الصحيحة بالإيمان بالرجوع إلى الله -تعالى- في الآخرة، وأن الناس كلهم عند ربهم موقوفون، وعن أعمالهم مسؤولون، وعلى تفريطهم نادمون، ولن ينفع في ذلك اليوم قبيلة ولا نسب، (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ) [المؤمنون:101].

الرابع: تلمس حاجات المحرومين، والمظلومين، وإنصافهم، وتعويضهم عما فقدوه.

الخامس: الأخذ على أيدي المفسدين في الأرض أياً كانت هويتهم، وقطع الطريق على الانتهازيين بإقامة الحدود على المجرمين، (فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ) [التوبة:13].

والعدو لا يرحم، ولن يكتفي بالتنازلات فقط، بل يظل يطلب ويستنزف، ويهين، ويضعف حتى يقع خصمه بين فكيه وتحت أنيابه، فاللجوء والركون إلى قوة العزيز الجبار -سبحانه- والاحتماء بحماه، والتوكل عليه، خير ما يرهب الأعداء، ويُدفع به عن الأديان والأوطان.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وانصر عبادك المؤمنين، اللهم اخذل الشرك واهزم المشركين، ودمر الكفرة ومزق المنافقين...