الباطن
هو اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (الباطنيَّةِ)؛ أي إنه...
العربية
المؤلف | إبراهيم بن محمد الحقيل |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - السيرة النبوية |
من أسباب النصر على الأعداء، وتآلف القلوب، واجتماع الكلمة التزامُ طاعة الله تعالى، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.
الحمد لله رب العالمين؛ يبتلي عباده بالسراء وبالضراء؛ ليجزيهم على صبرهم أعظم الجزاء، نحمده كما ينبغي له أن يحمد، ونشكره فقد تأذن بالزيادة لمن شكر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ عظيم في ملكه وربوبيته وألوهيته، حكيم في مقاديره وأحكامه، لا يقضي قضاء لمؤمن إلا كان خيرا له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ ابتلي بالسراء فشكر، وبالضراء فصبر، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه؛ بذلوا أنفسهم وأموالهم، وأُخرجوا من ديارهم وأبنائهم في سبيل الله تعالى، وابتغاء مرضاته، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه (وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) [البقرة:123].
أيها الناس: طاعة الله تعالى سبب للفلاح في الدنيا والآخرة، ومعصيته عز وجل شؤم وبلاء على العباد في الحال والمآل؛ ولذا جاءت النصوص من الكتاب والسنة تأمر بالطاعة، وتنهى عن المعصية، وتبين عاقبة الفريقين.
ومن أسباب النصر على الأعداء، وتآلف القلوب، واجتماع الكلمة التزامُ طاعة الله تعالى، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم. كما أن المعصية سبب للتنازع والفشل والهزيمة، وذهاب القوة (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال:46].
وهذه الآية الكريمة نزلت في سياق الحديث عن غزوة بدر، وقد التزم المؤمنون فيها بطاعة الله تعالى، وطاعة رسوله عليه الصلاة والسلام، فكان لهم الظفر على المشركين.
ولكن في غزوة أحد قدَّر الله تعالى عليهم الهزيمة لحكمة أرادها عز وجل، وكانت هذه الهزيمة بسبب معصية طائفة منهم، مما يدل على أن سنن الله تعالى لا تحابي أحدا من خلقه، ولو كانوا خيار هذه الأمة، ولو كان فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أكرم الخلق على الله تعالى.
لقد عاد المشركون للثأر من هزيمتهم في بدر بعد عام منها، وكان رأيُ النبي عليه الصلاة والسلام أن يتحصن المسلمون في المدينة، ولكن الحماسة للقتال دفعت كثيرا من المسلمين إلى أن يختاروا الخروج لملاقاة المشركين، فنزل النبي عليه الصلاة والسلام عن رأيه إلى رأيهم، ذكر عروة بن الزبير رحمه الله تعالى أن كثيرا من الناس أبوا إلا الخروج إلى العدو، قال: "ولو تناهوا إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره كان خيرا لهم، ولكن غلب القضاء والقدر، قال: وعامة من أشار عليه بالخروج رجال لم يشهدوا بدرا، وقد علموا الذي سبق لأهل بدر من الفضيلة" رواه البيهقي.
ولما بلغوا أحدا رتب النبي عليه الصلاة والسلام مواقع المسلمين، وجعل خمسين من الرماة على الجبل ليحموا ظهر الجيش، وأمرهم أن لا يبارحوا أماكنهم، وأمَّر عليهم عبد الله بن جبير رضي الله عنه وقال لهم: " إن رَأَيْتُمُونَا تَخْطَفُنَا الطَّيْرُ فلا تَبْرَحُوا مَكَانَكُمْ هذا حتى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ، وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا هَزَمْنَا الْقَوْمَ وَأَوْطَأْنَاهُمْ فلا تَبْرَحُوا حتى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ " رواه البخاري.
وتقابل الصفان، والتحم الجيشان، وانتصر المسلمون في بادئ المعركة، ورأى الرماة أن وقت الغنيمة قد حان، وأن المعركة انتهت؛ فعصوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزلوا عن مواقعهم فكشفوا ظهر الجيش، فالتفَّ عليهم طائفة من المشركين فأتوهم من خلفهم، ووقع قضاء الله تعالى، وانقلب النصر إلى هزيمة، وجُرح رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكُسرت رباعيته، وقُتل سبعون من أصحابه رضي الله عنهم، وأُشيع في الناس مقتلُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففرَّ كثير من المسلمين لا يلوون على شيء.
يُحدِّث عن ذلك الموقف العصيب البراءُ بن عازب رضي الله عنه فيقول: " فقال أَصْحَابُ عبدِ الله بنِ جُبَيْرٍ: الْغَنِيمَةَ، أَيْ قَوْمِ الْغَنِيمَةَ، ظَهَرَ أَصْحَابُكُمْ فما تَنْتَظِرُونَ؟ فقال عبدُ الله بنُ جُبَيْرٍ:أَنَسِيتُمْ ما قال لَكُمْ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: والله لَنَأْتِيَنَّ الناسَ فَلَنُصِيبَنَّ من الْغَنِيمَةِ، فلما أَتَوْهُمْ صُرِفَتْ وُجُوهُهُمْ فَأَقْبَلُوا مُنْهَزِمِينَ فَذَاكَ إِذْ يَدْعُوهُمْ الرَّسُولُ في أُخْرَاهُمْ، فلم يَبْقَ مع النبي صلى الله عليه وسلم غَيْرُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلا فَأَصَابُوا مِنَّا سَبْعِينَ " رواه البخاري.
وقال الزبير رضي الله عنه يحكي فعل الرماة: " فرغبوا إلى الغنائم وتركوا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلوا يأخذون الأمتعة فأتتنا الخيل من خلفنا فحطمتنا وكرَّ الناس منهزمين" رواه ابن راهويه.
وذكر ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي عليه الصلاة والسلام أقام الرماة في مَوْضِعٍ ثُمَّ قال: "احْمُوا ظُهُورَنَا فَإِنْ رَأَيْتُمُونَا نُقْتَلُ فَلاَ تَنْصُرُونَا وإنْ رَأَيْتُمُونَا قد غَنِمْنَا فَلاَ تَشْرَكُونَا، فلما غَنِمَ النبي صلى الله عليه وسلم وَأَبَاحُوا عَسْكَرَ الْمُشْرِكِينَ أَكَبَّ الرُّمَاةُ جَمِيعاً فَدَخَلُوا في الْعَسْكَرِ يَنْهَبُونَ، وَقَدِ الْتَقَتْ صُفُوفُ أَصْحَابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم فَهُمْ كَذَا -وَشَبَّكَ بين أَصَابِعِ يَدَيْهِ- وَالْتَبَسُوا، فلما أَخَلَّ الرُّمَاةُ تِلْكَ الْخَلَّةَ التي كَانُوا فيها دَخَلَتِ الْخَيْلُ من ذلك الْمَوْضِعِ على أَصْحَابِ النبي صلى الله عليه وسلم فَضَرَبَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً وَالْتَبَسُوا، وَقُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ نَاسٌ كَثِيرٌ" رواه أحمد.
ولما عرض الله تعالى لهذا الموقف من كتابه العزيز بيَّن عز وجل أن المعصية هي سبب ما لحق المسلمين من التنازع والفشل والهزيمة، وأخبر عز وجل أنه سبحانه قد أنالهم ما وعدهم من النصر لولا معصيتهم فقال عز وجل (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ) [آل عمران:152].
فكان النصر أولاً، ثم كان فشلُ الرماة وضجرهم من ملازمة أماكنهم خشية فوات الغنيمة، ثم تنازعهم مع أميرهم في النزول عن الجبل، ثم تصميم معظمهم على ما أرادوا متأولين أن المعركة قد انتهت، وأن النصر تحقق؛ فلحقهم شؤم المعصية، وانقلبت موازين المعركة، وكان وبال معصيتهم عليهم وعلى سائر الجيش، فاختلطوا يضرب بعضهم بعضا، وطوقهم المشركون من كل جانب، فحمى الله تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام من كيد المشركين وشرهم.
والمعصية هي سبب الخلاف والتنازع، ثم هي سبب الفشل والهزيمة، كما أن الطاعة هي سبب التآلف واجتماع الكلمة كما أنها سبب النصر والظفر.
وفي مقام آخر بيَّن الله تعالى أن الهزيمة ما لحقتهم إلا بمعصيتهم له عز وجل (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [آل عمران:165] فهو سبحانه قدير على نصركم وعلى خذلانكم، فلما عصيتم وجررتم لأنفسكم الغضب قدَّر الله سبحانه لكم الخذلان؛ فالنصر يطلب من الله تعالى، ومن أسبابه لزوم طاعته، ومن خذله الله تعالى فلن ينتصر مهما كان جمعه وقوته، ومن أعظم أسباب الخذلان معصية الله تعالى، وفي سياق الآيات التي أخبرت عن هذه الغزوة العظيمة تأتي هذه القاعدة الجليلة ليستفيد منها قُرَّاءُ القرآن في كل زمان ومكان (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ) [آل عمران:160].
فيا لها من قاعدة عظيمة كانت غزوة أحد مثالا واضحا عليها، فهل ندرك ذلك -يا عباد الله- في زمن تكالبت فيه قوى الشر والطغيان على المسلمين يريدون تبديل دينهم، وسلبهم ما بقي من مقومات عزهم وقوتهم، ولن يظفروا بشيء منهم إلا إذا عصى المسلمون ربهم جل جلاله حيث يكون الخذلان، ومن خذله الله تعالى فلن ينتصر أبدا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ) [محمد:7-8].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم |
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله -أيها المسلمون- وأطيعوه؛ فإن في طاعته عز وجل فوز الدنيا والآخرة (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ) [النور:52].
أيها المسلمون: بلاء المعصية يتعدى أصحابها حتى يكون عاما على جماعة المسلمين، وفي غزوة أحد كان عدد الرماة قليلا بالنسبة لمجموع الجيش، ومن عصى منهم لا يشكلون إلا نسبة ضئيلة من المسلمين، ولكن شؤم هذه المعصية لحق الجيش كله فانكسر وقد كان منتصرا، ومن قتلوا من خيار الصحابة رضي الله عنهم كانوا أكثر من عدد الرماة كلهم، وكل هذا يدل على أن عموم الناس قد يؤخذون بذنوب بعضهم.
ولو نظرنا بعين البصيرة لمعاصينا لعلمنا كيف هانت أمتنا وخُذِلت وسُلِّط عليها أعداؤها؛ فكم فينا من العصيان، ومن التقصير في طاعة الله تعالى؟!
والذين فروا من معركة أحد بعد الهزيمة وهم الأكثر، ولم يثبت إلا النبي عليه الصلاة والسلام في نفر قليل جدا، إنما كان فرارهم وعدم ثباتهم بسبب ذنوبهم، وكان هذا أيضا من شؤم الذنوب وبلائها على المسلمين، وقد يكون في ثباتهم لو ثبتوا عودةُ نصر الله تعالى وتأييده، فَتُقْلَبُ موازين المعركة مرة أخرى للمؤمنين، فكانت معصية الرماة سببا في الهزيمة، وكانت معاصي الأفراد سببا في عدم ثباتهم لما دارت الدائرة على المؤمنين، يقول الله عز وجل عن أولئك الفارين يوم أحد (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ التَقَى الجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) [آل عمران:155] فقد سُلِّط عليهم ببعض ما كسبوا فكيف لو أخذوا بجميع ما كسبوا؟!
إن من الناس من يظن أن دين الله تعالى هو سبب البلاء، وأن المحنَّ إنما تتوارد عليه بسبب استمساكه بالدين، وهذا هو ظنُّ المنافقين الذين قالوا يوم أحد فيمن قُتِلوا (لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا) [آل عمران:168] فكانت حجة الله تعالى عليهم (قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ المَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [آل عمران:168] .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "وإذا أصابت العبدَ مصيبةٌ كانت بذنبه لا باتباعه للرسول، بل باتباعه للرسول صلى الله عليه وسلم يُرحم وينصر، وبذنوبه يعذب ويخذل قال تعالى (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) [الشُّورى:30] ولهذا لما انهزم المسلمون يوم أحد وكانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم واستظهر عليهم العدو بيَّن الله تعالى لهم أن ذلك بذنوبهم ".
وقال أيضا: "وإذا كان في المسلمين (ضعفا)، وكان عدوهم مستظهرا عليهم؛ كان ذلك بسبب ذنوبهم وخطاياهم، إما لتفريطهم في أداء الواجبات باطنا وظاهرا، وإما لعدوانهم بتعدي الحدود باطنا وظاهرا.
وقال رحمه الله تعالى: ومن المعلوم بما أرانا الله تعالى من آياته في الآفاق وفى أنفسنا، وبما شهد به في كتابه أن المعاصي سبب المصائب؛ فسيئاتُ المصائبِ والجزاءِ من سيئات الأعمال، وأنَّ الطاعة سبب النعمة؛ فإحسانُ العمل سببٌ لإحسانِ الله تعالى" .اهـ
عباد الله: إذا كان الأمر كذلك، وكانت هزيمة المؤمنين في غزوة أحد بمعصية بعضهم فإنه لا مخرج للأمة من ذلها وهوانها وتخلفها إلا بطاعة الله تعالى، واجتناب معصيته التي هي سبب البلاء والمصائب، ولا رادَّ لتسلط الأعداء على المسلمين إلا اللهُ تعالى، ونصر الله تعالى وتأييده وحفظه إنما يستجلب بطاعته. كما أن معصيته سبب للفشل والهزيمة والخذلان، ولا بدَّ أن يدرك كل مسلم هذه الحقيقة المقررة في القرآن، والتي دلت عليها سنن الله تعالى في عباده؛ فكل عاصٍ من أفراد الأمة مسئول أمام الله تعالى عن ضعف الأمة وهزيمتها بما ينتهك من حرمات الله تعالى، ويأتي من معاصيه، ويفرط في طاعته؛ إذ هو سبب من أسباب الهزيمة والخذلان، ومن منا يزكي نفسه عن المعصية، فإذا كان الأمر كذلك فلنتب من ذنوبنا طلبا لرضى ربنا، وخلاصا لأمتنا من ضعفها وانحطاطها، وتسلط الأعداء عليها.
وأما ما يردده كثير ممن ينعتون أنفسهم بالمفكرين والمثقفين من زعمهم أن الدين هو سبب تخلف الأمة وتقهقرها، وأن التخلي عنه سبب لعزها ورفعتها فلا يعدو أن يكون كمقولة المنافقين حين ظنوا أن دين الله تعالى هو السبب في قتل من قتلوا من المسلمين في غزوة أحد، ولئن أطاعهم الناس فيما يريدون من تبديل دين الله تعالى فلن يزدادوا إلا انحطاطا مع انحطاطهم، مع ما يستوجبونه لأنفسهم من عقوبة الله تعالى في الدنيا والآخرة.
فخذوا -يا عباد الله- من غزوة أحد معتبرا، واعلموا أن سنن الله تعالى لا تحابي أحدا، وأن معصية بعض المسلمين جرَّت هزيمة قاسية إلى جيش فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه خيار هذه الأمة، فكيف بنا ونحن في القرون المتأخرة، عسى الله تعالى أن يرحمنا ويعفو عنا.
وصلوا وسلموا....