الكبير
كلمة (كبير) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، وهي من الكِبَر الذي...
العربية
المؤلف | ملتقى الخطباء - الفريق العلمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | أركان الإيمان - الحياة الآخرة |
لقد بينت أحاديث أشراط الساعة الصغرى التي جاءت في القتل أن قتل المسلم لأخيه المسلم سيصل إلى درجة عجيبة حيث يقع القتل في دائرة القرابة والمقربين والمجاورين، فيصبح المسلم يقتل أخاه من أمه وأبيه، بل...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- تسليماً كثيراً.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[الأحزاب:70-71]، أما بعد:
عباد الله: أخبر النبي -صلى الله عليه سلم- أمته بما سيقع فيها من أمور مستقبلية، وهذه الأمور تعرف عند العلماء بأشراط الساعة الصغرى والكبرى، وهي من الأمور الغيبية التي يجب علينا التصديق بها وأخذ ما فيها على محمل الجدّ دونما إنكار ولا تردد، والإفادة منها في واقعنا.
ومن بين أشراط الساعة الصغرى التي أخبر بها نبينا -صلى الله عليه وسلم- كثرة القتل في المسلمين، وهذا لم يكن في زمانه وإنما أخبر أنه كائن في أمته؛ ففي صحيح مسلم، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكْثُرَ الْهَرْجُ" قَالُوا: وَمَا الْهَرْجُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "الْقَتْلُ الْقَتْلُ".
وفي صحيح البخاري، قال النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ، وَيَنْقُصُ العَمَلُ، وَيُلْقَى الشُّحُّ، وَيَكْثُرُ الهَرْجُ" قَالُوا: وَمَا الهَرْجُ؟ قَالَ: "القَتْلُ القَتْلُ".
وَفِي رِوَايَةِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ، وَيُقْبَضُ الْعِلْمُ، وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ، وَيُلْقَى الشُّحُّ، وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ" قَالُوا: وَمَا الْهَرْجُ؟ قَالَ: "الْقَتْلُ"؛ فهنا يبين الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن القتل في المسلمين سيكون، والعجيب أنه سيكون كثيرا. وهذا أمر مفزع حقا، ألا ترى إلى قوله: "ويكثر الهرج"؛ وألا ترى إلى تأكيده: "القتل القتل".
وهذا القتل الكثير يجتمع فيه قلة العمل الصالح وضعف الاهتمام بالعلم الشرعي الذي يشكل طوق نجاة للناس، وكثرة البخل وتسارع الأيام. قال ابن بطال في شرحه لهذه العلامة من أشراط الساعة الصغرى: "ونحن في ذلك؛ قد قبض العلم وظهرت الفتن وعمت وكثر الهرج وهو القتل" فإذا كان هذا في زمان ابن بطال فكيف هو فيما بعده.
أيها المسلمون: يا لعجب ما جاء في هذه العلامة من أشراط الساعة؛ فلك أن تتصور أن القتل يكون أشبه بالعمل المجنون، أشبه بالفعل الطائش لدرجة أن المسلم لا يتوقع أنه يُقتل، ولكن يأتيه القتل من حيث لا يحتسب ويتعرض للقتل لأتفه الأسباب؛ بل حتى القاتل نفسه لربما لم يتوقع أنه يقتل غيره لجل موقف بسيط أو دعوة جاهلية أو أوامر ظالمة؛ فاستمع معي إلى عجب ما جاء به الوحي؛ ففي صحيح مسلم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا، حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى النَّاسِ يَوْمٌ لَا يَدْرِي الْقَاتِلُ فِيمَ قَتَلَ، وَلَا الْمَقْتُولُ فِيمَ قُتِلَ"، فَقِيلَ: كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ؟ قَالَ: "الْهَرْجُ، الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ".
ولقد بينت أحاديث أشراط الساعة الصغرى التي جاءت في القتل أن قتل المسلم لأخيه المسلم سيصل إلى درجة عجيبة حيث يقع القتل في دائرة القرابة والمقربين والمجاورين؛ فيصبح المسلم يقتل أخاه من أمه وأبيه؛ بل ويقتل أباه ويقتل أمه ويقتل أبناء العمومة، ويصل الأمر لدائرة الجيران؛ فيقتل الجار والزميل بالعمل والصديق الملازم، وغيرهم من الدائرة القريبة من الإنسان نفسه.
ولا شك أن هذا أمر جلل، وخطب عظيم وغريب وظالم أشد الظلم، وهذا ما أشارت إليه النصوص؛ ففي الحديث الصحيح قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَقْتُلَ الرَّجُلُ جَارَهُ وَأَخَاهُ وَأَبَاهُ".
وفي رواية صحيحة: "حَتَّى يَقْتُلَ الرَّجُلُ جَارَهُ، وَابْنَ عَمِّهِ، وَأَبَاهُ"، وفي الحديث الحسن كما في سنن ابن ماجة عن أبي موسى قال: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ لَهَرْجًا" قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الْهَرْجُ؟ قَالَ: "الْقَتْلُ"، فَقَالَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نَقْتُلُ الْآنَ فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "لَيْسَ بِقَتْلِ الْمُشْرِكِينَ، وَلَكِنْ يَقْتُلُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، حَتَّى يَقْتُلَ الرَّجُلُ جَارَهُ، وَابْنَ عَمِّهِ وَذَا قَرَابَتِهِ"، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَعَنَا عُقُولُنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ؟...
وتأمل معي كيف كثر القتل للمسلمين وعلى أيدي المسلمين أنفسهم، ويا ليتنا نقتل المشركين بحق إنما نقتل بعضنا بعضا وبغير حق؛ لأجل الدنيا ومطامعها، وهذا والله واقع في مجتمعاتنا، فكم من قتل قام بقتل إخوانه على خلاف تافه، وكم قتل جار جاره لشجار أطفال، وولد قتل أباه خنقا لخلاف عائلي، والأخبار كثيرة عن مسلسلاتٍ من القتل تقع للمسلمين بأيدي مسلمين، وكأن هؤلاء القتلة لا يؤمنون باليوم الآخر ولا بالعدل الرباني ولا بيوم الدين.
عباد الله: من أشراط الساعة الصغرى ومن أماراتها وعلامتها التي جاء بها خبر الوحي، ظهور الزنا وشرب الخمور؛ ففي صحيح البخاري عن أنس بن مالك قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من أشراط الساعة أن يقلَّ العلم، ويظهر الجهل، ويظهر الزنا، وتكثر النساء، ويَقِلَّ الرجال، حتى يكون لخمسين امرأة القيِّمُ الواحد".
وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويثبت الجهل، ويشرب الخمر، ويظهر الزنا"، وفي صحيح البخاري قال النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-: "لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ، يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ (الزنا) وَالحَرِيرَ، وَالخَمْرَ وَالمَعَازِفَ".
أيها المؤمنون: تلكم هي المحرمات الصريحة الواضحة البينة التي اشتهرت حرمتها في المسلمين حتى بات يعرف حرمتَها وشناعتَها ومنكرها الصغيرُ والكبير والجاهلُ والعالم والذكر والأنثى؛ بل صارت حرمة الخمر وحرمة الزنا مضرب مثل في المجتمعات الإسلامية للفسق وأهله ولسلامة الدين منها.
ومع ذلك تنبئك السنة المطهرة؛ أنه ستظهر في مجتمعات المسلمين هذه المحرمات؛ فتجد في المسلمين من يروج لفاحشة الزنا بطرق مختلفة ويساعد عليها التبرج والإعلام وإغراءات الموضة والاختلاط وغيرها مما يزين هذه الفاحشة ويسهل مقارفتها من قبل الرجال والنساء. متناسين ومتغافلين قول الله لهم: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا)[الإسراء:32].
عباد الله: فإن من صدق النبوة أن تخبرنا أحاديث أشراط الساعة أن الناس سوف تتصرف بطريقة مخادعة حينما يطلقون أسماء رقيقة على المحرمات الكبرى في الشرع، فيسمونها بغير أسمائها؛ فكما في الحديث الصحيح عند ابن حبان قال رسول لله -صلى الله عليه وسلم-: "يَشْرَبُ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ، يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا، يُضْرَبُ عَلَى رُءُوسِهِمْ بِالْمَعَازِفِ وَالْقَيْنَاتِ، يَخْسِفُ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ، وَيَجْعَلُ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ".
وهذا ما نجده حيث أصبح يُطلق على الخمرة المشروبات الروحية، وعلى الزنا ممارسة الحب، وغير ذلك من الخداع والمخادعة والكذب على النفس وعلى شرع الله، وهذا لن يغير من الحقيقة شيئا، فالحرام سيبقى حراما في شرع الله إلى يوم القيامة مهما حاول الناس زورا وبهتانا الترويج له تحت مسميات مختلفة. ولكن يبقى قول ربنا سبحانه هو الفصل وهو الحق وهو الحاكم على الخمرة وأهلها والمروجين لها، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )[المائدة:90].
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
عباد الله: ومن أشراط الساعة الصغرى التي أشارت إليها السنة النبوية ضياع الأمانة، وندرتها أهلها من المسلمين؛ ففي صحيح البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "بَيْنَمَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فِي مَجْلِسٍ يُحَدِّثُ القَوْمَ، جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ فَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُحَدِّثُ، فَقَالَ بَعْضُ القَوْمِ: سَمِعَ مَا قَالَ فَكَرِهَ مَا قَالَ"، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: "بَلْ لَمْ يَسْمَعْ، حَتَّى إِذَا قَضَى حَدِيثَهُ قَالَ: "أَيْنَ -أُرَاهُ- السَّائِلُ عَنِ السَّاعَةِ" قَالَ: هَا أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "فَإِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ"، قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا؟ قَالَ: "إِذَا وُسِّدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ".
وجاء في فتح الباري: "إنَّ إِسناد الأَمر إِلَى غَير أَهله إِنَّما يَكُون عِند غَلَبَة الجَهل ورَفع العِلم، وذَلِكَ مِن جُملَة الأَشراط ومُقتَضاهُ أَنَّ العِلم ما دامَ قائِمًا فَفِي الأَمر فُسحَة، والمُراد مِن (الأَمر) جِنسُ الأُمُورِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالدِّينِ كالخِلافَةِ والإِمارَة والقَضاءِ والإِفتاءِ وغَير ذَلِكَ، و مَعنَى (أُسنِدَ الأَمرُ إِلَى غَير أَهلِهِ) أَنَّ الأَئِمَّةَ قَد ائتَمَنَهُم اللَّهُ عَلَى عِبادِهِ وفَرَضَ عَلَيهِم النَّصِيحَةَ لَهُم، فَيَنبَغِي لَهُم تَولِيَةَ أَهلِ الدِّينِ، فَإِذا قَلَّدُوا غَيرَ أَهلِ الدِّينِ فَقَد ضَيَّعُوا الأَمانَةَ الَّتِي قَلَّدَهُم اللَّهُ تَعالَى إِيّاها".
إخوة الإيمان: هذا الحديث بيّن أمرين:
الأول: أن ضياع الأمانة وفقدها هو أمر سيكون في المجتمعات المسلمة، والثاني: بين أهم صور ضياع الأمانة على المستوى الجماعي.
والناظر في أحوال عصرنا وقضاياه وأحواله يجد هذه الأمارة من أمارات الساعة شاخصة للعيان لا تحتاج إلى تتبع واستدلال، فكم يندر أن تجد المسلم الذي يحمل قيمة الأمانة عقيدة وخلقا وموقفا شموليا يأمنُه الناس على أشيائهم المادية والمعنوية، وتأمنه في عمله الوظيفي بعيدا عن الوساطات والمحسوبيات وأكل الرشاوي والحفاظ على الممتلكات والأوقات وغير ذلك، وكم نجد مؤهلات وظائف وفيها من هم ليسوا أكفاء لها علميا وفنيا وأخلاقيا ودينياً.
وفي الحديث الصحيح الذي رواه أحمد وابن ماجه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "سيأتي على الناس سنواتٌ خداعات، يصدّق فيها الكاذبُ، ويكذّب فيها الصادق، ويؤتمّن فيها الخائن، ويخوّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة"، قيل: وما الرويبضة؟ قال: "الرجل التافه؛ يتكلم في أمر العامة".
وفي هذا الحديث إشارة إلى انقلاب موازين بعض المجتمعات الإسلامية رأسا على عقب لدرجة يصبح فيها الخائن للأمانة بمفهومها الشرعي؛ هو الإنسان الذي يعدّ ثقة وأمينا في نظر المجتمع.
وجاء في الصحيحين، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أَنَّ الأَمَانَةَ نَزَلَتْ فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ القُرْآنِ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ"، وَحَدَّثَنَا عَنْ رَفْعِهَا قَالَ: "يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ، فَتُقْبَضُ الأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ، فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ أَثَرِ الوَكْتِ، ثُمَّ يَنَامُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ فَيَبْقَى أَثَرُهَا مِثْلَ المَجْلِ، كَجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ عَلَى رِجْلِكَ فَنَفِطَ، فَتَرَاهُ مُنْتَبِرًا وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ، فَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ، فَلاَ يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّي الأَمَانَةَ، فَيُقَالُ: إِنَّ فِي بَنِي فُلاَنٍ رَجُلًا أَمِينًا".
عباد الله: ومن أشراط الساعة الصغرى التي بينتها السنة النبوية ترك الحكم بالشرع والإعراض عن التحاكم إلى شرع الله؛ ففي مسند أحمد والحديث صحيح عَنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لَتُنْقَضَنَّ عُرَى الْإِسْلَامِ عُرْوَةً عُرْوَةً، فَكُلَّمَا انْتَقَضَتْ عُرْوَةٌ تَشَبَّثَ النَّاسُ بِالَّتِي تَلِيهَا، وَأَوَّلُهُنَّ نَقْضًا الْحُكْمُ وَآخِرُهُنَّ الصَّلَاةُ".
وصدق نبي الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فإن هذه العلامة من أشراط الساعة قد وقعت في الأمة، فأول ما تخلت الأمة عن تطبيق شرع الله، واستبدلت الحكم الوضعي والآراء الشخصية والأهواء وبدع الفرق وضلالاتها ومقولات رؤوس الضلال والفكر مكان شريعة الله تعالى التي جاءت مبينة في الكتاب والسنة، ثم وجدنا الناس في زماننا هذا يتهاونون في الصلاة بطريقة عجيبة حتى بتنا نجد بيوتا كاملة لا تصلي وطلابا بالمئات في قاعة الجامعة لا يصلون، وجموع من الناس في الأسواق والملاعب وغيرها لا تبالي بالصلاة وأوقاتها وحرمتها.
اللهم اجعل أعمالنا صالحة واجعلها لوجهك خالصة.
وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).