الوتر
كلمة (الوِتر) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، ومعناها الفرد،...
العربية
المؤلف | مراد كرامة سعيد باخريصة |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | أهل السنة والجماعة |
والله لا يحب الظالمين، فمَن أحب الظالمين واطمأن بهم فقد أحب من لا يحبهم الله، والله لا يحب الفساد بجميع صوره وأشكاله، فمَن أحب الفساد ورضي به فقد أحب أمراً لا يحبه الله فإن الله لا يحب الفساد، والله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص، فمن كره الذين يقاتلون في سبيل الله وعاداهم وآذاهم فقد كره أمراً يحبه الله ..
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العظيم: (لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ) [آل عمران:28].
ينهى الله في هذه الآية الكريمة عن توَلِّي الكافرين أو محبتهم أو نصرتهم أو تأييدهم أو معاونتهم، وأخبر أن من تولاهم فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ، لَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ لا في الدين، ولا في العقيدة، ولا في الولاية، ولا في الصلة، فهو بعيد كل البعد عن الله، منقطع الصلة تماماً بالله، فإن المسلم يحب المسلمين ويواليهم، ويكره الكافرين والمنافقين ويعاديهم .
إن الولاء والبراء أصلٌ عظيم من أصول الإسلام يقوم على أساس الدين، فكل مسلم موحِّدٍ يحب الله ورسوله فهو أخونا ولو كان أبعد بعيد، وكل كافر أو منافق عدونا ولو كان أقرب قريب، (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا) [الفتح:29].
إن نوحاً -عليه الصلاة والسلام- حينما سأل الله أن ينجي ابنه من العذاب أخبره الله أنه ليس من أهله؛ لأن الأمر لم يبنَ على أساس القرابة النسبية، أو المصالح الشخصية أو القبلية أو الوطنية؛ وإنما بني على أساس الدين: (وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ) [هود:45-46].
وهذا أبو الأنبياء إبراهيم -عليه السلام- تبرأ من أبيه وقومه عند ما أصروا على كفرهم وعنادهم، فمدحه الله عند ما قال: (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيًّا * فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا * وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا) [مريم:48-50].
ويقول عنه -سبحانه وتعالى-: (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ ) [التوبة:114].
وهؤلاء أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قاتلوا أباءهم وأبناءهم وعشائرهم عند ما كفروا بالله، فمدحهم الله بقوله: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [المجادلة:22].
عباد الله: لقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن أوثق عُرَى الإيمان الحب في الله والبغض في الله، أن تحب من يحبه الله وتكره من يكرهه الله، وأن تحب ما يحبه الله وتكره ما يكرهه الله، فإن الله لا يحب الكافرين، فمن أحب الكافرين أو ناصرهم أو قلدهم أو تشبه بهم أو تمنى مجيئهم فقد أحب من لا يحبه الله، فهو كاذب في دعواه أنه يحب الله؛ لأنه أحب من لا يحبه الله .
والله لا يحب الظالمين، فمَن أحب الظالمين واطمأن بهم فقد أحب من لا يحبهم الله، والله لا يحب الفساد بجميع صوره وأشكاله، فمَن أحب الفساد ورضي به فقد أحب أمراً لا يحبه الله فإن الله لا يحب الفساد، والله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص، فمن كره الذين يقاتلون في سبيل الله وعاداهم وآذاهم فقد كره أمراً يحبه الله، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار".
عباد الله: إن الناس اليوم -إلا من رحم الله- يبنون ولاءهم ومحبتهم ليس على أساس الدين، وإنما على أساس المصالح السياسية والحزبية، أو الحظوظ الدنيوية والمصالح الشخصية، أو على أساس القبيلة والعشيرة والتراب والوطن وكل هذا مخالف لقول الله -تعالى-: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ) [المائدة:55-56].
يقول الوفاء بن عقيل -رحمه الله-: إذا أردت أن تعلم محل الإسلام من أهل الزمان؛ فلا تنظر إلى ازدحامهم في أبواب الجوامع، ولا ضجيجهم في الموقف بـــ: لبيك! وإنما انظر إلى مواطأتِهم أعداء الشريعة.
فالمؤمن الحقيقي هو من يحب المؤمنين ويناصرهم ويؤيدهم ظاهراً وباطناً، والمنافق هو من يكون مع المؤمنين ظاهراً لا باطناً: (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا) [النساء:138-139].
ويقول سبحانه: (اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [البقرة:257].
إن هذه العقيدة العظيمة، عقيدة الولاء والبراء، تتعرض اليوم لهجمات شرسة، وتحريفات عظيمة، مرة باسم التقارب، ومرة باسم التسامح بين أهل الأديان، ومرة بالأمر بإلغاء الآيات التي تتحدث عن عداوة اليهود والنصارى من مناهج التعليم.
إن الهدف الأخير من كل ذلك هو مسخ هذه العقيدة -عقيدة الولاء والبراء- من قلوب المسلمين، يقول الله في كتابه العظيم، بعد بسم الله الرحمن الرحيم: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُون * وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ * وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) [سورة الكافرون].
الخطبة الثانية:
لقد أخبرنا ربنا عن طبيعة الكافرين بأنهم يكرهون المسلمين، وأخبرنا أن عداوتهم للمسلمين متأصلةٌ متجذرةٌ في سويداء قلوبهم وفي داخل نفوسهم: ( وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ) [آل عمران:118]، (وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم) [البقرة:109]، (إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ) [الممتحنة:2]، (لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ) [التوبة:10]، وما يفعلونه بالمسلمين المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها خير شاهد وأكبر دليل لما قاله الله تعالى، ( وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثًا؟) ( وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً؟) .
إن أوباما حينما يقول أن بلاده ليست في حرب مع الإسلام فإنه كذَّابٌ أشِر، والأخطر من ذلك أن يتجاهل بعض المسلمين هذه الآيات المحكمات التي يخبر الله فيها عن عداوة الكافرين وعدوانهم ليصدقوا أوباما في حديثه، وينخدعوا بمعسول كلامه، وينبهروا ببريق شعاراته!.
إن هذا المجرم المكابر الذي يخادع المسلمين بأنه يحب الإسلام، وأنه يتعاطف مع قضايا المسلمين، وأنه ينتقد سياسة الحزب الجمهوري في الحرب على الإسلام، رأيناه يمشي في نفس الطريق التي كان الحزب الجمهوري يمشي فيها ولكن بأسلوب مخادع، ونفاق ماكر، فما يقوله شيء وما يفعله على أرض الواقع شيء آخر!.
فقد رأيناه على أرض الواقع يتخشع أمام حائط البراق أو ما يسميه اليهود بحائط المبكى! ورأيناه على أرض الواقع منحازاً مع اليهود في محرقة غزة ومبيحاً لهم باستخدام الأسلحة المحرمة دوليا التي صبت صباً على إخواننا هناك!.
لقد رأيناه على أرض الواقع وهو يصرِّح في خطاب له أمام منظمة إيباك اليهودية بأن القدس ستبقى عاصمة لإسرائيل، ورأيناه يصعد الهجمات الصاروخية والضربات الإجرامية على المسلمين العُزَّل في أفغانستان وباكستان، وسمعناه يأمر بزيادة قواته في أفغانستان، وينافق ويداهن في سحب قواته من العراق.
لقد سمعناه وهو يخاطب العالم الإسلامي ولكن رأيناه وهو يشرد أربعة ملايين من أبناء العالم الإسلامي، فكيف يريد من أبناء العالم الإسلامي أن يصدقوه وهم يرونه يشرد إخوانهم ويقصف أبناءهم؟ ألم يعلم بأن المسلمين إخوة؟ (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات:10]، ألم يعلم بأن المسلمين كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر؟!.
مساكين نحن المسلمين، إلا من رحم الله! سرعان ما ننخدع إذا تغيَّر اسم، أو تلــوَّن وجه، أو تبدَّل حزب! وسرعان ما نتنازل عن ثوابتنا وعن حقوقنا وننسى الجرائم التي ارتكبت في حق المظلومين والمستضعفين منا! يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا يُلدغ المؤمن من جحر مرتين" متفق عليه، ويقول أمير المؤمنين عمر -رضي الله عنه وأرضاه-: "لست بالخبِّ ولا الخبُّ يخدعني".
إن هذا المجرم الأفاك لو كان صادقاً في خطابه للمسلمين لأنهى الحرب المعلنة على الإسلام والمسلمين باسم الحرب على الإرهاب، التي شملت النواحي السياسية والعسكرية والاقتصادية والفكرية، بل حتى الإغاثية والخيرية.
لو كان صادقاً في خطابه مع المسلمين لأخرج جنوده من جميع بلدان المسلمين التي يعيثون فيها فساداً، ينكلون بأهلها، ويأكلون خيراتها، ويدمِّرون بنيتها، ولكنه لم يفعل، وأخذ يتلون ويخادع ويتظاهر بالانسحاب فيسحب قواته من داخل المدن العراقية إلى خارجها، ويحول الحرب من حرب الدماء الخاسرة إلى حرب المراوغات الماكرة؛ ليضمن لقواته نهب الخيرات، وأكل الثروات!.
لو كان صادقاً مع المسلمين لوقف مع المستضعفين المحاصرين في غزة وفلسطين ولكنه وقف في خندق عدونا ضد استعادة أقصانا وفك أسرانا وحصار إخواننا .
لو كان صادقاً في خطابه مع المسلمين لتخلى عن مجاملة وممالأة المعتدين على المسلمين في أنحاء الأرض، كما هو حادث منهم مع الروس في الشيشان، ومع الهندوس في كشمير، ومع الأحباش في الصومال، ومع النصارى في الفلبين، ومع الروافض في العراق.
عباد الله: إن أملنا ورجاءنا ليس في أوباما ولا في خطاباته ولا في حزبه ولا في حديثه؛ ولكن أملنا في الله -سبحانه وتعالى- عظيم، ثم في هذه الأمة التي أخرج الله منها رجالاً يقاومون العدوان، ويجابهون الطغيان، فأفقدوا الغرب اتِّزانه، وأنزلوه من أبراج غروره، وأغرقوه في سكرات موته، وعاثوا في عقله، وجاسوا خلال دياره، فأنسوهم المطامع والوساوس التي يزينها لهم أبالسة البنتاجون، وشياطين واشنطن.
يقول الله في كتابه العظيم: (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) [الأنبياء:18].