الحميد
(الحمد) في اللغة هو الثناء، والفرقُ بينه وبين (الشكر): أن (الحمد)...
العربية
المؤلف | أحمد عبدالرحمن الزومان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب |
كما أسلفت في أول حديثي, أنه كثر في هذه الأيام الكلام على المذاهب الأربعة, والدعوة إلى تدريسها في المملكة, فما المقصد من تلك الدعوات؟
فحتى يكون الكلام دقيقا, فهذا لقاء في إحدى الصحف اليومية, في الأربعاء 30 صفر 1430هـ يبين الهدف من هذه الدعوات ...
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل الله فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران:102] ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1] (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71]
أما بعد:
نسمع هذه الأيام كلاماً حول المذاهب الأربعة, وأحاول في هذه الخطبة أن أبين نشأة هذه المذاهب, وهل هذه البلاد تتبنى المذهب الحنبلي؟
وما هو الموقف عند اختلاف العلماء؟
وماذا يريد من يدعو إلى تدريس المذاهب الأربعة ؟
فأقول في العهد المدني بدأ تشريع أكثر الأحكام الفرعية, والنبي صلى الله عليه وسلم ينزل عليه القرآن, ويبيِّن مراد الله منه, فيبين مجمله, فمثلا الصلاة والزكاة والصيام والحج وردت في كتاب الله مجملة, فبينها النبي صلى الله عليه وسلم, ويُسْأل عن بعض الحوادث, فربما لم يعلم الحكم, فيتوقف حتى ينزل الوحي عليه في هذه الحادثة, وربما أفتى بعض كبار الصحابة من حفاظ القرآن والسنة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي عهد الخلفاء الراشدين حينما تَسْتَجِدُّ بعضُ القضايا, يجمعون لها أهل العلم من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم, ويحكمون بهذه النازلة.
ثم بعد تفرق الصحابة في الأمصار, وكان لهم طلاب تتلمذوا عليهم حملوا فقههم.
ففي عهد التابعين بدأت تظهر ملامحُ مدرسةِ أهل الرأي في الكوفة في العراق, التي اعتمادها على النظر أكثر من الأثر؛ لأسباب عدة ليس المقام مقام بيانها, و من أبرز تلاميذ هذه المدرسة: الإمام أبو حنيفة, وصاحباه, أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري, ومحمد بن الحسن الشيباني.
وظهرت مدرسة أهل الحديث في الحجاز, وهذه المدرسة تعنى بالأثر, فتعنى بالحديث وبفتاوى الصحابة, و يمثِّل هذه المدرسة الأئمةُ مالكٌ والشافعيُّ وأحمدُ, وكان منهج هؤلاء الأئمة الأربعة ـ كما سيأتي ـ و غيرهم من مشايخهم، هو البحث عن الحق بدليله، ومتى ما تبين الحق لهم, رجعوا إليه؛ فلذا تجد لبعضهم، أكثر من رواية في المسألة الواحدة.
ثم بعد قرون حصل التعصب المذهبي الفقهي, وشتت هذا التعصبُ الأمةَ, وجعلها أحزابا وشِيَعًا.
ثم بعد ذلك في القرن السابع الهجري بدأت الدعوة إلى نبذ التعصب المذهبي, وإتباع الحق متى ما ظهر, وبعد قرون آتت هذه الدعوة ثمارها, فيما نشاهده من الحرص على إتباع الدليل في جُلِّ بلاد المسلمين.
عباد الله, ما يتلقاه أبناؤنا الطلاب والطالبات في مدارس التعليم العام, من علوم شرعية, بما في ذلك الفقه, إنما هو ما يوافق دلالة الكتاب والسنة غير مقيدٍ بمذهب الحنابلة.
فمثلاً: في كتاب الفقه, للصف الخامس الابتدائي, الفصل الأول [ص: 96] يجوز أن يُصلِّيَ بالتيمُّم أكثرَ من فريضة. وهو خلاف الصحيح من مذهب الحنابلة.
فالصحيح عندهم عدم صحة الصلاة؛ لأن من مبطلات التيمم عندهم: خروج الوقت, انظر: الإنصاف (1/294)
وفي كتاب الفقه للصف السادس الابتدائي، فصل أول [ص: 93]: "أقل الجماعة للجمعة ثلاثة: الإمام, واثنان معه".
و هذا خلاف الصحيح من مذهب الحنابلة, فهم يشترطون لصحة الجمعة حضور أربعين. انظر: الإنصاف (2/378).
وفي كتاب الفقه للصف الأول المتوسط [ص: 13]: "إذا زالت النجاسة بأي شيء، طَهُر المحلُّ النجس".
والصحيح عند الحنابلة, أنه لا يجوز إزالة النجاسة إلا بالماء. انظر: الإنصاف (1/309)
وورد في كتاب الفقه للصف الثالث المتوسط [ص:90]: " أن جِلْدَ الميتة من الحيوانات المباحة الأكل يطهر بالدباغ".
وهو خلاف مذهب الحنابلة، فلا يطهر بالدباغ عندهم. انظر: الإنصاف (1/86)
فيتعلم الطلاب والطالبات منذ الصغر القول الراجح الذي تدل عليه الأدلة, وافق مذهب الحنابلة, أو خالفه, وحينما يتقدم الطالب والطالبة ويصلان لمرحلة النضج، يبدأ التوجيه بإتباع الدليل من الكتاب والسنة في المسائل الشرعية, والتحذير من التعصُّب لرأي الرجال.
فمثلا: جاء في كتاب الفقه للصف الثالث الثانوي, قسم علوم طبيعية [ص: 24]:"وقوع الخطأ من بعض العلماء، يدل على أن التعظيم يكون للنصوص الشرعية, لا للأشخاص. فكلٌ يُؤخذ من قوله و يرد، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز لنا التعصب لقول أحد من العلماء، ونحن نعلم أن الحق مع العالِم الآخر.
فالعالم الذي أخطأ معذور مأجور، و لكن لا يعني ذلك أن نتابعه على خطئه, أو نتعصب له, ونلوي النصوص من أجل تصحيح قوله.أهـ
ففي التعليم العام يتربى الطلاب والطالبات على العمل بما دلت عليه النصوص الشرعية, بغض النظر وافقت مذهب الحنابلة أو خالفته, يتربون تربية عملية و قولية.
أما التعليم الجامعي, خصوصا التخصصات الشرعية, فيدرس الطالب في مادة الحديث القول الراجح, الذي دل عليه الدليل.
أما في الفقه فيقرر كتاب من كتب الحنابلة, لكن أستاذ المادة يشير إلى اختياره, إذا كان قول صاحب الكتاب يخالف الدليل.
أقول ذلك؛ لأنني تخرجت من هذه الكليات, فما راءٍ كمن سمعا.
وفي الدراسات العليا يوجد تخصص فقه مقارن.
وكذلك الدروس التي تدرس في مساجدنا في كافة فنون الشريعة, كلها الأصل فيها أنها تعلم الطلاب القول الراجح بدليله.
وعلى ذلك المنهج مشى عليه علماؤنا المعاصرون, الأحياء والأموات, ومن لديه أدنى إلمام بفتاوى واختيارات علمائنا, كابن عبد الوهاب, وابن سعدي, و ابن باز, و ابن عثيمين, وغيرهم من الأحياء و الأموات- رحم الله الجميع- يعلم أن الفتوى في هذه البلاد على القول الراجح, لا على مذهب الحنابلة.
فعلماؤنا انتفعوا بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية, وتلميذه ابن القيم, وهما رائدا الدعوة إلى نبذ التعصب المذهبي، والعمل بمقتضى الدليل.
ومن حسنات الملك عبد العزيز- رحمه الله- حينما حكم مكة, جمع المسلمين في المسجد الحرام على إمام واحد, وكانوا قبل ذلك كل أتباع مذهب من المذاهب الأربعة يصلون وحدهم.
الخطبة الثانية
حين يختلف العلماء العاملون في مسألة من المسائل, يجب البحث عن حكم الله في أحد الأقوال, فالمصيب واحد, والكل مأجور, يقول تبارك وتعالى: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ) [سورة الشورى: 10], ويقول سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) [سورة النساء: 59].
فمن كان عنده أهلية النظر في الأدلة الشرعية, وجب عليه البحث عن الحق, وترجيح الراجح.
أما من لا يملك ذلك, فيقلّد من استوفى شروط الاجتهاد, وعرف بدينه, فمثله يوفق للحق.
وبهذا أمر أهل العلم من الأئمة الأربعة وغيرهم, فأئمة الهدى يحثون أتباعهم حين الاختلاف إلى الرجوع إلى دلالة الكتاب والسنة, وطرح أقوالهم التي تخالف ذلك, ومن كان أهلا للنظر فلينظر في الأدلة, ويعمل بمقتضاها.
قال علي القاري في تزيين العبارة [ص :67]: قال الإمام الأعظم أبو حنيفة: لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا, ما لم يعرف مأخذه من الكتاب أو السنة, أو إجماع الأمة, أو قياس جلي في المسألة ... وإذا عرفت هذا, فاعلم أنه لو لم يكن نص للإمام على المرام, لكان من المتعين على أتباعه الكرام - فضلا عن العوام - أن يعملوا بما صحح عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أهـ .
وقال الإمام مالك: " إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي, فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوا به, وكل ما لم يوافق ذلك فاتركوه".
وقال: انظر: الموافقات (4/289). وقال النووي في المجموع (1/63): " صحّ عن الإمام الشافعي- رحمه الله- أنه قال:
وروي عنه: إذا صح الحديث خلاف قولي, فاعملوا بالحديث, واتركوا قولي. أو قال: فهو مذهبي. وروي هذا المعنى بألفاظ مختلفة، وقد عمل بهذا أصحابنا".
وقال الإمام أحمد: " لا تقلدني, ولا تقلد مالكا, ولا الثوري, ولا الأوزاعي, وخذ من حيث أخذوا. وقال: من قلة فقه الرجل, أن يقلد دينه الرجال". انظر: إعلام الموقعين (2/201).
أما ما يظنه البعض أنه مع وجود الخلاف فإنه يسوغ لكل شخص أن يختار ما يشتهيه من الأقوال, ويتتبع رخص الفقهاء, أو أنه يجوز للمفتي أن يتخير من أقوال أهل العلم بالهوى, فلم يقل بجواز ذلك أحد من علماء الأئمة.
قال إسماعيل بن إسحاق, القاضي المالكي: " من جمع زلل العلماء, ثم أخذ بها, ذهب دينه". وقال سليمان التيمي: " لو أخذت برخصة كل عالم, اجتمع فيك الشرُّ كله.
قال ابن عبد البر في جامع بيان العلم (2/91) معقباً على قوله: هذا إجماع لا أعلم فيه خلافا. ا هـ
وقال ابن حجر الهيتمي في الفتاوى الكبرى (4/304) في زوائد الروضة: " أنَّه لا يجوز للمفتي والعامل أن يفتي, أو يعمل بما شاء من القولين, أو الوجهين, من غير نظر".
قال:" وهذا لا خلاف فيه. وسبقه إلى حكاية الإجماع فيهما, ابن الصلاح والباجي من المالكية في المفتي" اهـ
كما أسلفت في أول حديثي, أنه كثر في هذه الأيام الكلام على المذاهب الأربعة, والدعوة إلى تدريسها في المملكة, فما المقصد من تلك الدعوات؟
فحتى يكون الكلام دقيقا, فهذا لقاء في إحدى الصحف اليومية, في الأربعاء 30 صفر 1430هـ يبين الهدف من هذه الدعوات.
فمما جاء في هذا اللقاء؛ تعليلا لهذه الدعوى- أذكر مواطن الشاهد منه-: " لنحصل على انفراجات في أحكام فقهية كثيرة، خاصة فيما يتعلق بالأحوال الشخصية للمرأة... دخول المذاهب الأربعة ... ستخفف كثيراً من قضايا التطرف والغلو, خصوصاً فيما يتعلق بالمرأة، فمثلاً: الأحناف يرون أن للمرأة الولاية على نفسها, وأولادها, ولها الحق أن تزوج نفسها وغيرها ... الإمام أحمد، قد عُرف عنه التشدد, وتلامذته أشد منه- وللأسف أن بعض الفقهاء والقضاة يميلون لهذا الجانب- ونحن لدينا غلو في سد الذرائع, حتى أصبحنا نحرّم ما أباح الله.
فمثلاً:
رياضة المرأة, البعض يمنعها, ويحرمها من باب سد الذرائع | الأئمة الأربعة أهل علم وفكر, ونحن أهل علم وفكر تلميذ ابن حنبل هو من شرع غطاء وجه المرأة" اهـ |
إذاً الغرض من هذه الدعوة, هي دعوى قديمة, وهي دعوة للاختيار من مذاهب الفقهاء ما يوافق الأهواء, وقد تبين لنا بطلان هذه الدعوى، وأنها تخالف كتاب الله, وإجماع الأمة.
والمقصد من النقل هو: بيان المقصد من هذه الدعوى, لا الرد على ما فيه من أخطاء ومغالطات.
وقال: " ليس كل ما قال الرجل- وإن كان فاضلا- يتبع, ويجعل سنة, ويذهب به إلى الأمصار". انظر: الموافقات (4/289).
وقال النووي في المجموع (1/63): " صحّ عن الإمام الشافعي- رحمه الله- أنه قال: إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقولوا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم, ودعوا قولي.