البحث

عبارات مقترحة:

الأكرم

اسمُ (الأكرم) على وزن (أفعل)، مِن الكَرَم، وهو اسمٌ من أسماء الله...

الأعلى

كلمة (الأعلى) اسمُ تفضيل من العُلُوِّ، وهو الارتفاع، وهو اسمٌ من...

البصير

(البصير): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على إثباتِ صفة...

التحذير من المسابقات التجاريّة

العربية

المؤلف عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المعاملات
عناصر الخطبة
  1. إباحة البيع .
  2. حرص المؤمن على المكاسب الطيبة .
  3. النهي عن الغرر .
  4. صور من بيوع الجاهلية .
  5. تساهل الناس في الميسر في هذا الزمان .
  6. من صور الميسر بعض المسابقات التجارية .
  7. تحريم الغشّ .

اقتباس

بعث الله محمَّدًا -صلى الله عليه وسلم- وللنّاس بيوعاتٌ فيما بينهم، عقودٌ فيما بينهم، في أخذِهم وعطائهم، فأقرَّ منها ما كان عدلاً نافعًا، وألغى منها ما كان ظلمًا ضارًّا، فبيوعات الجاهليّة المشتمِلة على العدلِ والخير أقرَّها الإسلام وأبقاها وهذَّبها، وعقودهم المشتملةُ على الضّرر والغرر والظلمِ ألغاها الإسلام وأبطلها وأقام على أنقاضها عقودًا خالية مِن كلّ ضرر وأذًى، ذلكم أنّ...

الخطبة الأولى:
 

أمّا بعد:

فيا أيّها الناس: اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى.

عباد الله: البيعُ أحدُ طرق الاكتساب، ولذا أباحه الله لتعلُّق مصالح العبادِ به: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرّبَواْ) [البقرة:275]. وجعل البيعَ المبرور مِن خير المكاسب، سئل النبي -صلى الله عليه وسلم-: أيُّ الكسب أفضل؟! قال: "عملُ الرجل بيده، وكلّ بيع مبرور". قال الله تعالى: (ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا نُودِىَ لِلصَّلَوةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَسْعَوْاْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُواْ الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَوةُ فَنتَشِرُواْ فِى الأَرْضِ وَبْتَغُواْ مِن فَضْلِ اللَّهِ) [الجمعة:9، 10]، وجعل الضَّاربين في الأرض للتّجارة مثلَ الضّاربين في سبيل الله: (وَءاخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِى الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَءاخَرُونَ يُقَـاتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ) [المزمل: 20].

أيّها المسلم: وهذا البيعُ الذي أباحه الله والذي تتعلَّق به مصالح الناس هو البيعُ الذي يحصُل به تبادلُ المنافع من غير ضررٍ يلحَق بأحد المبايعَين، ولذا حذَّرنا الله من أن يأكلَ بعضنا مالَ بعض: (ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْولَكُمْ بَيْنَكُمْ بِلْبَـاطِلِ) [النساء: 29].

أيّها المسلم: بعث الله محمَّدًا -صلى الله عليه وسلم- وللنّاس بيوعاتٌ فيما بينهم، عقودٌ فيما بينهم، في أخذِهم وعطائهم، فأقرَّ منها ما كان عدلاً نافعًا، وألغى منها ما كان ظلمًا ضارًّا، فبيوعات الجاهليّة المشتمِلة على العدلِ والخير أقرَّها الإسلام وأبقاها وهذَّبها، وعقودهم المشتملةُ على الضّرر والغرر والظلمِ ألغاها الإسلام وأبطلها وأقام على أنقاضها عقودًا خالية مِن كلّ ضرر وأذًى، ذلكم أنّ شريعةَ الإسلام شريعةُ الخير والرحمة، جاءت بما يُسعِد البشرية في حياتها وآخرتها، جاءت بما يحقِّق لها المنفعةَ الدائمةَ، ويبعِد عنها الظلمَ والعدوان.

أيّها المسلم: إنّ المؤمنَ حقًّا في بيوعاتِه يحاول موافقةَ الشرع لتكونَ المكاسبُ مكاسبَ طيّبة، ولتكون التجارة تجارةً نافعة، يسعَد بها في دنياه وآخرته، أمَّا البيوع الباطلة والمكاسب الخبيثة فالمسلم يترفّع عنها طاعةً لربّه وبُعدًا عن كلّ ما يضرّه في دينه ودنياه.

أيّها المسلم: جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الحَصاة وعن بيع الغرر".

أخبرنا أبو هريرة أنّ نبيّنا -صلى الله عليه وسلم- نهانا عن بيع الغرر، نهانا عن البيع المشتمِل على الغرر، وهذا الغرر المنهيّ عنه سواء في جانب البائع أم جانب المشتري، فكلٌّ منهما منهيّ عن بيع الغرَر حتّى ولو رضي أحدٌ بذلك، فالغرر الضارّ لا يُقرُّ في الإسلام، وليس تراضي المتبايعَين بمبيحٍ لهما ما حرَّم الله عليهما.

الغررُ الذي نهى عنه -صلى الله عليه وسلم- يعود إلى جهلِ البائع أحيانًا بعَين ما باع، أو جهلِ المشتري بعَين ما اشترى، ويعود تارةً أخرى إلى آجالٍ مجهولة لا يُعلَم انتهاؤها، وكلّ ذلك أمرٌ محرّم.

وقد جاء في السنّة النّهيُ عن بيوعٍ تشتمل على الخِداع والغرَر؛ لأنّ في هذا غشًّا وإن رضيَ به أحدهما أو رضيا به جميعًا، فليس الرّضا بمبيح لهما ارتكابَ ما حرّم الله عليهما.

أيّها المسلم: لهذا شرط العلماءُ في البَيع علمَ المشتري بحقيقةِ ما اشتراه، وعلمَ البائع بحقيقة الثّمن، وعلمَهما بقدر الأجل المضروبِ لهما، كلُّ ذلك حمايةً من أن يأكلَ النّاس بعضهم مالَ بعض ظلمًا وعدوانًا.

لقد كانوا في الجاهليّة يتبايَعون بيوعًا فيها خِداع، الغنيمةُ لأحدهما والغُرم على الآخر، عقودُ بيع يكون أحدُ المتبايعَين غانمًا، ويكون أحدهما غارمًا؛ لأنّها مبنيّة على المغامرة والجهالةِ وعدم العلم، فجاء الإسلام فألغى ذلك كلَّه.

قدِم النبيّ -صلى الله عليه وسلم- المدينةَ وهم يُسلِمون في ثمارِهم السّنةَ والسّنتين مِن غير علمٍ بحقيقة البيع، فقال: "من أسلمَ فليسلِم في كَيل معلوم ووزنٍ معلوم إلى أجلٍ معلوم"، فحذّرهم مِن أن يشتروا الثمارَ إلى آجالٍ غير معلومة، بمعنى أن يكونَ المشترَى لا يُعلَم قدرُه، فقال: "من أسلمَ فليسلِم في كيلٍ معلوم ووزن معلومٍ إلى أجل معلوم".

كانوا في الجاهليّة إذا أرادوا البيعَ أحيانًا جعلوا مجرَّد لمسِ العَين المبيعة موجِبًا للبيع وإن لم يعلَم المشتري بحقيقةِ ما لمس؛ الذي لمسَه هل هو يساوي تلك القيمةَ أو لا يساويها؟! وقد يجهَل البائع ذلك، فجاء الإسلام ليقول: "نهى رسول الله عن بيع الملامسة والمنابذة"، كانوا ينبذون الثوبَ، ويقول: ما طرحتُه عليك فبكذا، وذا يقول: قبلتُ، وهما لا يعلمان حقيقةَ الأمر، وقد يعلم أحدُهما ويجهله الآخر.

كانوا في جاهليّتهم يجعلون للبيع آجالاً مجهولة، وربّما باعوا ما تنتجُه الناقة أو ما ينتِجه إنتاجُها، ويجعلون ذلك غايةً في الأجل، فنُهوا عن ذلك، أو يبيعون إنتاجَ الإنتاج، وكلُّ ذلك نُهُوا عنه لِما فيه من الضّرر.

كانوا يبيعون الثمارَ قبل بُدوِّ صلاحها والحبوبَ قبل اشتدادِها، فنُهُوا عن ذلك مخافةَ الخداع والغرَر، كلُّ هذا حمايةً لمكاسب المسلمين من أن يأكلَ بعضهم مالَ بعض، ويظلم بعضُهم بعضًا.

أيّها المسلم: وللأسف الشّديد أنّ البعضَ من المسلمين تساهلوا في هذا الأمر، وتساهلوا في هذا الباب، فهنا بيعُ الميسر الذي قال الله فيه: (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَلْمَيْسِرُ وَلأنصَابُ وَلأزْلاَمُ رِجْسٌ مّنْ عَمَلِ الشَّيْطَـانِ فَجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [المائدة: 90]. بيوع الميسر بيوعٌ محرّمة، بيوع يحكمها الحظّ، بيوع تنبني على الحَظّ سواء من أحدِ الطرفين أم من كليهما، بيوعٌ فيها مغامراتٌ ودخول على أشياء ربّما فاز هذا أو خسر، وهذا أمر لا يقرُّه الشرع؛ لأنّ الشرعَ يريد من المسلم العملَ والجدَّ، ولا يريد الاتّكالية على هذه المغامرات والمغالطات.

أيّها المسلم: تسمَع دائمًا أو تقرأ في الصّحف كثيرًا ما تُعلنه بعضُ الجهات بعضُ الشركات والمؤسّسات عن بيعٍ أو نحو ذلك، وهذا الإعلان لهذه الشركة يصحَبه بطاقة يشتريها الإنسانُ بمبلغٍ من المال، يسجِّل اسمَه، ثمّ تُسحَب الأسماء، فمَن وافقَ حظّه ذلك فاز بهذه الجائزة، قد يدفع مثلاً مائةَ ريال ثمّ تأتيه جائزته بمليون ريال أو أكثر أو أقل، لماذا؟! لأنّه ظهر اسمه في هذا السَّحب، ففاز بهذه الجائزة التي يُرَى أنّه فاز بها، نعم، فاز بها، ولكن على حسابِ مَن؟! على حسابِ أمّةٍ تقدّمت لهذه المسابقة، وربح أولئك الأموال الطائلة، فإن أنفقوا مليونَ ريال على واحدٍ فقد فازوا بمئاتِ الملايين، أخذوها من النّاس بلا مقابل، وأخذوها ظلمًا وعدوانًا.

هذا الميسرُ حرَّمه الشرع لما فيه من الظّلم، ولما فيه من الكسَل والخمول، ولما فيه من الاتّكالية الزائدة، ولما فيه من إضعاف الهِمم في النفوس.

أيّها المسلم: إنّ هذا الغررَ في الميسر، في هذه المسابقات التجاريّة وغيرها، كلّها يقصَد من خلالها ابتزازُ أموال النّاس، يحوكها عقلاء تجاريّون، همُّهم الطمع المادّي، فيجعلون تلك المسابقاتِ ليفوزوا بها وينالوا بها مصالحَهم، وعلى حسابِ الآخرين، كلُّ هذا في شرعِنا غيرُ جائز؛ لأنّنا مأمورون بالعدل والإنصاف، ونُهينا عن كلِّ ظلمٍ وجهالة وخِداع وغرَر، وأمِرنا بالعدل والإيضاح، ونُهينا عن الغشّ والتّدليس.

إنّ المسلم لا يظلم أحدًا ولا يرضى الظلمَ حتّى على نفسه، النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لمّا نهى المسلمين عن بيع الثّمار قبلَ بدوِّ صلاحها نهى البائعَ والمشتري جميعًا، وقال: "أرأيتَ لو منعَ الله الثمرةَ بِم تستحلُّ مالَ أخيك؟!"، لو قال: أنا مقدِّم وراضٍ، قيل له: لا يجوز، بمَ تستحلّ مال أخيك؟!

هكذا الشرعُ يحمينا حمايةً قويّة من أن نتهالك وأن يأكلَ بعضنا مالَ بعض، ونرضى بهذه المسابقاتِ وأمثالها، ونجعلها مصادرَ اكتساب، ونخضع لتلك المؤسّسات الجائرة وتلك الإعلاناتِ الكاذبة التي يُقصَد من خلالها أكلُ أموال النّاس ظلمًا وعدوانًا، فنبيّنا -صلى الله عليه وسلم- نهانا عن هذه الأمور كلِّها، وأمرنا أن تكونَ مكاسبنا مكاسبَ ناتجة عن تبادُلِ النافع، ينفع بعضنا بعضًا، ولا يضرّ بعضنا بعضًا.

أسأل الله للجميع التوفيقَ والعون على كلّ خير، وأن يجنّب مكاسبَنا كلّ خبيث، ويجعلنا ممّن اكتفى بما أباح الله له عمّا حرم الله عليه.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَمَا ءاتَـاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَـاكُمْ عَنْهُ فَنتَهُواْ وَتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الحشر:7].

الخطبة الثانية:

الحمدُ لله حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه كما يحبّ ربّنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

أمّا بعد:

فيا أيّها الناس: اتّقوا الله تعالى حقَّ التقوى.

عبادَ الله: كلّما صدق المسلمُ في تعامله وكلّما وضح في تعامله كان ذلك عنوانَ إيمانه وإخلاصه، وكلَّما غشّ وخان كان ذلك عنوانَ نقصِ إيمانِه، فنبيّكم -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من غشّنا فليس منّا".

إنّ الغشّ جريمة نكراء، لا تليق بمؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر، فإنّ المؤمن يحذَر من الغشّ بكلّ صوَره وكلِّ معانيه.

يغشّ فيخفي العيوبَ ويكتمها، يغشّ فيضع شعارًا على السِّلع غير الشّعار الحقيقيّ لها، يغشّ فيدلّس ويخفي العيوبَ ويكتُمها ولا يصدُق في القول، يغشّ فيخبِر عن سلعِه بأشياء والواقع أنّ ما أخبر به ليس بصحيح.

فعليك -أيّها المسلم- أن تتَّقي الله في معاملتِك، وإيّاك واستعمالَ الأيمان الكاذبة لتروِّج بها سلعَك الكاسِدة، فإنّ هذا كبيرة من كبائر الذّنوب، وقال -صلى الله عليه وسلم- في الثلاثة الذين لا يكلِّمهم الله يومَ القيامة ولا يزكِّيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم: "رجلٌ جعل الله بضاعتَه؛ لا يبيع إلاّ بيمينه ولا يشتري إلا بيمينه"، وقال: "الحلفُ منفقةٌ للسّلعة ممحقةٌ للكسب".

فلنتّق الله في تعاملنا وفي بيعنا وشرائنا، ولنصدق ولنراقبِ الله قبل كلّ شيء، أسأل الله للجميع العونَ على كلّ خير.

واعلموا -رحمكم الله- أنّ أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمّد -صلى الله عليه وسلم-، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإنّ يد الله على الجماعة، ومن شذّ شذّ في النار.

وصلّوا -رحمكم الله- على عبد الله ورسوله محمّد كما أمركم بذلك ربّكم، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَـائِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

اللهمّ صلِّ وسلّم وبارك على عبدك ورسولك محمّد، وارض اللهمّ عن خلفائه الراشدين...