البحث
كلمة (المَليك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعيل) بمعنى (فاعل)...
العربية
المؤلف | مصطفى العدوي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - أركان الإيمان |
في خضم الفتن التي تمر بأمة محمد صلى الله عليه وسلم يلزمنا أن نبحث عن مخارج منها.. ومن المخارج من هذه الفتن التي تمر بأمة محمد صلى الله عليه وسلم تقوى الله سبحانه وتعالى وحسن التوكل عليه.. ومن أعظم المخارج من الفتن: حسن التوكل على الله، وحسن الإنابة إليه، وحسن الرجوع إليه، وكذلك الرجوع إلى كتاب الله في الملمات، وكذا إلى سُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلى الفقه في الدين..
الحمد لله الواحد القهار رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله أرسله الله بين يدي الساعة بشيرًا ونذيرًا.. صلوات الله وسلامه عليه وعلى آل بيته ومن سلك طريقه واتبع سنته إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها الإخوة بارك الله فيكم في خضم هذه الفتن التي تمر بأمة محمد صلى الله عليه وسلم يلزمنا أن نبحث عن مخارج منها.. ومن المخارج من هذه الفتن التي تمر بأمة محمد صلى الله عليه وسلم تقوى الله سبحانه وتعالى وحسن التوكل عليه؛ إذ الله قال: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) [الطلاق: 2- 3].
فمن أعظم المخارج من الفتن: حسن التوكل على الله، وحسن الإنابة إليه، وحسن الرجوع إليه، وكذلك الرجوع إلى كتاب الله في الملمات، وكذا إلى سُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلى الفقه في الدين، قد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إني تارك فيكم إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدًا كتاب الله"، فحث على كتاب الله ورغَّب فيه، وقال: "وآل بيتي"، وفي الرواية الأخرى عن الرسول عليه الصلاة والسلام: "إنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور".
فكان لزامًا أن نتجه إلى كتاب الله، وأن نتجه إلى سُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع حسن التوكل على الله سبحانه وتعالى ولزوم التقوى دائمًا وأبدًا. ولنثبت على ديننا مهما كانت الملمات، فإننا أُمرنا على الثبات على الإيمان حتى الممات مهما تغيرت الأحوال ومهما نزلت بنا النوازل.
ولقد قال الله لرسوله الأمين عليه الصلاة والسلام: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر: 99] أي استمر في عبادة الله حتى الموت.. فمهما تبدلت الأمور ومهما تغيرت الأحوال ومهما نزلت النوازل، مهما ذهب رئيس أو جاء رئيس، أو زالت دولة وجاءت دولة، أو ذهب عزيز وجاء آخر، على أية حال يلزمنا أن نستمر على عبادة ربنا حتى تأتينا منيتنا، ونحن نشهد أن لا إله إلا الله ومحمد رسول الله.
ولهذا قال المسيح عليه السلام إذ أنطقه الله في المهد: (إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا) [مريم: 30- 31]، فالأحوال تتبدل والأيام تتداول وتضحك اليوم وتبكي غدًا، وتسعد اليوم وتشقى غدًا، ولكن لا ينبغي أبدًا أن نتنازل عن ديننا أو نتنازل عن وجهتنا وهويتنا ودعوتنا، فنحن مسلمون على أية حال بإذن الله، بل ومؤمنون إن شاء الله ومحسنون لا نتردد في ذلك بإذن الله ولا نرتاب، فلنحرص على ذلك ولا تجرفنا الحياة الدنيا بما فيها من أحداث عن طاعة ربنا وعن عبوديتنا له.
إخواني بارك الله فيكم، وفي هذا المقام أذكر ببعض أصول ديننا وبعض وصايا ربنا التي أوصانا الله بها فنعم الوصايا وصايا أوصانا بها سبحانه وأوصانا بها محمد عليه الصلاة والسلام..
ولقد قال الله تعالى في كتابه الكريم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر: 18]، فانظر ماذا قدمت لغدك؟ ماذا قدمت ليوم لقاء ربك سبحانه وتعالى.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [الحشر: 18- 19].
أذكّر بشيء من وصايا ربنا لنا جمعت في آيات متتابعة متلاصقة من سورة الإسراء حتى يزن كل منا نفسه على هذه النصوص، يقول تعالى ذكره في وصايا من أعز الوصايا (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا) [النساء: 36]، فسطرت الوصايا بالحث على عبادة الله، المتضمنة الطاعة والخضوع لله والاستسلام لله والتحاكم إلى شرع الله.. (وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا) نبذ لكل معبود من دون الله، ونبذ لكل شريعة غير شريعة الله، (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا) [النساء: 36] أطيعوه، اخضعوا له، استسلموا له، إذا أمركم بأمر فامتثلوه، إذا نهاكم عن شيء فانتهوه، إذا احتجتم من شيء سألتموه، إذا وقع بكم ضر سألتموه أن يكشف عنكم الضر، أو حل بكم بلاء سألتموه أن يكشف عنكم البلاء..
اسجدوا له واركعوا، انهضوا له واذبحوا، حجوا إلى بيته وانذروا له، كل ما كان من مقتضيات العبادة أدوها لربكم لا تصرفوا منها شيئًا لغيره، ثم نهي عن عبادة أي مع الله، وعن تقلد أي شريعة غير شريعة الله (وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا) فلا لمذهب هدام، لا لمذهب ليبرالي وعلماني، ولا لمذهب يساري ولا اشتراكي، إنما الوجهة لله والاستسلام لله، والانقياد لله (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا) [النساء: 36]، لا صغير الشرك ولا خفيه لا نرائي بأعمالنا أحدًا غير الله، وكذلك إذا حلفنا فلنحلف بالله، إذا استعنا فلنستعن بالله، علمنا أننا إذا حفظنا الله حفظنا الله.
ثم تتوالى الوصايا ببيان أعظم حق للعباد علينا بعد حق الله ورسوله، قال تعالى: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) [النساء: 36]، فمن ديننا حسن العهد، وأصحاب الحقوق علينا من البشر يلزمنا أن نؤدي لهم حقوقهم، لا يشكر الله من لا يشكر الناس، والذي لا يحسن لوالديه من ثم سيكون جحودًا مع الخلق كلهم، وإن أظهر غير ذلك.
قال تعالى: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) [النساء: 36] أي أحسنوا إلى الوالدين إحسانًا، فأعظم حق بعد حق الله ورسوله حق الوالدين، لذا توالت النصوص المذكرة بذلك (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)[النساء: 36]، (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) [الأنعام: 151].
أي العمل أحب إلى الله يا رسول الله: "الصلاة لوقتها ثم بر الوالدين"، أي الذنب أعظم يا رسول الله "الشرك بالله ثم عقوق الوالدين"، ولا يخفى عليكم أن بر الوالدين سبب من أسباب إجابة الدعاء، إذا كنت بارًّا بوالديك ورفعت يديك إلى السماء "يا رب ارزقني" ترزق "يا رب فرّج كربي" يفرج الله كربك "يا رب نجحني" الله يكرمك سبحانه وتعالى.
فلا يخفى عليكم أن من أعظم أسباب إجابة الدعاء بر الوالدين، والثلاثة الذين انطبقت على فم غارهم صخرة قام أحدهم يتوسل ببره بوالديه الشيخين الكبيرين، وبالمقابل عقوق الوالدين سبب في تخلف دعوتك عن الإجابة تدعو فلا يُستجاب لك لكونك عاقًّا، لكونك ظالمًا لوالديك، لكونك أبكيت الوالدين.
لقد جاء رجل إلى النبي محمد عليه الصلاة والسلام قائلاً: "يا رسول الله أريد الجهاد معك"، هل هناك شيء أفضل من الجهاد مع رسول الله ؟! أبتغي الأجر من الله، قال: "أحيّ والداك" قال: "نعم" قال: "كيف تركتهما" قال "تركتهما يبكيان" قال: "ارجع فأضحكهما كما أبكيتهما" وفي رواية "ففيهما فجاهد" فالوالدين حقهما عظيم.
لقد سمع النبي في رؤى منامية صوت قارئ يقرأ في الجنة فقال: "من هذا الرجل القارئ ؟" قالوا: "يا رسول الله هذا حارثة بن النعمان"، وكان أبر الناس بأمه، قال عليه الصلاة والسلام " فكذاكم البر".
فلا تنسوا هذا الأصل العظيم أصل بر الوالدين، فهما من أوسط أبواب الجنة، بسببهما تدخل الجنة، تدفع عنك المصائب، الأشرار ينصرفون عنك ببرك بوالديك، الأرزاق تستدر لك ببرك لوالديك.
فاحرصوا على هذا الباب العظيم باب بر الوالدين، ربكم الأعلى يقول (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) [النساء: 36]، ويزداد الأمر ببرهما ويزداد الحث على برهما عند كبرهما (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ) [الإسراء: 23] إذا كبر أبوك أو تقدم في السن أمك وأصبحت أمك تخرف أو أصبح أبوك يخرف، أو أصبح أبوك يبول على نفسه مع كبر السن أو يسقط إذا ما أراد القيام.. فلا تتأفف.. إذا تكلم كلمة ولكبر سنه نكس في الخلق فأصبح يهذي بعد أن كان مستقيمًا إذ الله قال: (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ) [يس: 68].
وإذا صدر من أبيك شيء أو صدر من أمك شيء فلا تتقزز ولا تتأفف ولا تقل لهما أف إذا وجدت منهما مع كبرهما شيئًا تكره فلا تتأفف، كم وجد أبواك عند الصغر، كم قامت عليك أمك تغسلك وتطهّرك وتنظفك وكم دارت بك عند الأطباء وهي ترجو سعادتك وترجو شفاءك وهي عند الكبر تحتاج منك إلى شيء من رد الجميل..
وفرق بين جميل وجميل ففي الصغر هي تتمنى لك الشفاء وهي تدور بك عند الأطباء، أما أنت عند كبرهما تتمنى لهما الوفاة اليوم قبل غد (فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا) [الإسراء: 23].
طيب الكلام لا تتأفف لا تظهر تبرمًا وضيقًا في وجههما، بل أظهر لهما كل الخير، لا تعجزهما بمشاكلك، أدخل عليهما كل سرور حتى تحظى بدعوات صالحات منهما، يبارك لك في نفسك، يبارك لك في أهلك، يبارك لك في أولادك (وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) [الإسراء: 23- 24]، فليجعل أحدكم من أوراده ومن دعواته نصيبًا من الدعاء لوالديه (رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ )
ثم قال تعالى: (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) [الإسراء: 24]، لكن نحن بشر قد نتأفف قد نخطئ على الوالدين أحيانًا في خطأ صدر منهما لكن ربنا يعلم أنى نحبهما ولا نريد الإهانة لهما، ومن ثَم فتح باب التوبة أمام من ذلت قدمه مع أبويه أو مع أحدهما قال تعالى: (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ) [الإسراء: 25] أي إذا زلت أقدامكم فإنه كان للأوابين غفورًا، كان للراجعين غفورًا، قد يخطئ والداك لكبر سنه ولقلة تفكيره فتغضب عليه، وربنا يعلم ما في نفسك أنك لا تريد إهانة للوالدين فزلت قدمك فبادر بالتوبة وبادر بالأوبة إلى الله كما قال تعالى (إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا) [الإسراء: 25].
وبعد الوالدين ينتقل الأمر إلى الإحسان بالأرحام (وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ) [الإسراء: 26] فأقربائك لهم عليك حق (وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ) عمك، عمتك، خالك، خالتك، أبناء العم، أبناء الخال، وكذلك بنات العم وبنات الخال، فكل الأقارب لهم عليك حق فلا تتنكر لأقربائك.
إذا كنت ذوي الوجهات أو من ذوي الثراء أو من ذوي الشرف لا تتنكر لأبويك ولا لعشيرتك.
إن يوسف الصديق لما أتاه الله قدرًا كبيرًا من الملك قال لإخوته: (اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ) [يوسف: 93]، آتوني بالأسرة كلها، بالأقارب كلهم، فأتوا جميعًا خرج يستقبلهم على مشارف مصر مرحبًا مهتمًا قائلاً (ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ) [يوسف: 99] فلم يستنكر لهما لكونه أوتي منصبًا بل (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ) [يوسف: 100] أجلسهما على أعلى سرير للملك (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ) هكذا إكرام العشيرة فربكم يقول (وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ) قريب لك عليه حق قد تكون غنيًّا في أسرة وربنا ساق لك الغنى حتى تكرم بك الأسرة وحتى تكرم بك العائلة وإن تنحيت سلبت عنك نعم الله..
قد تكون من ذوي الواجهات لخدمة أهلك وخدمة عشيرتك وخدمة بلدك وخدمة أصدقائك، فاشكر نعمة الله، وقابلها بالشكر والإحسان إلى الخلق بعد شكر الخالق سبحانه (وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ) [الإسراء: 26].
وأمك وأباك وأختك وأخاك ثم أدناك أدناك، هكذا في الحديث "أمك وأباك أختك وأخاك ثم أدناك أدناك "، لا تكن فظًّا غليظًا على أخواتك تشتم هذه، وتضرب هذه، وتسلب أموالها، وتسلب الولد الآخر أخاك ماله، بل كن كريمًا محسنًا ولن يضيعك الله، ما دمت كريمًا ما دمت محسنًا.
(وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ) أيضًا له حق (وَابْنَ السَّبِيلِ) المسافر المجتاز له حق، ولكن (وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا)، فنتعلم من ديننا الاقتصاد لا إسراف ولا تقتير، لا بخل ولا تبذير، فالمبذر مذموم وأخ للشياطين والمقتر كذلك لا يحبه الله وأي داء أدوى من البخل كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام.
فكن وسطًا في أمورك، لا تظن أن بتبذيرك تكون كريمًا بل أنت أخ للشياطين، ولا تظن أنك ببخلك تعيش سعيدًا، بل أنت ملوم من الخلق محسور كذلك، قال تعالى في هذه الآيات: (وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا * وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا) [الإسراء: 26- 28] يعني إن أردت ألا تعطي الأقارب شيئًا لضيق ذات اليد أو انتظارًا لفرج الله، فكن طيب القول، قل: إذا وسع الله عليَّ إن شاء الله سأوسع عليكم.
قد تعطيه عشرة جنيهات وهي قليلة، لكن أتبعها بطيب القول، اقبل مني عذري، خذ هذا المبلغ، سامحني على التقصير، إن وسع الله عليَّ بإذن الله ستجد مني كل خير... تلطف معه كأنك أنت الآخذ وهو العاطي وهو المعطي بإذن الله، قال تعالى: (وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا) [الإسراء: 28] قولاً طيبًا سمحًا، فهذا القول الطيب ترضى به النفوس الآبية، ترضى به رضا أكثر من المال.
لقد أعطى النبي أصحابًا له أموالاً وترك صحابيًّا جليلاً طيبًا يقال له "عمرو بن تغلب" فوجد عمرو في نفسه لما لم يعطيه النبي عليه الصلاة والسلام !! ولكنه لم يبرز هذا الذي في نفسه على لسانه إلى أن قام النبي في الناس خطيبًا، وقال: "يا أيها الناس إني أُعطى أقواماً أتألفهم وأكل أقواماً إلى ما في قلوبهم من الخير منهم عمرو بن تغلب"، قال عمرو بن تغلب: "والله لكلمة رسول الله أحب إليّ من حمر النعم" إذا كان قد أعطاني أعدادًا من أفضل الإبل ما سعدت بها كسعادتي بكلمة رسول الله، وقد قال الله تعالى: (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ) [البقرة: 236].
(وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا) [الإسراء: 28] أحسن أيها الأخ الكريم إلى أختك إلى ابن عمك إلى ابنة عمتك إلى الأقارب عمومًا، وكل الإكرام بالقول الطيب الحسن..
ثم قال تعالى (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ) لا تكن بخيلاً (وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ) لا تكن مبذرا (فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا) [الإسراء: 29] مذمومًا من الخلق على بخلك، محسورًا على ضياع أموالك، متحسرًا متأسفًا..
(إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا) [الإسراء: 30] فهكذا في ديننا نتعلم الاقتصاد لا بخل ولا تبذير (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا) حتى في المحبة والبغض؛ أحبب حبيبك هونًا ما عسى أن يكون بغيضك يومًا ما، وأبغض بغيضك هونًا ما عسى أن يكون حبيبك يومًا ما..
لا تغالِ في حب شخص وتفشي له بكل سرك غدًا قد ينقلب إلى عدو، فيضرك غاية الضرر، لا تغالِ في حب فتاة غدًا تتمرد عليك، وتفشي كل أسرارك وتفضحك وأنت تتحسر.
وفي كل الأوقات كن مقتصدًا في القول مقتصدًا في النوم مقتصدًا لا تنم كثيرًا، نم نومًا متوسطًا لا تنم نومًا طويلاً، ولا تنم نومًا قليلاً مضرًّا، توسط في كل الأمور..
في الأكل توسط، في الكلام توسط، في الجماع توسط، في النوم توسط، في مخالطة الناس توسط، لا تجلس مع كل الناس في كل الأوقات، لك على نفسك حق، في أهلك عليك حق، لربك عليك حق، لضيفك عليك حق، فكن مقتصدًا عاقلاً في كل الأمور يكن فيها توسط فنحن أمة وسط.
قال تعالى: (فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا) ثم قال تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ) [الإسراء: 31] كان هذا في الجاهلية وسار على درب أهل الجاهلية ناس في أزماننا، في الجاهلية كان أحدهم يقتل الولد خشية أن يطعم معه، في أزماننا يحدد النسل خشية الفقر..
وفي الآية الأخرى (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ) خشية فقر (نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا)[الإسراء: 31].
(وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا) نُهينا عن الزنا من مجرد الاقتراب، فالاقتراب من خطوات الشيطان، وكما قال القائل: نظرة فابتسام فموعد فلقاء..
لقد سُدت كل السبل الموصلة إلى هذه الفاحشة التي تنكد على الشخص في دنياه وفي آخرته، هذه الفاحشة التي تتسبب في قطع الأرحام واختلاط الأنساب، هذه الفاحشة التي تتسبب في حروق الفروج بالنار، لقد قال عليه الصلاة والسلام: "رأيت رجلاً ونساء عراة في مثل التنور يأتيهم لهب فيحرق فروجهم، قلت من هؤلاء؟ قيل هؤلاء الزناة والزواني من أمتك"، لهب يأتي يحرق تلك الفروج التي استمتعت بها في الحرام، فيا لها من خسارة حلت بسبب لذة في ثوانِ وانقضت، لكن صاحبها شؤم المعصية، صاحبها الفقر والنكد، صاحبها الخراب والدمار، صاحبها العار والشنار يوم القيامة فضلاً عن الحياة الدنيا.
فلا تقترب من هذه القاذورات، لا تقترب بل ابتعد عنها تمام الابتعاد، بداية بغض البصر لا ترسل البصر فإن معظم النار من مستصغر الشرر، وكما قال القائل:
يا راميا بسهام اللحظ مجتهدا | أنت القتيل بما ترمي فلا تصب |
يعني يا من يرمي ببصره إلى محارم حرمها الله عليه يا راميًا بسهام اللحظ مجتهدًا.. انتبه إذا سدّدت البصر إنما تسدد سهمًا إلى قلبك يفتك به، فإذا ركزت البصر ركزت السهم إلى قلبك..
يا راميا بسهام اللحظ مجتهدا | أنت القتيل بما ترمي فلا تصب |
اتق الله ولا تسدد البصر، فإنك ستدمر نفسك وستدمر قلبك، فغض البصر أمرنا الله به سدا لهذه الذريعة الموصلة للفاحشة (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ) [النور: 30] (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ) [النور: 31].
مصافحة الفتيات والنساء ذلك الذي يؤدي إلى الشر والفساد فـ"لئن يطعن أحدكم في مخيط من حديد في رأسه خيرًا له من أن يمس امرأة لا تحل له ".
الخلوة بالمرأة محرمة تلك الخلوة "لا يخلون رجل بامرأة فإن ثالثهما الشيطان" خضوع المرأة بالقول وتبرجها وسفرها بلا محرم كل ذلك يؤدي إلى الفاحشة ولذا نُهيت المرأة عنه.
خروجها الكثير بلا فائدة ولا ضرورة يرديها (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ) [الأحزاب: 33] كل سبيل يؤدي إلى تلك الفاحشة سد أمامنا حتى لا نقع في الفاحشة التي تسبب لنا نارًا وشنارًا وعارًا ودمارًا، فضلاً عن سقوط هيبتك في النفس، وكما أنك لا ترضى الزنا لنفسك لا ترضى الزنا لأختك ولا لأمك فكذلك حافظ على بنات الناس لا تكن ذئبًا من الذئاب الضارية فما تصنعه سيحل بك في ذريتك وفي قريباتك وكما تدين تدان.
ففكر قبل أن تقدم فإنك تدمر نفسك والأرزاق تنقطع عنك، قال تعالى (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا) [الإسراء: 32] ساء طريقًا.. (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا) [الإسراء: 33] احذروا من هذه الجريمة الشنعاء، قتل النفس الذي يدمر عليك آخرتك؛ إذ الله قال: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء: 93].
لقد نُهينا من كل سبيل يؤدي إلى القتل، لا تباغضوا، لا تحاسدوا، لا تدابروا، لا يحمل أحدكم على أخيه السلاح، "من حمل علينا السلاح فليس منا"، "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر"، (وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا) [الحجرات: 12]، فكل ما من شأنه أن يوصل إلى القتل سد علينا (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) [الحجرات: 10]، (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا) [الإسراء: 33] أي جعلنا له سبيلاً لقتل القاتل: (فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا) لا يقتل غير القاتل، لا تقتل اثنين بواحد، لا تمثل بالقتيل. فهي ثلاثة أمور في تفسير الإسراف في القتل "لا تقتل غير القاتل، لا تقتل اثنان بواحد، لا تمثل بالمقتول" (إِنَّهُ) أي أولياء الدم إن سلكوا هذا السبيل (إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا).
وتحذير من الاقتراب من مال اليتيم إذ الله قال: (وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [الأنعام: 152] كاستثماره في الأيتام (وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) [الإسراء: 34]، (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا) [الإسراء: 34] حتى العهد مع الكفار يلزمك الوفاء به، لا تظن أنه لكونه كافرًا أنك تعاهد وتغدر كلا، فحرام عليك أن تعاهد حتى الكافر فضلاً عن المسلم عهدًا ثم تغدر به.
إن النبي عليه الصلاة والسلام قال: "يُنصَب لكل غادر لواء يوم القيامة عند استه" يعني علم موضوع عند دبرك مكتوب عليه كفضيحة لك "هذه غدرة فلان بن فلان"، ولقد قال الله تعالى: (إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) [التوبة: 4]، ثم قال تعالى: (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا) [الأنعام: 152] في آيات مشابهة من سورة الأنعام ويقول: (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) [الإسراء: 35]، فلا تكن غشاشًا بأي جانب من الجوانب لا في البيع ولا في الشراء ولا في غير ذلك ولا تبخس الناس حقوقهم..
ثم تختم الآيات بقوله تعالى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) لا تتكلم فيما لا علم لك به، لا تخض مع الخائضين، لا لكون الناس يتكلمون تتكلم، بل كن عاقلاً (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) [الإسراء: 36] جرت العادة في بلادنا أن الكل يحب الكلام، أكثر الناس يحب الكلام فيما يعلمون وفيما لا يعلمون، ففي السياسة تجد الشخص منهم سياسيًّا بارعًا، في الطب تجده طبيبًا، في التدريس تجده مدرسًا، في العلم الشرعي يتكلم ولا يبالي ويفتي ولا يبالي، فكل هذا مذموم..
إنما الذي تجيده واستدعى المقام وجوده فتكلم به وإلا فاسكت يا أخي "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت"، إنك إذا تكلمت كثيرًا سقطت هيبتك في الناس وعرضت نفسك للخطر، وعرضت نفسك للزلل وما استفاد الناس منك.. لكن إذا كنت عاقلاً تتكلم بقدر على قدر الحاجة استمع لك الناس وأنصتوا لك لمعرفتهم بقيمة كلامك، أما إذا كنت ثرثارًا فكثرة الكلام يُنسي بعضه بعضًا.
(وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) [الإسراء: 36] لا تقل رأيت وأنت لم تر، لا تقل سمعت وأنت لم تسمع، كذلك فاعلم أنك ستُسأل عن بصرك وعن سمعك فنحن عبيد لسنا أحرارًا لسنا ديمقراطيين، إنما نحن عبيد، عبيد لمن ؟ لخالقنا..
الديمقراطي يقول أنا حر أسمع ما أريد، لكن أنا المسلم: أنا عبد لا أسمع إلا ما أمرني الله بالاستماع إليه، لا أسمع فحش القول ولا أنصت إلى بذيء القول ..
الديمقراطي يقول: أنا حر أنظر إلى ما أريد، أما المسلم فيقول: أنا عبد لا أنظر إلى الحرام، ربي قال: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ) [النور: 30]، فأنا عبد لربي لست عبدًا لأحد، عبد لله خالقي الذي أمرني أأتمر لأمره والذي نهاني أنتهي بنهيه.. لست عبدًا لهوي، لست عبدا لشهواتي، شهواتي إن كانت حلالاً أمضيتها وإن كانت شهواتي حرامًا (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) [النازعات: 40- 41]، قال تعالى: (ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا) نهينا عن الشرك مرة أخرى (وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا) [الإسراء: 39].
ألا فاستغفروا ربكم إنه غفور رحيم..
الخطبة الثانية:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد...
فعودًا على بدء أقول مستعينًا بالله، في خضم الفتن والأحداث التي تمر بنا يلزمنا أن نثبت على ديننا، ومن أسباب ذلك وأعظمها أن نسأل الله الثبات، فقد كان نبينكم عليه الصلاة والسلام وهو سيد ولد آدم يقول: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك"، هل جعلتموها من أورادكم؟!
لقد كان النبي يقسم وكانت أكثر يمينًا له "يا مقلب القلوب" إشارة أن الشخص يتقلب قلبه ويقلبه الله.
وفي الحديث: "ما من قلب إلا وهو بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء"، فاسألوا الله الثبات على الإيمان حتى لا تتقلب القلوب، اسألوه الهداية..
إن أهل الإيمان يقولون: (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)[آل عمران: 7]، إن الخليل إبراهيم يقول: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ) [إبراهيم: 35] الخليل يدعو بذلك ويقول: (وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا) [الأنعام: 80] ويسأل الثبات (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) [إبراهيم: 40].
إبراهيم عليه السلام يقول ذلك وهو إمام التوحيد، وهو المصلي الخاشع العابد، الأمة، القائد يقول (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) [إبراهيم: 40] أي يا ربي ثبتي على إقامة الصلاة وثبت ذريتي على إقامة الصلاة، علم أن الثابت من ثبته الله، فلا تنسوا هذه الأدعية الثابتة في كتاب الله والثابتة في سنة رسول الله.
إن الأنبياء من قبلنا وأهل الإيمان من قبلنا أيضًا كله يخشى على نفسه النفاق، إن شعيب يقول: (وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) [الأعراف: 89]، فكونوا على وجل من زلات الأقدام ولا يغرنكم بالله الغرور وكما قال ربكم: (اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ) [الحشر: 18- 19] لا تنس الله ولا تنس ذِكْره ولا تنس طاعته فتنسى نفسك وتهلك مع الهالكين عياذًا بالله من ذلك.
أيها الإخوة: وختامًا نحن في شهر كريم شهر رجب من الأشهر الحرم، ولقد قال تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) [التوبة: 36]، بينها النبي بقوله: "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض السنة اثني عشر شهرًا منها أربعة حرم ثلاثة متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان " رجب من قبيلة مضر التي كانت تحافظ عليه لا تقدمه ولا تؤخره.
قال تعالى: (فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) قيل لا تظلموها بالمعاصي وقيل المراد بالأنفس إخوانكم فالمؤمنون نفس واحدة فلا يليق بك أن تظلم نفسك ولا تظلم غيرك، لا يليق بك هذا في الأشهر الحرم على وجه الخصوص.
ها هو شهر رجب من الأشهر الحرم، فهل آن الأوان لقاطع الرحم أن يصلها ؟! هل آن الأوان لعاق لوالديه أن يبرهما؟! هل آن الأوان لتارك الصلاة أن يصلي؟! هل آن الأوان لمغتاب يغتاب المسلمين والمسلمات أن يقف عن اغتيابه؟ هل آن الأوان لآكل أموال الناس بالباطل أن يرد للناس الأموال؟ فعلى كل ظالم أن يراجع نفسه فالظلم ظلمات يوم القيامة، ظلمات عند المرور على الصراط فتزل الأقدام فتسقط في النار والعياذ بالله.
يا ربنا ثبتنا على الإيمان والإسلام إلى حتى نلقاك.. اللهم خذ بأيدينا ونواصينا للبر والتقوى..