الآخر
(الآخِر) كلمة تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...
العربية
المؤلف | عبدالرحمن بن عبدالله آل فريان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - التاريخ وتقويم البلدان |
ولا شك أنّ الله سبحانه أصلح أهل الأرض بإرسال الرسل، وأنّ المعاصي هي الفساد في الأرض وهي خرابها، وأنّ الصلاح في الأرض هو عمل طاعة الله فيها، والابتعاد عن ما حرم الله وأنواع الفساد...
الحمد لله المتفضل على العباد، المحذر لهم من الطغيان والفساد، الذي يحمى من تمسك بدينه من الأضداد، ومن توكل عليه كفاه ورزقه بلا تعداد، ومن أعرض عن دينه أضله الله وأعماه وسلط عليه الأعداء والحساد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الإله الحق المتنزه عن الصاحبة والأولاد، وأشهد أنّ نبينا محمداً عبده ورسوله، وخليله الذي قام بالدعوة إليه والجهاد، والذي صدق مع الله في نصح العباد، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين مشوا على سنته، وتمسكوا بهديه من حاضر وباد.
أما بعد،
فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى حق تقواه، وسارعوا إلى مغفرته ورضاه، واعلموا رحمكم الله أنّه لا سعادة للبشر إلا باتباع رضا الله والعمل بطاعته والابتعاد عن ما يسخطه من المعاصي والفساد وأنواع الشرك والإلحاد، وأنّ الله سبحانه وعد من أطاعه واتقاه بجنات النعيم، وتوعد من عصاه وخالف أمره بعذاب الجحيم.
قال تعالى: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [النساء:13]، ثم قال سبحانه: (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) [النساء: 14].
ولا شك أنّ الله سبحانه أصلح أهل الأرض بإرسال الرسل، وأنّ المعاصي هي الفساد في الأرض وهي خرابها، وأنّ الصلاح في الأرض هو عمل طاعة الله فيها، والابتعاد عن ما حرم الله وأنواع الفساد.
والفساد في الأرض هو المعاصي تقع ممن خالفوا الرسل، كما قال تعالى في حق من تكبر عن الحق: (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْأِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ) [البقرة:205-206].
وهكذا المخالفة لشبهة في نفوسهم تربوا عليها، وأصروا واستكبروا عن التحول عنها، كقولهم: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ) [الزخرف: 22].
فقال الله تعالى: (وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ) [الزخرف:23].
نعوذ بالله من رين الذنوب، وانتكاس القلوب.
وكذلك أيضاً خولفت الرسل لأجل شهوة، كما جرى لقوم لوط بإتيانهم الذكران من العالمين، كما قال لهم نبيهم لوط عليه السلام: (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) [الأعراف:81]، فصار جواب قومه أن قالوا: (أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ) [الأعراف: 82].
فصارت نهايتهم أن خسف الله بهم، وقلب ديارهم عليهم كما قال تعالى: (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) [هود:82-83].
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "وما هي من ظالمي هذه الأمة ببعيد، إذا فعلوا مثلهم استحقوا عقوبتهم"
وكذلك قوم شعيب عليه السلام حملهم حب أكل المال الحرام بأن طففوا المكيال والميزان ظلماً للعباد، ومن التكبر والعناد في عدم قبول الحق من رسل رب العالمين؛ ولهذا قال لهم نبيهم شعيب: (أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ * وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ * وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ * وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ * قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ * وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ) [الشعراء:186].
وقال لهم مرة أخرى: (وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) [هود:85].
ولا شك أنّ الطمع والجشع في الدنيا، ومحبة أكل الحرام وظلم العباد، هو من الفساد؛ لأنّ شهوة البطن وشهوة الفرج خطر عظيم؛ ولهذا جاء في الحديث: "أكثر ما يدخل الناس النار الأجوفان، الفم والفرج".
فصارت المعاصي هي الفساد في الأرض، فاحذروها يا عباد الله، وصارت طاعة الله ورسوله هي الصلاح في الأرض، فبادروا إليها.
وتعلمون أنّه ما نزل بلاء أو معصية إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة، فعلينا يا عباد الله أن نلاحظ عيوبنا، ونصلح ما فسد من أعمالنا، حتى نرضي ربنا بوجود الإصلاح، وطرد وإبعاد الفساد.
واسمعوا يا عباد الله ماذا يقول الله تعالى في ذم المنافقين: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ * وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) [البقرة:12-15].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.