البحث

عبارات مقترحة:

الكبير

كلمة (كبير) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، وهي من الكِبَر الذي...

العظيم

كلمة (عظيم) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) وتعني اتصاف الشيء...

المصور

كلمة (المصور) في اللغة اسم فاعل من الفعل صوَّر ومضارعه يُصَوِّر،...

لن نسكت عنه اليوم (المولد النبوي)

العربية

المؤلف محمد بن مبارك الشرافي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الأعياد الممنوعة - أهل السنة والجماعة
عناصر الخطبة
  1. محبة النبي صلى الله عليه وسلم وعظم حقوقه .
  2. بدعة الاحتفال بالمولد النبوي .
  3. تفنيد شبهات في الاحتفال بميلاد النبي صلى الله عليه وسلم. .

اقتباس

إنَّ مَحَبَّةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دِينٌ نَتَقَرَّبُ إِلَى اللهِ بِهِ، وَعِبَادَةٌ نَرْجُو ثَوَابَهَا مِنَ اللهِ، فهُوَ الشَّفِيعُ الْمُشَفَّعُ يَوْمَ الْمحْشَرِ وَصَاحِبُ اللِّوَاءِ الْمَعْقُودِ وَالْحَوْضِ الْمْوَرُودِ وَالْمَقَامِ الْمَحْمُودِ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهِ صَلَاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرَاً، وَلا يُمْكِنُ أَنْ نَنَالَ مَحَبَّةَ اللهِ إِلَّا إِذَا اتَّبَعْنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَهَذَا أَمْرٌ مَفْرُوغٌ مِنْهُ وَلَا نِقَاشَ فِيهِ وَلا جِدَالَ، وَلِذَلِكَ لا نَرْضَى أَنَّ أَحَدَاً يَتَهِمُنَا بِالتَّقْصِيرِ فِي حَقِّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوْ يُلَبِّسَ عَلَى الْعَامَّةِ بِأَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ لَا يُحِبُّونَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلِذَلِكَ لَمْ يَحْتَفِلُوا بِمَوْلِدِهِ.

الخطبة الأولى:

الْحَمْدُ للهِ الذِي أَرْسَلَ الرُّسُلَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ, وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ لِيَحْكُمُوا بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ بِالْحَقِّ الْمُبِينِ.

 وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ إِلَهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمَبْعُوثُ إِلَى الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ, صَلَّى وَسَلَّمَ اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَتَعَلَّمُوا مَا يُقَرِّبُكُمْ إِلَى رَبِّكِمْ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ لا يَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ خَالِصَاً لِوَجْهِهِ وَصَوَابَاً عَلَى وَفْقِ سُنَّةِ رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) [الكهف: 110].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ خُطْبَتَنَا فِي هَذَا الْيَوْمِ عَنْ مَا يُسَمَّى بِالْمَوْلِدِ النَّبَوِيِّ، وَكَانَ الْأَوْفَقُ أَنْ لا نَتَكَلَّمَ عَنْهُ أَصْلَاً، لَكِنْ لَمَّا كَثُرَتْ وَسَائِلُ التَّوَاصُلِ الاجْتَمَاعِيِّ فِي أَيْدِي النَّاسِ وَصَارَ الْعَالَمُ كَأَنَّهُ قَرْيَةٌ وَاحِدَةٌ ثُمَّ خَوْفَاً مِنْ أَنْ يَعْتَقِدَ النَّاسُ صِحَّةَ هَذَا الْعَمَلِ آثَرْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ وَبَيَانَهُ.

إِنَّهُ يَجِبُ أَوَّلاً أَنْ نَعْرِفَ أَنَّ مَحَبَّةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دِينٌ نَتَقَرَّبُ إِلَى اللهِ بِهِ، وَعِبَادَةٌ نَرْجُو ثَوَابَهَا مِنَ اللهِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ" (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

وَهُوَ صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ الشَّفِيعُ الْمُشَفَّعُ يَوْمَ الْمحْشَرِ وَصَاحِبُ اللِّوَاءِ الْمَعْقُودِ وَالْحَوْضِ الْمْوَرُودِ وَالْمَقَامِ الْمَحْمُودِ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهِ صَلَاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرَاً، وَلا يُمْكِنُ أَنْ نَنَالَ مَحَبَّةَ اللهِ إِلَّا إِذَا اتَّبَعْنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ اللهُ تَعَالَى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [آل عمران: 31]، فَهَذَا أَمْرٌ مَفْرُوغٌ مِنْهُ وَلَا نِقَاشَ فِيهِ وَلا جِدَالَ، وَلِذَلِكَ لا نَرْضَى أَنَّ أَحَدَاً يَتَهِمُنَا بِالتَّقْصِيرِ فِي حَقِّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوْ يُلَبِّسَ عَلَى الْعَامَّةِ بِأَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ لَا يُحِبُّونَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلِذَلِكَ لَمْ يَحْتَفِلُوا بِمَوْلِدِهِ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: أَمَا مَا يُسَمَّى بِالْمَوْلِدِ النَّبَوِيِّ فَهُوَ تَجَمُّعٌ وَاحْتِفَالٌ يُقَامُ فِي كُلِّ عَامٍ فِي بَعْضِ الدُّوَلِ الْإِسْلَامِيَّةِ فَرَحَاً بِوِلادَةِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, حَيْثُ تَبْدَأُ الاحْتِفَالاتُ مِنْ بِدَايَةِ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّل إِلَى نِهَايَتِهِ، وَذَلِكَ بِإِقَامَةِ مَجَالِسَ يُنْشَد فِيهَا قَصَائِدُ مَدْحِ النَّبِي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَيَكُونُ فِيهَا الدُّرُوسُ مِنْ سِيرَتِه، وَذِكْرِ شَمَائِلِه وَيُقدَّمُ فِيهَا الطَّعَامُ وَالْحَلْوَى، مِثْلَ حَلاوَةِ الْمَوْلِد، هَكَذَا عَرَّفُوهُ.

ثُمَّ إِنَّهُمْ يَحْتَجُّونَ بِشَبَهٍ يَقُولُونَ: إِنَّهَا أَصْلٌ نَبْنِي عَلَيْهِ هَذَا الاحْتِفَالَ، فَمِنْهَا أَنَّ هَذَا الاحْتِفَالَ لِمَعْرِفَةِ سِيرَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنُرِيدُ تَعْرِيفَ أَوْلادِنَا بِهِ، وَنُرِيدُ أَنْ نَتَذَكَّرَهُ، وَقَالُوا إِنَّ مَدْحُهُ قُرْبَةٌ نَتَقَرَّبُ بِهَا إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَقَدْ مَدَحَهُ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ, ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- احْتَفَلَ بِيَوْمِ مَوْلِدِهِ فَلَمَّا سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الاثْنَيْنِ قَالَ: "ذَلِكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ" فَعَلَّلَ الصِّيَامَ بَكَوْنِهِ وُلِدَ فِيهِ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اعْلَمُوا أَوَّلاً أَنَّهُ مَا مِنْ بِدْعَةٍ فِي الدُّنْيَا إِلَّا وَيَسْتَدِلُّ أَصْحَابُهَا بِشَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ أَوِ السُّنَّةِ وَيُصَدِّقُهَا بَعْضُ النَّاسِ لِقِلَّةِ عِلْمِهِمْ وَرُبَّمَا لِأَنَّ مَنْ يُلْقِيهَا قَوِيُّ الْحُجَّةِ ظَاهِرُ البْيَانِ، وَلَكِنَّهَا إِذَا عُرِضَتْ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ الرَّاسِخِينَ فَنَّدُوهَا وَكَشَفُوا عَوَارَهَا، وَلِذَلِكَ فَإِنَّنَا نُحَذِّرُ مِنَ الاسْتِمَاعِ لِأَهْلِ الْبِدَعِ فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَهُ سَلاطَةٌ فِي اللِّسَانِ وَقُوَّةٌ فِي الْبَيَانِ، وَرُبَّمَا أَقْنَعَكَ بِحُجَجِهِ لِأَنَّكَ لَسْتَ مُتَخَصِّصَاً فِي الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ، فَكُنْ عَلَى حَذَرٍ وَاحْفَظْ دِينَكَ وَعَقِيدَتَكَ.

وَأَمَّا شُبَهُهُمْ فِي إِقَامَة مَوْلِدِ النَّبِيِّ فَإِنَّنَا نُفَنِّدُهُ بِحَوْلِ اللهِ وَقُوَّتِهِ وَاحِدَةً وَاحِدَةً، فَأَمَّا قَوْلُهُمْ: "إِنَّ هَذَا الاحْتِفَالَ لِمَعْرِفَةِ سِيرَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنُرِيدُ تَعْرِيفَ أَوْلادِنَا بِهِ، وَنُرِيدُ أَنْ نَتَذَكَّرَهُ"، فَنَقُولُ: سُبْحَانَ اللهِ ! وَهَلْ أَنْتُمْ لا تَتَعَرَّفُونَ سِيرَةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَّا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ؟

إِنَّنَا نَحْنُ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ نَتَقَرَّبُ إِلَى اللهِ وَنَزِيدُ إِيمَانَنَا بِدِرَاسَةِ سِيرَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي كُلِّ حِينٍ وَلَمْ يَزَلْ عُلَمَاؤُنَا يُقِيمُونَ الدُّرُوسَ الْعِلْمِيَّةَ وَالْمُحَاضَرَاتِ الْمَوْسِمِيَّةَ فِي السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ، وَهَذِهِ مُؤَلَّفَاتُهُمْ وَأَشْرِطَتُهُمْ مُسَجَّلَةً وَمَكْتُوبَةً, فَرَبْطُ تَعَلُّمِ السِّيرَةِ وَتَعْلِيمِ أَوْلَادِنَا بِهَذَا الاحْتِفَالِ قُصُورٌ وَخَلَلٌّ فِي حَقِّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: "إِنَّ مَدْحُهُ قُرْبَةٌ نَتَقَرَّبُ بِهَا إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ, وَقَدْ مَدَحَهُ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ"، فَنَقُولُ: نَعْمَ لا شَكَّ فِي ذَلِكَ, فَمَدْحُهُ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ مِنْ غَيْرِ غُلُوٍّ نَحْنُ نَقُولُ بِهِ، وَلَكِنَّ الذِي يَحْصُلُ فِي الْمَوْلِدِ النَّبَوِيِّ هُوَ خِلَافُ ذَلِكَ، بَلْ خِلَافُ مَا حَذَّرَ مِنْهُ هُوَ صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، فَفِي الْمَوْلِدِ يَغْلُونَ فِيهِ وَيَسْتَغِيثُونَ بِهِ، بَلْ وَيَعْتَقِدُونَ حُضُورَهُ فِي هَذَا الاحْتِفَالِ فِي كُلِّ بَلَدٍ فِي الْعَالَمِ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ.

إِنَّهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ حَذَّرَ مِنَ الْغُلُوِّ فِيهِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى الشِّرْكِ كَمَا هُوَ حَاصِلٌ وَإِلَى اللهِ الْمُشْتَكَى, عَنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "لاَ تُطْرُونِي، كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ، وَرَسُولُهُ" (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).

 وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا مُحَمَّدُ يَا سَيِّدَنَا وَابْنَ سَيِّدِنَا، وَخَيْرَنَا وَابْنَ خَيْرِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِتَقْوَاكُمْ, لَا يَسْتَهْوِيَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ، أَنَا مُحَمَّدُ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، وَاللهِ مَا أُحِبُّ أَنْ تَرْفَعُونِي فَوْقَ مَنْزِلَتِي الَّتِي أَنْزَلَنِي اللهُ" (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

فَأَيْنَ هَذَا وَمَا يَحْصُلُ فِي الْمَوْلِدِ النَّبَوِيِّ مِنْ قَصَائِدَ فِي مَدْحِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِمَّا لا يَلِيقُ إِلَّا بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ:

يَا أَكْرَمَ الْخَلْقِ مَا لِي مَنْ أَلُوذُ بِهِ

سِوَاكَ عِنْدَ حُلُولِ الْحَادَثِ الْعَمِمِ

إِنْ لَمْ تَكُنْ آخِذَاً يَوْمَ المعَادِ بِيَدِي

عَفْواً وَإِلَّا فُقُلْ يَا زَلَّةَ الْقَدَمِ

فَإِنْ مِنْ جُودِكَ الدُّنْيَا وَضَرَّتَهَا

وَمِنْ عُلُومِكَ عِلْمُ اللَّوْحِ وَالْقَلَمِ

وَهَذَا شِرْكٌ ظَاهِرٌ، لِأَنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ، وَلِأَنَّ هَذَا الشَّاعِرَ جَعَلَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ مِنْ فَضَائِلِ النَّبِي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, وَجَعَلَ بَعْضَ عُلْمِهِ عِلْمَ اللَّوْحِ المحْفُوظِ، فَمَاذَا بَقِيَ للهِ إِذَنْ ؟

فَهَذِهِ مَدَائِحِهُمْ التِي َيْمَلؤُونَ بِهَا الْمَوْلِدَ النَّبَوِيَّ، فِيهَا غُلُوٌ عَظِيمٌ بَلْ شِرْكٌ ظَاهِرٌ، فَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ وَلا يُقِيلُ الْعَثَرَاتِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَواتِ، أَلَا فَلْنَتَّقِ اللهَ وَلْنَحْفَظْ دِينَنَا وَعَقِيدَتِنَا وَنُنَاصِحَ إِخْوَانَنَا مَا اسْتَطْعَنَا لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَهْدِيَهُمْ.

وَأَمَّا قَوْلُهْمِ: "إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- احْتَفَلَ بِيَوْمِ مَوْلِدِهِ فَصَامَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ".

فَنَقُولُ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى الصَّوْمِ وَلِذَلِكَ نَحْنُ نُرَغِّبُ فِي الصَّيَامِ فِي كُلِّ اثْنَيْنِ، وَلَيْسَ فِي يَوْمِ الْمَوْلِدِ الْمَزْعُومِ, فَتَبْقُونَ طُولَ السَّنَةِ لا تَصُومُونَ ثُمَّ تَصُومُونَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، فَهَذَا فَهْمٌ مَقْلُوبٌ لِلْحَدِيثِ.

فَنَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُرِيَنَا الْحَقَّ حَقَّاً وَأَنْ يَرْزُقَنَا اتِّبَاعَهُ وَأَنْ يُرِينَا الْبَاطِلَ بَاطِلاً وَأَنْ يَرْزُقَنَا اجْتِنَابَهُ وَلا يَجْعَلَهُ مُلْتَبِسَاً عَلَيْنَا فَنَضِلَّ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّد ٍوَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَا يُرَدُّ بِهِ عَلَى مَنْ أَقَامَ الْمَوْلِدَ النَّبَوِيَّ أَنْ نَقُولَ: هَلْ أَقَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوْ خُلَفَاؤُهُ الرَّاشِدُونَ هَذَا الْمَوْلِدَ وَهَذَا الاحْتِفَالَ؟

وَالْجَوَابُ قَطْعَاً: أَنَّهُ لا، وَكَذَلِكَ فَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ الْمُعْتَبَرِينَ، وَإِنَّمَا حَدَثَ بَعْدَ الْمِائَةِ الثَّالِثَةِ وَبَعْدَ ذَهَابِ الْقُرُونِ الْمُفَضَّلَةِ، وَالذِي أَحْدَثَهُ هُمُ الرَّافِضَةُ الشِّيعَةُ فِي الدَّوْلَةِ الْعُبَيْدِيَّةِ الْبَاطِنِيَّةِ الشِّيعِيَّةِ, وَكَانَتْ دَوْلَةً خَبِيثَةً مُحَارِبَةً للهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُسْلِمِينَ، وَحَدَثَ فِيهَا مِنَ الطَّوَامِّ وَالْفَظَائِعِ وَتَقْتِيلِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ مَا يَنْدَى لَهُ الْجَبِينُ، فَهَلْ هَؤُلاءِ قُدْوَةٌ أَوْ يُؤْخَذُ مِنْهِمُ الدِّينُ؟

ثُمَّ إِنَّهُ بَلَغَنَا مِنَ الْإِخْوَةِ الذِينَ تَابُوا مِنْ هَذِهِ الْبِدْعَةِ أَنَّهُ يَحْدُثُ فِيهَا أُمُورٌ تُخَالِفُ الشَّرْعَ وَالْعَقْلَ، فَيَحْدُثُ فِيهَا اخْتِلَاطٌ وَتَزَاحُمٌ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ مِمَّا يُسْتَحْيَا مِنْ ذِكْرِه، وَيَحْدُثُ فِيهَا ابْتِزَازٌ لِأَمْوَالِ الْفُقَرَاءِ بِاسْمِ التَّقَرُّبِ إِلَى الْأَوْلِيَاءِ فِي يَوْمِ الْمَوْلِدِ النَّبَوِيِّ وَيَأْخُذُهُ سَدَنَةُ الْقُبُورِ وَالْأَضْرَحِةِ الْبِدْعِيَّةِ، وَيَحْدُثُ فِيهَا تَعْطِيلٌ لِلْمَصالِحِ وَانْتِشَارٌ لِلْمَفَاسِدِ، وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ وَعَلَيْهِ التُّكْلانُ.

قَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ عَبْدُ الْعَزِيزِ ابْنُ بَازٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: "الْمَوْلِدُ لَمْ يَرِدْ فِي الشَّرْعِ مَا يَدُلُّ عَلَى الاحْتِفَالِ بِهِ، لا مَوْلِدُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلا غَيْرُهُ، فَالذِي نَعْلَمُ مِنَ الشَّرْعِ الْمُطَهَّرِ وَقَرَّرَهُ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الاحْتِفَالاتِ بِالْمَوَالِدِ بِدْعَةٌ لا شَكَّ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرَّسُولَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ أَنْصَحُ النَّاسِ وَأَعْلَمُهُمْ بِشَرْعِ اللهِ، وَالْمُبَلِّغُ عَنِ اللهِ لَمْ يَحْتَفِلْ بِمَوْلِدِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلا أَصْحَابُهُ، وَلا خُلُفَاؤُهُ الرَّاشِدُونَ، وَلا غَيْرُهُمْ، فَلَوْ كَانَ حَقَّاً وَخَيْرَاً وَسُنَّةً لَبَادَرُوا إِلَيْهِ، وَلَمَا تَرَكَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولعَلَّمَّهُ أُمَّتَهُ.." ا.هـ.

فَنَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُفَقِّهَنَا فِي دِينِنَا وَأَنْ يُعِينَنَا عَلَى الثَّبَاتِ عَلَى السُّنَّةِ وَالدَّعْوَةِ إِلَيْهَا، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلَكُ أَنْ تُصَلِيَّ وَتُسَلِّمَ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ، اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا مَحَبَّتَهُ وَاتِّبَاعَهُ ظَاهِرَاً وَبَاطِنَاً.

اللَّهُمَّ أَدْخِلْنَا فِي شَفَاعَتِهِ وَأَسْقِنَا مِنْ حَوْضِهِ وَاحْشُرْنَا فِي زُمْرَتِهِ وَاجْمَعْنَا بِهِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ وَوَالِدِينَا وَإِخْوَانِنَا الْمُسْلِمِينَ.

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِنا دِينِنا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا وَأَصْلِحْ لِنا دُنْيَانا الَّتِي فِيهَا مَعَاشِنا وَأَصْلِحْ لِنا آخِرَتِنا الَّتِي فِيهَا مَعَادِنا وَاجْعَلْ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِنا فِي كُلِّ خَيْرٍ وَاجْعَلْ الْمَوْتَ رَاحَةً لِنا مِنْ كُلِّ شَرٍّ، رَبَّنَا آتِنَا فِي اَلدُّنْيَا حَسَنَةً, وَفِي اَلْآخِرَةِ حَسَنَةً, وَقِنَا عَذَابَ اَلنَّارِ.