البصير
(البصير): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على إثباتِ صفة...
العربية
المؤلف | حسين بن حسن أحمد الفيفي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
إن سفر المرأة بغير محرم فيه مخالفة شرعية ومفسدة عظيمة، لأن المرأة فتنة وانفرادها سبب للمحظور، لأن الشيطان يجد السبيل بانفرادها فيغري بها ويدعو إليها. وكل ما يسمى سفرًا سواء كان طويلاً أو قصيراً فإنه لا يجوز للمرأة أن تسافر فيه وحدها, والأصل بقاء النصوص على ما دلت عليه، وليس لأحد أن يخصّص ويستثني ما لم يخصّصه الشرع, والضرورات تقدر بقدرها، وليس لمعرفة هذه الضرورات إلا العلماء الراسخون، وليس لكل عامي جاهل أن يقول: هذا من الضرورات التي يبيحها الشرع، والأحاديث في ذلك واضحة لا تحتمل، والنهي عام لكل امرأة صغيرة أو كبيرة في كل ما يسمى سفرًا، سواء طويلاً أو قصيراً، سواء...
الخطبة الأولى:
إن مما انتشر هذه الأيام وكثر في أوساط الناس وتساهلوا به ظاهرة سفر المرأة بغير محرم، فقد نهى الشرع المطهر عن سفر المرأة بغير محرم وشدد في ذلك؛ لما يترتب على ذلك من الفتنة لها ولمن حولها من الرجال، ولما في ذلك من المفاسد العظيمة, ويشهد على ذلك العقل والنقل، لا يشك في ذلك من له أدنى غيرة.
والأحاديث الواردة في ذلك صحيحة لا مجال لتوهِينها ولا لتأويلها، فقد روى الشيخان وغيرهما أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها محرم"، وفي لفظ مسلم: "لا يحل لامرأة مسلمة تسافر مسيرة ليلة إلا ومعها رجل ذو حرمة منها"، وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا يخلون رجل بامرأة, ولا تسافر امرأة إلا ومعها محرم", فقام رجل فقال: يا رسول الله، إني اكتتبت في غزوة كذا وكذا وخرجَت امرأتي حاجة؟ قال: "اذهب فحج مع امرأتك".
وكما هو واضح فإن النهي صريح في منع المرأة من السفر مسيرة يوم وليلة بدون محرم لها؛ زوجها أو أبوها أو ابنها أو أخوها ونحوهم من محارمها، بل إن أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- الرجلَ الذي اكتتب في الغزو أن يلحق بأهله الذين خرجوا للحج؛ لهو أبلغ دليل على تحريم سفر المرأة بدون محرم حتى ولو كان سفرها لطاعة وعبادة.
ويتردد على ألسنة بعض الناس أن سفر المرأة وحدها في هذا العصر ضرورة لا بد منها، فظروف العصر تقتضي ذلك، ويحتجون بأن الخلوة تنتفي بسفرها بالطائرة أو القطار ونحوهما، وقد يقول قائلهم: ما المانع إذا أوصلت زوجتي أو قريبتي إلى المطار وتأكدت من ركوبها الطائرة ثم استقبلها أخوها أو قريبها في البلد الآخر؟! والجواب على مثل هذه الشبهة من أوجه:
أولاً: فتنة النساء من أعظم الفتن التي تبتلى بها الأمم، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم: "ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء". في هذا دلالة على أن أعظم فتنة يبتلى بها الرجال هي فتنة النساء، يعني أنها أعظم فتنة من الفتن التي يبتلى بها الناس من بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-. وقد حذرنا -صلى الله عليه وسلم- من هذه الفتنة فقال: "إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء". فإذا تركت المرأة تسافر لوحدها وبدون محرم وتعمل مع الرجال جنبًا إلى جنب وتتولى المناصب القيادية؛ فإنّ ذلك نذير أن يصيبنا مثل ما أصاب بني إسرائيل.
ثانياً: إن نظرة فاحصة صادقة في حقيقة المرأة, تبين أن المرأة ضعيفة سريعة التأثر سريعة الانجذاب، تحتاج إلى رجل يحميها ويحوطها ويقوم بشؤونها، فإذا انضاف إلى ذلك ضعف الإيمان والوازع الديني في قلوب كثير من الرجال والنساء خاصة في هذا الزمن, ازداد الأمر خطورة وعظمت الفتنة، فالذين في قلوبهم مرض كثير، وأصحاب العيون الخائنة أكثر، وفوق ذلك لا رقيب عليها من محارمها ولا حسيب. ومن قال: إن الفتنة تنتفي بركوب الطائرة ونحوها مما يكون النقل فيه جماعيا, فقوله مردود بمعارضته للأدلة الشرعية الصحيحة، ولا يخفى هذا على ذي لب، وقد يوجد من بعض ضعاف الإيمان من يستغلون مثل هؤلاء النساء في معاكسات وغيرها مما لا يرضي الله جل وعلا؛ ولهذا جاءت الشريعة بسد الذرائع التي تؤدي إلى هذه الأمور، فنهت عن التبرج، ونهت عن الخلوة، وعن سفر المرأة بلا محرم.
وقد استُغِلت المرأة في كل زمان لاصطياد الرجال؛ ولهذا جاء في الأثر: "إن النساء حبائل الشيطان, يصطاد بها الرجال"؛ لأن الرجل أضعف ما يكون أمام المرأة إذا انساق مع هواه ومع شهوته، ولهذا يقول -سبحانه وتعالى- بعدما ذكر المحرمات: (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ *وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلا عَظِيمًا)، وقال سبحانه وتعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه ثم توبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.
الخطبة الثانية:
إن وجوب وجود المحرم مع المرأة حال السفر لأنها ضعيفة في عقلها لينة في طبعها, تنساق وراء الكلمات والمظاهر البراقة وتؤثر فيها ويتلاعب بها أشباه الرجال، حتى وإن أنكرت ذلك بعض المسترجلات في هذا الزمن, فهي في ذاتها تعرف حقيقة نفسها وتعرف مقدار ضعفها، وهذه سنة الله –سبحانه- التي لا تتبدل، ولكنها تخشى أن تتهم بالرجعية والتخلف، فحتى تواكب الحضارةَ وتصبح كالمرأة الغربية المتحضرة؛ لا بد أن تسافر وحدها مثلهم وتلبس كلبسهم وتعمل إلى جنب الرجال، وإن لم تفعل ذلك اتهمت بالتخلف.
وأما من يُركبها وسيلة السفر لوحدها كالطائرة مثلاً ويستقبلها قريبها في البلد الآخر فإنه يقال لهذا وأمثاله: إن في هذا تعريضا لها للفتنة ما لا يخفى على عاقل، وما يدريك لو اضطرت الطائرة إلى النزول في بلد آخر غير المكان المقصود إما للتزويد بوقود أو خلل أو غيره، وأكبر من ذلك لو اضطر المسافرون إلى البقاء يوما أو يومين في هذا البلد، فأين المحرم؟! وأين من يباشر إجراءات السكن والأكل والشرب؟!
إن سفر المرأة بغير محرم فيه مخالفة شرعية ومفسدة عظيمة، لأن المرأة فتنة وانفرادها سبب للمحظور، لأن الشيطان يجد السبيل بانفرادها فيغري بها ويدعو إليها.
وكل ما يسمى سفرًا سواء كان طويلاً أو قصيراً فإنه لا يجوز للمرأة أن تسافر فيه وحدها, والأصل بقاء النصوص على ما دلت عليه، وليس لأحد أن يخصّص ويستثني ما لم يخصّصه الشرع, والضرورات تقدر بقدرها، وليس لمعرفة هذه الضرورات إلا العلماء الراسخون، وليس لكل عامي جاهل أن يقول: هذا من الضرورات التي يبيحها الشرع، والأحاديث في ذلك واضحة لا تحتمل، والنهي عام لكل امرأة صغيرة أو كبيرة في كل ما يسمى سفرًا، سواء طويلاً أو قصيراً، سواء بطائرة أو سيارة، والعبرة بالسفر لا بوسيلة السفر، قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يخلونّ أحدكم بامرأة؛ فإن الشيطان ثالثهما". ومن هذا المنطلق ربط الإسلام سفر المرأة بمحرم يصون عرضها ويحمي شرفها ويغار عليها ويحقق رغباتها ويخفف عنها عناءها سفرًا وحضرًا.
والمحرم يشترط فيه أن يكون قد بلغ مبلغ الرجال، فالصبي لا يصلح أن يكون محرمًا؛ لأنه بذاته يحتاج لمن يحميه من الغَير، ومع هذا يوجد من الناس من يتساهل في هذا الأمر، ومع كثرة الحِيَل وعظيم الزّلل وقلة الحياء وكثرة المتساهلين في هذا الأمر، فإن الحكم باق لا يتغير مهما تغيرت المفاهيم والأعراف والعقول.