الأكرم
اسمُ (الأكرم) على وزن (أفعل)، مِن الكَرَم، وهو اسمٌ من أسماء الله...
العربية
المؤلف | عبدالرحمن بن عبدالله آل فريان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الحياة الآخرة |
تالله لتبعثن ليوم يشيب من هوله المولود، ولتعودن هذه الأجساد بعدما يأكلها التراب والدود، وإنّ أمامكم القبر الذي هو أول منازل ومساكن الآخرة، فاحذروا ضغطته ووحشته، فإنّه يضمُّ الفاجرَ حتى تختلف فيه أضلاعُه، وتقول له الأرض: أبغضتك يا عدو الله على ظهري فكيف إذا ولجت في بطني!
الحمد لله معز من أطاعه واتقاه، ومذلّ من خالف أمره وعصاه، الذي وفّق أهل طاعته للعمل بما يرضاه، أحمده سبحانه على ما أولاه، وأشكره على ما أعطاه، ويجب أن نصبر على حلو نعمه ومر بلواه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا رب لنا سواه، ولا نعبد إلا إياه (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ) الزخرف: [من الآية84].
وأشهد أنّ نبينا محمداً عبده ورسوله، الذي ختم به النبوة، فطوبى لمن والاه وتولاه. اللّهم صلّ على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه الذين جاهدوا في الله، وكان هواهم تبعا لهداه، وسلم تسليماً كثيراً عليه وعليهم وعلى من قام لله.
أما بعد، فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى وتمسكوا بدينه وهداه.
ابن آدم اتق الله تعالى وأطعه فيما أمر، وفكر في نفسك فأنت أحق من فكر، هل ينفعك من الله مال أو جاه أو معشر، أنعم الله عليك وآواك، وتفضل عليك وأغناك، ومّن عليك بالسمع والفؤاد والبصر.
عباد الله ما هذا التغافل والصدود؟ وما هذا التساهل بأوامر الملك المعبود؟ أتظنون أنكم مخلدون في هذه الدار؟ أو أنّ الأجساد بعد الموت لا تعود؟ لا نظن ولا نعتقد ذلك إن شاء الله يصدر ممن يؤمن بربه المعبود.
تالله لتبعثن ليوم يشيب من هوله المولود، ولتعودن هذه الأجساد بعدما يأكلها التراب والدود، وإنّ أمامكم القبر الذي هو أول منازل ومساكن الآخرة، فاحذروا ضغطته ووحشته، فإنّه يضمُّ الفاجرَ حتى تختلف فيه أضلاعُه، وتقول له الأرض: أبغضتك يا عدو الله على ظهري فكيف إذا ولجت في بطني!
وإنّ وراء ذلك ما هو أشد منه يوم تضع فيه الحوامل أحمالها، ويشيب منه وله الولدان، وتُكوّر فيه القمران، وتنشق فيه السماء، ويحكم فيه الديان، وينصب فيه الصراط، ويوضع فيه الميزان، ويحصل فيه القدوم على الملك المعبود.
فمن ثقلت موازينه فإلى الجنان، ومن خفت موازينه فإلى العذاب والهوان.
وإنّ وراء ذلك ما هو أعظم منه: دار معدوم رجاؤها، محتوم بلاؤها، مذكور بقاؤها، موحشة مسالكها، مظلمة مهالكها، موصدة منافذها، مخلد أسيرها، على من هو كافر بخالقها، عال زفيرها، طعام أهلها شجرة الزقوم، وشرابهم الحميم، وعذابهم فيها أبداً شديد، الزبانية تقمعهم، والهاوية تجمعهم، والذنوب و الحيّات والعقارب تلدغهم.
لهم فيها بالويل ضجيج، ولِلَهَبِها في لحومهم أجيج، أمانيهم فيها الهلاك، وما لهم من أسرها فكاك: (كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ) [الملك:8-10].
قد شدت أقدامهم إلى النواصي، واسودت وجوههم من ذلك الإجرام والمعاصي، ونضجت جلودهم؛ ليذوق الفاجر العاصي، ينادُون من فجاجها وشعابها؛ بُكِيًّا من ترادف عذابها يقولون: يا مالك قد أثقلنا الحديد!
يا مالك قد نضجت منّا الجلود!
يا مالك قد تفلَّذت منّا الكبود!
يا مالك العدم خير من هذا الوجود!
يا مالك أخرجنا منها فإنا لا نعود!
فيجيبهم بعد زمان: اخسئوا فيها لا بد من الخلود.
يقول الله تعالى مذكراً لك اليوم الموعود: (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ * فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ قَالَ اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ) [المؤمنون:101-108].
فيا عباد الله هذا جزاء من أعرض عن طاعة الملك المعبود، وارتكب المعصية، وأطاع الشيطان وهواه والنفس الأمارة بالسوء، وتجاوز الحدود، فهل عندكم شك في خبر الرب الملك الودود؟
فراجعوا قلوبكم فإنّ هذا قدح في إسلام العبد، فصدقوا بأخبار الرب المحمود، فإذا حصل التصديق فلأيّ شيء لا يحصل العمل والتطبيق، قولوا لي بالله أيها العبيد؟
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) [الزخرف:77-80].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.