البحث

عبارات مقترحة:

المتين

كلمة (المتين) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل على وزن (فعيل) وهو...

المحسن

كلمة (المحسن) في اللغة اسم فاعل من الإحسان، وهو إما بمعنى إحسان...

الدعاء والاستغفار

العربية

المؤلف محمد موسى العامري
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك
عناصر الخطبة
  1. نظرةُ كُلٍّ من المؤمن والمنافق لذنوبه .
  2. الدعاء والتضرع أول أبواب المغفرة .
  3. موانع الاستجابة .
  4. ترغيب في الدعاء .
  5. فضل الاستغفار .
  6. سيد الاستغفار .

اقتباس

إنَّ أولَ أبواب المغفرة الدعاءُ مع الرجاء، دعاءٌ فيه ترجٍّ، وتذلُّلٌ، واعتراف بفقرنا، وذلنا، وضعفنا، ومرضنا، وعبوديتنا؛ خَلْقٌ ضعافٌ، نساءٌ ورجال لا يملكون شيئاً، (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) ..

تبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، أحمده -تعالى- وأستعينه وأستهديه، وأعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ* وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [آل عمران:102-103].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر:18]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم:6]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد:7]، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) [الطلاق:2-3].

اللهم إنا نسألك أن تؤلف على الخير قلوبنا, وأن تلم شعثنا، وأن ترفع رايتنا، وأن تنصرنا على عدوك وعدونا يا قوي يا جبار.

أما بعد: في الأثر، أن حنظلة الأسيدي -رضي الله عنه- قال: لقيني أبو بكر فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قال: قلت: نافق حنظلة! قال: سبحان الله! ما تقول؟ قال: قلت: نكون عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يذكرنا بالنار والجنة، حتى كأنا رأي عينٍ، فإذا خرجنا من عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا كثيرا، قال أبو بكر: فوالله إنا لنلقى مثل هذا!.

فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قلت: نافق حنظلة يا رسول الله، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "وما ذاك؟" قلت: يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأى عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا، كثيرا فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده! لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة، ساعة وساعة، ساعة وساعة، ساعة وساعة" رواه مسلم.

أي: ساعة تتفرغون فيها لعبادة الله، وساعة تنشغلون فيها في دنياكم لا في ما حرم الله، فكل ساعات المرء يقضيها في مرضاة ربه.

أيها المؤمنون: إن الله -جل وعلا- قد خلق في الدنيا ملهيات منها البنون والأولاد والمال، والدنيا بمتاعها ونسائها، ومالها، وعقارها، كلها تلهي الإنسان عما خلق الله -جل وعلا- الخلق لأجله.

أيها المسلمون: إن أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- عرفوا كيف يجمعون بين الدنيا والآخرة: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ) [القصص:77].

وانظر إلى أنس بن مالك إذ يقول بعد وفاة المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، يقول للتابعين: والله إنكم لتعملون أعمالاً ترونها أدق من الشعرة، كنا نراها في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- من الكبائر. أحد السلف يقول: المؤمن يرى معصيته كالجبل على قلبه.

المؤمن التقي يرى معصيته: كذبة، أو غيبة، أو نميمة، أو نظر إلى حرام، أو سماع لحرام، أو أكل الحرام، يرى معصيته كالجبل الجاثم على قلبه، لا ينام لها في ليل، ولا يرتاح لها في نهار، لا يهنأ بعيش ولا يتلذذ بطعام، المؤمن يرى معصيته كالجبل على قلبه فيعجز عن التنفس بسببها، وتصعب عليه الحركة لتقييدها؛ أما الكافر فلا يراها شيئاً! إذ لا شيء في قلبه من الخوف والإجلال والمهابة لله -عز وجل-.

أيها المؤمنون: هل نستشعر ونعي ونحس بعظم خطورة وضعنا في الدنيا وفي الآخرة؟ هل نعلم ما نحن مقبلون عليه؟.

أيها المؤمن: لو نزل بك ملك الموت الآن؛ ما أنت قائل لربك؟ أتظن نفسك خالداً في هذه الدنيا؟ لو دامت الدنيا لأحد لدامت لأنبياء الله، ولبقيت لخليل الله، ولو بقيت الدنيا لأحد ممن عبدوها من عبيد المال لبقيت لفرعون وقارون وهامان.

فكلنا زائل ميت وسيوارى التراب، فيا من بلغت الخمسين، أو الستين، أو الثلاثين، لو نزل بك الموت الآن ما أنت قائل لربك؟ وبماذا ستجيبه؟ ماذا ستقول له؟ تقول: يا رب كنت ناسياً، لاهياً؟ لا يغرنك عملك، ولا تغرنك دنياك، ولا صحبك، كل سيفارقك يوم القيامة، كم من زوجة بعد وفاة زوجها قد تزوجت! وكم من أولاد بعد وفاة والدهم قد تصارعوا على أمواله! نسيناهم وألقيناهم في حفرة من الأرض وعشنا في الدنيا كأننا مخلدون.

أيها الأتقياء: إني بذلك أرفع إليكم بشارة ذكرها النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه الترمذي، فهل تجد هذه البشارة منكم آذاناً صاغية وقلوباً واعية، افتح لها قلباً واعياً، انس الدنيا، واعلم أنك ستخرج من المسجد إلى الدنيا، وإنك أتيت من الدنيا، فإنما هي ساعة تفرغ فيها لله فافتح قلبك وانس همك، (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ...) [الكهف:46]، واجعل هذه الفترة أو الدقائق من الباقيات التي تنفعك في الآخرة، واسمع إلى حديث المصطفى -صلى الله عليه وسلم- لعله بسماعك لهذا الحديث يغفر الله ذنبك، ويستر عيبك، ويطهر فؤادك.

أيها المؤمنون: من منكم اليوم لم يعص الله معصية واحدة؟ من منا لم يكذب، ولم يغتب؟ ولم يأكل حراماً؟ ولم ينظر إلى الحرام؟ قال -عليه الصلاة والسلام-: "كل ابن آدمَ خطَّاءٌ، وخير الخطَّائين التوابون" رواه الترمذي وابن ماجة وأحمد.

كلنا مذنبون، فمَن الذي يتكبر على الله في الدنيا؟ ومن سيأتي بمحام عنه في الآخرة؟ يوم تشهد عليك يداك ورجلاك، وعيناك، وأنفك، وفؤادك، وجلدك، كلها ستقف ضدك! عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "قال الله تعالى: يا بن آدم، إنك ما دعوتَني ورجوتَني غفرتُ لك على ما كان منك ولا أبالي، يا بن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا بن آدم، إنك لو أتيتني بقراب الأرض-أي: جبالها، وسهولها، ووديانها، وبحارها، وهواؤها، ومخلوقاتها- خطايا ثم لقِيتَني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة" صحيح، رواه الترمذي وأحمد.

لا إله إلا الله! ما أظلم ابن آدم، وما أقسى قلبه، وما أقلَّ عقله! وما أبعده عن ربه! الله يطلب منك الدعاء، والاستغفار والتوحيد.

عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "والذي نفسي بيده!" أو قال: "والذي نفس محمد بيده! لو أخطأتم حتى تملأ خطاياكم ما بين السماء والأرض ثم استغفرتم الله -عز وجل- لغفر لكم، والذي نفس محمد بيده! أو والذي نفسي بيده! لو لم تخطئوا لجاء الله -عز وجل- بقوم يخطئون ثم يستغفرون الله فيغفر لهم" رواه أحمد وأبو يعلى.

إنَّ أولَ أبواب المغفرة الدعاءُ مع الرجاء، دعاءٌ فيه ترجٍّ، وتذلُّلٌ، واعتراف بفقرنا، وذلنا، وضعفنا، ومرضنا، وعبوديتنا؛ خَلْقٌ ضِعافٌ، نساءٌ ورجالٌ لا يملكون شيئاً، (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) [غافر:60]، وفي الأثر في الدعاء: "ما كان الله ليفتح على عبده باب الدعاء ويغلق عنه باب الإجابة" [في تذكرة الموضوعات: لا أصل له].

فسل نفسك -أيها المذنب- كم مرة في اليوم رفعت يديك إلى السماء فقلت: يا رب! وكم مرة في الأسبوع، أو في الشهر أتيت إلى بيت الله، أو قمت في نصف الليل، أو قبيل الفجر، أو قبيل المغرب أو في آخر ساعة من يوم الجمعة فتوضأت وأحسنت الوضوء، وتركت الدنيا بما فيها، وأقبلت على مولاك، فقلت: يا رب! عبد ضعيف، عبد مذنب، يا رب! أقبلت عليك، يا رب! أتيتك، يا رب إني منطرح بين يديك، يا رب! إني طارق لبابك، يا رب! إن عظمت ذنوبي لكن رحمتك أعظم، أأنت من هؤلاء التائبين الداعين؟.

أيها المسلمون: اعلموا أن الله -جل وعلا- لا يستجيب دعاءً من قلبٍ لاهٍ مُعرضٍ يرفع يديه وينطق لسانه وقلبه في الدنيا، في ملذاتها وتجارتها، وأولادها، وزوجته وأرضه، وعقاره، وفي بيت ما أكمله، وفي ولد ما زوجه، وفي بضاعة ما باعها، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلبٍ غافلٍ لاه" رواه الترمذي وأحمد والحاكم وحسنه الألباني، كيف يقبل الله من رجل يدعو بلسانه وقلبه معلق في الدنيا؟.

أيها الناس: واعلموا أن بعض الناس يستعجل في الدعاء، يقول: دعوت فما استجيب لي، ورجوت فما قُبل رجائي، وطلبت فما نفذ طلبي!.

اعلم أن الله -جل وعلا- يمتحن العبد لينظر أيصبر على البلاء، ويشكر على النعماء؟ بل إنه ورد في الأثر: "إن العبد إذا دعا ربه وهو يحبه قال الله: يا جبريل، لا تعجِّل بقضاء حاجة عبدي؛ فإني أحب أن أسمع صوته، فإني أحب أن أسمع صوته" رواه الطبراني والبيهقي وضعَّفه الألباني.

الله في سمائه وعليائه، بصفاته وأسمائه، يقول: إني أحب أن أسمع صوت عبدي وهو يقول: يا رب! يا عظيم! يا كريم! يا جواد! يا رحمن! يا رحيم! ونحن نتكبر على الله أن ندعوه.

أيها الأتقياء: ربكم يقول لكم (وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ) [الأعراف:56]، وعن أنس بن مالك عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تعجزوا عن الدعاء! فإنه لن يهلك مع الدعاء أحد" رواه ابن حبان وضعفه الأرنؤوط والألباني. أسمعتم عن خلق مظلومين دعوا الله فرد دعاءهم؟!.

إن أعظم شيء يسأله العبد ربه هو الجنة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لرجل: "كيف تقول في الصلاة؟" قال: أتشهَّد وأقول: اللهم إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار، أما إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ! فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "حولها ندندن" صحيح رواه ابن ماجة وأبو داود وأحمد. ما نرجو من الله إلا الجنة، وما نستعيذ به إلا من النار.

وعن جابر قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما من أحد يدعو بدعاء إلا آتاه الله ما سأل، أو كف عنه من السوء مثله، ما لم يدع بإثم أو قطعية رحم" الترمذي وأحمد وحسنه الألباني.

وكم من ظالم في الدنيا يرى أنه مظلوم فيدعو على شخص فلا يستجيب الله له! وقال رجل لابن عمر: كيف سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول في النجوى؟ قال سمعته يقول: "يدنى المؤمن يوم القيامة من ربه -عز وجل- حتى يضع عليه كنفه فيقرره بذنوبه فيقول: هل تعرف؟ فيقول: أي رب أعرف، قال: فإني قد سترتها عليك في الدنيا وإني أغفرها لك اليوم، فيعطى صحيفة حسناته. وأما الكفار والمنافقون فينادى بهم على رؤوس الخلائق: هؤلاء الذي كذبوا على الله" متفق عليه. اللهم! اغفر لنا ذنوبنا.

عباد الله: قلتُ ما سمعتم، فاستغفروا الله؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى.

أما بعد: روى الحاكم في المستدرك أن رجلاً جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: واذنوباه! واذنوباه! فقال هذا القول مرتين أو ثلاثا، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "قل اللهم مغفرتك أوسع من ذنوبي، ورحمتك أرجى عندي من عملي، فقالها، ثم قال: عد فعاد، ثم قال: عد، فعاد فقال: قم فقد غفر الله لك" رواه الحاكم وضعفه الألباني.

يا ربّ إِنْ عظُمَتْ ذنوبَي كثرةً

فلَقَدْ علمتُ بأنَّ عفوَكَ أعظمُ
إنْ كان لا يرجوك إلا مُحْسِنٌ فمَن الذي يدعو ويرجو المجرمُ؟
ما لي إليك وسيلةٌ إلا الرجا وجميلُ عفوِكَ ثم أنِّيَ مُسْلِمُ

أيها المسلمون: السبب الثاني في مغفرة الذنوب هو الاستغفار، يقول الله -جل وعلا-: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [آل عمران:135]، أي: علموا أن الله يراهم ويسمعهم، ويعلم فعلهم، فكانت نتيجة الذكر أن استغفروا لذنوبهم، ومن يغفر الذنوب إلا الله.

ويقول الله -جل وعلا-: (وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا) [النساء:110]، قال الحسن البصري رحمه الله: " أكثروا من الاستغفار في بيوتكم، وعلى موائدكم، وفي طرقكم، وفي أسواقكم، وفي مجالسكم، وأينما كنتم فإنكم ما تدرون متى تنزل المغفرة"، أتنزل وأنتم في المسجد، أو في الطريق، أو في السوق، أو في الموائد.

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن عبدا أصاب ذنبا وربما قال: أذنب ذنبا فقال: رب أذنبت، وربما قال: أصبت فاغفر لي، فقال ربه: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به، غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله، ثم أصاب ذنبا أو أذنب ذنبا، فقال: رب أذنبت -أو أصبت- آخر فاغفره؟ فقال علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به، غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله، ثم أذنب ذنبا، وربما قال أصاب ذنبا، قال: رب أصبت -أو قال أذنبت- آخر فاغفره لي فقال: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي -ثلاثاً- فليعمل ما شاء" رواه البخاري.

أيها الناس: اعلموا أن أفضل أنواع الاستغفار ما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "سيد الاستغفار أن تقول: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استعطت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليَّ، وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت" رواه البخاري، وقال -عليه الصلاة والسلام-: "من أكثر من الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب" رواه أحمد وابن ماجة والحاكم وضعفه الألباني.

وكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- من شدة خوفه ووجله من ربه، يأتي إلى الصبيان الصغار فيطلب منهم الاستغفار، ويقول: إنكم لم تذنبوا.

اللهم لا تجل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا غاية رغبتنا، اللهم اجعلنا من عبادك الصالحين، واجعلنا من المقبلين على الآخرة، واجعل قلوبنا خاشعة.

اللهم إنا نسألك قلباً خاشعاً، ولساناً ذاكراً، وعيناً دامعة، اللهم إنا وفود عليك، ضيوف في بيتك، فلا تردنا خائبين، ولا عن بابك مطرودين، ولا من رحمتك مبعدين.

اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار؛ اللهم آنس وحشتنا في القبور، واجعل أعمالنا الصالحة خير جليس لنا في القبور، اللهم اجعلنا من المبشرين بالجنة، اللهم افتح لنا باباً إلى الجنة في قبورنا.

اللهم وسع علينا قبورنا، اللهم اغفر ذنوبنا, واستر عيوبنا, اللهم إنا نلجأ إليك بأن تغيث العباد والبلاد، اللهم أغثنا غيثاً هنيئاً مريئاً سحاً طبقاً، اللهم وأغثنا غيث الإيمان في قلوبنا.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.