البحث

عبارات مقترحة:

العزيز

كلمة (عزيز) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) وهو من العزّة،...

الغفور

كلمة (غفور) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعول) نحو: شَكور، رؤوف،...

الولي

كلمة (الولي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (وَلِيَ)،...

أسباب النصر وأسباب الهزيمة

العربية

المؤلف محمد الغزالي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب
عناصر الخطبة
  1. وجوب إعداد الأسباب .
  2. وجوب التوكل على الله .
  3. أسباب الهزيمة في م .
  4. أسباب النصر في م .

اقتباس

فإن الأجيال التي تنشأ في ظلمات الاستبداد الأعمى تنشأ عديمة الكرامة، قليلة الغناء، ضعيفة الأخذ والرد. ومع اختفاء الإيمان المكين، والخلق الوثيق، والشرف الرفيع؛ ومع شيوع النفاق، والتملق، والدناءة؛ ومع هوان أصحاب الكفاءات، وتبجح الفارغين المتصدرين، مع هذه كلها؛ لا تتكون جبهة صلبة، ولا توجد صفوف أبية باسلة، وهذا هو أمل إسرائيل عندما تقاتل العرب؛ لأنها عندئذ ستمتدُّ في فراغ ..

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. وأشهد أن محمداً رسول الله، الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، والسراج المنير. اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين.

أما بعد: فقد اتفق علماء المسلمين على احترام قانون السببية، وربَّوا عليه تلامذتهم، وأشاعوه بين العامة والخاصة، وبينوا للناس أن الله -عز وجل- رتب شؤون الحياة وأقامها على سنن لا تنخرم، وقواعد لا تعوجّ، وأنه -جل شأنه- لم يدع الحياة تمضي سدى بغير حكمة، ولا على رسلها دون ضابط يسدد طريقها، ويوضح هدفها.

وعلى هذه القاعدة من احترام الأسباب والمسببات يقول الله لنبيه -صلى الله عليه وسلم- عند القتال: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً...) [النساء:102]. (خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا) [النساء:71]. أي: قاتلوا جماعات أو أفراداً وفق ما تملى به تعاليم الحرب ونُظم القتال.

واحتراماً لقانون السببية رأينا يوسف -عليه السلام- يوصى المصريين عندما قرروا أن يدَّخروا حبوبهم لأيام المجاعة قال: (فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ) [يوسف:47].
ومعنى إبقائه في سنابله ألا يتعرض للسوس، والله -عز وجل- يقول: (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) [الأنفال:11]. فكان التطهير بالماء لا بالوهم. المهم، أن احترام قانون السببية شيء مقرر في ديننا لا خلاف بين العلماء والفقهاء وغيرهم في هذه الحقيقة.

ومع احترام قانون السببية فإن الله جل شأنه يقول لنبيه -صلى الله عليه وسلم- ولكل مؤمن معه: (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا * رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا) [المزمل:8-9]؛ ويقول للمكافحين المجاهدين الذين يقامون الباطل ويقارعون الجبروت تحملوا واصبروا، ويُجرى على ألسنتهم هذا القول: (وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا، وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آَذَيْتُمُونَا، وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) [إبراهيم:12].

ما السبب في أن تؤمر باحترام قانون السببية، ثم نؤمر بالتوكل؟! الجواب واضح، واضح جداً، ومعروف عند علماء المسلمين وعامتهم وخاصتهم، ذلك أن الإنسان ليس ملك كل شيء في جسمه، إن حركة أمعائه ليست ملك يده، إن حركة غدده ليست ملك يده، إن دقات قلبه ليست ملك يده، فإذا كان الله -جل شأنه- هو الذي يملك هذا الجسد، ودقاتِ قلبه وحركاتِ رئتيه زفيراً وشهيقاً، فمعنى ذلك أنه قادر على أن لا يُتمم للإنسان ما بدأه! ولذلك يقول: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) [الأنفال:24]، فقد تعزم على شيء عزماً مؤكداً، وتنويه نية موثقة، ولكن الذي يملك دقات قلبك يوقفها! هل تستطيع أن ترد الموت يوم يجيء إليك؟ لا. ويحسم الموت كل شيء. ليس ضروريا أن يحول بينك وبين غرضك بالموت، بل يستطيع أن يحول بينك وبين غرضك بتغيير نيتك، وما أكثر ما نلحظ في الدنيا أن الإنسان قد يكون حاراً وهو يبدأ مشروعاً ثم يفتر! أو ناشطاً ثم يكسل! أو مصمما ثم تتراخي إرادته، وتنفك عزيمته!.

هذه مسألة معروفة، يقول فيها على بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "عرفنا الله بفسخ العزائم ونقض العقود". شيء آخر لا تبلغ به الأسباب نتائجها إلا في حماية الله ورعايته، إن هناك أسباباً كثيرة ليست ملك أيدينا تقع فتعكر الأسباب التي نملكها، افرض أنك خارج من بيتك لتصل إلى عملك، إنك لا تستطيع أن تقول إنك تضمن الجو فقد يُمطر فتتعطل المواصلات، وقد تمضي في طريقك وفجأة يصطدم بك شيء فيمنعك من الذهاب، أو يسقط عليك شيء من أعلى فيصيبك؛ يقول في هذا الشاعر:

لا تَلُمْ كَفِّي إذا السَّيْفُ نَبَا

صَحَّ مِنِّي العَزْمُ والدَّهْرُ أَبَى

يقع كثيراً هذا، ومن هذه المفارقات وهذه الملاحظات وجب على الناس أن يجمعوا كل ما يملكون من أسباب ثم يتوكلوا على الله لكي يُتمم لهم ما نسقوا، ويحفظ عليهم ما جمعوا، ويبلغ بكل شيء هدفه الذي نطلبه له.

هذه -كما قلت- حقائق تمهدت في ديننا، وعرفها الأولون والآخرون، وعلى ضوء هذا وقع كثير من الخير في الحرب الأخيرة التي دارت بيننا وبين أعدائنا، ولست من هواة جمع الغرائب، وليست ممن يتعشقون الخيالات البعيدة عن الحقائق، ولكني اتصلت بكثير، واتصل بي كثير من الذين عبروا القناة وقاتلوا اليهود، واستطعت أن أجمع معلومات كثيرة.

منها أنَّ موجةً من الإيمان الجارف، والتعلق بالله، والاستنجاد به، والتوكل عليه، غمرت أفئدة المقاتلين؛ وانتقل الإيمان من قلوب واثقة إلى قلوب كانت فارغة؛ فانتظم الجميع في موكب يعتمد على الله، ولذلك كانت صيحات التكبير في صحراء سيناء تتردد أصداؤها بين الوهاد والنجاد، بين الآفاق الرحبة والصحراء الممتدة، وكان لذلك أثره في إقدام الجنود وتحملهم التضحية.

إن حماس اليقين غمرهم، فكان بعضهم يُجرح فما يُحس بجرحه، وكان بعضهم يتحمل المصاعب ساعاتٍ متتاليةً، ومع ذلك فما نال الضنى من أعصابه، ولا أوهن من جلده! وسمعنا في ذلك أن طياراً سقط في لبنان وأسرع إليه الأهالي فلما عرفوه عربياً قدموا إليه الماء والشراب فقال: إني صائم! وأريد أن أعود إلى دمشق كي أستأنف المعركة مرة أخرى!.

إن اليهود اكتشفوا الجو الجديد من الجيش، فقد كانت خبرتهم القديمة أن المصريين أتباع شهوات، وأحلاس أهواء، فأصدر اليهود أمراً إلى جيش من فتياتهم كي يدخل المعركة ويستسلم! ونظر الجنود الذين كانوا من وقت قريب يرسلون صيحات التكبير تشق أجواز الفضاء ووجدوا الفتيات اليهوديات أمامهم وهم شُبان، فماذا صنعوا؟ قتلوهن وأرسلوا الجثث إلى الجانب اليهودي؛ حتى يعلم أولئك أن الشهوات لا تفتك بجيش قرر أن ينتصر معتمداً على الله.

وقال لي كثيرون: تحملنا البلاء في "السويس"، عندما حوصرت وسألت بعضهم وأنا أعرف السويس وخطبت كثيراً في جامع الشهداء قلت له: كيف حال مسجد الشهداء؟ قال: كاد اليهود يصلون إليه، وقاومنا، وبذلنا جهداً إلى العصر، وأمكن أن ينسحبوا. قلت: كيف غلبتموهم؟ قال: والله ما ندري! قاومنا ومعنا بعض "الدانات" الفارغة والبعض المليء وأمكننا أن نحدث شيئاً من الجهد انسحب هؤلاء من بعده، وقد أوقع الله الرعب في قلوبهم. قال: وعجنَّا الدقيق بماء الملح وتحملنا، وكدنا نشرب ماء المجاري؛ لولا أن الله فجر بئرين فأمكننا أن نرتوي، وكنا قبلاً نكاد نهلك عطشاً!.

وقال لي آخر: إننا كنا نصعد الحاجز الترابي، وهو حاجز متعِب، ويحمل أحدنا على ظهره حملاً ثقيلاً، والتوت قدمي؛ فتعبت كثيراً، ولكني قاومت ونظرت فقلت: لو أن يهودياً أمسك بندقية لحصد أولئك الذين يتسلقون، فكيف أعماهم الله عنا؟!.

هذا شيء قاله المقاتلون، وقال أحدهم: كنت أرسل القذيفة، وحدث في ساعة أن أخطأت مرماها فتغيظت، فإذا هي تصل إلى مكان آخر سرى فيه لليهود أسلحة، فتفجرت وضاعت!.

كان القدر من وراء هذا كله، وكان النصر من عند الله، لكني استغربت إذ وجدت أن كاتباً من الكتاب نشر كلاماً تأملته وقلت: يجب أن تُعرف خبايا هذا الكلام، وأن تكشف، لأنه يقول في منطق لا تنقصه صراحة: إن جنودنا قاتلوا وانتصروا، وكان يجب أن ينتصروا، لا دخل لشيء وراء جهودهم! لا إله، لا توفيق إلهي، لا ملائكة، لا تثبيت من ملائكة، لا شيء من هذا كله، هؤلاء انتصروا لأنهم جمعوا الأسلحة واستطاعوا أن ينتصروا بها!.

المقال الذي بين يدي، مقال تضمن ثلاث نقط، النقطة التي يُنكر فيها تدخل القدر يقول: "انتصرنا بالعلم والإيمان. ما العلم؟ هو الإعداد الصامت والدؤوب، والتدريبات الشاقة. ما الإيمان؟ هو الرغبة في تحرير الأرض، الرغبة القوية في تبديد خرافة الجيش الذي لا يقهر".

النقطة التي يُبنى عليها المقال أن التفكير في أن هناك إلهاً أيَّد أو قوى الجند تفكير غير عقلي!
أريد أن أوضح أن هذا الكلام ليس جديداً، الكلام الذي كتبه أستاذ الجامعة هنا ليس جديداً، هو كلام لو تأملتم فيما ترويه العامة من نُكت لعرفتم أن الرجل إنما يتبنى فلسفة "جحا"! أنتم تعلمون أن "جحا" ذهب إلى السوق ليشتري بهيمة، فسأله سائل أين تذهب؟ قال: إلى السوق لأشتري بهيمة. فقيل له: قل: إن شاء الله. قال: لماذا أقول إن شاء الله؟ الفلوس في جيبي، والبهائم في السوق.

لا إله! ولا مشيئة! تفكير "جحا" الذي يرويه العامة هو الذي تبناه "فؤاد جحا" الذي يشتغل أستاذاً في الجامعة، يقول: نحن انتصرنا لأن الأسلحة في أيدينا، ولأن الرغبة متوفرة في إدراك النصر؛ أما الإله، وأما القوى الغيبية فهذا كلام غير عقلي. كدت أقول للكثيرين الذين جاؤوني: أقرأتَ ما نُشر؟ كدت أقول لهم: رجل يقرر فلسفة "جحا" ويريد أن يدرسها للناس! لكن وجدت الأمر هكذا سيجعل الأمة تنتكس انتكاسات خطيرة، لماذا؟ لأني وجدت اليهود يعلِّمون أولادهم ديناً، ففي "سفر التثنية" في الاصحاح رقم (20) من العهد القديم يقول الله لليهودي -كما يروى العهد القديم-: (إذا خرجت للحرب على عدوك ورأيت خيلا ومراكب قوم أكثر منك فلا تخف منهم لأن معك الرب إلهك الذي أصعدك من أرض مصر -يعني نجاك من ظلم فرعون-، وعندما تقتربون من الحرب يتقدم الكاهن ويخاطب الشعب ويقول لهم: اسمع يا إسرائيل! أنتم قربتم اليوم من الحرب مع أعدائكم فلا تضعف قلوبكم، لا تخافوا ولا ترتعدوا ولا ترهبوا، لأن الرب إلهكم سائر معكم كي يحارب عنكم أعداءكم).

قلت في نفسي: العهد القديم يقول لكل يهودي ادخل المعركة والله معك سينصرك، ونحن هنا في مصر يكتب "فؤاد جحا" في صحيفتنا الكبيرة: أيها المصري ليس هناك إله ينصر! يحاربنا هناك عدو يعتمد على الله، ونحارب نحن هنا بتوجيهات أن الاعتماد على الله تفكير لا عقلي.

هذه واحدة، شيء آخر، في العهد القديم في "سفر التثنية" أيضا، في الإصحاح رقم (9) يقول الله: "لأجل إثم هذه الشعوب يطردهم الرب من أمامك يا إسرائيل؛ ليس لأجل برك وعدالة قلبك تدخل لتمتلك أرضهم، بل لأجل إثم هؤلاء الشعوب يطردهم الرب إلهك من أمامك". معنى الجملة -وهي جملة خطيرة- ليس أيها الشعب الإسرائيلي لأنك طيب أو تقي أنصرك؛ بل لأن الشعوب التي حولك آثمة مذنبة أنا أملكك أرضها.

هذا ما يقال هناك، وهنا يُنشر في بلادنا أنه لا إله! وأن الحياة مادة، وأن فلسفة "جحا" التي يُنكت المصريون بها أصبحت فلسفة يتبناها أستاذ جامعي.

هذه واحدة أحببت أن ألفت النظر إلى المفارقة والتناقض بين الدولة التي تبني على الإيمان هناك وبين ناس من سماسرة الأقلام وعملاء الأعداء يشتغلون هنا لتفريغ القلوب من الإيمان، وإشعار الناس بأنه ليس هناك إلهٌ نصَر، ولا ملائكةٌ ثبَّتَت، إذا قال الله: (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ) [الأنفال:12]. جاء تلميذ "جحا" ليقول لنا: لا ملائكة، ولا رعب في القلوب، وهذا الكلام يسمى فلسفة عقلية، والإيمان تفكير لا عقلي، وينشر هذا اللغو في الصحف القذرة التي يصدرها الاتحاد الاشتراكي في بلادنا.

هذه هي النقطة الأولى في هذا المقال، النقطة الثانية في هذا المقال أنه يقول: إسرائيل دولة رجعية لأنها تقوم على الدين، أما الدول التقدمية فهي التي لا تقوم على الدين! ويقول الرجل ببلاهة غريبة: في وسعنا أن نستغل الميول العلمانية القوية التي تسود المجتمعات الغربية لكي نحارب إسرائيل بسلاح لن يكلفنا شيئاً، ولكنه في نظر العقول المستنيرة سلاح فعال.

إن الدعوى لإقامة إسرائيل سياسياً بدأت من خمس وسبعين سنة ولكنها في العقد القديم الموجود الآن بدأت من أربعة آلاف سنة، فمن قال في العالم كله: إن دولة إسرائيل دولة رجعية لأنها قامت على الدين؟ جاء نائب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية هنا وقال: إن إسرائيل هي نافذة التقدم في الشرق الأوسط! ورأينا العجوز التي تقود إسرائيل تذهب إلى أمريكا ورأيت صورة رئيس الولايات المتحدة وهو يحييها وقسمات وجهه مسرورة، أساريره مستبشرة، كل حركة في بدنه وفي ذراعه وهو يرفع يده ويضعها بتوقير إلى جانب أذنه وفي أعلى رأسه احتراماً للمرأة التي تقود إسرائيل، كل هذا يدل على منتهى الإعزاز والإكرام.

من قال إن قيام إسرائيل على الدين جعل أمريكا تحتقرها؟ من قال إن قيام إسرائيل على الدين جعل أوربا تحتقرها؟ إن قرار مجلس الأمن الذي نطالب بتحقيقه يجعل لها حدوداً آمنة، ويقيمها طوعاً او كرهاً على أنقاضنا.

إن روسيا التي لا تؤمن بدين اعترفت بإسرائيل وتستبقها إلى الآن، وقد كتب "وايزمن" في مذكراته -وايزمن مهندس يهودي اخترع سلاحاً خطيراً وأهداه للجيش الإنكليزي وأخذ ثمنه اعتراف انجلترا بوطن قومي لليهود- كتب "وايزمن " في مذكراته بتواضع يقول: لا تظنوا أني أنا الذي أقمت الوطن القومي اليهودي، إن "لويد جورج" و"لورد بلفور" وغيرهما من ساسة انكلترا كانوا يُصدرون عن روح دينية عندما أقروا بوطن قومي لليهود في فلسطين، كانوا يحترمون مقررات العهد القديم التي يرجعون إليها.

العالم كله الآن يريد أن تبقى إسرائيل داخل حدود أكلتها من كياننا أكلاً، وقضمتنا بأنيابها قضماً، ولم يقل أحد إن إسرائيل فكرة رجعية، لا روسيا التقدمية، ولا أمريكا اللاتينية، ولا الولايات المتحدة البروتستنتية، لم يقل أحد منهم إن تعلق إسرائيل بالدين يعتبرها رجعية. الذي يراد أن يقال إن الرجعية هي شيء واحد، هي أن يتعلق العرب بالإسلام!.

لقد كتبَت هذه الصحيفة أن اختراق "خط بارليف" مستحيل، محرر هذه الصحيفة كاد يلقي اليأس في قلوب المسلمين والعرب والمصريين، خاصة وأخذ يصف الساتر الترابي وطوابق الأسلحة وما زودت به هذه الحصون من غرائب الاستحكامات، ومع ذلك فإن الذي حدث أن خط بارليف ضاع. مَن الذي هدمه؟ هل "هتلر" بترسانة الأسلحة التي صنعتها العقلية الألمانية العبقرية؟ هل العبقرية المصرية في صنع الأسلحة وضرب الاستحكامات هي التي دمرت هذا الخط؟ إن أسلحتنا دفاعية، ولا يزال الناس إلى الآن يعجبون كيف أن فرقة من المشاة المصرية هي التي تمزق فرقة المدرعات اليهودية!.

هذا خارق للعادة! جعل الناس يشعرون بأن قوى كبيرة تعمل معهم، وأن الإيمان رفعهم إلى مستوى كانوا به أهلا للنصر، إلا أن المشكلة الكبرى أن الصحافة في بلدنا لا ترتفع إلى هذا المستوى من الإيمان، ولا تحسن أن ترتفع إليه.

ولنسأل أنفسنا السؤال الحاسم الأخير، تقول: إننا بجمع الأسلحة والرغبة في القتال انتصرنا، وتقول: إن أولئك المؤمنين لا يعرفون العقل، لماذا؟ لأنه بلغ من هوسنا -نحن المؤمنين- أن قلنا إننا انهزمنا سنة 1967؛ لأننا كنا ابتعدنا عن طريق التقوى. هذا هوس منا! كيف نقول إن سبب الهزيمة ابتعادنا عن طريق التقوى؟!.

وأريد أن أقول: نعم، كان سبب الهزيمة الابتعاد عن طريق التقوى؛ لأن القيادة يومئذ كانت لا تتقي الله، إذا كانت التقوى كما تصور "فؤاد جحا" هي اللعاب الذي يسيل، أو حبات المسبحة التي تصطك في أيدي الغافلين، فما يقول أحد إن هذه هي التقوى. انعدام التقوى -كما درسنا ودرس لنا- هو انعدام الشرفِ والأخلاقِ واليقينِ في الله والضميرِ الحي الذي يعصم عن الدنايا، انعدام التقوى معناه: تسلط الهوى على الشخص فيتحول الشخص به عابد نفسه، يتحول الشخص به تبعاً لمعاصيه لا لقيمه ومثله.

في المعركة الأولى سنة 1967 كانت تقوى الله جريمة! قسم العالم العربي قسمان: قسم تقدمي وهو القسم الذي يقترب من التيار الروسي، وقسم رجعي وهو الذي يحرص على الكتاب والسنة ويتمسك بتاريخه وتراثه.

وانطلق الدجالون يطعنون في ملوك الإسلام، ورؤساء الإسلام الذين ليسوا تقدميين، طعنا في دينهم وأمانتهم وشرفهم، وهُددنا بنتف لحاهم! لماذا؟ لأنهم مؤمنون! وبينت الأيام أنهم مؤمنون. يقول الملك" فيصل" للمراسل الأمريكي: أنا رجل كبرت سني، وأريد قبل أن ألقى ربي أن أصلي في بيت المقدس، أريد أن أسترجعه!.

وهو الآن يقود مع شيوخ الخليج الذين لم تنتف لحاهم، ولم تحلق ذقونهم، يقودون جميعاً حرب البترول! ما عيب هؤلاء؟ لماذا خسرناهم؟ أكان هذا تقوى؟ أكان هذا صلاحاً؟ أكان هذا خلقا؟ أكان هذا ضمير إنسان يتقي الله في شعبه؟ ثم ماذا صنعنا في الحرب؟ الحرب تحتاج إلى كفاءات، تحتاج إلى رجال، لكننا كسحنا الكفاءات، مَن قدم الولاء والذل والملق لنا قربناه، ومن كان رجلا شهما مؤمناً أبعدناه، فإذا أكثر الجيش ممن درب وربي وتعلم يخرج ليشتغل في المكاتب والمخازن والشركات، ويبقى القليل الذي لا يحسن شيئاً. يقول وزير الحربية يومئذ -وهو نزيل السجن الآن- عندما تعبت دخلت بيتي وشربت كأسين من الويسكي! لعنة الله عليكم، أبهذا تتقرب إلى الله لتنتصر؟.

وقائد آخر يفر ويقول: ذهبت إلى فلان لأضحكه!! لأن إضحاك الرؤساء طريق القرب منهم!! أهذه تقوى؟ ثم ماذا؟ ما وُضعت خطة! الجيش الذي خرج ليقاتل لم توضع له خطة؛ لأن الله طمس على قلوب أولئك الزائغين الطائشين فلم يحسنوا شيئاً. إن الصناعة الوحيدة التي أتقنوها كانت صناعة الكذب! ثم ماذا؟ ثم يرسل الراقصون والراقصات والمغنون والمغنيات إلى الجبهة! شباب في التاسعة عشرة وفي العشرين وفي الحادية والعشرين محرومون موجودون بالجبهة كي يستعدوا للقتال تُرسل إليهم امرأة تهز أردافها ونهودها!لم؟ ثم تكون النتيجة أن تضرب طائراتنا كلها على الأرض لأن الذين يركبونها ناموا بعد حفل ساهر راقص سِكِّيرٍ!.

رُبَّ أصباح محزناتٍ

يتركها المـَرْقَصُ اللَّعُوبُ

وهذا ما حدث. كانت تقوى الله معدومة فكانت النتيجة ما رأينا، كانت القيادة أيها الشيوعي في يدك سنة 67 ففضحتنا! سبعة آلاف سنة تاريخ هذه الأمة ما قال أحد في جيشها إنه جبان، لكن لما توليت أنت القيادة بكفرك وضلالك فضحتنا! كان اليهود طول امتداد التاريخ جبناء، من الذي جرأهم وعلمهم أن يكونوا شجعاناً؟ أنت بجبنك، وخستك، وما صنعت لأمتك.

هذا المقال من ثلاثة عناصر، العنصر الأول: لم يقال إننا انهزمنا سنة 67 لانعدام التقوى؟ هذا لا يجوز أن يقال، وقد علمتم أننا انهزمنا سنة 67 لأن القيادة كانت ماجنة فاجرة تحمل الجيش المسكين عبأها، ودفعنا الثمن عشرين ألف شاب قتيل على الأقل! ولطخ جبين المصرين بالوحل، لم؟ لأن انعدام التقوى هو الذي قاد المعركة، فإذا قادت التقوى المعركة قلتم اليوم لا تقوى. ما هذا؟!.

ويقول الكاتب كلاماً مضحكاً ذكره العلماء في كتبهم ودرسه العيال الصغار في الأزهر، يقول: إذا كان الجيش قد انهزم لانعدام التقوى في سنة 67 فهل كان اليهود أتقياء؟ والجواب واضح، فالصحابة بقيادة نبيهم -صلى الله عليه وسلم- هـُزموا في معركة "أحد" والذين هزموهم كانوا عُباد أصنام، فهل كان عبّاد الأصنام أقرب إلى الله من الموحدين؟ طبعاً لا. ولكن الله يحاسب كل فريق بميزان خاص، لكل إنسان حساب خاص.

عندما أرسل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- تعليماته إلى قائده سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- في جبهة فارس قال له: إني آمرك ومن معك أن تكونوا أشد احتراساً من المعاصي منكم من عدوكم؛ فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم.

لماذا؟ لأن الله يحاسب كل إنسان حساباً خاصاً، عندما أرسل شخصاً إلى الجامعة ويترقى في سلك الدراسة ثم يرسل حكما غبيا على هذا النحو فإن له حساباً خاصاً غير حساب رجل الشارع الذي ليست له تجربة ولا معرفة ولا ثقافة. إن الله يحاسب بقدر ما يعطي من علم، فإذا كان قد شرَّفنا بالقرآن والسنة فيجب أن نرتفع إلى هذا المستوى.

كتبتُ يوم أُقصِيَت مراكزُ القوى وذهب عدد من الشيوعيين إلى السجن أقول: بعد أن أكد رئيس الدولة أن الحريات ستعود، وأن الحقوق ستصان، وأن القانون سيسود، ولن تغل يد عن عمل شريف، ولن يكمم فم عن كلمة حق، ولن يؤذَن لصغير أن يتطاول، ولا لمنحرف أن يجور، قلت: استقبلنا هذه المعاني والأنفاس تكاد تختنق لما عراها من ضيق، فكانت هذه الكلمات نسائم منعشة تتسلل خلال جو رهيب مقنط؛ كانت بوارق رجاء توحي بالخير، أحس الشعب المصري، أحس القابعون وراء السجن الكبير أن العصابة التي تسومهم سوء العذاب بدأت تتلاشى.

وقلت يومئذ إن إذلال الشعوب جريمة هائلة وهو في تلك المرحلة من تاريخ المسلمين، عمل يفيد العدو، ويضر الصديق، بل هو عمل لحساب إسرائيل نفسها، فإن الأجيال التي تنشأ في ظلمات الاستبداد الأعمى تنشأ عديمة الكرامة، قليلة الغناء، ضعيفة الأخذ والرد. ومع اختفاء الإيمان المكين، والخلق الوثيق، والشرف الرفيع؛ ومع شيوع النفاق، والتملق، والدناءة؛ ومع هوان أصحاب الكفاءات، وتبجح الفارغين المتصدرين، مع هذه كلها لا تتكون جبهة صلبة، ولا توجد صفوف أبية باسلة، وهذا هو أمل إسرائيل عندما تقاتل العرب؛ لأنها عندئذ ستمتد في فراغ، وتشتبك مع قلوب منخورة، وأفئدة هواء.

والواقع أن قيام إسرائيل ونماءها لا يعود إلى بطولة مزعومة لليهود؛ ولكنه يعود إلى عمى بعض الحكام العرب، المرضى بجنون السلطة، وإهانة الجماهير. لو أنصف اليهود لأقاموا لهؤلاء الحكام تماثيل ترمز على ما قدموا لإسرائيل من عون ضخم، ونصر رخيص.

سيناء ثلاثة أضعاف الوجه البحري فقدتها القيادة الفاجرة في أربع وعشرين ساعة.لم؟ إذا كان الشيوعيون، إذا كان الملحدون سيتطاولون في هذه الأيام، فإننا سنُعرى سوءاتهم، سنكشف عوراتهم، سنفضح ما فعلوا بنا وبأمتنا.

إن الأمة خرجت من هذه المعركة تحترم الإسلام، تحترم "الله أكبر"، فإذا تحرك الآن من يريد أن يرد الأمة إلى الكفر، ومن يريد أن يعبث بيومنا ومستقبلنا؛ فلن نقبل هذا، وسنموت دون أن يضيع الإيمان من بلدنا.

الخطبة الثانية:

الحمد لله (الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ * وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ) [الشورى:25-26].

وأشهد أن لا إله إلا الله، الملك الحق المبين، وأشهد أن محمداً رسول الله، إمام الأنبياء وسيد المصلحين. اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين.

أما بعد: عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، لقد نبهتكم إلى أن معركة الإسلام بدأت تقترب نتائجها، نبهتكم إلى أن الكسب الذي أحرزته قضايا الإيمان في هذه المعركة كبير، وأن أعداء الإيمان سيبذلون جهودا لجعل الأمة ترتد عن دينها وتفقد أرباحها، وأريد أن ألفت النظر إلى شيء في زمان مضى، كان طريق الشهرة أن يُطعن في الإسلام، وأن ينكر وجود الله، وأن تُنكر قداسة القرآن، كان ذلك أقصر طريق إلى الشهرة، نرجو أن ينتهي هذا الوهم، وأن تتعلم الأمة من الآن كيف تبصق على طلاب الشهرة من هذا الطريق.

أمتنا بدأت طريق الإيمان، وكل من يحاول أن يوقف هذا المد من الإيمان بالله، واليقين فيه، والعودة إلى كتابه وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، يجب أن يتلاشي وأن ينتهي.

شيء آخَر ألفت النظر إليه، أنا لست داعية إلا إلى الله، ولا أعمل إلا لديني، والكلمة التي أقولها الآن لمصلحة أمتنا، أنا اعلم أنه تحت عنوان الناصرية انطلقت قوافل مجنونة للكفر والضلال تعطن في كرامتنا ووعينا، وفي الحرب ومَن أعلنوها ومَن أوقفوا القتال إلى آخره.

أنا لا أعرف عنواناً إلا الإسلام، لا ناصرين ولا كلاما فارغا، أعرف الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- وديننا، لا شيء أكثر من هذا.

هذه واحدة، الشيء الثاني أنا رجل أحترم ديني وما يوحي الله به، والله الذي لا إله إلا هو أقول كلمتي الآن لمصلحة أمتنا، أقول: إن بعض الناس قد يحاول إثارة شغب في الجبهة الداخلية: مظاهرات، انقسامات، تعويق الطلاب عن الدراسة، إرغام القيادة على أن تستأنف القتال، كل هذا نوع من اللعب بمستقبلنا.

إن الإلحاد يريد تعكير الجو داخل البلد لمصلحة الإلحاد، دعوا الأمور تمشى الآن في هدوء، إننا نرقب ما تتخذه القيادة، الأمة العربية توحدت على أن الإسلام هدفها، إن الأمة الإسلامية مستقبلها يتصل بهذه المعركة الآن، فلا نريد أن يجرها الإلحاد إلى صفِّه، عندما أقول يجب أن تنتظم الدراسة يجب ألا نسمع لأحد يقول إضراب، أنا بهذا لا أتملق أحداً، إنما هي مصلحة ديني وأمتى؛ إن تحديد وقت القتال ليس إلينا.

أيها الإخوة: استيقظوا، إن الإسلام يُمكَر به، وإن الإلحاد خبيث، وإن عدونا غادر، ولا أقبل حتى من رئيس دولة تريد أن تتحد معنا أن ينال منا، أو يتهمنا بالخيانة باسم الناصرية، هذا نوع من الخبالِ والمراهقة السياسية.

(اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر)

(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر:10].

(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90].