البحث

عبارات مقترحة:

الرب

كلمة (الرب) في اللغة تعود إلى معنى التربية وهي الإنشاء...

الولي

كلمة (الولي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (وَلِيَ)،...

القابض

كلمة (القابض) في اللغة اسم فاعل من القَبْض، وهو أخذ الشيء، وهو ضد...

قصة يوسف سلوة الأحزان (2)

العربية

المؤلف عادل العضيب
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التاريخ وتقويم البلدان - أعلام الدعاة
عناصر الخطبة
  1. تأملات في قصة يوسف عليه السلام .
  2. سجين العفة .
  3. أهمية الاعتصام بالله عند الشدائد والمحن .
  4. وقفات مع أحوال يوسف في السجن .
  5. تأويل حلم الملك وخروج يوسف من السجن وظهور براءته .
  6. حكم من يطلب المنصب لنفع الناس. .

اقتباس

توعدته بالسجن إذا لم يستجب لها ويزني بها، لكن يوسف اختار السجن على أن يزني. يسافرون ليزنون، يدفعون الآلاف ليزنون، يبتزون البنات بالصور والمكالمات حتى يزنون، أما يوسف فيُدعى للزنا ويهدد بالسجن والذلة والصغار (وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ)؛ فاختار السجن على الفاحشة، يوسف سجين العفة (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) عذره كان موجودًا، أنا مجبر حتى لا أسجن، حتى لا أعذب، حتى لا أهان، لكنه أبى واختار السجن، واستعاذ بالله من شرهن وكيدهن...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعنيه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الناصح الأمين.. اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين:

 أما بعد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].

عباد الله: في الجمعة الماضية تركنا يوسف -عليه السلام- منتصرًا قد بانت براءته أمام العزيز، والذي طلب منه ألا يخبر أحدًا بما فعلته زوجته، لكن الخبر انتشر وذاك لأمر قدر الله أن يكون، فسبحانه من مالك جلَّ واقتدر.

انتشر أمر مراودة امرأة العزيز يوسف عن نفسه، وتكلمت نساء في المدينة بما فعلت امرأة العزيز: (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ) [يوسف:30].

لما سمعت امرأة العزيز بما قالت النسوة أرادت أن تبدي عذرها فأرسلت إليهن، وهذا يبين أن من تكلم من نساء الأمراء والكبراء، أرسلت إليهن وأعدت المجلس ووضعت فيه ما يقطع بالسكاكين، وأعطت كل واحدة منهن سكينًا، ثم أخرجت يوسف عليهن، فلما رأينه أعظمن شأنه وأجللن قدره وجعلن يقطعن أيديهن بدلاً من قطع الأترج (وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ) [يوسف:31].

لأنهن لم يرين في البشر شبيهًا له ولا قريبًا منه، فقالت امرأة العزيز: أنتن من نظرة واحدة فعلتن هذا فكيف أُلام أنا!! فقلن لها لا نرى عليك من لوم بعد الذي رأينا.

قالت (فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ) ثم اعترفت بأنها راودته عن نفسه (وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ) أي طلب العصمة.

وهذا حال المؤمن يلتجئ إلى ربه إذا نزل به ما يكره، لأنه يعلم أنه لا حول ولا قوة له إلا بالله.

ثم توعدته بالسجن إذا لم يستجب لها ويزني بها، لكن يوسف اختار السجن على أن يزني.

يسافرون ليزنون، يدفعون الآلاف ليزنون، يبتزون البنات بالصور والمكالمات حتى يزنون، أما يوسف فيُدعى للزنا ويهدد بالسجن والذلة والصغار (وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ) [يوسف:32]، فاختار السجن على الفاحشة، يوسف سجين العفة (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) عذره كان موجودًا، أنا مجبر حتى لا أسجن، حتى لا أعذب، حتى لا أهان، لكنه أبى واختار السجن، واستعاذ بالله من شرهن وكيدهن.

فقد كانت واحدة وأصبحن كثيرات فربما انهار أمامهن، لذا قال: (وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ * فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [يوسف: 33- 34].

سميع لمن دعاه، فما اعتصم عبد بالله إلا عصمه، وكان له هاديًا ومعينًا، لكنهم قرروا سجن يوسف بعدما ظهرت الأدلة على عفته ونزاهته، قال الله: (ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ) أي: الأدلة على براءته (لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ) [يوسف:35].

يقاد للسجن ظلمًا ويمكث فيه سنوات، وفي هذا تسلية لكل من سُجن ظلما فقد سُجن النبي الرسول يوسف -عليه السلام-.

دخل يوسف السجن ودخل معه فتيان رأى كل واحد منهما رؤيا فقص كل واحد منهما رؤياه على يوسف، لما كان عليه من الإحسان (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [يوسف:36].

كان عليه الصلاة والسلام قد اشتهر في السجن بالجود والأمانة وصدق الحديث، (قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا) فأخبرهما بأنهما مهما رأيا في المنام من رؤيا فإنه يعرف تفسيرها، وسيخبرهم بتأويلها قبل وقوعها.

ثم بين لهما أن هذا من فضل الله عليه ومنتّه لا من ذكائه وكسبه (ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي) وهذا حال المؤمن يقر بنعمة الله عليه وينسب النعمة له وحده كما قال الله (وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ).

ثم استغل إقبالهما عليه وقبل أن يخبرهما بتأويل الرؤيا دعاهما إلى توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له ونبذ ما كان عليه أهل زمانهم من الشرك بالله (إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ * وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللّهِ مِن شَيْءٍ ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ * يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) [يوسف: 37 - 40].

ما ترك الدعوة إلى الله ولا غفل عنها، بل اختار أنسب الأوقات لها مع أنه في السجن وفي هذا درس لنا بأن نحرص على الدعوة إلى الله، ندعو من كفر وقد امتلأت بلادنا بالكفار من خدم ومزارعين وغيرهم، وندعو من ضل من المسلمين وقد قال الله: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [فصلت:33].

ثم شرع بتعبير ما رأوا، وأخبرهما أن أحدهما يخرج من السجن ويكون ساقيًا للملك يسقيه الخمر، وأن الآخر يُصلب فتأكل الطير من رأسه، لكن لم يعين من يخرج ومن يصلب؛ لئلا يحزن من يصلب.

ثم قال خفية (والعلم عند الله) للذي سيخرج (اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ) أي الملك اذكر للملك قصة يوسف الذي سجن ظلمًا.

لكن الشيطان أنسى الساقي ذكر يوسف للملك، فلبث يوسف في السجن بضع سنين، قيل سبع وقيل أكثر، قال الله (وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ) [يوسف:42].

ولما أراد الله خروج يوسف أوجد السبب وهو رؤيا الملك، وفي هذا موعظة لكل مبتلى أن يتعلق بالله لا بأحد سواه، فإنه إذا أراد أمرًا يسَّر أسبابه؛ لا مانع لحكمه ولا راد لقضائه.

رأى الملك سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات، فهالته الرؤيا وتعجب منها، وجمع الكهنة وكبار الدولة وسألهم عن تأويلها فلم يعرفوا ذلك، واعتذروا إليه بأنها أضغاث أحلام، عند ذلك تذكر الفتى الذي نجا من السجينين يوسف -عليه السلام- فقال (أَنَاْ أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ) إلى السجن إلى يوسف الصديق، فبعثوه فقص الرؤيا على يوسف، وانظروا لخلق النبي الكريم -عليه السلام- وسلامة صدره وطهارة قلبه، ما عاتب الفتى ولا ناقشه مع أنه نسيه هذه السنين وما اشترط الخروج من السجن لتعبير الرؤيا.. يا الله على هذا القلب وعلى هذه النفس!

بل عبر الرؤيا مباشرة -عليه السلام- فما أنقى قلبه، عبر يوسف الرؤيا وأخبر أن البقرات السبع السمان مع السنبلات السبع الخضر تدل على سبع سنوات خصيبة؛ يكثر فيها الزرع والخير، وأن البقرات العجاف مع السنبلات السبع اليابسات تدل على سبع سنوات قحط وجدب.

وأرشدهم للادخار من سنوات الخضب والرخاء لسنوات القحط والبلاء (فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ) [يوسف:47]، وقال: (فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ) لأنه إذا كان في سنبله لن يفسد ويخرب، ثم بشره أنه بعد سنوات القحط والجدب عام فيه يغاث الناس أي ينزل المطر وتكثر الزروع ويعصروا ما كانوا يعصرون من زيت ونحوه.

وفي هذا إشارة إلى أن بعد الشدة فرجًا وبعد الضيق مخرجًا، وبعد العسر يسرًا، قال عليه الصلاة والسلام: "واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا".

قال تعالى: (يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ * قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ) [يوسف: 46- 49].

رجع الساقي إلى الملك، وأخبره بتعبير يوسف للرؤيا، وبما أوصى به.

 لكن بم رد الملك على تعبير يوسف؟ هذا ما سنعرفه في الخطبة الثانية.

قلت ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي كان بعباده خبيرًا بصيرًا، وتبارك الذي نزَّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرًا، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه تسليمًا كثيرًا..

أما بعد: فيا معاشر المسلمين: لما سمع الملك تعبير يوسف للرؤيا أُعجب بتعبيره، وأيقن بوقوع الرؤيا كما عبرها يوسف، وأدرك فضل يوسف وحُسن خلقه -عليه السلام-، فأمر بإخراجه من السجن وإحضاره إليه، لكن يوسف -عليه السلام- امتنع عن الخروج حتى تظهر براءته أمام الملك ورعيته؛ ليعلموا نزاهة عرضه، وأنه سُجِن ظلمًا وعدوانًا، وهذا من الصبر العظيم فلو كان غير يوسف لبادر بالخروج من السجن بعد هذه السنوات، لذلك امتدحه رسولنا -عليه الصلاة والسلام- وأثنى عليه وعلى صبره مبينًا فضله وشرفه؛ ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لو لبثت في السجن طول لبث يوسف لأجبت الداعي".

لما وصل الملك رد يوسف -عليه السلام- جمع النسوة اللاتي قطعن أيدهن، فقال مخاطبًا لهن جميعًا وهو يريد امرأة وزيره: (قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ)، حاشا لله أن يكون يوسف متهمًا, والله ما علمنا عليه من سوء.

 عند ذلك اعترفت امرأة العزيز وقالت: (الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ) أي: بان وظهر (أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) [يوسف:51]، أي: لما قال هي راودتني عن نفسي (أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) [يوسف: 51- 52]، اعترفت على نفسي ليعلم زوجي أني لم أخنه بالغيب وأن الأمر مراوده ولم أقع في الفاحشة (وَمَا أُبَرِّىءُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [يوسف:53].

اعترفت على نفسها ثم اعتذرت بأن النفس تتمنى ولهذا راودته.

وهنا نقول: امرأة العزيز أخطأت، وامرأة العزيز اعترفت بالخطأ وتابت، فيا من تخونون الأزواج! ويا من تخونون الزوجات بعلاقات محرمة عبر وسائل التواصل، ربما وصلت الخيانة للوقوع في الزنا، يكفي خيانة بالغيب والله يراكم، يكفي تركًا للحلال والوقوع في الحرام، يكفي ما مضى من فجور وضياع، لقد ستركم الله بجميل ستره فيما مضى فالتوبة قبل الفضيحة.

تذكروا دائمًا مقولة امرأة العزيز (ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) يا من خنتم بالغيب تذكروا (ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ) [يوسف:52].

وبهذا ظهرت براءة يوسف وبهذا ظهرت براءة سجين العفة يوسف -عليه السلام- عندها قال الملك (ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي) أي: أجعله من أهل مشورتي، فلما جاء يوسف وكلمه الملك رأى فضله وبراعته وعلم ما هو عليه من خلق وأمانة فقال له: (إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ) ذا مكانة وأمانة، فقال له يوسف: (اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) [يوسف:55].

طلب يوسف من الملك أن يجعله على خزائن مصر؛ لينفع العباد، ويقيم العدل، ويصرف أمور البلاد في سنوات القحط والجدب، بعد أن يدخر لها من سنوات الرخاء والخصب، وهذا يدل على أنه لا حرج على الإنسان أن يطلب المنصب لنفع الناس لا لينفع نفسه.

أجاب الملك يوسف لطلبه وولاه الوزارة في مصر مكان الذي اشتراه قال الله: (وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ) بعد السجن والعذاب مكنا ليوسف، بعد الآلام، بعد سنين البؤس والشقاء، مكنا ليوسف.. يا الله (وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاء نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ) [يوسف:57].

وفي هذا عبرة نبينها إن شاء الله في جمعة قادمة.

هذا وصلوا وسلموا على رسول الله؛ امتثالاً لأمره جل وعلا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].

اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك نبينك محمد، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، عن التابعين وتابعي التابعين، وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، وانصر عبادك المجاهدين، واجعل هذا البلد آمنًا وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا في دورنا وأصلح ولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم انصر جنودنا في الحد الجنوبي اللهم كن لهم ناصرًا ومعينًا، اللهم انصرهم وأيدهم وأعنهم، اللهم عجل لهم بالنصر والتمكين.

اللهم كن للمستضعفين في بلاد الشام اللهم كن للمستضعفين في العراق، اللهم كن للمستضعفين في الأحواز، اللهم كن للمستضعفين في بورما، اللهم كن للمستضعفين في كل مكان، اللهم احقن دمائهم، اللهم احفظ اعراضهم، اللهم أطعم جائعهم، اللهم اكس عاريهم، اللهم عافِ مبتلهم، اللهم عجل لهم بالنصر والتمكين يا قوي يا قادر.

اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك الصالحين.

اللهم أرنا عز الإسلام قبل الممات، اللهم أرنا عز الإسلام قبل الممات، اللهم أرنا عز الإسلام قبل الممات، يا قوي يا قادر.

اللهم فك أسر المأسورين، اللهم فرج هم المهمومين، اللهم نفس كرب المكروبين، اللهم اقضي الدين عن المدينين، اللهم اشفي مرضانا ومرضى المسلمين وارحم موتانا وموت المسلمين.

اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين..

(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ).

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، سبحانك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قصة يوسف سلوة الأحزان (1)

قصة يوسف سلوة الأحزان (3)