البحث

عبارات مقترحة:

القدير

كلمة (القدير) في اللغة صيغة مبالغة من القدرة، أو من التقدير،...

الحليم

كلمةُ (الحليم) في اللغة صفةٌ مشبَّهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل)؛...

المولى

كلمة (المولى) في اللغة اسم مكان على وزن (مَفْعَل) أي محل الولاية...

الصدور من سيّد الشهور

العربية

المؤلف الشيخ د عبدالرحمن السديس
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - الصيام
عناصر الخطبة
  1. الاعتبار بسرعة انقضاء الزمان .
  2. سرعة انقضاء شهر رمضان .
  3. استدامة العمل الصالح بعد رمضان .
  4. خطأ من يظن قصر الطاعات على رمضان .
  5. عظم خسارة من لم يستفد من رمضان .
  6. عظم ربح من استغل رمضان بالطاعات .
  7. دعوة الأمة للمحاسبة بعد رمضان .
  8. عظم جريمة التفجير والتخريب خاصة في رمضان .
  9. فضل صيام ست من شوال .
اهداف الخطبة
  1. الترغيب في المداومة على الطاعات بعد رمضان
  2. ترغيب الأمة في وقفة للمحاسبة
  3. بيان خطر جريمة التفجير والتخريب بين المسلمين

اقتباس

مِن المفاهيم المنتكِسة والأحوال المنعكِسة لدى فئامٍ من النّاس أنّ رمضان شهرُ العبادة وهَجر الموبقات، فإذا تولّى اندفعوا في الشّهوات والمعاصي اندفاعَ الأعشى، وهذا ما يُدهِش اللبَّ ويشِي برقّة الدّين وضعفِ الإيمان، وإلاّ فبأيّ كتابٍ أم بأيّة سنّة يكون المسلم في رمضانَ متنسِّكًا وفي شوّال متهتّكًا؟!

 

 

 

أمّا بعد:

 

فأوصيكم ـ عبادَ الله ـ ونفسي بتقوى الله، فهي أربَح بضاعَة، واستقيموا على أعمالِ الخير والطّاعة إلى أن تقومَ السّاعة، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].

معاشرَ المسلمين، مِن الأمور المحكَمات والقضايا المسلَّمات التي غنِيت عن الدّلائل والبيّنات كونُ الزّمان سريعَ الانقضاء وشيكَ التحوُّل والانتهَاء، شهرُه الغابر لا يؤوب، وأمسُه الدّابر لا يعود، وهذا الزّمان ولا ريبَ ظرفٌ لأعمالِنا وتِرةٌ مِن أعمالنا، مَن استنبتَ فيه جلائلَ الأعمال والطّاعات واستبذَر فيه وافرَ الحسنات والقرُبات كانت حياتُه الدّنيا كروضةٍ فاحَت بعبَق الأزاهير، وفي أُخراه يُلقَّى المسرّاتِ والتباشير. وأمّا من أودع فيه الآثامَ والمعاصي كانت دنياه كصحراءَ قاحلةٍ ماحلة، حلّ بصاحبِها غيث النبوّة والهدى، فلم يِسعَدْ ولم ينتفِع، وفي الآخرة لم يُفلِح ولم يرتفِع.

ذلكم ـ أيّها المسلمون ـ مثلٌ لا شِيةَ فيه، يُضرَب لقومٍ طائعين ثابتِين جادّين، لمرضاةِ الله منبَرين، وفي الهدى والاستقامة متبارين، ذلك سَدَمهم وهِجِّيراهم على كلّ الأحوال وفي كلّ الأوقات، لا ينقُضون عهدًا مع الله أبرَموه، ولا ينكثون أمرًا أحكَموه، وقوم ازدَلفوا إلى الله في أيّام معدوداتٍ، وما أن بانت حتى خارت عزائمُهم وانحلّت لديهم حُظَى الطّاعة وانضَوَوا في زمرةِ أهل الغفلةِ والإضاعة عياذًا بالله.

إخوةَ الإسلام، ونقِف بكم وقفةَ مذكِّر ملتَاعٍ مع الشّهر الذي لا يُملّ حديثه ولا يخلَق قديمه وحديثه، إنّه شهر رمضانَ الذي غربَت عنّا شمسه وأفل دونَنا نجمه، وقد عمِرت أيّامه ولياليه بالصّالحات والخيرات؛ بالصّيام والقيام، بالتّلاوة والبرّ والنّدى. أمَا كنّا بالأمس القريب نتشّوق للقائِه ونتطّلع لبهائِه ونتمنّى أن لو طال وما تصرّم كطيفِ الخيال؟! اللهمّ فتقبّل ما أودعنا فيه من صالحِ العمل، وكفّر عنّا ما كان فيه من وزرٍ وزلَل، واغفر اللهمّ ما اجترَحنا فيه من نقصٍ أو خلل، بمنّك وجودك يا حليمُ يا كريم.

إخوةَ العقيدة، وفي هذه الأيّام المترَعة بالسّرور والبهجة تجنون غراسَكم الطيّب بما أحلّ الله لكم من المباحات والطيّبات، وذلكم دليلٌ على شرَف ما كنتم فيه من شعيرة جليلةٍ وركن ركين من أركان هذا الدّين.
وفي هذا الأوان يتأكَد علينا ـ معاشرَ الأحبّة في الله ـ أن نضعَ الهناء موضعَ النّقَب في تصويبِ مسار كثيرٍ من النّاس في علاقتهم ببارئِهم في رمضانَ وبعد رمضان وتسديدِ فهومٍ كثيرة جنحَت عن منهجِ السداد والتوفيق في الإفادة من أزمنةِ البرّ والخير والقُربى.
 

فمِن ذلكم ما يجِب استصحابه واستدامتُه من رَوح رمضان ومضامينِه وآثاره ودلالاتِه المتوهّجة الأصيلةِ كالصّبر والاجتهادِ والتّراحم والتّلاحم والتّواصل وحالِ السلفِ بعده مِن محاسبةِ الذات ومجاهدةِ النفس والانتصار عليها الذي يفتح أرحبَ المجالات للانتصار على العدوّ واستدامة الإنفاق والبذلِ في المجالات الخيريّة وفتح آفاقِ العمل الخيريّ وتنسيقه، لا تركه وتحجيمُه، مستمسكين به كثابتٍ من ثوابتِ الدين، لا تمسّه المتغيّرات ولا تحجّمه المستجدّات ولا يفتّ في عضدِ أهلِه مسعورُ الحملاتِ ولا شديدُ الهجمات.

ومِن ذلك أن يكونَ هذا الفراق للشّهر الكريم إيذانًا بالعَودة الصّادقة إلى التّسابق في ميادين العِبادة والاستقامة اقتداءً بحالِ المصطفى صلى الله عليه وسلم، ونقطةَ استئناف لاستجاشةِ مكنوناتِ النّفوس وطاقاتِها وتحويلها مِن الغفلة والتّناحر والاختلافِ إلى اليقظةِ والاتّحاد والائتلاف واستنهاضِ القيَم الزاكية والمُثل العليا وتطويقِ الأجيال لا سيّما الشباب بالاهتمام والتوجيهِ والأخذ بحجَزِهم عن مهاوي الأفكارِ المنحرفة والمذاهب الهدّامة في وقتٍ يحاول فيه الحسَدةُ لأمنِنا خرقًا ولأبوابِنا طرقًا.

إخوةَ الإيمان، ومِن المفاهيم المنتكِسة والأحوال المنعكِسة لدى فئامٍ من النّاس أنّ رمضان شهرُ العبادة وهَجر الموبقات، فإذا تولّى اندفعوا في الشّهوات والمعاصي اندفاعَ الأعشى، وهذا ما يُدهِش اللبَّ ويشِي برقّة الدّين وضعفِ الإيمان، وإلاّ فبأيّ كتابٍ أم بأيّة سنّة يكون المسلم في رمضانَ متنسِّكًا وفي شوّال متهتّكًا؟! أوَليسَ ربّ الشهور واحدًا وعلى الأعمالِ مطّلعًا مشاهدًا؟! وأيّنا يضمن الرّضا عن حاله وقَبول أعماله؟! وقد كان السّلف الصالح رحِمهم الله لقبولِ العمل أشدَّ اهتمامًا منهم بالعمل، والله عزّ وجلّ يقول: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ) [المائدة:27].

سبحانَ الله عبادَ الله، أين القلوب التي خشَعت وبالدّعاء اضَّرعت ولهَجت؟! أين لذّة المناجاة؟! أين بردُ اليقين الذي باشر القلوبَ وعَمرها وجلاّها وغمرها؟! أما ارتوَت من الآيات البيّنات وزواجرِ القرآن الواعظات؟! (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا) [النساء:66].
لقد باءَ هؤلاء بالحظّ الأوكَس والجزاء الأبخَس إن لم يتوبوا إلى الله ويثبتوا على ما كانوا عليه في شهر رمضان، وبِئس القوم لا يعرِفون اللهَ إلا في رمضان، وكفى بالقرآنِ الكريم مشنِّعًا بحالِ هؤلاء وأضرابهم: (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا) [النحل:92].

يا لفداحةِ المصيبة ويا لعِظم الحِرمان أن يحورَ أقوامٌ بعدَ الهدى إلى الضّلال وبعد الرّشاد إلى الغِواية، وهل المؤمن الذي يرجو نجاتَه ويخشى ربَّه وملاقاتَه إلاّ من ظلَّل الإيمان حركاتِه وسكناته طيلةَ حياته؟! فهو في عبوديّة دائمةٍ وصِلة مستمرّة بين يدَي الله وحالةٍ من الإخلاص العَميق في طاعتِه وتقواه وتقرّبِه لمولاه، لا يفرّق بين زمانٍ وزمان، ممتثِلاً قولَ الحقّ تبارك وتعالى: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر:99].

أمّةَ الإسلام، ولتجدُنّ أشدَّ النّاس حِرمانًا من الخير وبُعدًا عن مرضاةِ المولى جلّ وعلا مَن لم يرفعوا بالطّاعة رأسًا طيلةَ شهرٍ كامل، بل ربّما سلخًا من أعمارهم، ولم يؤثِّر فيهم ركبُ المسلمين المقبِلين على حياضِ الهدايةِ وأنهارِ الغفران في موسمٍ لا يقدّر بمال ولا يُعوَّض بحال، حتى غدَت قلوبهم كالكوزِ مجخِّيًا، لا يعرف معروفًا ولا ينكِر منكرًا إلاّ ما أشرِب مِن هواه، غادَرهم رمضان وهم ساهون، وأظلّهم العيد السعيدُ وهم بعدُ غافلون، (وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً) [الأعراف:146].  يقول ابن الجوزيّ رحمه الله: "ربّما رأى العاصِي سلامةَ بدنِه ومالِه فظنّ أن لا عقوبَة، وما علِم أنّ غفلتَه عمّا عوقِب به هي العقوبة".

والدّعوة الصّادقة الحرّاءُ موجّهة لهؤلاءِ السّادرين الصّادفين أن يتوبوا إلى الله ويُقلِعوا عمّا هم فيه ويندَموا عمّا فرّطوا في جنبِ الله، فالتّوبة ليس دونها بابٌ يوصَد ولا عملٌ يرَدّ ويوأد، يقول جلّ وعلا: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) [طه:82].

أمّةَ الإسلام، وبإزاءِ تلك المفاهيمِ الخاطئة والفِئام المتخاذِلة الغافلة تشعّ في الآفاق أنوارُ قوافلِ أهل التّقى والإيمان، سقَى الكتاب والسنّة قلوبَهم عزمًا وأمَلاً، وأدركوا أنّ للدرجات العُلا من الجنّة ـ فضلاً عن ديمومَة الاتّصال بالله وخشيتِه بالغيب والثّبات على طاعتِه ـ مواسمَ للبرّ يجِب أن تنتهَز همّةً ونشاطًا وارتجاءً لما عندَ الله واغتباطًا، هم الذين وصفَهم البَاري بقولِه سبحانه: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [السجدة:15، 16]. ومِن بديع الكلامِ القيّم للعلاّمة ابنِ القيّم رحمه الله قوله فيهم: "فإنّ هؤلاء المستكثِرين مِن الطّاعات الذائقين لرَوح العبادَة الرّاجين ثوابَها قد رُفِع لهم عَلَم الثواب وأنّه مسبَّب عن الأعمال، فشمّروا إليه، راجين أن تقبَل منهم أعمالهم بفضلِ الله، خائفين أن تردَّ عليهم، فهم مستكثرون بِجهدهم من طاعتِه بين خوفِه ورجائه".

الله أكبر، هذا هو الفقه الحقيقيُّ للمتاجرةِ مع الله سبحانه، فهنيئًا لكم أيّها المستقيمون، وطوبى لكم ـ أيّها المنيبون ـ بما صبرتم وقُمتم وصمتُم وتلَوتم وبذَلتم وشكَرتم، واللهَ اللهَ ـ يا رعاكم الله ـ في الثّبات الثّباتِ في الحياة إلى الممات.

أمّةَ الخير والاستقامة، وبعدَ أن عاشتِ الأمّة الإسلامية ترتوي شهرًا كاملاً من نميرِ القرآن الكريم وتستضيء بنورِه المبين، وبعدَ أن أعقبَها عيدُ الفطر المبارك فإنّها مدعوَّة بإلحاحٍ إلى أن تفيءَ إلى ميدان المحاسبَة الجدّية العمليّة، سيما وهي تتجرّع من كأسِ الضعف والهزائمِ كلَّ صابٍ وعلقَم، والمآسي تسفع وجهَها في كثيرٍ من أراضيها، حريٌّ بها أن تستعصمَ بكتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، في تفتّحٍ واعٍ وفكرٍ نيِّر معتدِل وبصيرة نافذة ونظرة صائِبة متّزنة في تقويمِ القاضيا والمتغيِّرات والمراجعات الجادّة في الفكر والمنهَج دونَ تلكُّؤ أو هوادَة، بما يحقِّق المصالحَ ويدرأ المفاسدَ ويُعلي رايَة الدين ويحرس القيَمَ والفضيلة ويحفَظ الأمنَ والاستقرار حتّى لا تُخرَق السفينة، في ترفّعٍ عن كلّ المغرِياتِ والمثبِّطات، وإقصاءٍ لكلّ عواملِ الانهزام النفسيّ والإحباط الداخليّ، مع استئصالٍ لجذور المذاهبِ المنحرِفة والأفكارِ الضّالة التي تنصّلت من أصولِ الدين العاصمةِ للدّماء والأموالِ والمقرِّرَة لحرمةِ المسلمين والمعاهَدين والمستأمَنين، يقال هذا والنّفس كلمَى والقلب يدمَى غداةَ الأحداثِ الإجراميّة الغاشمَة والجرائم المُريعة الآثمة التي ولغ فاعلوها في الدّماء المعصومةِ والأنفس البريئةِ المكلومة، حيث تسلّلت الأيادي الحمراءُ والمخالب السّوداء تحت ستورِ الظلام، فأمعنت تفجيرًا وتدميرًا في شهر القداسةِ وينبوع الرّحمة وفي آمنِ الديار وأزهرِ الرّياض عاصمةِ بلاد التّوحيد وحاضرَة بلادِ الحرمَين الشّريفين، غيرَ عابِئةٍ بالمثُل والقيَم في الاستنكافِ مِن قتل النّساء والأطفال والشّيوخ، فضلاً عن أحكام الشريعةِ الغرّاء، ربّاه أقُدَّت قلوبهم من صَخر أم رُمِيت عقولهم في بَحر؟! لكنّه الجهل والهَوى، فبأيّ حالٍ استقبل هؤلاء اليَتامى والثّكالى والزّمنى والأيامى أيامَ العيد السعيد؟! أيّ ذنبٍ اقترفوه؟! وأيّ جُرم اجترَحوه؟! وايمُ الله، إنّهم لمسؤولون عن كلّ قطرةِ دمٍ أهرقوها وكلّ نفسٍ أزهقوها وكلّ فتنة جرّوها على البلاد والعِباد.

وهنا ـ يا محبّ ـ وقفةُ تأمّل ومقارنةٍ بين حالِ هؤلاء وبين ما يعيشه إخواننا المستضعفون في دينهم في الأرض المبارَكة فِلسطين وفي مواقعَ أخرى، وسينقلب إليك الطرف خاسئًا وهو حسير، وتتيقّن أنّ الإرهاب هو الإرهاب، وتتّضح معالمُ الاتّفاق والافتراق في المقدّمات والنّتائج والأسبابِ والمسبَّبات والوسائلِ والمقاصد والآثار والعواقِب والمنفِّذين والضّحايا، فضلاً عن الزّمان والمكان، فتأمّل جيّدًا واحكُم متجرِّدًا، ثمّ اسأل اللهَ السلامة والعافيةَ ودوامَ الأمن والأمانِ في بلادنا وفي جميع بلادِ الإسلام.

لقد ساءَ فهمُه وطاش سهمه من ظنّ التفجيرَ معبَرًا لحقٍّ أو سُلّمًا لإصلاح أو مَركبًا لدَحر عدوّ، كلاّ ثمّ كلاّ، لا يقول بذلك غِرّ مَذِق، فضلاً عن عاقلٍ ينتسِب إلى الدّين.
ألا فتوبوا إلى الله، وارعَووا عمّا أنتم فيه من فِكر نشاز، فالرّجوع إلى الحقّ خيرٌ من التّمادي في الباطل، فلأن يتّبعَ ناشدُ الحقّ من دلّه في الرّجوع إليه أولى ثمّ أولى من الاستمرارِ في الباطل الذي كان عليه.
ثبَّت الله العائدِين الرّاجعين إلى الحقّ، وهدى إليه من تنكّب طريقَ الهدى بمنّه وكرمه، ألا ففيئوا جميعًا إلى لزومِ جماعةِ المسلمين وإمامِهم، فهو أنجَى لكم وأزكى، وإنّ الغُيُر لينشدون إيلاءَ هذه الظواهرِ الساخنةِ حقَّها ومستحقَّها بالتدابير الواقيةِ وتشخيص الأسبابِ الفاعلة ووصفِ العلاجات النافعةِ بالأساليب النّاجعة، فذلك ـ لعمرو الحقّ ـ أسلم وأعلمُ وأحكم، وأصلَحُ ـ والله ـ للبِلاد والعِباد، وكان الله في عونِ العامِلين المخلِصين لدينِهم وأمنِهم وبلادِهم ومجتمعاتِهم، إنّه خير مسؤولٍ وأكرَم مأمول.

أقول ما سمِعتم، وأستغفِر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

 الخطبة الثانية:

الحمد لله، أعظَمَ للمتقين أجورَهم، وأفاض عليهم أيّامَ صومِهم وعيدِهم حبورَهم، وشرح بالهدى والخيراتِ صدورَهم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وفّق عبادَه للطاعات وأعان، وأشهد أنّ نبيَّنا محمّدًا عبد الله ورسوله خير من علّم أحكامَ الدين وأبان، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبِه شموسِ الهدى والإيمان، صلاةً زاكيَة دائمة ما دام النيِّران، متعاقبةً ما تعاقب الجديدان، وسلّم تسليمًا كثيرًا.

أمّا بعد: فاتّقوا الله عبادَ الله، ووالوا شهرَكم وعيدَكم بالشكر والحمدِ والثناء، فلأنتم بمنِّ الله وفضله في نعمٍ غامرة، تنوء بشكرِها الجوارح الباطنَة والظاهرَة.

واعلموا ـ وفّقني الله وإيّاكم ـ أنّ ربَّكم عزّ وجلّ يتحبَّب إليكم بمواسمِ الخير لرفعةِ درجاتِكم وزيادةِ حسناتِكم وتكفير سيّئاتكم وتهذيبِ أرواحكم، ومِن ذلك ما ندَبكم إليه في شهرِكم هذا شهرِ شوّال من صيامِ ستّة أيّام منه غيرِ لازمةِ التّتابع لما خرّجه مسلم في صحيحه من حديث أبي أيّوب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من صامَ رمضانَ ثمّ أتبعه ستًّا من شوّال كان كصيام الدهر)).

فيا له من فضلٍ عظيم وثوابٍ جسيم من ربٍّ رحيم ومولى كريم، فاسعَوا ـ يا رعاكم الله ـ إلى إعتاقِ نفوسِكم من التّخاذل وفكاكِها، وأدرِكوا أنفسَكم بالصالحات قبل عجزِها وهلاكِها، (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) [آل عمران:133].

واعلموا ـ رحمكم الله ـ أنّ كلامَ الله أبلغ ما وُعِظ بِه قلبٌ فخشع، وعزّ به المؤمن لربّه وخضَع، ووقَر في النّفس فهدى ونفَع.

ثمّ صلّوا وسلِّموا ـ رحمكم الله ـ على النبيّ الخاتم محمّدٍ أبي القاسِم الخِيار من بني هاشم سيّد العرَب والأعاجم، فقد أمركم بذلك ربّكم جلّ وعلا في محكَم تنزيله وأصدقِ قيلِه فقال تعالى قولاً كريمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].

اللهمّ صلِّ وسلِّم على سيّد الأوّلين والآخرين وخاتم الأنبياء والمرسلين نبيّنا محمّد بن عبد الله وعلى آله الطيّبين الطاهرين وصحابتِه الغرّ الميامين وأزواجه أمّهات المؤمنين، والتّابعين ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدّين...