الحفيظ
الحفظُ في اللغة هو مراعاةُ الشيء، والاعتناءُ به، و(الحفيظ) اسمٌ...
العربية
المؤلف | الشيخ د عبدالرحمن السديس |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | صلاة العيدين |
لمّا كانت الأهواءُ تجمَح والمدارِك تختلِف وتتفاوَت كانَ لِزامًا اعتبارُ صَلاح المصلِحِ وصفاءِ منهجِه واستقامةِ آرائه.
الله أكبر، الله أكبر، لا إلهَ إلاّ الله، والله أَكبر، الله أَكبر، ولله الحَمد.
أمّا بعد: فيا إخوةَ الإسلامِ في كلّ مكان، أيّها الإخوة المسلمون في أمّ القرى بلدِ الله الحرام، حجّاجَ بيتِ الله الكرَام، خيرُ ما يُوصَى به الأنامُ تقوَى الله الملِكِ القدّوس السّلام، فاتَّقوا الله ـ عبادَ الله ـ في السِّرِّ والإعلان، وزكّوا بواطنَكم من الأوضارِ والأدران. اتَّقوا الله في الغَيبِ والشهادةِ تحوزوا والحسنَى وزِيادة.
أيّها الحُجّاجُ الميامِين، ها قد أنعَم الله عليكم ببُلوغ هذا اليومِ المبارَك الأزهَر، وشهِدتُم بفضلِه ومنِّه يومَ الحجّ الأكبَر والمنسكِ الأشهَر، يَوم عِيدِ الأضحى المبارك، اليوم الذي يجود فيه البارِي جلّ وعلا بمغفرةِ الزّلاّت وسَتر العيوبِ والسيّئات وإقالةِ العثَرات وإغاثةِ اللّهَفات ورفعِ الدرجات وإجابةِ الدعوات وقَبول التوبَات. طوبى لكم أيّها الحجَّاج الكِرام، ثم طوبى ما تَنعَمون به من غامِرِ الإيمانيات وسابغ الرَّوحانياتِ، دُموعُكم لرضوانِ الله مطَّرِدَة، والضُّلوع مِنكم بالأشواق متَّقِدَة، والدّموعُ والإنابَة ما يكادُ يذهَب بالمُهَج ويأخُذ الألبابَ.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبِيرًا.
عِبادَ الله، منَ الشّعائر العظمَى التي يتقرّب بها المسلمون إلى ربِّهم في هذا اليوم الأغرّ المبارك شعيرةُ ذبحِ الأضاحِي، اقتِداءً بخَليلِ الله إبراهيم ونبيِّ الله وحبيبِه محمّدٍ عليهما الصّلاة والسلام.
إنّ الأضاحي ـ عباد الله ـ سنة أبيكم إبراهيم وحبيبكم محمد صلى الله عليه وسلم، فاتقوا الله عباد الله، وضحّوا تقبّل الله ضحاياكم، فقد ضحّى عليه الصلاة والسلام بكبشين أملحين أقرنين.، (لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَـاكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ) الحج:37 . أخرج البخاريّ من حديث جُندب بن سفيان رضي الله عنه قال: صلّى النبيّ صلى الله عليه وسلم يَومَ النّحرِ ثم خطَب ثمّ ذبح وقال: ((من ذبَحَ قبل أن يصَلّي فليذبح أخرَى مكانَها، ومن لم يذبح فليذبَح بسمِ الله)).
ويبدأ وقتُ الذّبحِ ـ عبادَ الله ـ مِن صلاةِ العِيدِ، وينتهِي وقتُ ذَبح الأضاحي بغروب شمسِ اليومِ الثالث من أيّام التشريقِ لقوله عليه الصلاة والسّلام: ((وكلّ أيام التشريق ذبحٌ)) أخرجه الإمام أحمد وغيره.
ولا يجوز التّضحيةُ بالمعِيبةِ عيوبًا بيّنَة، لما في حديثِ البراءِ بن عازب رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أربعٌ لا تجزِئُ في الأَضَاحِي: العَورَاءُ البيِّنُ عوَرُها، والمريضة البيّن مَرضُها، والعَرجاء البيِّن ظلَعُها، والكبيرةُ التي لا تُنقِي)) أخرجه أحمد وأهل السنن.
اللهُ أَكبر، الله أَكبر، لا إلهَ إلاّ الله، والله أَكبر، الله أَكبر، ولله الحَمد.
ويُعتبَر في سِنّ والأضاحي السنُّ المعتبَر شَرعًا، وهو في الإبِل خمسُ سنين، وفي البقَرِ سنتان، وفي المَعز سنة، وفي الغنَم نصفُ سنة.
وتُجزئ الشّاةُ الواحدة عن الرجُل وأهلِ بيتِه، كما في حديث أبي أيوب رضي الله عنه.
والسنةُ أن يتَولّى المضحِّي الذَّبحَ بنفسِه؛ لأنَّ النبيَّ عليه الصلاة والسلام نحر ثلاثًا وستين بدنةً بيده الشريفة، ثم أعطَى عليًّا رضي الله عنه فنحَر الباقي، كما جاء ذلك في صحيح الخبر عنه صلى الله عليه وسلم.
الله أكبر، الله أكبر، لا إلهَ إلاّ الله، والله أكبر، الله أكبر، وللهِ الحَمد.
ومِن السّنَّة ـ يا عبادَ الله ـ أن لا يُعطَى جازِرها أجرَتَه منها.
ومِنَ السنّة أن يأكلَ منها ثُلثًا، ويهديَ ثلثًا، ويتصدّق بثلُث، لقول الله عز وجل: (فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ الْقَـانِعَ وَلْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْنَـاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [الحج:36] .
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرًا.
أمّةَ الإسلامِ، اشكُروا الله على ما هداكم لهذا الدين، فلقد كان الناسُ قبلَه في جهالةٍ جهلاء وضلالة عمياء، إلى أن منّ الله عز وجل ولله الفضل والمنّة، فأضاءَ الكون بشمسِ الرسالة المحمّدية على صاحِبِها أزكى صلاةٍ وأفضل سلامٍ وتحيّة، فأخرجَ الناسَ من الظّلُمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد.
وكان أساسُ الأسُس وأصلُ الأصول في دَعوتِه عليه الصلاة والسلام وركيزةُ مرتَكَزاتها ورُكن أركانها توحيد الله عزّ وجلّ وإفرادَه بالعبادة، (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات:56]. بالتوحيد أرسِلت الرسل وأُنزلت الكتب، (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِى إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَـاهَ إِلاَّ أَنَاْ فَعْبُدُونِ) [الأنبياء:25]، (قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى للَّهِ رَبّ الْعَـالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام:162، 163].
فلِواحدٍ كن واحدًا في واحدِ أعني سـبيلَ الحقّ والإيمـان
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
إخوةَ الإسلام، ومن الأمور المهمّة التي يجب أن يتوارَد عليها المسلمون في موسِم حجّهم المبارك ما تميّزت به شريعتنا الغرّاء من منهجِ الوسَطيّة والاعتدال في كلّ أبوابها ومَقاصِدِها، فهي وسطٌ في الاعتقاد والعبادات والمعاملات وفي كلّ شيء، لقول الله عز وجل: (وَكَذلِكَ جَعَلْنَـاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) [البقرة:143]، فلا إعناتَ ولا غلوّ، ولا إفراط ولا تفريط، ولا مشقّة ولا حرَج، (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِى الدّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج:78].
ولما انحرَفَ فِئامٌ من المسلمين عن مِنهاج الوسطيّة والاعتدال ظهَرَت فتنةٌ فاقِرَة يقاسي المسلمون جرّاءها الكروبَ، فِتنَة زلّت فيها أقدامٌ وضَلّت فيها أَفهام، ألا وهي فِتنة التّكفير الدّاعية إلى الخروجِ على ولاة أمر المسلمين وإثارةِ القلاقِلِ وزعزعة أمنِ الأمّةِ وشَرخِ صفّ جماعَتها. وأسبابُ هذا الضلال فهمٌ منحرِف أُحاديّ لنصوص الكتاب والسنة، ولله درّ الإمام العلاّمة ابن القيم حيث يقول:
ولهم نصوصٌ قصّروا في فهمِها فأُتوا من التّقصير في العِرْفان
الكفر حـقّ الله حـقّ رسوله لا بالهـوى أو برأي فـلانِ
من كـان ربّ العالمين وعبده قد كفّراه فذاك ذو كفران.
إنّ الذين يؤلّبون المسلمين على وُلاةِ أمرهم ابتغاءَ الفِتنةِ والفوضَى ويَسعَون في الأرضِ فسادًا وتدميرًا وإرهابًا وإِرعابًا وتفجيرًا واستِحلالاً للدّماءِ المعصومة من المسلِمِين والمعاهَدين والمستَأمَنين باسمِ الإسلام أو دعوى الإصلاح زعموا لَمَا هم عليه من أبطَل الباطِل وأشدِّه تنكُّبًا عن دين الإسلام، (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِى إِسْرءيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الأرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا) [المائدة:32]. الله أكبر، أيُّ وعيدٍ وتهديدٍ أبلغُ وأزجر من هذا؟! يقول عليه الصلاة والسلام: ((من قتَل معاهَدًا لم يَرَح رائحةَ الجنّة، وإنّ ريحَها ليوجَد من مسيرة كذا وكذا)) أخرجه البخاري. وهل يعني الولاءُ والبراء اتخاذَ المستأمَنين والمعاهَدين والذمّيين غرضًا للقتل والترويع وسفكِ الدماء وتناثُر الأشلاء؟! (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَن لاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) [المائدة:8]، (لاَّ يَنْهَـاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَـاتِلُوكُمْ فِى الدّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مّن دِيَـارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُواْ إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) [الممتحنة:8]. والآية دليلٌ على سماحةِ الإسلام ويُسرِه ووسطيّته واعتداله وموقفِه المنصِفِ من المخالفين.
إنّ قضيّة التكفيرِ الخطيرة ناجمةٌ عن انحرَافٍ وغلُوّ، وقد نُهِينَا عن الغلوّ في الدين لأنّه سبب هلاكِ الأوّلين: (يَـاأَهْلَ الْكِتَـابِ لاَ تَغْلُواْ فِى دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقّ) [المائدة:77].
والغلوّ مذمومٌ في جانب الوجودِ والعدَم والفِعل والترك، كما أنّ الإرهابَ مذمومٌ في الأسبابِ والبواعث والمقدّمات والنتائجِ والأفعال وردودِ الأفعال، إضافةً إلى أنّ امتَطاءَ صَهوةِ تكفير المجتمعاتِ يبعَثُ عليها جَهلٌ مركَّب في فهمِ مسائلَ من الدّين، وقد بلغت حدًّا يوجِب التصدِّي لها من قِبَل أهلِ العِلم بالحجّةِ والبَيان والدّليل والبرهان، حراسةً لناشئة الأمّة مِن الهُويّ في عَينِها الحَمِئة والتمرُّغِ في أَوحَالها النّتِنة، يقول عليه الصلاة والسلام: ((من رَمَى أخاه بالكفرِ أو قال: عدوّ الله وليس كذلك إلا حارَ عليه)) ، وقال صلى الله عليه وسلم: ((من قال لأخيه: يا كافِر فقد باءَ بها أحَدُهما)) عياذًا بالله، خرّجهما مسلم في صحيحه.
إنَّ على علماءِ الشريعَة الموقِّعين عن ربّ العالمين والمؤتمَنين على ميراثِ النبوّة والدعاةِ ورجالِ الحِسبة، وعلى وسائل الإعلام ورجال التربية والتعليم أن يربطوا المسلمين وفِتيانهم بمنهاجِ الوسَطيّة السّلفيَّة المعتدِلة التي جاءت بها شريعَة الإسلام، ودلّت عليها نصوصُ الكتابِ والسنَّة وتمثّلتها فهمُ سلَفِ الأمّة، وامتثَلتها بلاد الحرمين الشريفين حرسها الله، فكان أَن سَطع بأساطِينِ قيادَتها نورُ الإيمانِ، وعمّ الأمنُ والأمَان، وغدَت ثَغرًا باسمًا في وجهِ الزّمان، فضلاً من الله ومَنًّا، لا باكتِسابٍ مِنّا.
إنَّ أمنَ بلاد الحرمين الشريفين قضيّةٌ لا تقبَل المساوماتِ ولا تخضَع للمزايدات والمهاترات، ولا تهزّها الزوبعات، وقد بسَط الله فيها أمنَه وأمانَه إلى أن يرِثَ الله الأرضَ ومن عَليها وهو خير الوارِثين، وإن رغِمَت أنوفٌ مِن أناسٍ فقل: يا ربّ، لا تُرغم سِواها. لا مكانَ في هذه البلادِ المبارَكةِ بإذنِ الله للعنفِ والتّخريبِ والإفسادِ والتأليب والتّرعيبِ.
أمّةَ الدعوة والإصلاح، ومِن القضايا التي يجب أن تتواصَى بها الأمّةُ وتحدَّدَ أصولُها وضَوابطُها وتُتَّخَذ عنوانًا للتّرابُط وتجاوزِ العقَبات والتّحدّيات الدعوةُ للإصلاح الذي هو وَجهٌ من وجوه حِكمةِ بِعثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، يقول تعالى على لسانِ شُعيبٍ عليه السلام: (إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلَـاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِى إِلاَّ بِللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) [هود:88].
والذين يتوجَّهون شَطرَ الإصلاح المعتَبر ويحمِلون لواءَه لهم رِجالٌ بَررَةٌ، يُسلِمون الأمّة إلى ساحاتِ الخير والقوّة، ولا يَقودُ هذه الرِّكابَ إلاّ كبيرُ الهمّة مَضّاء العزيمة، وسيَكون الإصلاحُ مَربحًا ومغنَمًا إذا انطلَقت الأمة فيه من إصلاحِ ذاتها والنظر في عيوبها وتهذيبها وأطرِها على سُنَن الهُدى، وأتبَعت ذلك بإصلاحِ الأسَر لأنها نواة المجتمع، وسيكون الإصلاحُ للعَلياء مرقاةً إذا بَسطنا ظِلالَه على المجتمَع والأمّة بما تقتَضيه المصالحُ الشرعيّة من التدرّج والرفق والأناة ومراعاة فِقهِ المهِمّات والأولَوِيّات.
ولمّا كانت الأهواءُ تجمَح والمدارِك تختلِف وتتفاوَت كانَ لِزامًا اعتبارُ صَلاح المصلِحِ وصفاءِ منهجِه واستقامةِ آرائه. إنه إنِ انبَرَى سفيهٌ غيرُ فقيه ولاسَنَ مَوتورٌ يزعم الإصلاح بشقّ عصا الطاعة وتفريق الجماعة، فإنه داعية فتنةٍ، والفتنة نائمة لعن الله من أيقظها.
ويؤكَّد هنا ـ يا رَعاكم الله ـ على الجانب المزعوم للإصلاح الذي يركَب مطيّتَه بُعض المزايدِين على الشريعة وذوِي المغامرات الطائِشَة والأطروحات المثيرة المتَّسِمة بالمخالَفات الشهيرة واللاهثِين وراءَ ركوب موجةِ حُبّ الشُهرَة والظهور، (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِى الأرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـاكِن لاَّ يَشْعُرُونَ) [البقرة:11، 12].
أمّةَ الإسلامِ، أيّتها الوفودُ المباركة، تعيشون هذا اليوم على ثَرَى هذا البلد الأمين الأفيَح سرورَ العيدِ وأُنسَ التعارُف والتآلف، وتنعَمون بنسائِمِ الرحمةِ والأخوّة الإسلامية في هذه المواكبِ المهيبةِ، ولكنّنا نذكّر في غمرَة الأسى بأنّ أمّتَنا الإسلاميّة لا تزالُ تتجَرّع المآسيَ والحسرات وتتلقّى الويلاتِ والنّكبات، القوارعُ تنوشُها من كلّ حدَبٍ وصَوب، والخطوب تؤمُّها من كلّ مضيقٍ وطريق، تبدّدَت قواهَا، وانفصمت عُراها، وحيثما أجَلتَ النظرَ أدمَت عينَيك وقرّحَت فؤادَك توازِعُ الأشلاءِ ونزيف الدماء واغتصابُ الأرضِ والعِرض، والعّدوّ المتربِّصُ يجدّ في خَنق أنفاسِها وتجاهُل قضايَاها، ولا مخلِّصَ لها من هذا الواقع المزري إلاّ الاعتصامُ بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن نتنادَى بالوحدة الإسلاميّة، (إِنَّ هَـاذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَعْبُدُونِ) [الأنبياء:92]، وأن لا تربِطَ ولاءاتِها وتوجُّهاتها إلا لعقيدَتها وثَوَابِتها، (وَعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ) [آل عِمران:103].
وفي هذا الموسمِ الكريم ملتقَى العالَم الإسلاميّ من أطرافِ البقاع والأسقاع يجب على الأمّة أن يمتدَّ بصرُها لتعيَ جيِّدًا موقعَها من رِكاب العلياء والقِيادة، ولتعلَم أنَّها أمة الخيرية والشّهادة على العالمين، ولْتعلم أنّ مسؤوليّاتٍ جسامًا تنتظرها، كِفاؤها الصبرُ والعِزّة، في ابتدارٍ لأسباب النصر ووسائل الظَّفر مهما كانت قوّةُ العدوّ قاهِرة، (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ) [الحج:40]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد:7].
إنّه لا سبيلَ للغايةِ المنشودَةِ إلاّ بالأوبةِ العمَليّة الصادِقة إلى نور الوحيَين الشريفين واتخاذهما شِرعةً ومنهاجًا. وإنّنا في حاجةٍ ملِحّة إلى أن نتمثَّل ذلك كلٌّ بحَسَب ثغرِه من الأمانةِ والمسؤوليّة على كلِّ صعيد؛ سياسيًّا وثقافيًّا وفكريًّا واقتِصاديًّا واجتماعيًّا وإِعلاميًّا وتربَويًّا، (إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ) [الرعد:]11.
الله أَكبر، الله أكبر، لا إلهَ إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، وللهِ الحمد.
إخوةَ الإسلام، قضية المسلمين الكُبرَى قضيّةُ فلسطين والأقصى المبارك، المسجد الأقصَى الجريح المعَنَّى، قضيّة فلسطينُ المسلِمة التي تُسام العذابَ والدّون، والأقصى الملَوَّع الذي يُقاسِي مَرائرَ العدوانِ والهون، فليتَ شِعري كيفَ تَطيب الحياةُ وأرضُنا المقدّسة مسرَى إمامِ الأنبياءِ عليه الصّلاةُ والسّلام في يدِ المحتلِّين الغَاصِبين.
إنّ على الأمّة الإسلاميّة أن تتحرّكَ تحرّكًا جادًّا لنصرة قضايا المسلمين في كلّ مكان، لا سيما في الأرض المباركة فِلسطِين، وأن تسعى لإصلاح حال إخواننا في بلاد الرافدين، فالله ناصرٌ دينَه ومعلٍ كلمتَه، والنّصرُ للإسلامِ وأهلِه طالَ الزَّمانُ أو قَصُر.
الله أكبر، الله أَكبر، لا إلهَ إلاّ الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحَمد.
أقول قولي هذا، وأستغفِر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الله أَكبر، اللهُ أَكبر، الله أَكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إلهَ إلاّ الله، والله أكبر، الله أكبر، وللهِ الحمد.
الحمدُ لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أنّ سيّدنا ونبيّنا محمّدًا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلّم تسليمًا كثيرًا.
أمّا بعد: فاتقوا الله عبادَ الله، اتَّقوا الله يا حجّاجَ بيتِ الله، واعلموا أنّ التقوى سببُ القَبول وخيرُ مطيّةٍ لتحقيق الخيرِ المأمول، (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) [المائدة:27].
أيّها المسلمون، إنَّ من مقاصدِ الإسلام السامِيَة تهذيبَ النفوسِ من الشحِّ والأثرةِ، والإحسانَ للفقراءِ والمحتاجين والملهوفينَ والمنكوبين، يقول الله عزّ وجلّ: (وَأَحْسِنُواْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [البقرة:195 ]، ويقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: ((من لا يرحَم الناسَ لا يرحمه الله عزّ وجلّ)).
وهذه السَّجيَّة المنبثِقةُ من سماحةِ الإسلام وجوهَره تأسو الجراحَ وتداوي الكُلومَ وتخَفِّف البأساءَ وتدفع البلاءَ والضرَّاء، ولا غِنى عنها لأيّ مجتمَعٍ ينشُد المحبَّة والوِئامَ، ولن يتنَكَّر لذوي الحاجات والعاهاتِ والفاقات والمعوِزين إلاّ غِلاظُ الأكبادِ قساةُ القلوبِ عياذًا بالله، وشريعتُنا الرّحيمَة حذّرت من ذلك أيّما تحذِير.
أمّةَ الإسلام، إنّ الأعمَالَ الخيريّة والإغاثيّة بصنوفِها المتعدّدة جزءٌ لا يتجَزّأ من منظومةِ شريعتِنا الغرّاء وحضارَتِنا المشرِقةِ اللألاء، هي الكفُّ الندِيّ والبلسَم الشفيّ وطوقُ النّجاة للمجتمعات والملتقَى الإنسانيّ للحضارات، ومَن ينتسبُ إليها يَسمو سماءَ المجدِ شرفًا، قد تخلَّى عن الذّات، وتجاوز المصالحَ والأنانيّات، عاشَ شمعةً مضيئَة، يبذل الخيرَ للغَير، وإذا طُوِي بساطُ الأعمال الخيريّة وأفَل نجمُها وعُطِّلت قوافِلها حلّت في المجتمَعاتِ الكوارثُ والنّكَبات، وانتشر الفقرُ والعَوَز، واستشرَتِ البَطالة، ولا غروَ أن تجدَ نماذجَ مضيئةً مشرِقَة تنطلقَ من ثوابتِ بلادِ الحَرَمين حرسها الله ونسِيجِها المتمَيِّز، فلَها القِدحُ المعلَّى والدّورُ الرائدُ المجلَّى في ذلك كلِّه، وما هي إلاّ شكرٌ للمنعِم على إنعامِه، وآيةٌ ساطِعَة على كَرَم أبنائِها وزكَاءِ أَرُومَتِهم ونُبل معدنهم ومحبَّتهم للخير وتفانيهِم فيه بحمد الله، ولن يقبِضَ أياديَها البيضاءَ في إِسداءِ الخير للناس وبذلِ النَّدى والمعروف وإغاثةِ الملهوفين ولو في أقاصي المعمورة ـ كما هو واقعُ الحالِ بحمد الله ـ تخذيلُ الشانِئين وحملاتُ المغرِضين ومحترِفو الإساءَة للبرآء الخيّرين، ممّا يؤكِّد وجوبَ التصدِّي الحاسِم والوقوفَ الحازم للحملات الإعلامية المغرِية، وذو الفَضلِ لا يسلَم من قَدح وإن غدا أقومَ مِن قِدح، والله المستعان.
وما الأعمال المشرّفة التي قامت بها بلاد الحرمين الشريفين تجاهَ إخواننا المسلمين المنكوبين بالزلازل والفيضانات والمدّ البحريّ مؤخَّرًا إلا نموذج مشرق على الأيادي البيضاء التي تسديها لأمتنا الإسلامية، بل وللإنسانيّة جمعاء.
إنّ على الأمّة الإسلاميّة أن تضطلعَ بالمشروع الإسلاميّ الحضاريّ الذي يضع الخطَطَ والبرامِج والاستراتيجيات المهمّة والآليّاتِ العمَليّة والخطُوات التنفيذيّة الجادّة لكافّة القَضايا والمستجدّات والتحدّيات، لا سيّما قضايَا الإرهابِ وقضايا المخدّرات.
إننا بحاجةٍ إلى أن نُعالجَ الجهلَ بقواعدِ الاعتِدالِ والوسَطيّة والتخلُّص مِن الآراء الآحاديّة والاجتهاداتِ الفرديّة والفتاوَى التحريضِيّة، لا سيّما في فضَايا الأمّة الكبرى والقضايا المصيريّة، لا بدّ من وضعِ ميثاقٍ علمِيّ عالمي عالٍ للإفتاء، يحقِّق المرجعيّةَ المعتبَرة للفتوَى في النّوازلِ والمستجدّات المعاصِرَة، كما لا بدّ من وضع ميثاقٍ عالٍ للحوار الحضاريّ بين الشعوب، تحقيقًا لحوار الحضارات، لا صدامِ الحضارات، تحقيقًا للمصالح وتكمِيلها، ودرءًا للمفاسِدِ وتقليلها. وإنَّ من فَضلِ الله وكريم ألطافِه أن ضمِنَ المستقبلَ المشرِقَ لهذهِ الأمّة، فلا مكانَ لليأس والقُنوط، ولا مجالَ للتخاذُل والإحباط، بل جدٌّ وعمَل وتفاؤل وانطلاق واستشرافٌ لآفاقِ مستقبلٍ أفضل صلاحًا وإصلاحًا، ولن يصلُح أمرُ آخِر هذه الأمّة إلا بما صَلَح به أوّلها.
أمّةَ التعليمِ والتربية، مناهِجُنا مبَاهِجُنا، فهي التي تمثِّل مِحورَ الثّمرةِ التعليميّة والتربويّة، وفي ضوئِها تتكوّن مداركُ الأجيالِ واتجاهاتُهم، وبها تتعلَّق الآمالُ في الإصلاحِ الفكرِيّ والعقديّ والاجتماعي، وهي ولا ريبَ من الأهميّة بمكانٍ في الدّلالة على رقيِّ الأمّة أو انحدارها. ولئن حدَّقنا في مضامينِ تلكَ المناهج ومعانِيها وحلَّقنا فوقَ مفرداتها ومَبانيها لألفَيناها بحمدِ الله ومنِّه قائمةً على الكتابِ والسنّة، مستوحَاةً من هدي سلفنا الصالح، مواكِبةً لتمدُّن العصرِ وتطوُّرِه، في غيرِ تبعيّةٍ أو تقليد أو ذَيليّة، نقتبِس مِن علومِ الحضارةِ المعاصِرةِ ما تؤيّدُه شريعتُنا الغراء، وننبذُ ما سواه. أمّا الافتراءاتُ التي ألحِقَت بها وحامت حولَها فهي أوهى من أن تُتَعقَّب أو تُنتَقَض، وتحويرُ المناهِج وتنقيحُها مما يقتَضيه توثُّب العصرِ ورُقيُّه، لكن ثم لكن مع التمسّك بالثوابتِ والعقائدِ والمبادِئ التي لا يمكِنُ أن تتغيّر طالَ الزمان أو قصُر.
الله أكبر، الله أَكبر، لا إلهَ إلا الله، والله أكبر، الله أَكبر، ولله الحَمد.
إخوةَ الإيمان، فئةٌ عزيزَة على نفوسِنا، تلكُم هِي فئةُ الشباب، (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ ءامَنُواْ بِرَبّهِمْ وَزِدْنَـاهُمْ هُدًى) [الكهف:13]. فئةٌ تُعَدُّ بحَقٍّ مَناطَ آمَال الأمّةِ ومعقِدَ رجائِها، فلا بدّ منَ العناية بقضايا الشباب، والحذر من إغفال قضاياهم، لا بدَّ من فتح الحوار مع أبنائنا وأحبابنا وشبابنا، إنّ التّجافيَ عن محاورَتهم وتوجيهِهم وإرجاءَ الحلولِ لمشكِلاتهم قد يؤدّي إلى فسادٍ عريض في كلّ مَزلَقٍ خلقيّ وجُنوح سلوكيّ وانحرافٍ فكريّ.
لا بدّ من تحصينِ الشّباب من لوثاتِ العولمة والتّغريب والحفاظِ عليهم من تيّارات الغلوّ والتكفير، وما فواجعُنا التي كابَدناها منّا ببعيدٍ، لذا فإنّ الحاجَةَ ملِحَّةٌ لأخذهم بحِكمةِ العاقل الأحوَذي، واحتضانهم وفتحِ الصّدور لهم واستِخدامِ أمثل الأساليب التي تُلامِس أفئدَتَهم وتوافق فِطرَتهم؛ لنثوبَ بهم إلى رحابِ الجيل الإسلاميِّ المأمول، ولعلّ ذلك يكونُ مِن أولويّات الحوار والإصلاح الذي نفَحَنا عَبَق أريجه بحمد الله، وقام داعيًا إلى منهَج الوسطيّة والاعتدال والمطارَحاتِ الشّفيفة في الآراءِ دونَ موارَبَة أو إعضاء، وإنّ منهجَ الحوار ليُحسَبُ للأمّة الإسلاميّة وَثبةً فكريّة وحَضاريّة تُحكِم نسيجَ الجماعةِ المسلِمَة وتعضدُ من وَحدتها وتآلفها، ومنقبَةً شمّاء تستطلِع في شموخٍ آليّاتِ التّحَدّي في الداخل والخارجِ في هذا العصر المتفَتِّق على متغيّراتٍ خطيرة ومستجدّات لا تعرف التمهّل.
لا بدَّ مِن مراعاة آدابِ الحوار وضوابِطِه ومنهجِهِ وأخلاقيّاته، حتى لا يتحوّل الحوارُ إلى فوضى فِكريةٍ تلحِقُ الآثارَ السلبيّة على البلاد والعباد، وأن لا يُتَّخَذ الحوار من ذوي المآربِ المشبوهَة مطيّةً للنّيل من المسلَّمَات والمساس بالثوابِتِ.
أمّةَ الإسلام، وسائل الإعلام لها دورها العظيم، ولها مجالها الكبير، عليها مسؤولية عظيمة وعِبءٌ ثقيل في بثِّ قَضايا الأمّة والسّعيِ للدّفاع عنها وحلّها، معَ كشفِ هَجَماتِ الأعداء المسعورَة والوقوف بحزمٍ أمامَ حملاتهم المحمومة وتصحيحِ المفاهيم المغلوطةِ عن دينِنا وعقيدَتِنا.
إنّ بعضَ وسائلِ الإعلام والقنوات الفضائيّة المتهتِّكَة تثير غاراتٍ شَعواء من الشهوات والملذّات، تضرِم نيرانَ الفسادِ والإفساد، تزلزل معاقِلَ الطُّهر والفضيلة. إنّنا نناشِدُ أولِئَك أن يتَّقوا اللهَ في قِيَم الأمّة ومُثُلِها وفضائِلِها، وأن يُبقوا على البقية الباقيَة من حياءٍ لأهلِ الإسلام.
إنَّ استِحواذَ الرذيلة على جوانبَ من حياةِ الأمة عبرَ تلك القنواتِ يُعرِّضهم لأخطرِ المهالك، ويفضي بهم إلى مهاوٍ سحيقة من الظّلْم والظّلَم، خُصوصًا وأنَّ كثيرًا من القلوبِ خاوية من اليقين والخَشية، وهما خير عاصِمٍ من قواصم تلكَ المستنقعاتِ الوبيئة.
إنّ هذا الوَاقعَ لمن أمضى الأسلحةِ التي انتضاها أعداء الأمةِ وبعضُ أفراخهم من بني جِلدَتنا ومن يتكلّمون بلغتنا للقضاء على ما تبقّى من شَأفَتنا، وحسبُك من شرٍّ سماعُه.
فيا إخوتي في الله، أينَ عزّةُ الغَيرة والفضيلةِ والحياء؟! بل أينَ صلابة العقيدةِ وقوّة الإيمان؟! (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَـاحِشَةُ فِى الَّذِينَ ءامَنُواْ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِى الدُّنْيَا وَلآخِرَةِ وَللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) [النور:19].
فيا إخوةَ الإسلام، ويا حجّاجَ بيتِ الله الحرام، اتقوا الله عز وجلّ، ولتعلَموا أنَّ ممّا يدعو إلى ضرورةِ وجود الإعلام المتميّز الالتزامَ بميثاق شرَفٍ إعلاميٍّ إسلاميّ يتقيّد بِه جميعُ مُلاّك هذهِ القنوات الفضائيّة في إعلاءِ صرحِ الفضيلة. وإنّ لكم في الإعلامِ الإسلاميّ الهادف الرّصين المرتقِي في أدائِه المبدِع في عرضِه النيِّرِ في فكرِه المتميِّز في طرحِه وأسلوبه خيرُ بديلٍ في تمثيلِ الإسلام أحسنَ تمثيل لمواجهةِ التحدِّياتِ والعَولمَة الإعلاميّة والثقافية المناوئةِ للإسلامِ في بعض وسائل الإسلام العالميّة.
الله أكبر، الله أكبر، لا إلهَ إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحَمد.
معاشرَ المسلمين، المرأةُ المسلِمة لها رِسالتها، وعليها واجبها العظيم، فهي في الإسلام جوهرة مصونة ودرّةٌ مكنونة، لا بدّ من العنايةِ بها أمًّا أو بنتًا أو زوجةً أو أختًا، لا سيّما في هذه الأزمنة التي كشّر فيها أعداء الإسلام عن هجماتهم ضدَّ المرأة المسلمَةِ بدعوى تحريرها، نَعَم تحريرِها من قِيَمِها وعقيدتها وأخلاقها.
فلنتّق اللهَ عبادَ الله، ولنَعلَم ولتعلَم المرأةُ المسلمة على سبيل الخصوص أنّ عزَّها في حِجَابها. إنَّ الإسلامَ حين شرَع الحجابَ وألزمَ بالحياءِ إنما يصرف المَرأةَ إلى خصَائِصِها ومكانَتِها التي لا يُحسِنها سِواها، ويراعي فطرتها وظروفَها وأنوثَتها، لتمضيَ مع الرّجل في هذا الكَونِ بنِظام بديعٍ، (أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الملك:14]، (قُلْ ءأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ) [البقرة:140].
وللواهمين والواهِماتِ يُقالُ: إنَّ المَرأةَ في مكانَتِها السَّنيَّة بالتزام آدابِ الحجابِ الشرعيّة والضوابط المرعيّة لا يمنَعها ذلك أن تكونَ في قمّة الحضارةِ والرقيّ والعَطاء والنّماء للمجتمعات وإحراز السَّبق العلميّ والتقدّم الاجتماعيّ والنهوضِ بأمّتها والانتِصارِ لدينِها، وإن اضطُرَّت إلى العمَل فبالضوابِط الشرعيّة في بعدٍ عن الاختلاطِ بالرّجال، وأن لا تكونَ رجلَةً تنازِعهم أقدامَهم وتزاحمهم مناكبَهم، حين ذاك يغيضُ ماؤها ويذهَب بهاؤها، فالحذرَ الحذر من كلّ دعوةٍ نشاز تريد أن تهبطَ بالمرأة من سماءِ مجدِها وأن تنزلها من علياءِ كرامتها وإن بدَت بزخرفِ القَول ومعسول الحديث ودعوَى التقدُّميَّةِ المزعومَةِ والمَدنيّة الزائِفَة والحرّية المأفونة.
وإنّنا إذ نحمَد الله على ما امتنّ به على فتاةِ بلاد الحرمين مِن تمثُّل الحجابِ والوقار والحِشمة لنذكِّرها بالمحافظةِ على مكانتها بين قرينَاتها في سَائر المجتمعات، ونحذِّرها في الوقتِ نفسِه أن تُخدَع ببعضِ الأصواتِ النّشاز أو ببعض الأبواق الناعقة التي تتبجّح بالخروج على شِرعةِ الحِشمة والهديِ والمعروف، وإنّ ما تلَوِّح به تلك الأصواتُ المبحوحة إنما هو مسلَكُ المنهزمين والمنهزِمات أمام بريقِ الحضارة الزائفة، والله عزّ وجلّ يقول: (ياأَيُّهَا النَّبِىُّ قُل لأزْوجِكَ وَبَنَـاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَـابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ) [الأحزاب:59].
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أيها المسلمون، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قوام هذا الدين، وبه نالت هذه الأمةُ الخيرية على العالمين، (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) [آل عمران:110]. فمروا بالمعروف أمرًا رفيقا، وانهوا عن المنكر نهيًا حليمًا حكيمًا حقيقًا، فالحسبةُ قوام الدين، وهي صمام الأمان في الأمّة، فكونوا لها أوفياء، وبأهلها أحفياء، حتى لا تغرقَ سفينةُ الأمّة.
حافظوا على الصلوات مع الجماعة، احفظوا حقوق الله وحقوق إخوانكم المسلمين من عباد الله، احفَظوا أقدارَ العلَمَاء، وصونوا أعراضَ أهلِ الحِسبة والدّعاة الفُضَلاء، وأطيعوا أمرَ من وَلاّه الله أمركم، فقد قرن الله أمرهم بأمره سبحانه وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ) [النساء:59].
علَيكم بالصِّدقِ ـ عِبادَ الله ـ والوَفاء بالعهد والأمانة وبرِّ الوالدَين وصِلةِ الأرحام، تراحموا وتلاحموا وتسامحوا، وكونوا عِبادَ الله إخوانًا. احذَروا الربا واحذروا الغِشَّ وقولَ الزور والكذِبَ والخيانةَ، ولا تقرَبوا الزّنا، احذَروا الرّشوةَ، واجتنبوا المخدّرات والمسكِرات. إيّاكم والنّميمةَ والغِيبةَ والظلمَ والتساهُلَ في حقوقِ العِباد، وعليكم بالاعتصام بالكتاب والسنة ولزوم جماعة المسلمين.
هذا وصلوا وسلِّموا ـ رحمكم الله ـ على البشير النذير والسراج المنير كما أمركم بذلك المولى اللطيف الخبير فقال تعالى قولا كريما: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
اللهم صلّ وسلم وبارك على سيد الأولين والآخرين وأشرف الأنبياء والمرسلين نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين...