البحث

عبارات مقترحة:

الحميد

(الحمد) في اللغة هو الثناء، والفرقُ بينه وبين (الشكر): أن (الحمد)...

القهار

كلمة (القهّار) في اللغة صيغة مبالغة من القهر، ومعناه الإجبار،...

فتح الأندلس

العربية

المؤلف إبراهيم بن محمد الحقيل
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التاريخ وتقويم البلدان
عناصر الخطبة
  1. أمجاد المسلمين في رمضان .
  2. أثر الإيمان على الفتوحات الإسلامية .
  3. فتح الأندلس من أعظم ما وفق إليه المسلمون .
  4. كيف فتحت الأندلس .
  5. شهادة مؤرخي الغرب بأثر المسلمين في حضارة الأندلس .
  6. فرض زكاة الفطر وبعض أحكامها .

اقتباس

وكان من أنفس ما سدَّدهم الله -تعالى- إلى فتحه: جزيرة الأندلس الخضراء، الدُّرَّة الدهماء، والبقعة الجامعة بين الشموس والأفياء، أَتَوْهَا مِنْ كُلّ فَجّ، جيش يتلو جيشًا، وبعثٌ يردف بعثًا؛ حتى ذلَّلوا أعرافها، وألانوا أعطافها، فخيَّم الإسلام بعُقرتها تخييم من جمع الاعتمار، وأمدتهم جزيرة العرب بأفلاذ أكبادها، ورمت أعداءهم بأنجاد...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضْلِلْ فلا هادِيَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ مُحمَّدًا عبده ورسوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70 – 71].

أما بعْدُ:

فإنَّ رمضانَ بالأمس أتانا، وهو الآن يُوَدِّعُنا، فأحسنوا وداعه بالأعمال الصالحات، واسألوا الله -تعالى- قبول الأعمال؛ فإن السعيد من قبله الرحمن، فغفر له ورحمه وأعتقه من النار.

أيها الناس: كان رمضان يحكي أمجادًا للمسلمينَ ذَهَبَتْ، وأحداثًا فيه دونت، وبلادًا فيه فتحت، وعزًّا حكاه المتأخر عن المتقدم.

حكى بدرًا والفتح وعين جالوت وغزو الأندلس وغزوات أخرى كثيرة، عَزَّتْ نفوس أسلافنا بالإيمان والعبادة، فانتصرت على شياطينها وشهواتها، وعزّت بلادهم بالجهاد فأرهبت كفَّارها ومنافقيها، وخضعت الدنيا لحكم الإسلام، ودخل الناس في دين الله -تعالى- أفْواجًا، وأمَّا في الأزمان المتأخرة فإن كل رمضان يحكي للمسلمين رزيَّة، ويكون موقعًا لمصيبة وبلية؛ فمن البوسنة إلى الشيشان، ومن كشمير إلى كوسوفا، ومن هناك وهنالك إلى بيت المقدس، وما أدراك ما بيت المقدس؟!

لقد ذلّت نفوس كثير من المسلمين بالمعصية؛ فذلت ديارهم بتسلط أعدائهم عليهم، وما أصابهم ما أصابهم إلا بما كسبت أيديهم، ولا يظلم ربك أحدًا.

لقد أتى على أسلافنا أيام ملأت من الدهر مسْمَعيه، وضربت كل جبار في أَخدعيه، وفرضت الذلة على جماجم الأكاسرة، وأطارت النعرة من معاطس القياصرة.

قوم ابتسلوا للموت نفوسهم، فرفعوا في الحياة رؤوسهم، يركبون من البر والبحر كلَّ غارب، ويلتمسون بالجيش دار المحارب، أحمت أنوفهم حياة القفر، وأعزت نفوسهم الرمال العفر، فكانت بلادُهم عذارى تُخلف ظن كل فاتح، وعقائل لا ينتهي إليها الطيف فضلاً عن الطائف.

جاءهم الإسلام بعزائم القرآن، وعزَّز ما فيهم من خيمٍ كريم، وطبع سليم. بصلابة الإيمان اندفقت سيولهم من منابعها، وخرجت سنابلُهم من قنابعها، وملكوا ما بين الصين وبحر الظلمات في أقل من مائة عام، وأتوا من الأعمال ما لو حدثوا بها أنفسهم من قبل لقيل: إنه من الأحلام.

وكان من أنفس ما سدَّدهم الله -تعالى- إلى فتحه: جزيرة الأندلس الخضراء، الدُّرَّة الدهماء، والبقعة الجامعة بين الشموس والأفياء، أَتَوْهَا مِنْ كُلّ فَجّ، جيش يتلو جيشًا، وبعثٌ يردف بعثًا؛ حتى ذلَّلوا أعرافها، وألانوا أعطافها، فخيَّم الإسلام بعُقرتها تخييم من جمع الاعتمار، وأمدتهم جزيرة العرب بأفلاذ أكبادها، ورمت أعداءهم بأنجاد أجنادها.

فتح عقبة بن نافع -رحمه الله تعالى- إفريقية، فلما انتهى إلى الماء الذي يفصلها عن أوروبا دفع فرسه إلى الماء حتى بلغ نَحْرَهُ ثم قال: "اللهم إني أُشهدك أن لا مجاز، ولو وجدتُ مجازًا لجزت".

وقف عقبة في إفريقية بعد أن فتحها وأقام فيها للإسلام دولة، وبَنَى القيروان، فأكمل المسيرة عَقِبَه رجال هاماتُهم تناطحُ السحاب، وهممهم تدك الجبال، وتتابعت الحروب بين المسلمين والبربر والقوط إلى عهد التابعي الجليل موسى بن نصير اللَّخمي -رحمه الله تعالى- الذي يُعتبر أوَّل رجل قدر أن يجوز الإسلام على يديه للمرة الأولى القارة الأوروبية، وأن يكتب فيه صفحة من أمجد صفحاته، فافتتح طنجة، وولى عليها طارق بن زياد الليثي -رحمه الله- الذي اهتمَّ اهتمامًا كبيرًا بنشر الإسلام بين قبائل البربر؛ فأقبلوا على اعتناقِه، ثم بنى موسى بن نصير مصنعًا لبناء السفن، وأنشأ أسطولاً ضخمًا لحماية الثغور، وأخذَتِ السفن المسلمة تُغير على جزائر القوط الأوروبية، وبسط المسلمون سلطانهم على شمالي إفريقية برًّا وبحرًا، ثم أكملوا فتح المغرب الأقصى، واستولوا على طنجة، وأشرفوا على شواطئ الأندلس من الضفة الأخرى من البحر.

فلمّا رأى موسى أنَّ الوقت قد حان لفتحها كتب إلى الوليد بن عبد الملك يستأذنه في العبور من المغرب إلى الأندلس، فأشار عليه أن يختبر بالسرايا قبل أن يخاطر بالمسلمين كلهم، فعمِل بمشورته، وسيّر أول سرية في رمضان عام إحدى وتسعين للهجرة، فغنمت هذه السرية، وجاست في ديار الأندلس الخصبة، ثم عادت تحمل الغنائم، وتزف البشائر بإمكانيَّة الفتح، فجهز موسى بن نصير جيشًا قِوامُه سبعة آلاف مقاتل تحت قيادة طارق بن زياد، فعَبَرَ بِهِمُ البَحْرَ من سبتة، ونزل بالبقعة الصخرية المقابلة التي سميت بعد ذلك (جبل طارق) وهزم القوط بها، واستولى عليها؛ فكتب حكام الولايات النصرانية إلى حكومتهم في طُلَيْطِلَة التي كانت عاصمة القوط، فجهز النصارى جيشًا قوامه مائة ألف مقاتل، فأمدَّ موسى طارقًا بخمسة آلاف مقاتل؛ ليكون جيش المسلمين اثني عشر ألْفًا مقابل مائة ألف من النصارى.

لقد كان النصارى أضعاف المسلمين، والمسلمون يقاتلونهم في أرضهم، في هضاب ومفاوز شاقَّة لا يعرفونها من قبل؛ لكنَّ الإيمان عمل عمله في القلوب، وذلل لهم الخطوب، فالتقى المسلمون والنصارى في الثامن والعشرين من رمضان عام ثنتين وتسعين للهجرة، واستمرَّ الاشتباك أربعة أيام كسر المسلمون فيها النصارى، وتنزّل نصر الله -تعالى- وأوغل طارق في المسير يفتح الحصون، ويملك المدن إلى أن وصل إلى عاصمة القوط فأخذها مِنْهُم، وواصل فتوحه.

وبعد عام عبر إليه موسى بن نصير في ثمانية عشر ألف مقاتل، وذلك في رمضان عام ثلاثة وتسعين، ومضى يفتح المدن والقلاع حتى فتح إشبيلية أعظم قواعد الأندلس في رمضان أيضًا سنة أربع وتسعين.

وكان موسى عازمًا على أن يفتح أوروبا كلها ويصل إلى الشام من طريق القسطنطينية، أي: ابتدأ غربًا وأراد أن ينتهي شرقًا، ويكون قد لفَّ القارتين الإفريقية والأوروبية، قال ابن خلدون -رحمه الله تعالى-: "واستجمع -أي موسى- أن يأتي المشرق على القسطنطينية، ويتجاوز إلى الشام ودروب الأندلس، ويخوض ما بينها من بلاد الأعاجم أمم النصارى مجاهدًا فيهم، مستلحمًا لهم إلى أن يَلْحَقَ بدار الخلافة".

لكن الخلافة الإسلامية في الشام أمرتْهُ بالتَّوقُّف؛ لئلا يخاطر بالمسلمين، وأمره الوليد بن عبد الملك أن يعود إلى الشام، فنظَّم إدارة الأندلس، وجعل حاضرتها إشبيلية، وولَّى عليها، ثم عاد إلى الشام في ذي الحجة عام خمسة وتسعين ومعه من الغنائم والسبي ما لا يُحْصى، وذلك بعد أن سطر مع طارق بن زياد تاريخًا مجيدًا للإسلام في الجزيرة الخضراء، وكان رمضان المبارك موقعًا لكثير من فتوح بلاد الأندلس.

لقد كان فتح الإسلام لإسبانيا وما حولها فاتحة عصر جديد بزغ فيه النور، وأقيم فيه العدل، ورفع الظلم، ونُشر العلم، وفُتحتِ المدارس، وهبت هبوب الحضارة والتقدم بشهادة المؤرخين الغربيين؛ إذ يقول أحدهم: "في أقلَّ من أربعةَ عشَرَ شهرًا قُضي على مملكة القوط قضاء تامًّا، وفي عامَيْن فقط وطِّدت سلطة المسلمين فيما بين البحر الأبيض المتوسط وجبال البرنيه، ولا يقدم لنا التاريخ مثلاً آخَرَ اجتمعتْ فيه السرعة والكمال والرسوخ بمثل ما اجتمَعَتْ في هذا الفتح"، ويقول آخر: "أنشأ العرب حكومة قُرْطُبة التي كانت أعجوبة العُصُور الوسطى، بينما كانت أوروبا تتخبَّط في ظلمات الجهل فلم يكن سوى المسلمين من أقاموا بها منائر العلم والمدنية...". ويواصل قائلاً: "ما كان المسلمون كالبرابرة من القوط أو الوندال، يتركون وراءهم الخراب والموت، حاشا؛ فإن الأندلس لم تشهد قط أعدل وأصلح من حكمهم".

وكان هذا الفتح مُمَهِّدًا لنهضة أوروبا كما شهد على ذلك أحد المستشرقين الإسبان فقال: "لقد سطعت في إسبانيا أول شعلة لهذه المدنية التي نثرت ضوءها فيما بعد على جميع الأمم النصرانية، وإلى حكمة العرب وذكائهم ونشاطهم يرجع الفضل في كثير من أهم المخترعات الحديثة وأنفعها". انتهى كلامه. وصدق في قوله، لكنهم كانوا عرب الأمس ولم يكونوا عرب اليوم، أصلح الله -تعالى- الأحوال، وأعز الإسلام.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد: 7].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، أحمده وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

أمَّا بعد:

فأحْسِنُوا ختام شهركم، وأصلحوا سرائركم تصلح علانيتُكم، واهتمّوا بشأن آخرتكم تُكْفَوْا أمر دنياكم، واصدقوا مع الله -تعالى- ينصركم على أعدائكم.

أيها المؤمنون: فرض الله -تعالى- عليكم زكاة الفطر طُهرة للصائم، وطعمة للمساكين، وهي صاع من تمر أو بر أو شعير أو من قوت البلد: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) [الأعلى: 14 – 15]، يخرجها الرجل عن نفسه ومن تلزمه نفقته، ولا تجب على الحمل الذي في البطن إلا أن يتطوع وليه بإخراجها، ووقتها الفاضل يوم العيد قبل الصلاة، ويجوز إخراجها قبله بيوم أو يومين.

وقد شرع الله -تعالى- لعباده التكبير من غروب شمس ليلة العيد إلى صلاة العيد: (وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة: 185]، يجهر به الرجال في المساجد والأسواق والبيوت؛ تعظيمًا لله -تعالى- وإظهارًا لشكره، والسنة أن يأكل قبل الخروج لصلاة العيد تمرات ويأكلهن وترًا.

أيها المسلمون: احذروا المنكرات والمعازف والغناء؛ فإن من الناس من يُبدِّل نعمة الله -تعالى- كفرًا والعياذ بالله، واحذروا أن تجوب نساؤكم وبناتكم الشوارع والأسواق والتجمعات وهن سافرات؛ فإن في ذلك فتنة لعباد الله -تعالى- وأنتم المسؤولون عنهن أمام الله -عز وجل-، أشيروا عليهن بلباس الحشمة، ومروهنَّ بالقرار في البيوت؛ فذلك خير لكم ولهن، ومروا بالمعروف، وانْهَوْا عن المنكر، وأخلصوا لله -عز وجل- أعمالكم، واسألوه القبول؛ فإن ربكم سميع قريب.

ألا وصلوا وسلموا على محمد بن عبد الله؛ كما أمركم بذلك ربكم.