الخلاق
كلمةُ (خَلَّاقٍ) في اللغة هي صيغةُ مبالغة من (الخَلْقِ)، وهو...
العربية
المؤلف | سليمان بن حمد العودة |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - الأديان والفرق |
ولا شكّ أن في المسلمين طاقاتٍ وقدراتٍ وعقولاً، ولكنها محتاجة إلى تأليف وتجميع، وعسى أن توقظهم وتشحذ همتهم اجتماعات أعدائهم على المكر والباطل، وفي عقيدتنا أساساً دعوةٌ لمثل هذا: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)، (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) ..
الحمد لله ربِّ العالمين، أكمل لنا الدين، ورضي الإسلام لنا ديناً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، حكَم ببطلان الشرائع والأديان غير ملة الإسلام فقال: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران:85].
وأشهد أن محمداً عبدُه ورسولُه، وخاتم أنبيائه ورسله، أنزل عليه القرآن بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتب ومُهيمناً عليه، وأخبره أن أهل الكتاب حرفوا الكلم عن مواضِعه ونسوا حظاً مما ذُكّروا به. اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ) [لقمان:33].
أيها المسلمون: ونحن الآن على مشارف نهاية قرن ميلادي متمم لألفي سنة من ميلاد المسيح -عليه السلام-، ويبدأ بعده الألفُ الثالث للميلاد؛ يتوقع المراقبون للأحداث، والمتابعون لما يُكتب وينشر في الكتب والمجلات والصحف ونحوها، والمتابعون للفضائيات وشبكات الإنترنت، أن تكون الألفية الثالثة ألفية تطرف لليهود والنصارى، وألفية تنامي الشعور الديني، وألفية ظهورٍ أكبر وقيادة أوضح للأصوليين والمتطرفين من أرباب الديانتين (اليهودية والنصرانية).
ويعتمد هؤلاء الأصوليون والمتطرفون على نبوءات يعتقدونها في كتبهم: (العهد القديم والعهد الجديد) وعلى أساطير وخرافات ورؤى.
ويرون أن القرن المقبل (الميلادي) سيكون ميداناً للصراع العقدي مع خصومهم المسلمين، وسلاحُه الحربُ النووية، ومسمى المعركة المتوقعة -في نظرهم- (هَرْ مَجدون)، وأرض المعركة -كما يقولون- في أرض (مجدو) التي تبعد عن (تل أبيب)ـ خمسة وخمسين ميلاً، وهي في موقع يبعد عشرين ميلاً شرق (حيفا)، وعلى بعد خمسة عشر ميلاً من شاطئ المتوسط.
والاعتقاد بوقوع هذه المعركة اعتقادٌ مشتركٌ بين اليهود والنصارى، وكلٌّ من الأمتين الضالتين يعتقد بأن خلاصه سيكون بعد هذه الحرب، ولكن هذا الخلاص (الموهوم) عند الأمتين الضالتين لم يتم -في اعتقادهم- إلا بالتخلص من جُلِّ سكان الأرض عن طريق تلك الحرب المدمرة الهرمجدونية. فأين الحرب الهرمجدونية ذات السلاح النووي مما يتهمون المسلمين به بالتطرف في ساحات الجهاد؟!.
عباد الله: ومما يؤكد وجود هذه المعتقدات والنزعات الدينية عند اليهود والنصارى، استعدادُهم لحفلات ولقاءات دينية ستتم في (بيت لحم) عام2000، وهو عبارة عن مهرجان عالمي نصراني، قدّرت بعضُ المصادر عدد من سيحضر للقدس للمشاركة فيه بمليون ونصف، وبعد أن تأكد حضور البابا لتلك الاحتفالات، قدّرت بعضُ الأوساط القادمين بثلاثة ملايين، وبالغت مصادر أخرى فأوصلت الرقم إلى ستة ملايين لهذا المهرجان.
ومما يؤكد هذه النزعات الدينية عند اليهود والنصارى -كذلك- جديتُهم في بناء الهيكل (المزعوم)، وفي هذا يقول أحد ساستهم: لا قيمة لإسرائيل بدون القدس، ولا قيمة للقدس بدون الهيكل.
وبناءُ السور العازل بين المسلمين واليهود بطول ستين وثلاث مئة كيلاً، وارتفاع ثلاثة أمتار، وقد بدأ اليهود بتنفيذه في عام 1996م، وتعهدت (أمريكا) بتمويله كاملاً، وقدَّم (كلينتون) قسطه الأول (مئة مليون دولار)، وبناءُ هذا السور تحقيق لأسطورة دينية عند اليهود، وله ذكر في كتبهم، فهم ينطلقون من موروثاتٍ دينية وتعاليم كتابية، وإن كانت محرّفة.
ويعتقد اليهودُ كذلك -ويؤازرهم النصارى- بذبح ما يسمونه (بالبقرة الحمراء)؛ ولذا فهم يهتمون بـ(قدس الأقداس) أو (المذبح) الذي ستُذبح فيه البقرةُ الحمراء، وقد انتهوا من بنائه فهو جاهزٌ للنقل إلى مكانه في الوقت المناسب، ويهتم (حاخامات) اليهود بهذه البقرة، وقد أُعلن عن ولادتها في شهر أكتوبر من عام 1997 وبنفس المواصفات التي يزعمون وجودها في كتبهم وبزعمهم أنها لا بد أن تُذبح بعد ثلاث سنوات من ولادتها!.
إلى غير ذلك من معتقدات وأساطير تصبُّ كلّها في التوجه الديني عند اليهود والنصارى، وتشير إلى تغلغل الأصولية والعودة إلى الكتب المقدسة في نظرهم، وإن وُجد علمانيون يخالفونهم النظرة.
وهنا، من جرّاء هذه الأحداث الواقعة والمتوقعة، حريٌّ بنا أن نقف الوقفات التالية، ونعرض لجملة من التساؤلات ذات الدلالة:
أولاً: هذه الأحداث والوقائع تُضعف أو تبطلُ الظنَّ القائم عند بعض الناس -بأن اليهود والنصارى قد تخلوا عن الدين إلى اللادين بشكل نهائي، وربما ظن هؤلاء أن شيوع المذاهب الإلحادية، وطغيان الانحلالية العلمانية، قد أوهم بهذا، ولكن واقع اليوم يشهد تحولاً دينياً كبيراً في مجتمعاتهم، وهذا التحولُ تجاوز الدهماء والعامة، إلى الخاصة والساسة، وتجاوز التنظير إلى التطبيق.
ثانياً: بل تحول هذا التوجه الديني -عند اليهود والنصارى- إلى نوع من التطرف في المعتقدات والسلوك إلى حدٍّ أثار غضبة (العلمانيين) من بني قومهم، وبدؤوا يواجهون هذا المدَّ الأصولي المتطرف، وينددون به ويسخرون من أصحابه.
وقد ذكرت صحيفةُ (نيوزويك) في عددها الصادر في 9/5/1996م أن مدينة القدس أصبحت معقلاً للتطرف اليهودي، وأشارت إلى أن أعداد اليهود غير المتدينين الذين يُغادرون المدينة في ازدياد، حيث أصبحت المدينةُ مكاناً غير مقبولٍ بالنسبة لهم، نظراً للطابع الديني والقيود التي يضعها المتدينون اليهودُ على الحياة هناك.
وقد بلغ الأمر أن تخوّفت الدولة اليهودية من إحراج المتطرفين لها بهدم الأقصى في وقت غير مناسب، وقد كتب الصحفي الإسرائيلي (يوسي ليفي) مقالاً في صحيفة (معاريف) في 29/8/1998م، جاء فيه قولُه: القاعدةُ التحتيةُ للتنظيمات المتشددة موجودة حسب تقديرات قوى الأمن، والمعلوماتُ التي بحوزتها تقول إن الاتصالات بينها تتمُّ بالوسائل والطرق السّرية، والتنسيقُ بينها موجود، والمشكلة القويةُ التي تواجه أجهزة الأمن هي التغلغلُ في هذه الجماعات؛ لأنها مجموعات ذاتُ معتقدات أيديولوجيةٍ متعصبةٍ مرتبطةٍ بعواطفَ دينيةٍ حادّةٍ، بحيث يعرف كلُّ واحدٍ من أعضائها الآخر بما لا يسمح باختراقها.
وبكل حال، فالواقعُ خيرُ شاهد، وقد اصطلى بنار هذا التطرف أحد زعماء إسرائيل، فقد أعلن (عامير) قاتل إسحاق رابين، أن سبب قتله؛ لأنه (خان أرض التوراة).
ثالثاً: ومن المفارقات العجيبة أن تنشط الجماعات الأصولية في الغرب، ويصول ويجول المتطرفون في إسرائيل، وتكثر الجماعات الدينية وتدعم عند اليهود والنصارى، بل ويكون لها مواقعُها المهمة، ومنابرها الإعلاميةُ واسعةُ الانتشار والتأثير، وتحظى هذه الجماعات الأصوليةُ بدعم وتأييد الساسة، بل وصلوا إلى أن يكون المرشح للرئاسة نفسُه أصولياً إنجيلياً.
وفي المقابل يتهمون المسلمين بالأصولية والتطرف والإرهاب إذا ما سعوا لخدمة دينهم والدعوة لإسلامهم، وتلك وربي من إسقاطاتهم! وهي مؤشرٌ على تخوفهم من الإسلام وأهله، وإلا؛ فكيف يسوغ التدينُ والدعوة والدعم لأصحاب الدين المحرف، ويُعدُّ ذلك تهمةً لأصحاب الدين الحق؟!.
وهنا يرد السؤال: بماذا يفكر المسلمون مستقبلاً لمواجهة المدِّ الأصولي والتطرف اليهودي؟ وقبل هذه المواجهة هل يقرأ المسلمون ما يكتبه اليهودُ والنصارى؟ وهل يعلمون وسائلهم وخططهم لمواجهة المسلمين؟ وهل يليق أن يتفوق الصليبُ على الهلال، أو يعزَّ ويقوى من ضُربت عليهم الذلةُ والمسكنة، وشأنهم السعي في الأرض فساداً؟.
ولقد كان بعضُ أئمة الإسلام إذا رأى صليباً أغمض عينيه عنه وقال: لا أستطيع أن أملأ عيني ممن سبَّ إلهه ومعبوده بأقبح السب؛ ولهذا قال عقلاءُ الملوك -كما نقل ابنُ القيم رحمه الله-: إن جهاد هؤلاء واجبٌ شرعاً وعقلاً، فإنهم عارٌ على بني آدم، مفسدون للعقول والشرائع.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ) [الجاثية:18-19].
نفعني الله وإياكم بهدي القرآن.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ربّ العالمين علاَّم الغيوب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، قال في محكم التنزيل: (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) [البقرة:251].
وأشهد أن محمداً عبدُه ورسوله، ترك أمته على محجةٍ بيضاء، لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى سائر النبيين والمرسلين.
أيها الإخوة المؤمنون: أما الوقفة الخامسة فهي تساؤلٌ من نوع آخر ومفادُه: وبماذا سيقابل المسلمون المدَّ الإعلامي لمثل هذه التظاهرات الدينية وما تحمله من عقائد محرَّفة، وما ستبثه من أفكارٍ وتصورات تناهض الإسلام وتسيئ إلى المسلمين؟ وما دورُ العلماء في المرحلة القادمة؟ وأين سيكون موقعُ الدعاة؟.
وماذا أعد المسؤولون في الإعلام في الدول العربية والإسلامية لمواجهة الحملات الغربية، وغزو الأفكار، ونشر أساطير التوراة والأناجيل المحرفة، ومحاولات الاحتواء، وفرض الهيمنة؟ وهل يُتصور حضور الإعلام العربي والإسلامي لمباركة هذه الاحتفالات والتبرع بنقلها لأبناء العربية والإسلام؟! أم المتوقع إعدادُ برامج لصد آثارها، وحماية المسلمين من مخاطرها؟!.
وما حالُ رجال الفكر الإسلامي ومستوى قدرتهم على التحدي في حوار الحضارات، والإقناع لإثبات الحق وكشف زيف الباطل؟.
سادساً: هل هذه الاحتفالاتُ والمهرجانات جزءٌ من حربٍ نفسية وإعلامية ضد المسلمين، تصدَّر عن طريقها وبوسائل الإعلام وقنواته المختلفة الأفكار والمعتقدات اليهودية والنصرانية، ومن خلالها يشكّك بتعاليم الإسلام الحقة، وعن طريقها يحاولون تحطيم الحواجز الصلبة بين تعاليم الإسلام الحقة والموروثات المحرفة في التوراة والإنجيل، وتُهمش في أذهان المسلمين القضايا العقدية المهمة من مثل الولاء والبراء، والحكمُ بالكفر والنار على من لم يعتنق دين الإسلام: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران:85]، (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ) [الأحزاب:17]، وما يصحب ذلك من دعوات منكرة لوحدة الأديان، أو زمالتها أو إخائها أو تقاربها، أو نحو ذلك من أفكار ومعتقدات قد يكون لها أثرُها على بعض المسلمين؟.
سابعاً: وعلى صعيد آخر؛ وإذا اجتمع أصحاب الديانات المحرفة على كلمةٍ سواء -ولو ظاهراً- رغم اختلافهم في المعتقد، وما بينهم من عداء، فهل يدعو ذلك المسلمين إلى الوحدة والاجتماع وطرح الخلافات والمنازعات وجمع الطاقات والقوى لمواجهة عدوِّ الجميع؟ ومن يا تُرى يُمسك بالراية ليجتمع المسلمون تحتها يتشاورون ويفكرون في واقعهم وواقع عدوهم؟ وهل تكون الاجتماعاتُ العالمية الكبرى حِلاً لليهود والنصارى، حراماً على المسلمين؟.
ثامناً: وإذا لم تسيطر علينا نظرةُ الإحباط، أو تقعد بنا مثبطاتُ التشاؤم إن أمكن القول، قد يكون في ثنايا هذه البلايا والمحن فرج وفتح للمسلمين، فقد يقود صلفُ المتطرفين من اليهود والنصارى إلى صلفٍ آخر من قبل العلمانيين عندهم، فتثور الفتنةُ بينهم، ويتعمق الخلافُ ويتحقق الصدامُ بينهم، فينشطُ كل طرفٍ للانتقام من صاحبه، ثم ينتقم الله من كليهما، ويستفيد المسلمون من ضعفِهم قوة، ومن تفرقهم اجتماعاً ووحدة.
ومن مؤشرات هذا الاحتمال ما جاء في صحيفة (معاريف) حيث كتبت تقول في عددها الصادر في 14/7/1996م: إذا استمرت الأحوالُ على ما هي عليه في ظل حكم الليكود، فإن العلمانيين لن يستطيعوا المعيشة بالقدس، وقد يضطرون إلى المواجهة.
تاسعاً: وأمرٌ آخرُ، فقد تدفع تصرفاتُ اليهود والنصارى المتطرفة إلى مزيد بعث الشعور الإسلامي، وقد يدعو هدمُ الأقصى -ولو حصل- أو مزيدُ العبثِ به إلى إشعال جذوة الجهاد في سبيل الله بين المسلمين.
ولكن ينبغي أن يُعلم أن الأخطر من ذلك أن يكسب العلمانيون الجولة فيُروّجون لأفكار الإخاء والتقارب بين الأديان، والسخرية من الدين وأهله بشكل عام، ويُفعِّلون دور الإعلام العالمي الصليبي واليهودي والعلماني لترويج الأفكار والعقائد الباطلة، فيستمع الناسُ لهم في غمرة انتصارهم وهم يسحبون الهزيمة على المتدينين بشكل عام، فلا يميز الناس حينها بين أصحاب الدين الحق وأصحاب الخرافات والأساطير، أو يقفز العلمانيون في بلاد المسلمين للتشكيك في الدين الصحيح من خلال هزيمة من بدلوا دين المسيح أو لعنهم الله وغضب عليهم وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت.
وينبغي أن يعي المسلمون أنهم يتعاملون في عقيدتهم ونظراتهم من منطلقات الكتاب المهيمن على الكتب السابقة والذي حكم الله بحفظه من التحريف والتبديل، ونسخ به الشرائع والأديان، وجعل أمته أمةً وسطاً شاهدة على الأمم كلّها، ومسؤولة عن تبليغ الدعوة الحقة لها، ومَنْ شكَّ في صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان، أو ظنّ أن أحداً يسعه الخروجُ عن دين محمد -صلى الله عليه وسلم-، أو تردد في إعجاز القرآن وصلاحيته للهداية والتوجيه، فذلك خارجُ دائرة الإسلام، وليس من أهل الإيمان.
عاشراً: ومن العجز والتقصير أن يظل أهلُ الإسلام دائماً ينتظرون ما تنتهي إليه الأحداث وتنجلي عنه المعركة، دون أن يكون لهم إسهام إيجابي في صُنع الأحداث وإقرار الأصلح، وعلى أهل الإسلام عامة، والمقتدرين منهم خاصة، أن يُسائلوا أنفسهم: ماذا قدموا لدينهم؟ وما هي وسائلُهم لتقديمه للآخرين؟ وعليهم أن يتساءلوا: كم نِسَبُ المواقع الإسلامية في شبكات الإنترنت؟ وكم يمتلكون من القنوات الفضائية المؤثرة؟ وما نوعُ تأثير إعلامهم، وما هي المنطلقات والأهداف في السياسة الإعلامية بشكل عام؟.
وما دور الجامعات ومراكز البحوث والهيئات العلمية في تصدير الفكر الإسلامية والعقيدة الحقة للأمم والشعوب الأخرى؟ وما دور الهيئات والمنظمات الإسلامية في تبني مشاريع الوحدة والاجتماع للمسلمين عبر مؤتمراتٍ ومهرجانات إسلامية كبرى تدرسُ وتفكر وتخطط وتصدر من القرارات والتوصيات ما ينفعُ الناس كافة.
ولا شكّ أن في المسلمين طاقاتٍ وقدراتٍ وعقولاً، ولكنها محتاجة إلى تأليف وتجميع، وعسى أن توقظهم وتشحذ همتهم اجتماعات أعدائهم على المكر والباطل، وفي عقيدتنا أساساً دعوةٌ لمثل هذا: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة:2]، (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) [آل عمران:103].
أيها المسلم والمسلمة: واحذر على عقيدتك في زمن الفتن والتشكيك، وإياك أن تنساق وراء موجات التغريب والعلمنة! والزم الصراط المستقيم، واعبد ربَّك حتى يأتيك اليقين، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، ولا تُغلبن على سلاحين ضرورين في كل حين، وهما في أزمان الفتن أشدُّ ضرورة: سلاح العلم والعبادة.
واعتصِم بالله؛ (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [آل عمران:101]، ولا تغفل كذلك عن سلاح الدعاء، فهو مع الصدق والإخلاص لله مخترق للحجب، وسبب لدفع البلايا، ومفرج للكروب.
ولم ينشأ من فراغ تحذير رابطة العالم الإسلامي من ترويج معلومات مغلوطة عن نهاية العام. وتأكيدها للناس كافة على أهمية تلقي العلم الصحيح من مصادره الموثوقة وعلمائه الأفذاذ العارفين بفقه النوازل، كل ذلك حتى لا تزلَّ أقدام بعد ثبوتها، ويُورث الشكُّ بعد اليقين.