الكبير
كلمة (كبير) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، وهي من الكِبَر الذي...
العربية
المؤلف | أحمد شريف النعسان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب |
أيها الإخوة: شوارع المسلمين وأسواق المسلمين والحدائق العامة مليئة بالنساء السافرات المتبرِّجات, هؤلاء النسوة بنات من؟ زوجات من؟ أليس هذا من الفساد؟ فهل من تائب إلى الله -تعالى- من ذلك عسى الله أن يكشف عنا ما نحن فيه؟....
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فيا عباد الله: يقول الله -تبارك وتعالى-: (لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ) [النجم: 58].
إن ما تمرُّ به الأمة العربية والإسلامية من شدَّة وضيق، وسفك للدماء، وفوضى؛ شيء عظيم, ولا يكشف هذا عن الأمة إلا الله -تعالى- القائل: (لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ كَاشِفَة) [النجم: 58].
ولا شك بأن كلام الله -تعالى- لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلقه, قال تعالى: (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً) [النساء: 122].
أيها الإخوة الكرام: ما دام يقيننا بأن الذي يكشف عن الأمة ما هي فيه هو الله, فلا بد من أن نتوب إلى الله -تعالى- نحن أولاً, نحن الذين نعيش هذا الضنك والضيق وحياة الشقاء.
يجب علينا أن نطالب أنفسنا بالتوبة إلى الله من الفساد, بعد أن طالبنا الحكومة بحقوقنا وبمحاربة الفساد, يجب علينا أن نتوب نحن أولاً من الفساد قبل أن نأمر الآخرين بذلك؛ لأن الله -تعالى- يقول: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ) [البقرة: 44].
يجب علينا أن نتوب إلى الله من الفساد الذي لا يحتاج إلى صدور مرسوم ولا قرار من الحكومة فيه؛ لأنه بوسعنا جميعاً.
أولاً: أخاطب الإخوة المزارعين -أيها الإخوة المزارعون-: توبوا إلى الله -تعالى- من الفساد الربوي الذي سبب غور الماء في الأرض, وحبس قطر السماء, ألم يقل مولانا -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ) [البقرة: 278 - 279]؟
ومن صور حرب الله -تعالى-: أن يجعل الماء يغور في الأرض, ويحبس قطر السماء, فهل من تائب إلى الله -تعالى- من القروض الربوية, عسى أن يكشف الله عنا ما نحن فيه؟
ومن صور القروض الربوية: ما يفعله أهل سوق الهال من قروض يقدِّمونها للمزارعين بشرط إنزال البضائع عندهم, وكلُّ قرض جرَّ نفعاً فهو رباً, فهل من تائب من ذلك, عسى الله أن يكشف عنا ما نحن فيه؟
أيها الإخوة المزارعون: إن أراضي الإصلاح ليست ملكاً شرعياً لكم؛ لأنها ما كانت ملكاً لآبائكم ولا لأجدادكم, ولكن أُخذت عنوة من يد أصحابها وأعطيت للأجداد, ومن الأجداد إلى الأبناء, وهكذا, أراضي الإصلاح التي تحت أيديكم هي ليست ملكاً لكم, هي أراضٍ مغتصبة, فهل من تائب إلى الله -تعالى- من ذلك عسى الله أن يكشف عنا ما نحن فيه؟
أيها الإخوة المزارعون: وزِّعوا الأراضي التي تملكونها ملكاً شرعياً على مستحقيها من الوارثين إذا مات مورث لكم, لماذا تحرمون النساء من حقوقهنَّ من تركة مورِّثهنَّ؟ فهل من تائب إلى الله -تعالى- من ذلك عسى الله أن يكشف عنا ما نحن فيه؟
ثانياً: أخاطب الإخوة التجار -أيها الإخوة التجار -وخاصة أصحاب الملابس النسائية- توبوا إلى الله -تعالى- من عرض الملابس النسائية على الأصنام والتماثيل, وخاصة الألبسة الداخلية, واعلموا بأن الرزق بيد الله -عز وجل-, وكونوا على يقين بأن عرض الملابس على هذه الأصنام لن يزيد في رزقكم, وعدم عرضها لن ينقض من رزقكم, وتذكروا قول الله -تعالى-: (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) [الزخرف: 32].
وتذكَّروا قول الله -تعالى-: (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِين) [هود: 6].
أيها الإخوة التجار: عرض صور النساء على أبواب محلاتكم ما هي الغاية منه؟
إن تمزيق هذه الصور, وتحطيم هذه الأصنام لا يحتاج إلى صدور قرار من الحكومة, أليس هذا العرض من الفساد في المجتمع؟ فهل من تائب إلى الله -عز وجل- من ذلك عسى الله أن يكشف عنا ما نحن فيه؟
أخاطب أولياء البنات -أيها الإخوة الكرام- يا أولياء أمور البنات والنساء: توبوا إلى الله -تعالى- من تقصيركم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في بتوتكم, وأنتم تشاهدون المخالفات الشرعية في البيوت.
أيها الإخوة: شوارع المسلمين وأسواق المسلمين والحدائق العامة مليئة بالنساء السافرات المتبرِّجات, هؤلاء النسوة بنات من؟ زوجات من؟ أليس هذا من الفساد؟ فهل من تائب إلى الله -تعالى- من ذلك عسى الله أن يكشف عنا ما نحن فيه؟
أخاطب الجميع -أيها الإخوة الكرام-: أخاطب كلَّ فرد فينا بقوله تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور: 31] فهل من تائب إلى الله -تعالى- من الخمر؟ وهل من تائب إلى الله -تعالى- من الميسر؟ وهل من تائب إلى الله -تعالى- من أكل الحرام؟ وهل من تائب إلى الله -تعالى- من عقوق الوالدين؟ وهل من تائب إلى الله -تعالى- من قطيعة الرحم؟ وهل من تائب إلى الله -تعالى- من الحقد والحسد والبغضاء؟
يا عباد الله: إن هذه الذنوب والمخالفات الشرعية سببٌ عظيم في دمار الأمة, قال تعالى: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) [الإسراء: 16].
يا عباد الله: إن وعد الله -تعالى- لا يخلف, مستحيل وألف مستحيل أن يخلف وعد الله, قال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [النور: 55].
فإذا لم نر استخلافاً وتمكيناً وأمناً، فمعنى ذلك هناك خلل إما في الإيمان وإما في العمل الصالح.
يا عباد الله: عقيدتنا بأن الله -تعالى- هو المعطي المانع, هو الخافض الرافع, هو المعزُّ المذل, هو الذي أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون.
يا عباد الله: الله ينادينا كلَّ ليلة في الثلث الأخير منها: ألا من مسترزق فأرزقه, ألا من مبتلى فأعافيه, ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر.
هلا اتفقت هذه الأمة على الاستيقاظ في السحر تدعو ربَّها -عز وجل- الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء, وتنزل حوائجها في باله, بعد الاصطلاح معه, في تحليل الحلال وتحريم الحرام؟
أناشدكم الله -تعالى- -يا عباد الله- بكثرة الالتجاء إلى الله -تعالى-, ولا تكونوا سبباً في إراقة الدماء, وتذكَّروا قول سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ" [رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة].
يا عباد الله: تذكَّروا جميعاً حكَّاماً ومحكومين بأن الموتَ يعمُّنا, والقبرَ يضمُّنا, والقيامةَ تجمعنا, واللهَ -تعالى- يفصل بيننا, هناك تُصفى الأمور بالعدل.
تعالوا -يا عباد الله- جميعاً حكاماً ومحكومين أن نكون صادقين مع الله -تعالى- في حسن الإقبال عليه, وفي إعطاء كل ذي حق حقه.
اللهم وفِّقنا لذلك، آمين.
أقول هذا القول, وأستغفر الله العظيم لي ولكم, فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.