البحث

عبارات مقترحة:

القريب

كلمة (قريب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فاعل) من القرب، وهو خلاف...

الحي

كلمة (الحَيِّ) في اللغة صفةٌ مشبَّهة للموصوف بالحياة، وهي ضد...

المتعالي

كلمة المتعالي في اللغة اسم فاعل من الفعل (تعالى)، واسم الله...

نعم للحوار وطريقه ولا للترويع

العربية

المؤلف أحمد بن حسن المعلم
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب - التاريخ وتقويم البلدان
عناصر الخطبة
  1. أهمية إشاعة الأمن والطمأنينة والسكينة في النفوس .
  2. جزاء الاستجابة للرسل .
  3. سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند المحن والشدائد .
  4. الموقف من الأراجيف و الإشاعات التي تنتشر في أيام الفتن .
  5. الحفاظ على الروح المعنوية العالية للأمة ضرورة .
  6. بلايا الإرجاف والمرجفين والموقف الصحيح منهم .
  7. أصول من جهاد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

اقتباس

مناشدة أخرى مناشدة للقيادة السياسية والحكومة الحاضرة، أقول لهم: إذا كنتم قد دعيتم الجميع من سائر فئات وطوائف واتجاهات الشعب السياسية والفكرية وغيرها بما فيها من لا يزالون يحملون السلاح ضدكم وضد الشعب ويعملون لحساب دول أخرى وهم الحوثيون - إذا كنتم قد وسعت صدوركم ونفوسكم وخططكم وسياساتكم تلك الطائفة الضالة المضلة التي تعمل على نشر فكرها وضلالها بقوة السلاح وبأموال أعداء اليمن، فلم تضيق عن أبنائكم وإخوانكم من المنتسبين للقاعدة ..

أيها الإخوة المؤمنون: إن إشاعة الأمن والطمأنينة والسكينة في النفوس من أعظم المطالب والمقاصد الشرعية، وإنما بعث الرسل وقام المصلحون لتحقيق ذلك المطلب للناس في دنياهم وآخرتهم، وذلك عندما يتحقق الناس بالاستجابة لما يدعو إليه أولئك الرسل والمصلحون، قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [الأنعام: 82] فجزاء الاستجابة للرسل أن ينال المؤمنون غاية السعادة في الدنيا والآخرة، ومن أعظم مقومات سعادة الدنيا توفر الأمن الشامل للإنسان قال صلى الله عليه وسلم: «من أصبح منكم آمنًا في سربه، معافىً في جسده، عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها».

وفي مثل ظروفنا الراهنة التي نمر بها وتعصف بنا الفتن وتتناوشنا خلالها النوازل من كل جانب، نحتاج إلى من يبشرنا ويطمئن قلوبنا ويزيل كوابيس الخوف والقلق عنا.

وهكذا كانت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثل هذه الظروف، فعندما هجم الأحزاب على المدينة وأحاطوا بها من كل جانب، وغدر اليهود وخانوا عهودهم، وانضموا إلى أعداء الله ورسوله، وأكملوا طوق الحصار على المدينة، حتى صار حال المؤمنين كما قال تعالى: (إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيدًا) [الأحزاب:10-11].

في هذا الحال وبعد أن بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم نبأ غدر اليهود، أرسل من يتأكد له من ذلك، وهي أول خطوة مما يجب أن نتعامل به مع المستجدات، وبالذات المستجدات ذات الأبعاد الخطيرة، أول خطوة أن نتثبت ونتأكد من صحة ما قيل، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم لرسله الذين بعثهم لاستطلاع الخبر: «الحنوا لي لحنًا أعرفه -جعل بينه وبينهم شفرة- ولا تفتوا في أعضاد الناس وإن كانوا على الوفاء فاجهروا به للناس» فهو حريص على معرفة الحقيقة، ولكن إن كانت تلك الحقيقة مرة فلتبقَ في إطار القيادة ولا تخرج إلى عامة الناس حتى لا تفتّ في أعضادهم، ولا تغرس في نفوسهم الرعب، وتحل بهم الهزيمة النفسية، هكذا كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم وتعامله مع مثل هذه الأخبار، وهذه الأراجيف وهذه الإشاعات التي تنتشر في أيام الفتن.

وفي مثل هذه الأحوال يحافظ على نفسية الأمة، ويدفع عنها أسباب الخوف والرعب المؤدي إلى هزيمتها وأذيتها وإرهابها، وفي المقابل يحرص على إشاعة الأخبار المفرحة والمشجعة لتقوية الروح المعنوية للأمة.

ومن أجل الحفاظ على الروح المعنوية العالية للأمة، ومنع تسرب الوهن والرعب المؤدي إلى اليأس والإحباط؛ حذر الله عز وجل من بث الإرجاف والإشاعات، بل حتى الأخبار الصحيحة إذا كانت تؤدي إلى نتائج سلبية، فقد عاتب الله تعالى الذي يسارعون إلى نشر الأخبار بمجرد سماعها وإشاعتها في الناس دون الرجوع إلى أهل العلم والخبرة الذين يقدرون نتائج نشر تلك الأخبار، وأرشد إلى إرجاعها إليهم ليتثبتوا منها وينشروا ما يصح نشره، ويتحفظوا على ما يكون في نشره ضرر على المسلمين، قال تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً) [النساء: 83].

وقد ذم الله المرجفين أشد الذم فقرنهم بالمنافقين والذي في قلوبهم مرض، وحذرهم إن لم ينتهوا عن صنيعهم ذلك بأن يكشف أمرهم لرسوله وللمؤمنين؛ بحيث يُنفوا من المدينة، فلا يجاورونهم فيها لعظيم أثرهم على المجتمع المسلم، قال تعالى: (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً) [الأحزاب: 60] ثم ارتفعت وتيرة الذم واشتدت نبرته حين جاءت الآية التالية بكشف حقيقة هؤلاء وبيان حكمهم والموقف الذي يجب تجاههم، فقال سبحانه يصفهم: (مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً) [الأحزاب: 61] هكذا حكمهم، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينفذه لأسباب أخرى، ونحن أيضًا لا نطالب بتنفيذه على أحدٍ اليوم، وإنما الغرض هو بيان شدة الجرم وقبيح الحال لهؤلاء المرجفين، ثم إن الله عز وجل قرر أن ذلك ليس مختصًّا بهم وإنما هي سنة الله في من سار على هذا الطريق، وسلك هذا المسلك من المتقدمين والمتأخرين فقال في الآية الثالثة: (سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً) [الأحزاب: 62] والمرجفون هم الذين يشيعون الأخبار التماسًا للفتنة التي يكون معها اضطراب الناس وزرع الإشاعات المحبطة والموهنة للنفوس.

والإرجاف -بهذا المعنى- حرام من كبائر الذنوب، حيث وصف المرجفون بأنهم ملعونون وهُددوا بتلك العقوبة الشديدة؛ وذلك لا يكون إلا على كبائر الذنوب والموبقات.

والذي حملني على طرق هذا الموضوع هو ما شاع وانتشر خلال هذا الأسبوع من أخبار وملصقات توحي بقرب اجتياح تنظيم القاعدة لمدينة المكلا وغيرها من المدن، وتهديد رجال الأمن تهديدًا شديدًا مما يُوحي أن معركة شرسة ستدور في المدينة ينال شررها وضررها كافة الناس، ونحن لا نقر ذلك ولا نرضاه، لا نقر هذا الفعل أصلاً، ولا نقر أن يُخوف الناس ويرهبون به بل نحذر منه، وفي الآونة الأخير لا تكاد تمر جمعة دون التحذير من استهداف أمن الناس والنيل من دمائهم وأموالهم وأعراضهم، وإنما غرضي من هذه الخطبة أن أحذر من نشر هذه الأخبار وإيصالها إلى جميع الناس الذين لا فائدة من وصولها إليهم، بل العكس هو الصحيح فوصولها إليهم جميعًا مضر ضررًا بليغًا، وموجب لنشر الهلع والرعب في النفوس، وإحلال القلق محل السكينة، والخوف محل الأمن، والفتنة محل الاستقرار، والملصق الذي وُجد على أبواب المساجد قبل ثلاثة أيام يحمِل شعار القاعدة، ولا ندري عن صحة نسبته إليهم أو عدمها!! لكنَّ وضعه على أبواب المساجد كان خطأ كبيرًا؛ لأن رواد المساجد لن يستفيدوا منه إلا الرعب والخوف والقلق مع أنهم غير معنيين به.

فإن كان يحمل رسالة إلى رجال الأمن فليوصَل إليهم مباشرة دون إرهاب عامة الناس، مع أن دماء الجنود كدماء سائر الناس معصومة لا يجوز التهديد بإراقتها، وإن كان الذي وزعه جهة أخرى فإنما كان غرضها إرجاف الناس وإرهابهم وترويعهم، وهذا فعل محرم وعمل مشين وسيلقى من فعله جزائه عاجلاً أم آجلاً.

ثم تلا ذلك أخبار موسعة ومبالغ فيها في الصحف والمواقع الالكترونية وفي المجالس، مما جعل الناس في قلق شديد وخوف متصاعد وإحباط كبير، وذلك لا شك داخل في الإرجاف المحرم، والقائمون به من المرجفين وإنما تتفاوت مقادير ذمهم بتفاوت مقاصدهم ونواياهم، فإياك -يا عبد الله- أن تكون من المرجفين، سواء كنت مواطنًا عاديًا أو كنت سياسيًا أو إعلاميًا أو من أي شريحة كنت؛ حتى لا تدخل في ذلك الجزاء الأليم والوعيد الشديد.

والواجب في مثل هذه الظروف والأحوال هو تذكير الناس بالتوكل على الله عز وجل حسن الظن به والالتجاء إليه والتضرع بين يديه، وصدق الإيمان بقضائه وقدره والرضا بما قسم، وأن تسود بين الناس روح الألفة والمحبة ووحدة الصف والتكافل؛ حتى يتحقق فيهم شعار المؤمنين «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ في تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إذا اشْتَكَى منه عُضْوٌ تَدَاعَى له سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» و«المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا»، وأيضًا نربي أنفسنا على إزالة السبب الموجب لهذه الفتن، السبب الموجب لهذه المصائب والموجب لهذا الاقتتال والهرج الذي يدور في بلادنا، وهو معصية الله والانحراف عن منهجه، نسأل الله أن يحفظنا، فحفظنا الله وحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كل مكروه، وأسبغ علينا الأمن والأمان، وصرف عنا لباس الخوف والجوع، إنه جواد كريم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

عباد الله: بغض النظر عن صحة ما يقال ويشاع أو عدم صحته، ومع دعاء رب العالمين سبحانه وتعالى أن يجنبنا الفتن، ويجنبنا المحن والنزاع والصراع والعداوة والبغضاء، وأن يجعل بلادنا هذه وسائر بلاد المسلمين آمنة مطمئنة، ينعم أهلها بالسكينة والأمن والإيمان وطاعة الله، والبعد عن معصيته - بغض النظر عن ذلك كله فإنني أوجه هذه المناشدة وهذا الرجاء إلى الأخوة في تنظيم القاعدة فأقول لهم: اعلموا أن المدن كالمكلا وغيرها مكتظة بالسكان المسالمين الآمنين الذين مهما كانت الذرائع والمسوغات لا يمكن أن تجوِّزوا لأنفسكم أذيتهم لا في أنفسهم ولا في أموالهم وأعراضهم، بل لا يجوز بحال ترويعهم ونشر الرعب في نفوسهم فضلاً عن الوصول إلى وقوع ضحايا منهم بين قتيل وجريح، هذا كله لا أظن أن أحدًا منكم يجيزه في حق هؤلاء الأبرياء الآمنين، الذين هم في الواقع أباء وأمهات وإخوان الكثير منكم، فهؤلاء لو حصل اقتحام قطعًا سيصيب الكثير منهم أنواع مما ذكرنا بقصدٍ أو بغير قصد منكم أو من غيركم، وتكونون أنتم السبب في ذلك لا محالة.

وكما أنه يلزم من ذلك توقف لمرافق الحياة كالماء والكهرباء والخدمات الصحية والاختلال في الخدمات الضرورية والتغذية، كل ذلك سيحصل وتكونون أنتم السبب فيه أيضًا، ومعلوم لدينا ولديكم ولدى الجميع أن دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح، وأن العبرة بالمآلات، والأمور بخواتيمها، ولن تكون مآلات وخواتيم مثل هذه الخطوات إلا سيئة ولو ظُن في أول الأمر خلاف ذلك، وتأملوا هذه الآية من سورة الفتح، فالله عز وجل يقول مخاطبًا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الذين عادوا من الحديبية، ولم يتحقق لهم الهدف المباشر والظاهر من غزوتهم، وهو دخول البيت الحرام والطواف به وإتمام العمرة وذبح الهدي، وذلك كله عمل مكفول لهم شرعًا ومكفول لهم عُرفًا، أيضًا أهل مكة وسائر العرب يعرفون أن البيت لا يُصدُّ عنه من أتاه لحجٍّ أو عمرة، غير أن المشركين ركبوا رؤوسهم وأخذتهم حمية الجاهلية فصدوهم عن ذلك.

وكان المسلمون قادرين على أن يقاتلوهم ويدخلوا بالقوة، ولكن الله بحكمته البالغة صرفهم عن ذلك، وحبس ناقة رسوله صلى الله عليه وسلم حابس الفيل عن مكة.

قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا، هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) [الفتح: 24 - 25] فامتن الله تعالى في الآية الأولى على المؤمنين بالسلامة والعافية من القتال من بعد أن أظفر المؤمنين على الكفار الذين خططوا للهجوم على رسول الله صلى الله عليه وسلم لاغتياله؛ فأسرهم المسلمون وظفروا بهم ثم عفوا عنهم، ثم بيَّن حال هؤلاء الخصوم الكفار المحاربين فذكر ثلاثة مسوغات لقتالهم وهي: الكفر، وصد المؤمنين عن البيت الحرام، وصد الهدي الذي أصبح معكوفًا أي محبوسًا على بيت الله الحرام صدوه أن يبلغ محله.

رغم هذه المسوغات كلها صرف الله رسوله والمؤمنين عن قتال أهل مكة؛ لوجود عدد من المؤمنين المستضعفين المستَخْفِين بإيمانهم في أوساط المشركين؛ لئلا تطئوهم فتؤذوهم أو تقتلوهم لعدم تميزهم عن الكفار.

من أجل ذلك أجَّل الله فتح مكة ودخول رسوله والمؤمنين إليها وأداء عمرتهم وذبح هديهم؛ كل ذلك حفاظًا على فئة صغيرة من المسلمين، يقول الشيخ ابن سعدي - رحمه الله - في تفسيره: "ثم ذكر تعالى الأمور المهيجة على قتال المشركين، وهي كفرهم بالله ورسوله وصدهم رسوله الله ومن معه من المؤمنين أن يأتوا للبيت الحرام زائرين معظمين له بالحج والعمرة وهم الذين أيضا صدوا ( الْهَدْيَ مَعْكُوفًا ) أي محبوسًا (أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ ) وهو محل ذبحه في مكة حيث تذبح هدايا العمرة فمنعوه من الوصول إليه ظلمًا وعدوانًا وكل هذه أمور موجبة وداعية إلى قتالهم ولكن ثم مانع وهو وجود رجال ونساء من أهل الإيمان بين أظهر المشركين وليسوا بمتميزين بمحلة أو مكان يمكن أن لا ينالهم أذى، فلولا هؤلاء الرجال المؤمنون والنساء المؤمنات الذين لا يعلمهم المسلمون أن تطئوهم أي خشية أن تطئوهم ( فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ ) والمعرة ما يدخل تحت قتالهم من نيلهم بالأذى والمكروه، وفائدة أخروية وهو أنه ( لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ ) فيمنُّ عليهم بالإيمان بعد الكفر وبالهدى بعد الضلال فيمنعكم من قتالهم لهذا السبب ( لَوْ تَزَيَّلُوا ) أي لو زالوا من بين أظهرهم ( لعذبنا الذي كفروا منهم عذابًا أليمًا بأن نبيح لكم قتالهم ونأذن فيه وننصركم عليهم ) .

فتأملوا -إخوتي الكرام- هذه الآية التي قصت هذه الحلقة من حلقات جهاد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسست أصولاً من أصولها: منها أن تعريض فئة من المؤمنين للخطر والضرر والخوف والأذى سبب كاف لتوقف القتال الحق وتحقيق مصالح عليا مضمونة، ومنها أداء عمرتهم التي جاؤوا ينون أداءها وفتح مكة التي هي أسمى الأهداف وأكبرها، فكيف بما تعتزمون القيام به مما ترونه أنتم حقًا ويخالفكم فيه جماهيرُ علماء وعقلاء المسلمين؟!! فاتقوا الله وراجعوا أنفسكم وحكِّموا عقولكم، وانظروا لعواقب الأمور ولا تغتروا بما قد تحقق لكم، ولا بما تطمعون أن يتحقق في عاجل الأمر، فإن الأمور بخواتيمها كما تقدم، أسأل الله أن يجنب الجميع الفتن ما ظهر منها وما بطن.

وهذه مناشدة أخرى مناشدة للقيادة السياسية والحكومة الحاضرة، أقول لهم:

إذا كنتم قد دعيتم الجميع من سائر فئات وطوائف واتجاهات الشعب السياسية والفكرية وغيرها بما فيها من لا يزالون يحملون السلاح ضدكم وضد الشعب ويعملون لحساب دول أخرى وهم الحوثيون - إذا كنتم قد وسعت صدوركم ونفوسكم وخططكم وسياساتكم تلك الطائفة الضالة المضلة التي تعمل على نشر فكرها وضلالها بقوة السلاح وبأموال أعداء اليمن، فلم تضيق عن أبنائكم وإخوانكم من المنتسبين للقاعدة فإنهم إن كانوا يحملون السلاح فأولئك مثلهم يحملون السلاح وهم ليسوا مثلهم في الضلال ولا في العمل لحساب الأعداء، فلم لا تحاورونهم؟ لم لا تنظرون في قضاياهم؟ لم لا تبحثوا عن أسباب خروجهم وانتهاجهم ما هم عليه من أفكار وسلوك وتمرد عليكم؟

إنَّ كل ذلك جدير بالدراسة وجدير بالحوار، لعلَّ وعسى أن يصل الناس إلى حلول ترضي الله أولاً، وتوقف الفتنة ونزيف الدم ثانيًا، وتخرج البلاد من مأزقها ومسوغات تدخل أعدائها ثالثًا،، إنه واجب إنقاذ البلاد مما هي فيه يوجب على الجميع أن لا يدعوا سببًا مؤديًا إلى رأب الصدع ووحدة الكلمة وإزالة أسباب الشر والحرب والنزاع والصراع إلا سلكه المخلصون المحبون لأهلهم وبلادهم دون التفات إلى ما يقوله الأعداء أو يأمرون به أو ينهون عنه أو يشيرون به، ومعلوم أن أعدائنا إنما يبغوننا الفتنة، ويبغوننا الضر والهلاك.

ونداء أخير أوجهه إلى الجميع:

أنقذوا مدارسنا، أنقذوا طلابنا من الفتنة ومن تعطيل الدراسة ومن أن يصبح الطلاب ورقة يتلاعب بها المتلاعبون، نداء للسلطة وإدارة التربية وللفعاليات السياسية والحركية ولأولياء أمور الطلاب لهؤلاء جميعًا أقول:

اتقوا الله في أولادنا، في مدارسنا، وارفعوا أيدي الفتنة عنهم، امنعوا كل عابث يعبث بهم ويسخِّرهم لمآربه؛ حتى نضمن استمرار الدراسة وسكينة الطلاب وإقبالهم على ما ينفعهم، والله الموفق.