المؤمن
كلمة (المؤمن) في اللغة اسم فاعل من الفعل (آمَنَ) الذي بمعنى...
العربية
المؤلف | ملتقى الخطباء - الفريق العلمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الإيمان بالله |
ومن الأساليب التربوية لتنشئة الأبناء على الإيمان: حثهم على مصاحبة الصالحين؛ فإن في ذلك إعانة للأبناء على حفظ إيمانهم، وصيانة لأخلاقهم؛ حيث أن الصديق الصالح كحامل...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي أنعم علينا بالإيمان، وأرشدنا بالعروة الوثقى الموصلة للجنان، وفضلنا على كثير ممن خلق من الإنس والجان، ووهب لنا الذرية الحسنة من الغلمان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أنزل الهدى على نبيه العدنان، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وخير إنسان، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، أما بعد:
أيها المؤمنون: إن من أعظم نعم الله -تعالى- على عباده نعمة الأبناء؛ فبهم تبتهج قلوب الأمهات والآباء، ومعهم يزول الكثير من العناء، وبحسن تربيتهم وتنشئتهم يعظُمُ الخير والعطاء، ويحصل للوالدين الإحسان والوفاء، وإن أعظم ما يجب أن يربي المسلم أبناءه عليه؛ تربيتهم على الإيمان الصحيح الذي به سعادة الدنيا والآخرة؛ وسنقف في هذا المقام مع أساليب غرسه في قلوب الناشئة والفتيان؛ ألا وإن من الأساليب التربوية التي تعين على إعداد الفتية المؤمنة ما يلي:
دعاء الأبوين للأبناء وسؤال الله لهم الهداية إلى توحيده والإيمان به وسلوك سبيله الذي ارتضاه لعباده، وهذا منهج الأنبياء وطريقة المصلحين والأولياء، وقد ذكر الله في كتابه العزيز دعوة إبراهيم -عليه السلام- لذريته بأن يحميهم من الزيغ والضلال؛ فقال -سبحانه وتعالى-: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ)[إبراهيم: 35]، وليس الدعاء مقتصرا على الآباء فقط؛ بل ينبغي على كل المربين والمعلمين الدعاء لمن أوكل إليهم تربيته وتنشئته النشأة الإيمانية الصحيحة؛ كما فعل النبي الأمين -صلى الله عليه وسلم- مع ابن عباس وغيره من أبناء الصحابة؛ يقول ابن عباس -رضي الله عنهما-: "ضمني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: "اللهم علمه الكتاب"، وفي رواية: "اللهم علمه الحكمة"، وفي أخرى: "الله فقهه في الدين".
ومن الأساليب -أيها الكرام-: تعليم الأبناء العقيدة الصحيحة وغرس محبتها في قلوبهم منذ الصغر؛ كما فعل المعلم الأول محمد -عليه الصلاة والسلام- في تربيته لابن عباس -رضي الله عنهما-؛ حيث قال: كنتُ خلْفَ النَّبيِّ -صلّى اللهُ عليه وسلَّم- يومًا فقال: "يا غلامُ إني أُعلِّمُك كلماتٍ: احفَظِ اللهَ يَحفظْكَ احفَظِ اللهَ تَجدْهُ تُجاهَك، إذا سألْتَ فاسأَلِ اللهَ، وإذا استعنْتَ فاستعِنْ باللهِ، واعلَمْ أنَّ الأُمَّةَ لو اجتمَعَتْ على أنْ يَنْفَعوكَ بشَيءٍ، لم يَنْفَعوكَ إلّا بشَيءٍ قد كتبَهُ اللهُ لك، وإنِ اجْتمعوا على أنْ يَضُروكَ بشَيءٍ، لم يَضُروكَ إلّا بشَيءٍ قد كتبَهُ اللهُ عليك، رُفِعَتِ الأقلامُ، وجَفَّتِ الصُّحُفُ"(رواه الترمذي)، وفي روايَةٍ عند أحمد ابن حنبل -رحمه الله-: "احفَظِ اللهَ تَجدْهُ أمامَكَ، تَعرَّفْ إلى اللهِ في الرَّخاءِ يَعرِفْكَ في الشِّدَّةِ، واعلَمْ أنَّ ما أخْطأَكَ لم يكنْ ليُصيبَكَ، وما أصابكَ لم يكنْ لِيُخْطِئَكَ، واعلَمْ أنَّ النصرَ مع الصبرِ، وأنَّ الفَرَجَ مع الكرْبِ، وأنَّ مع العُسرِ يُسرًا".
وهكذا كان سلف الأمة يعلمون أبناءهم العقيدة الصحيحة ويغرسونها في قلوبهم منذ الصغر لما يدركون من رسوخ ما يتلقونه في هذه المرحلة من المعتقد الصحيح والعلم والمعرفة، وقد ذكر الحافظ السيوطي -رحمه الله- في قوله: "تعليمُ الصبيانِ القرآن أصلٌ من أصول الإسلام؛ فينشؤون على الفطرة، ويسبق إلى قلوبِهِم أنوارُ الحكمة قبل تمكن الأهواء منها، وسوادها بأكدار المعصية والضلال".
وقد تناقل الناس عبر التاريخ والعصور أن اللذين تعلموا في الصغر أصبحوا منارات هداية ودليل كل مريد للمعرفة والدراية، وصدق الشاعر؛ حيث قال:
ومن لم يذق مُر العَلُّمِ ساعةً | تجرع ذُل الجهلِ طُول حياتِهِ |
ومن فاتهُ التعلِيمُ وقت شبابهِ | فكَبِّر عليه أربعاً لِوفاتِهِ |
وذاتُ الفتى والله بالعِلمِ والتُّقى | إذا لم يكونا لا اعتِبارَ لِذاتِهِ |
ومن الأساليب التربوية النافعة في غرس الإيمان: تعويدهم على فعل الفرائض من الصغر؛ كالصلاة فهي من الإيمان بدليل قوله -تعالى-: (وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُم إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)[البقرة:143]، وأما دليل الحث عليها قوله -تعالى-: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا)[طه:132]؛ قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "حافظوا على أبنائكم في الصلاة، ثم تعوَّدوا الخير؛ فإن الخير بالعادة".
وقال النبي -صلوات ربي وسلامه عليه-: "مُرُوا أولادَكم بالصلاةِ وهم أبناءُ سَبْعِ سِنينَ، واضْرِبوهم عليها وهم أبناءُ عَشْرِ سِنينَ".
ومثلها الصوم؛ فقد كان بعض السلف يأمر بنيه به إذا أطاقوه وبالصلاة إذا عقلوا؛ كما روت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: "أنهم كانوا يأخذون الصبيان من الكُتَّاب ليقوموا بهم في رمضان، ويرغبوهم في ذلك عن طريق الأطعمة الشهي".
وقال سهل بن عبد الله التستري قال: "كنت وأنا ابن ثلاث سنين أقوم بالليل؛ فأنظر إلى صلاة خالي محمد بن سوار".
ومن الأساليب التربوية في غرس الإيمان: التحلي بالأخلاق الفاضلة وتنشئة الأبناء على محبتها والاتصاف بها وبغض السلوكيات الخاطئة والحذر من الإصابة بها؛ إذِ الأخلاق من الإيمان كما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا إيمانَ لِمَن لا أمانةَ له، ولا دِينَ لِمن لا عهدَ له"(أخرجه أحمد وصححه الألباني)؛
ومن الأساليب التربوية: القدوة الحسنة فالناشئة يتأثرون بالقدوة أكثر من تأثرهم بالتعليم النظري؛ كما أنهم يحبون تقليد ومحاكاة الكبار إيجابا وسلبا في كل ما يرونه فيهم وينشؤون على ذلك، ويصدق ذلك، قول الشاعر:
وينشأ ناشئ الفتيان منا | على ما كان عوده أبوه |
ومن الأساليب التربوية المعينة على غرس الإيمان في قلوب الناشئة: اختيار الزوجة الصالحة، وقد حدد الإسلام ضوابط الصلاح وجعل في مقدمتها؛ الدين وصحة العقيدة؛ كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ"(رواه البخاري ومسلم).
وقال أبو الأسود الدؤلي لبنيه: "قد أحسنت إليكم صغارا وكبارا، وقبل أن تولدوا، قالوا: وكيف أحسنت إلينا قبل أن نولد؟ قال: اخترت لكم من الأمهات من لا تسبون بها".
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
عباد الله: ومن الأساليب التربوية لتنشئة الأبناء على الإيمان: حثهم على مصاحبة الصالحين؛ فإن في ذلك إعانة للأبناء على حفظ إيمانهم، وصيانة عقيدتهم؛ حيث أن الصديق الصالح كحامل المسك؛ كما أخبر بذلك إمام المربين وأسوة المعلمين في حديث أبي موسى الأشعري عبدالله بن قيس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَثَلُ الجَلِيسِ الصّالِحِ والسَّوْءِ، كَحامِلِ المِسْكِ ونافِخِ الكِيرِ؛ فَحامِلُ المِسْكِ: إمّا أنْ يُحْذِيَكَ، وإمّا أنْ تَبْتاعَ منه، وإمّا أنْ تَجِدَ منه رِيحًا طَيِّبَةً، ونافِخُ الكِيرِ: إمّا أنْ يُحْرِقَ ثِيابَكَ، وإمّا أنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً"(رواه البخاري ومسلم).
أيها المسلم: أبناؤك أمانة في رقبتك، وهم بأمس الحاجة إلى رعايتك واهتمامك؛ فلا يتركن أحدكم أبناءه في بحر الحياة الدنيا بفتنها ومغرياتها دون تعليمه أسس السلامة فيها وتجاوز أمواجها وظلماتها، يقول الله -عز وجل- في محكم كتابه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)[التحريم:6].
فلنتَّق الله في أنفسنا، ولنتق الله في أولادنا، ولنسع في إعانتهم على البر والتقوى.
اللهم اجعل أولادنا حفظة لكتابك ودعاة في سبيلك ومبلغين عن رسولك، اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبهم وشفاء لصدورهم ونوراً لأبصارهم، واحفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم.
اللهم أجب دعاءنا، وأعطنا سؤلنا وحقق آمالنا، ورجاءنا واجعل الخير فيما دعوناه يا رب العالمين، واجعل أعمالنا صالحة خالصة لوجهك الكريم يا الله وتقبلها منا ومن جميع المسلمين يا أرحم الراحمين يا رب العالمين.
وصلوا وسلموا كثيرا على من أمركم الله بالصلاة عليه حين قال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله الطاهرين، والصحابة العابدين، ومن تبعهم بإحسان من الصالحين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.