الصمد
كلمة (الصمد) في اللغة صفة من الفعل (صَمَدَ يصمُدُ) والمصدر منها:...
العربية
المؤلف | ناصر العلي الغامدي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | أركان الإيمان |
إنَّ الجاحدين بالله، والمرتابين فيه، وفي لقائه يوم الحساب، يَحْيَوْن حياة لا طعم لها ولا معنى لها. يعيشون حياةً كلُّها قلقٌ وحيرة. كلُّها علاماتُ استفهام، كلُّها أسئلةٌ لا تجد لها عندهم جواباً. إنهم لا يقنعون بشيء، ولا يطمئنون إلى شيء. كَريشَةٍ في مَهَبّ الرّيحِ ساقِطَةٍ *** لا تَسْتَقِرُّ على حالٍ منَ القَلَقِ .. وإنَّ الذي لا يعرف هدفه في الحياة سيعيش عيشة تعيسة بنفسية معذبة، كلها كآبة ونكد، الحياة عنده لا قيمة لها إلا في الطعام والشراب والمنام.
الحمد لله الذي شهدت له بالربوبية جميع مخلوقاته. وأقرَّتْ له بالألوهية جميع مصنوعاته. سبحانه سبحانه، لا فوزَ إلا بطاعته، ولا عِزَّ إلا في التذلُّل لعظمته. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له كلمةٌ قامت بها الأرض والسموات، وخُلِقتْ لأجلها جميع المخلوقات. بها أرسل الله رسله، وأنزل كتبه، ولأجلها خُلِقت الجنة والنار. وانْقَسَمتِ الخليقةُ إلى مؤمنين وكفار، وأبرارٍ وفجار.
وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، وأمينُه على وحيه، وخِيْرتُه من خلقه، بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمَّة، وجاهد في الله حقَّ جهاده، حتى أتاه اليقينُ من ربِّه، فصلوات ربِّي وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم إلى يوم الدين.
أما بعدُ: فأيها الإخوة المسلمون: علمنا في الخطبة الماضية: أنَّ أكبرُ عارٍ على الإنسانِ أنْ يعيشَ غافلاً، لا يعلم الإجابة الصحيحة عن الأسئلة الخالدة الثلاثة: من أين؟ وإلى أين؟ ولماذا؟
وعرفنا من أين جئنا؟ وأنَّنا من عند الله الخالق العظيم سبحانه وتعالى، الذي أوجد الكون بِمَنْ فيه وما فيه. ومسألة وجود الله مسألةٌ فِطْريةٌ مغروزةٌ في سويداء كلِّ قلب، ومسألةٌ عقليةٌ مركوزةٌ في خَلَد كلِّ عاقل؛ قال تعالى: (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [الروم: 30]، وقال سبحانه: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ) [الطور: 35- 36].
وعلمنا بعد ذلك إلى أين؟ وأنَّ مردَّنا إلى الله، وأن بعد الموت حياة. قال تعالى: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ * وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) [الجاثية: 21- 22] فلا بدَّ من البعث والحساب.
بقي علينا أن نعرف يا عباد الله لماذا خلقنا الله؟ لماذا وُجِدَ الإنسانُ في هذه الحياة؟ وما مهمته الآن فوق الأرض؟
أيها الأحبة في الله: إنَّ الجاحدين بالله، والمرتابين فيه، وفي لقائه يوم الحساب، يَحْيَوْن حياة لا طعم لها ولا معنى لها. يعيشون حياةً كلُّها قلقٌ وحيرة. كلُّها علاماتُ استفهام، كلُّها أسئلةٌ لا تجد لها عندهم جواباً. إنهم لا يقنعون بشيء، ولا يطمئنون إلى شيء.
كَريشَةٍ في مَهَبّ الرّيحِ ساقِطَةٍ | لا تَسْتَقِرُّ على حالٍ منَ القَلَقِ |
وإنَّ الذي لا يعرف هدفه في الحياة سيعيش عيشة تعيسة بنفسية معذبة، كلها كآبة ونكد، الحياة عنده لا قيمة لها إلا في الطعام والشراب والمنام.
إنما الدنيا طعام .. وشراب ومنام
فإذا فاتك هذا .. فعلى الدنيا السلام
نهارُكَ بَطَّالٌ وليلُكَ نائمُ | كذلك تعيش في الدنيا البهائم |
ولذلك يا عباد الله تجدون كلَّ من أضاع هدفه، أو جهل هدفه، أو لا يعمل لما خُلِق له، تجدون حياته لا تسير على هدىً ورشادٍ، بل على ضلالٍ وفسادٍ، تمضي عليه الأوقاتُ يُبَدِّدُها في الرقص والغناء، والسُّكْر والبغاء، واللغو واللهو، والحَيْرة والتِّيْه، والبحثِ عن حلٍّ لصراعاته النفسية، عند الفلاسفة وأهل الضلالات الفكرية.
أيها الإخوة المسلمون: دعونا نساءل من لا يعلم "لماذا خلقنا": لو وقف أطباءُ العالمِ على صعيدٍ واحدٍ، وسألتهم: هل خُلِقتْ عيونُ الإنسان لحكمة؟ لأجابوا جميعًا: نعم، ومن كذَّب ذلك فلتُقْلعْ عَيْنَاه.
ولو سألتهم عن: الفم والأسنان والأذنين واليدين والقدمين والقلب والرئتين، وكلِّ عِرْق صغير أو خليةٍ في الإنسان: هل خلقت هذه الأجزاء لحكمة؟ لأجابوا جميعًا: نعم.
وإذا سألتهم: هل هذه الأجزاء من الإنسان لها حكمةٌ بالنسبة لجسم الإنسان كلِّه؟ لقالوا: نعم؛ فإنَّ الحكمة من الفَمِ أن يأكل ليبني كيان الإنسان. والحكمةُ من القدم لتنقل جسمَ الإنسان من مكان إلى مكان، وهكذا البقية. فالحكمة من هذه الأجزاء خدمةُ الكلِّ الذي هو الإنسان.
ويأتي حينئذٍ السؤالُ الأهمُّ، فلو سألتهم:
ما الحكمة من هذا الإنسان؟؟!! | لوجدتهم يقفون مبهورين مبهوتين محتارين إلا من كان منهم مؤمناً بالله |
ولهذا يا أيها الإنسان! إذا لم تعرفْ حكمة خلقك، فإنك تكونُ أهونَ من اللباس الذي تلبسه؛ لأنَّ هذا اللباسَ له حكمةٌ أن يسترَ عورتَك، وأنْ يقيك من الحرِّ والبرد. أو تكونُ أهونَ من هذا الجهاز اللاقط (الميكرفون) الذي يؤدي مهمته. بل تكونُ أسوأَ من الكائنات والعجماوات التي تسبِّح بحمد ربِّها، وخَلَقَها الله لتكونَ مُسَخَّرةً للإنسان فيما جرتْ به العادة، جاء الصحيحين: «بَينا رجلٌ يَسُوق بقرةً إِذْ عَيِيَ (تعِب) فَرَكِبَهَا، فَقَالَتْ البقرةُ: إِنَّا لَمْ نُخْلَقْ لِهَذَا، إِنَّمَا خُلِقْنَا لِحِرَاثَةِ الْأَرْضِ. فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللَّهِ بَقَرَةٌ تَكَلَّمُ. فقال صلى الله عليه وسلم: فَإِنِّي أومن بِهَذَا أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ» رواه الشيخان. فالبقرة لها حكمةٌ وأنت لا حكمةَ لك.
ولهذا قلتُ في صدر الخطبة: أكبر مغفلٍ وجاهلٍ على وجه الأرض هو ذلك الذي لا يعرف الحكمة من حياته كلِّها.. تنتهي حياتُه على الأرض وهو لا يعرف لماذا عاش؟ ولماذا خُلِق؟ ولا لماذا يموت؟ إنَّ حياتَه في نظر نفسه أقلُّ شأناً من نَعْلَيْهِ (وأكرم الله السامعين)؛ لأنَّ نَعْلَيْهِ لهما حكمةٌ، تَقِيَانه من الأذى، أمَّا هو فلا حكمةَ له في نظره السقيم.
يا إخواني: إن أيَّ إنسانٍ عاقلٍ سَوِيٍّ، لا يقوم بعملٍ أو وظيفةٍ إلا لحكمةٍ، وله قصْدٌ وهدفٌ من ورائه، فالعاقل يربأ بنفسه أن يكون من العابثين. والله الخالقُ جل وعلا أولى، وله المثل الأعلى؛ يقول: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) [المؤمنون: 115- 116]، وقال تعالى: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ* مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) [الدخان: 38- 39]
أيها الإخوة المسلمون: إنَّ كلَّ صانعٍ لآلةٍ أدرى بصَنْعَته، يعرف لماذا صنعها؟ ولماذا على هذا النحو بالذات؟
والله سبحانه هو صانع الإنسان. فلْنَسْأَلْهُ: يا رب! لماذا خلقتَ الإنسان؟
- هل خلقته لمجرد الطعام والشراب واللهو واللعب؟
- هل خلقته لمجرد أن يمشي فوق التراب، ويأكل ممن يخرج من التراب، ثم يعود كما كان إلى التراب، وقد ختمت القصة؟!
- هل خلقته ليعيش هذه الفترةَ القصيرةَ المعذبة ما بين صَرْخَة الوَضْع وأَنَّةِ النَّزْع، أرحامٌ تدفع وأرض تبلع، وتنتهي الحياة؟!
- إذاً، فما سِرُّ هذه القوى التي أودعتها الإنسان من عقل وروحٍ وإرادة؟!
ما الجواب؟ يا ربَّ الأرباب ومجريَ السحاب، وخالقَ الأسباب!
الجواب: (هَلْ أَتَى عَلَى الْإنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً* إِنَّا خَلَقْنَا الْإنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) [الإنسان: 1-3] وقال سبحانه: (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) [الملك: 1- 2].
أيها الإخوة المسلمون : خلقنا الله في دار البلاء والامتحان؛ ليبلونا ويختبرنا، مَنْ مِنَّا يُحسِن العمل.
وما العمل الذي ابتلانا به ربُّنا وخالقنا في هذه الحياة الدنيا؟
هذا ما سنعرفه في الخطبة الثانية بحول الله تعالى وعونه.
بارك الله لي ولكم |
الخطبة الثانية
أيها الإخوة المسلمون: إن الله تعالى بيَّن لنا في كتابه الخالد أن الإنسان خُلق ليكون خليفة في الأرض: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ) [البقرة: 30]، وقال سبحانه: (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا) [هود: 61]، خلق اللهُ آدمَ عليه السلام وبنيه؛ لِيُمْضُوا أحكامَ الله، ويعمروا الأرض بالصلاح لا بالفساد.
رسالتنا في الحياة يا عباد الله: عبادة الله تعالى، أن يكون هناك عبدٌ وربٌّ، عبدٌ يَعبد، وربٌّ يُعبد، فالله ما خلقنا ليستأنس بنا من وحشة، ولا ليستكثر بنا من قِلَّة، ولا ليستغني بنا عَيْلة. حاشاه حاشاه! وإنما خلقنا لتوحيده بالعبادة: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ* مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ* إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) [الذاريات: 56- 58] إن الله لا يريد منا شيئًا آخر سوى تحقيق معنى العبادة الصحيح لله تعالى. قال صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي أَمْلَأْ صَدْرَكَ غِنًى وَأَسُدَّ فَقْرَكَ، وَإِلَّا تَفْعَلْ مَلَأْتُ يَدَيْكَ شُغْلًا وَلَمْ أَسُدَّ فَقْرَكَ» رواه الترمذي بسند صحيح.
أيها الإخوة المسلمون: إن العبادة لله وحده هي العهد القديم، الذي أخذه الله على بني الإنسان. قال تعالى: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ) [يس: 60- 61].
وهذا العهد من الله لعباده هو الذي أخذه الله على بني آدم: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ) [الأعراف: 172].
ولهذا فلا عجب أيها الإخوة أن يكون المقصودُ الأعظمُ من بعثة النبيين، وإرسالِ المرسلين، وإنزالِ الكتب هو: تذكيرَ الناس بهذا العهدِ القديم، وإزالةَ ما تراكم على الفِطَر من الغبار، والقلوبِ من الرَّان.
فالنداء الأول لكل رسول هو (يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) [هود: 50]، وقال تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) [النحل: 36].
فعبادة الله تعالى وحده هي إذاً مَهمَّة الإنسان الأولى في الوجود، وهي الغاية التي من أجلها خُلق الإنسان، وهي وظيفته في الحياة.
فهل عبدنا الله حقًّا؟ هل أدَّيْنا الرسالةَ المنُوطَةَ بنا صِدْقًا؟
هل الرجلُ أو الشَّابُّ الذي لا يصلِّي إلا الجمعةَ يُعتبر عابدًا لله؟
وهل الذي يعبد الدينار والدرهم والفرج والبطن على حساب محبوبات الله يُعتبر عابدًا لله؟
هذه أسئلة وغيرها كثيرٌ، يضيق المقام لمناقشتها، ولكن لابدَّ للإنسان أن يسأل نفسه بِجِدٍّ عن مدى تحقيقه للهدف الذي خُلِقنا من أجله.
هذا واعلموا أيها الإخوة أنَّ العبادة ليست هي الصلاةَ والصيامَ والزكاةَ والحجَّ فحسب، نعم هي أسُّ العبادات، ولكنَّها ليستْ كلَّ العبادات. ليست العبادةُ محصورةً بين جدران المسجد، فإذا خرجنا من المسجد فلا عبادة. بل العبادة لها مفهومٌ واسعٌ شاملٌ لكلِّ مناحي الحياة. وبكلِّ أسفٍ قد انحسر هذا المفهوم في أذهان كثير من المسلمين إلى شعائر تعبدية فحسب.
العبادة مفهومها واسعٌ جدًّا، لهذا قال ابن تيمية رحمه الله: العبادة: اسمٌ جامعٌ لكلِّ ما يحبه الله تعالى ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة. العبادة تَعُمُّ كلَّ حياتِنا ومماتِنا، قال الله تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الأنعام: 162].
هذا وصلُّوا وسلِّموا على نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبه ....