البحث

عبارات مقترحة:

البر

البِرُّ في اللغة معناه الإحسان، و(البَرُّ) صفةٌ منه، وهو اسمٌ من...

المقتدر

كلمة (المقتدر) في اللغة اسم فاعل من الفعل اقْتَدَر ومضارعه...

الظاهر

هو اسمُ فاعل من (الظهور)، وهو اسمٌ ذاتي من أسماء الربِّ تبارك...

الفرج قادم

العربية

المؤلف الشيخ د عبدالرحمن السديس
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - التاريخ وتقويم البلدان
عناصر الخطبة
  1. سنة الله في الخلق ماضية .
  2. الناس في صُروف المِحَن صِنفان .
  3. ابتلاء المؤمن كفارة لذنوبه .
  4. المؤمن يوقِن أن الشدائد إلى انقِضاء .
  5. الطغاة لا يغيبون عن عقاب الله .
  6. عبر من القرآن تثبت النفوس .
  7. همة أهل سوريا الأحرار .
  8. بشريات النصر في سوريا .

اقتباس

ما يكونُ من المِحَن في الأفراد والذَّوات يُصيبُ أيضًا الأُمَمَ والمُجتمعات، وها هو واقِعُنا الرَّاهِنُ خيرُ شاهدِ عيانٍ وأصدقُ مُنبِئٍ وبُرهان؛ فكم من أُمَمٍ وانِية عزَّت بعد هُمود، ونهَضَت بعد خُمُود، وسادَت بعد جُحُود! وكم من أقوامٍ بطِروا معيشتَهم تحطَّموا في الوجود، وشيَّعَتهم الدعواتُ السَّاخِطاتُ إلى الأرماسِ واللُّحود؛ جزاءً وِفاقًا بما كان منهم من العِنادِ والكُنُود، والإفسادِ الذي طبَّقَ شرُّه السُّهُولَ والنُّجُودَ، وأشباهُهم -دكَّ الله جِباهَهم- تناسَوا في عُتُوِّهم قوةَ الله التي لا ترُدُّها الحُصون، وسطوتَه التي لا تحُولُ دونَها الوُكونُ ..

إن الحمد لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونتوبُ إليه، سبحانه وبحمده ابتلَى النفوسَ بالسرَّاء والضرَّاء فزكَّاها واحتثَاها، ورقَّاها واصطفاها.

لك الحمدُ حمدًا يملأُ الأرضَ والسما

كثيرًا غزيرًا ما يُعدُّ ويُحسَبُ
لـك الحمدُ يا غفَّارُ ما هلَّ صيِّبٌ بزاخرِ وبْلٍ فيضُهُ ليس ينْضَبُ

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً ندرأُ بها الفتنَ اعتقادًا وشفاهًا، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسوله خيرُ من تصبَّر في النوائبِ فانتصَرَ بفضلِ الله وتلافاها، ومحا معالمَ الظلم والطغيانِ فعفَّاها، اللهم فيا ربِّ صلِّ وبارِك عليه، وعلى آله الطاهرين الميامين أزكى البريَّة قلوبًا وأصفاها، وصحبهِ الكرامِ البَرَرة خيرِ من اعتصَمَ بالشريعة الغرَّاء وتقفَّاها، والتابعين ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين يرجو من الباري رحماته ومُوفَّاها، وسلَّم تسليمًا كثيرًا عديدًا مُبارَكًا مزيدًا.

أما بعد:

فيا عباد الله: خيرُ ما يُوصَى به في أول الأمر وبادئِهِ، وخِتامه وعائِدِه: تقوى الله -عز وجل- في كل الآناء، في الكُرَب واللأواء، والمِحَن والبأساء؛ فتقواه سبحانه تكشِفُ كُرَبًا وقلقًا، وتُبدِّدُ فزعًا وفرَقًا، ويأسًا وأرَقًا، وكم تُحقِّقُ نصرًا وألَقًا، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) [الطلاق: 2، 3].

وتمسَّكوا بجَنـابِ تقوى ربِّكم

كي تسلَموا من سُخطِهِ وعقابِهِ
وتجنَّبوا سبقَ الخُطى فلكم هوَى عبدُ الهوى مـن حِصنِهِ وعُقابِهِ

أمة الإسلام: في حوالكِ الكُروب، ومعامِعِ الخُطوب، ومُدلهِمَّات الدُّروب، وتحت وطأةِ مناسنِ اللُّغوب التي تعتوِرُ المُسلِمَ إبَّان الشدائدِ والضوائق، والأرزاءِ والعوائق؛ تشرئِبُّ النفوسُ إلى إشراقات الطمأنينة، وبشائرِ الانبلاجِ والسَّكينة، وتتطلَّعُ الأرواحُ إلى أرَجِ الرحمات المُسرِّيَات، وعبَقِ النَّفَحات المُسلِّيَات، ويزدادُ الأمرُ إلحاحًا وتأكيدًا في هذه الآونةِ العصيبة، والحِقبةِ التاريخية اللهيبة التي أحدَقَت بأمتِنا اللهيفَةِ من أطرافِها، وتناوشَتْها المِحَنُ من سِواها وأكنافِها، (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [يوسف: 21].

أيها المؤمنون: من استلهَمَ حقائقَ الغِيَر السَّوَالِف، واستنطَقَ دقائقَ الفوادِحِ الخَوالِفِ، وراضَ بصيرتَهُ في رياض الوحيَيْن الشريفين؛ أيقَنَ دون أدنى مَيْن أن المُسلِمَ غرضٌ لفواجِعَ ونوائِب، تذَرُ القلوبَ ذوائِب، سُنَّةُ الله في الخلق ماضية، وحِكمةٌ منه في البرايا قاضية، (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) [محمد: 31].

ولنا في إمام الأتقياء -صلى الله عليه وسلم- خيرُ قُدوةٍ وعزاء، والناسُ في صُروفِ المِحَن صِنفان:

من أناخَ رِكابَهُ في جنبِ الله واستكفاه، وتوكَّل عليه ورجاه، (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطلاق: 3].

والصِّنفُ الثاني: من إذا ضافَتْه رزِيَّةٌ جَزِعَ وتسخَّطَ، وفي أودِيَةِ اليأسِ اضطربَ وتخبَّطَ، وظنَّ بالله الظنُون، واستصرَخَ ريبَ المَنون، (مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ) [الحج: 15].

فضاؤُهُ سبحانه نافِذٌ صائر، وحُكمُه في البريَّة سائِر، لا رادَّ لما قدَّرَه، ولا مُعقِّبَ لما أبرَمَه ودبَّرَه، وما يمَسُّ المُؤمِنَ من فوادِحَ وضرَّاء، ومِحَنٍ وبأساءٍ فهو لفريقٍ كفَّارةٌ وإمهالٌ، وتذكيرٌ بالرَّغَب والرَّهَب والابتِهال، ولآخرين مَرقاةٌ لدرجاتِ الكمال. فلا يضجَرنَّ المؤمنُ البصيرُ إنْ عَراهُ خَطبٌ عسير؛ فأثبتُ الناسِ عند الصُّروف وأعظمُهم صبرًا أفضلُهم عند الله منزلةً وقدرًا، وما يبتلِي اللهُ عبدَه إلا ليُطهِّرَه من الذنوب أو يُعظِمَ له أجرًا، (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) [البقرة: 177].

وجلَّت حكمةُ الله عن الإعناتِ والتعذيبِ؛ بل هي للاجتباءِ والرحمةِ والتهذيبِ، (فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) [النساء: 19]، فدونَ الشهدِ لا بُدَّ من إبَرِ النَّحْلِ، ودون الرُّطَب سُلاَّءُ النَّخْلِ: (وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ) [محمد: 4].

إخوة العقيدة: والمؤمنُ راسِخُ الإيمان يُوقِنُ أن الشدائدَ -لا مَحالةَ- إلى تقشُّعٍ وانقِضاء، متى فزِعَ إلى من بيده تصاريفُ القضاء، فكأيٍّ من مكروهٍ وافاه الفرَجُ في طرفَة عينٍ، وتضوَّعَ منه السرورُ دون عناءٍ وأَيْن.

إذا اشتملَت على اليأسِ القلوبُ

وضاقَ لما به الصدرُ الرَّحيبُ
أتـاكَ عـلى قنـوطٍ منك أمرٌ يمُنُّ بـه اللطيفُ المُستجيبُ

معشر المسلمين: وما يكونُ من المِحَن في الأفراد والذَّوات يُصيبُ أيضًا الأُمَمَ والمُجتمعات، وها هو واقِعُنا الرَّاهِنُ خيرُ شاهدِ عيانٍ وأصدقُ مُنبِئٍ وبُرهان؛ فكم من أُمَمٍ وانِية عزَّت بعد هُمود، ونهَضَت بعد خُمُود، وسادَت بعد جُحُود! وكم من أقوامٍ بطِروا معيشتَهم تحطَّموا في الوجود، وشيَّعَتهم الدعواتُ السَّاخِطاتُ إلى الأرماسِ واللُّحود؛ جزاءً وِفاقًا بما كان منهم من العِنادِ والكُنُود، والإفسادِ الذي طبَّقَ شرُّه السُّهُولَ والنُّجُودَ، وأشباهُهم -دكَّ الله جِباهَهم- تناسَوا في عُتُوِّهم قوةَ الله التي لا ترُدُّها الحُصون، وسطوتَه التي لا تحُولُ دونَها الوُكونُ، وجبرُوتَه الذي لا يعزُبُ عنه الانسِرابُ والكُمُون.

أنَّى كان طاغيةُ الشامِ ويكونُ؟! وإن كان في عُقر القِلاعِ الحَصينةِ المَشيدة، وخلفَ المتارِسِ الشديدة؛ فاللهُ المُنتقِمُ طَليبُه، والديَّانُ الجبَّارُ حَسيبُه؛ جزاءَ بغيِهِ وطُغيانه، وتمرُّده وعُدوانه، فاللهم دمِّر أهلَ الظلم والطُّغيان والعِناد، كما دمَّرتَ قومَ نوحٍ وعاد، وثمود وفرعون ذي الأوتاد.

أتُداسُ أقـداسُ الجُدود تعنُّتًا

ومساجِدُ التقوى تُهانُ وتُزدَرَى
ودمُ الثَّكَالَى واليَتَامَى مُهرَقٌ يجـري على أشلائهم مُتحدِّرًا

وإزاءَ تلك العظائمِ القواصِم، والويلاتِ الحواطِم، تتوهَّجُ في الأفئدةِ أقباسُ الغضبِ والحمِيَّة، وتتردَّدُ في نفوسِنا الكَلْمَى لوعَاتُ الفَجيعةِ الدموِيَّة حِيالَ أولئك الجَلاوِزَةِ العُتاة، والجَعاظِرَة القُساة، الذين تأجَّجَت في عيونِهم جُدَى التدمير والتَّنكيل، واسوَدَّت في قُلوبهم جِمارُ الإبادةِ والتَّقتيل، رُعونةٌ تجاوَزَت النَّظير، وصَفاقَةٌ فاقَت المَثِيلَ، مما يتطلَّبُ -وعلى الفورِ- وقفَ العُنفِ وإراقةِ الدماءِ، ويُؤذِنُ بكارثةٍ إنسانيةٍ لن ينسَها التاريخُ المُعاصِر.

وإن دماء أُهدِرَت سوف يصطلِي

بموَّارها الطُّغيـان والـمارِدُ النَّكْرُ
فإن يجرِي في الأعماقِ تيَّارُ ثأرها فقد ضاقَت الأرواحُ وامتلأَ الصَّدرُ

أيها المسلمون: وفي كتابِ ربِّنا أعظمُ العِبَر والدُّروس، والعِظاتِ التي تُثبِّتُ النفوس، نفوسَ الأعِزَّة القِلَّة، والأبطال الأجِلَّة، الذين يُقارِعون الطُّغاة في دمشق الصامِدة، وحلَبَ الشَّهباء، وحِمصَ الصابِرة، وإدلب وحماةَ الباسِلة، ودَرعا وبابا عمرو، وسِواها من تلك الرُّبُوع الشامخة؛ فدمشقُ دمعٌ لا يُكفكَف، وآهاتٌ لا تُخفَّف، لكنَّ بشائرَ النصر تلُوح، وراياتِهِ خفَّاقةٌ تُرفرِف: (مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ) [الحشر: 2]، (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ) [البقرة: 249].

الله أكبر، الله أكبر! إنه النصرُ المُبينُ المُؤزَّر؛ فاللهَ اللهَ في الصبر والثبات: (فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال: 45، 46].

إخوة الإسلام: وإن المقاصِد العظيمة والغاياتِ السَّامِية النَّبيلة لإخواننا في سُوريا المُضمَّخة بنور العقيدة لتتَهاوَى حِيالَها شُمُّ المتارِسِ والمَعاقِل، ويُؤازِرُها كلُّ غَيُورٍ عاقل، ولا يُصادِمُها إلا فَدْمٌ أعيَى من باقِل؛ كيف وشِعارُهم: الله أكبر، ولن نركَعَ إلا لله، (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ) [الحج: 40]، (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد: 7]، ونِعْمَ الشِّعار! وثَغرُهم دارُ الشامِ، ونِعمَ الدَّارِ! أولئك الذين يستجمِعون أخلاقَ النصر وأسبابَه، وايْمُ الله هم المُنتصِرون، والذين يستلئِمون بأخلاقِ الهزيمةِ هُمُ المُنهزِمون.

يا رِجالَ الإسلام هُبُّوا وكونوا

دائـمًا للبُغـاةِ بالمـِرصادِ
لا يـرُدُّ الحُقـوقَ إلا إبـاءٌ يصطلِي من أُوارِهِ كلُّ عادِي

أمة النصر والأمجاد: وإننا لنتفاءَلُ -بإذن الله- بانبِلاجِ صُبح النصر المُبين، في كل مكانٍ على الظِّرابِ والآكام لإخواننا في بلاد الشامِ الأبِيَّة، هاتِفين: صَبرًا صَبرًا؛ فإن مع العُسرِ يُسرًا، إنَّ مع العُسر يُسرًا، ومع اليُسر نصرًا، وطُوبَى لكم طُوبَى، وستبرُقُ بين بيارِقِكم بوعدِ الله بوارِقُ الفجر، وتباشيرُ النصر، وسيُسطِّرُ التاريخُ بمِداد البُطُولةِ ملحَمَة العِزَّة والفخر؛ فالبغيُ مهما زمجَرَ فإلى تتبيرٍ وزَوالٍ، ومهم دمَدَمَ فإلى غُبُورٍ ودَوالٍ.

يا ربِّ حِمصٌ مُزِّقَت أوصالُها

والسِّترُ يُهتَكُ في رُبوعِ الشَّامِ
فاجعَل عـيونَ المؤمنين قريرةً بدمشـق ترفعُ رايةَ الإسلامِ

ألا بحبلِ الله فاستعصِموا، وبالعزيز القدير استنصِروا، تُنصَروا وتستبصِروا: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) [البقرة: 214]، (أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ)، (أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ).

بارك الله ولي ولكم في الوحْيَيْن، ونفعني وإياكم بهَدي سيدِ الثَّقَلَيْن، أقول قولي هذا، وأستغفرُ الله العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولسائر المُسلمين من كل خطيئةٍ وإثمٍ، (إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) [يوسف: 100]، وتوبوا إليه واستغفِروه؛ إنه هو الغفورُ الرحيمُ.

الخطبة الثانية:

الحمد لله العزيز الديَّان، ناصِر المُستضعَفين من أهل الإيمان، وقاصِم جبابِرة البَطشِ والطُّغيان وإن طالَ الأَوَان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن نبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه، نهَى العالمين عن البَغيِ والعُدوان، وصدَّ المارِدين بالحُجَّة والسِّنان، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله الطاهرين ساداتِ الزمان، وصحبِهِ الأُلَى كانوا من الليل القُوَّامَ والرُّهبان، ومن النَّهار الدُّعاةَ والفُرسان، والتابعين ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيا عباد الله: اتقوا الله حقَّ تقواه، ولتَهْنِكم بشائرُ النصر -بإذن الله-؛ فالظلمُ مرتَعُه وَخيم، والظالمُ منبوذٌ لئيمٌ، ومصرَعُهُ -لا محالةَ- وشيكُ الذَّميم، واستيسقنوا -رحمكم الله- أن النصرَ مع الثباتِ والاصطِبار، والظَّفَرَ قرينُ الاعتِصام بالواحدِ القهَّار.

إخوة الإيمان: وهذه المرحلةُ الحرِجَة في مسارِ أمتنا مطِيَّةٌ ذَلول لمزيدِ التمالُؤ المُستذئِب من قِبَلِ المُتربِّصين المَكَرة، والشَّانِئين الغَدَرة، وهذا التمحيصُ شطر الاجتِباء والتخليص هو المِسبارُ الكاشِفُ لمقدار ثباتِ الأُمَّة وتلاحُمها، واتحادِها وتراحُمِها، ومن المُثُلِ والعِبَر التي تُزجَى وتُساقُ: ما أصابَ المُسلمين يوم أُحُدٍ من البلاء، ورغمَ ذلك ظهرَ دينُ الله وعَزَّ، وانتشرَ وبَزَّ.

وتلك المُثُلُ والقِيَمُ هي التِّرياقُ الشافِي، والبَلْسمُ الوافِي للحقائق المُشرِقة التي تسيرُ على نُورِها وهُداها الفُلولُ المُسلِمةُ في أرض الشام، وفلسطين ضدَّ الصهايِنة اللِّئامِ، وملءُ قلوبِهم وقلوبِنا: النصرُ للإسلام، والفوزُ للإسلام، والمجدُ للإسلام، بإذن الله الملكِ العلام، وإن تكالَبَ عليهم ضِئضِئُ الإرهاب والإجرام: (فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) [الروم: 47]، (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) [يوسف: 110].

فإيمانُنا بـالنصرِ رغـمَ عُتُوِّكم

كـإيماننا بإلهِنـا القـادِرِ الفَرْدِ
متى صدَقَت منَّا النَّوَايا وأخلَصَت فنحنُ مع النصرِ المُبينِ على وعدِ

وبعدُ:

معاشر الأحِبَّة: فلكَم تقتضِينا أُخُوَّتُنا القَعْساء، وعقيدتُنا الشمَّاء مُؤازَرَةَ أهالينا في سُوريا الفَيْحاء، وفلسطين الإِباء؛ ليُحقِّقوا الأمنَ والانتِصار، وحقنَ الدماء والاستِقرار، ولو تجرَّعنا لأجل ذلك كُؤوسَ الصبرِ المِرار، وأن نصطبِرَ على ما أصابَنا، وأن لا نشكُو إلا إلى الله أوصَابَنا، فسُودُ النوائِب لطالَما أسفَرَت عن نيْلِ الأماني والرَّغائِب، والخَطْبُ الجَلَلُ بريدٌ لأزكى الأمَل، بإذن الله -عزَّ وجل-، (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ) [آل عمران: 139- 141].

هذا، وصلُّوا وسلِّموا -رحمكم الله- على سيد الأنامِ، وقُدوةِ أهل الإسلام، الصابرِ على المِحَن بتوكُّلٍ على الله واستِعصامٍ؛ فقد أمرَكم بذلك المَولَى في كتابِهِ عزيزِ النِّظام، فقال تعالى قولاً كريمًا بديعَ الإحكام: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

وفي جامع الترمذي عن أُبَيِّ بن كعبٍ -رضي الله عنه- قال: قلتُ: يا رسول الله: كم أجعل لك من صلاتي؟! قال: "ما شئتَ". قلتُ: أجعلُ لك صلاتي كلَّها؟! قال -صلى الله عليه وسلم-: "إذًا تُكفَى همَّك، ويُغفَرُ لك ذنبُك".

ومحبَّةُ الهادي الصلاةُ عليه من

ثغرٍ ومن قلبٍ دُعاءً حاضِرًا
صلَّى عليـك اللهُ فـي قُرآنِهِ والمؤمنونَ أماجِدًا وأكابِرًا

اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على الرحمة المُهداة، والنِّعمةِ المُسداة: نبيِّنا محمدِ بن عبد الله، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم برحمتك وكرمك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمُشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل هذا البلدَ آمنًا مُطمئنًّا سخاءً رخاءً وسائرَ بلاد المُسلمين.

اللهم آمِنَّا في أوطاننا، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، اللهم آمِنَّا في دُورِنا، وأصلِح أئمتَنا وولاة أمورنا، وأيِّد بالحق إمامَنا خادمَ الحرمين الشريفين، اللهم وفِّقه لما تحبُّ وترضى، وخُذ بناصيتِه للبرِّ والتقوى، اللهم وفِّقه ووليَّ عهده وإخوانه وأعوانه إلى ما فيه عِزُّ الإسلام وصلاحُ المُسلمين، وإلى ما فيه الخيرُ للبلاد والعبادِ يا مَن له الدنيا والآخرةُ وإليه المعاد.

اللهم انصُر إخواننا المُسلمين في كل مكانٍ، اللهم انصُر إخواننا المُستضعَفين في دينهم في كل مكانٍ، اللهم انصُرهم في سُوريا، اللهم انصُر إخواننا في بلاد الشام، اللهم انصُر إخواننا في بلاد الشام، اللهم احقِن دماءَهم، اللهم احقِن دماءَهم، اللهم احقِن دماءَهم، وصُن أعراضَهم، اللهم اشفِ مرضاهم، وعافِ جرحاهم، وفُكَّ أسراهم، اللهم عافِ مُبتلاهم، اللهم اقبَل موتاهم في الشُّهداء يا سميعَ الدُّعاء.

اللهم عليك بطاغية الشام ومن مالأه يا ذا الجلال والإكرام، اللهم عليك بالصهاينة المُعتدين فإنهم لا يُعجِزونك.

اللهم أنقِذ المسجدَ الأقصَى من بَراثِنِ اليهود المُعتدين، والصهاينة المُجرمين، يا قويُّ يا عزيزُ، يا جبَّارُ يا مُنتقِم، يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم انصُر المُسلمين في كل مكان على عدوِّهم وعدوِّك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم إنهم مظلومون فانصُرهم، اللهم إنهم مظلومون فانصُرهم، اللهم إنهم مظلومون فانصُرهم، يا مُجيبَ دعوة المُضطرين، يا كاشِفَ السُّوء، يا ناصِر المُستضعفين، يا مُنجِيَ المؤمنين.

نَدرأُ بك اللهم في نُحورِ أعدائهم، ونعوذُ بك اللهم من شُرُورهم، اللهم عليك بأعدائهم وخُذهم أخذَ عزيزٍ مُقتدرٍ يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم اغفر للمُسلمين والمُسلِمات، والمؤمنين والمؤمنات، وألِّف بين قلوبهم، واهدِهم سُبُل السلام، وجنِّبْهم الفواحِشَ والفِتَن ما ظهرَ منها وما بطَنَ.

اللهم اشفِ مرضانا، اللهم اشفِ مرضانا، وارحم موتانا، اللهم ارحم موتانا برحمتك يا أرحم الراحمين.