البحث

عبارات مقترحة:

الحفيظ

الحفظُ في اللغة هو مراعاةُ الشيء، والاعتناءُ به، و(الحفيظ) اسمٌ...

الواسع

كلمة (الواسع) في اللغة اسم فاعل من الفعل (وَسِعَ يَسَع) والمصدر...

العليم

كلمة (عليم) في اللغة صيغة مبالغة من الفعل (عَلِمَ يَعلَمُ) والعلم...

خطبة عيد الفطر لعام 1432هـ

العربية

المؤلف عمر القزابري
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات صلاة العيدين
عناصر الخطبة
  1. فرحة العيد: دوافعُ وضوابط .
  2. دلالات الفرح الجماعي بالعيد .
  3. العيدُ ومتعلقات الأخوَّة من تصافٍ وتراحم وإحسان .
  4. في وداعِ رمضان: عِبَرٌ وعَبَرات .
  5. فُرَصُ الخيرِ بعد رمضان .
  6. مآسي المسلمين وواجبنا تجاههم في العيد .

اقتباس

العيد تعبيرٌ صادقٌ عن انتماء الأمة لدينها، وهو -في المقابل- دليلٌ على شمول هذه الشريعةِ ورعايتِها للعواطف، وإعطائها فرصةً للتعبير عن أفراحها ورغباتها. لقد قدِم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة ووجد أهلها آنذاك يحتفلون بعيدين يلعبون فيهما في الجاهلية، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أبدلكم الله خيرًا منهما: يوم الفطر، وعيد النحر".

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر ما قام قائم وسجد، الله أكبر ما خضع مؤمن وعبد، الله أكبر ما بحّت بالتكبير الحناجر، الله أكبر ما تعطرت بالتكبير المنابر، الله أكبر ما بكى باكٍ وناح، الله أكبر ما طلع فجر ولاح، الله أكبر ما اجتمعت القلوب في هذا الصباح.

الحمد لله الذي أعاننا على إكمال العِدَّة، وأمدنا بالأسباب والعُدَّة، أحمده على نِعَمِه الغزار، ومننه الكثار، أحمده ما تعاقب الليل والنهار، وأشكره ما ذكره الصالحون الأبرار.

معاشر الأخيار: قد تعبّر الجوارح أحيانًا أفضل من البيان، وقد يختزل الفؤاد من معاني الشكر ما يعجز عن الإفصاح به اللسان، وإننا إذ نقف في هذا الصباح الأغر لا نملك إلا أن نحمد مولانا، على ما أعطانا وأولانا، فقد سترنا وأعطانا، وأعاننا ووفقنا، فاللهم لك الحمد، اللهم لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.

يقول ربنا الرحمن: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس:58]، نعم؛ هو خير مما يجمعون، إن هذا يوم الفرح، يوم السرور، يوم الحبور، وكيف لا يفرح المؤمن وهو يتلقى منح ربه وعطاياه؟! كيف لا يفرح المؤمن وهو يطمع في فضل الله ورحماه؟! كيف لا يفرح المؤمن وهو يطمع في ربه أن قد أعتقه من النار، وانخرط في سلك الأبرار؟!

أيها الأخيار: إن هذا هو يوم الجائزة، فطوبى لنفوس لها حائزة، إن هذا اليوم هو يوم الترقية، فطوبى لمن تحلى بحُلِيِّ التزكية.

أيها الأحباب: إذا كان العيد يوم فرح، وهو كذلك، فإن الفرح به جاء من كونه عيدًا جماعيًّا، عيدًا عامًّا يستظل الجميع بظله، وفي ذلك إشارة إلى أن الأخوة والمحبة من أعظم الأمور التي تمد العيد بمعانيه الاحتفالية. فاللهَ اللهَ في أخوّتكم! اللهَ اللهَ في محبتكم! اللهَ اللهَ في تعاونكم!!

واعلموا -رحمكم الله- أن تحقيق الأخوة من أعظم المداخل على الله، فأزيلوا الأضغان، وانشروا العفو والإحسان، وقابلوا إساءة مَن أساء إليكم بالصفح والغفران.

واعلموا أنه مَن يعفُ يُعْفَ عنه، ومَن يصفحْ يُصْفَحْ عنه، قال الله: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ) [النور:22].

واعلموا أن متعلق ذلك صلة الأرحام، وتفقد أحوالهم، وإكرام محتاجهم، وإعانة ضعيفهم؛ فإن ذلك مما تستجلب به الرحمات، وقد قال سيد البريات: "لا تنزل الرحمة على قوم فيهم قاطع رحم".

وما أحوجنا -وخصوصًا في هذا اليوم- إلى تنزل رحمات الله! قال الله: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) [محمد:22-23].

وأتبعوا ذلك بالإحسان إلى الفقراء، وتفقُّد أحوالهم، فهنيئًا هنيئًا لعبد خفف عن فقير، أو أعان مسكينًا، أو مسح دمعة يتيم! طوبى له! قد فاز بالمطلوب، واقتحم العقبات، قال الله: (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ) [البلد:11-16].

نعم، ربح بيعه، وقرّت عينه، ويوم يلقى ربه يفرح بما قدم: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا) [آل عمران:30]، (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا) [المزمل:20].

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.

أيها الأحباب: العيد تعبيرٌ صادقٌ عن انتماء الأمة لدينها، وهو -في المقابل- دليلٌ على شمول هذه الشريعةِ ورعايتِها للعواطف، وإعطائها فرصةً للتعبير عن أفراحها ورغباتها.

لقد قدِم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة ووجد أهلها آنذاك يحتفلون بعيدين يلعبون فيهما في الجاهلية، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أبدلكم الله خيرًا منهما: يوم الفطر، وعيد النحر".

إنَّ الإسلام جاء متوافقًا مع الفطرة الإنسانية، فجعل للمرء أوقاتًا يفسح له فيها ليقوم بإفراغ عواطفه والتعبير عن مشاعره، فأظهِروا فرحكم بفضل ربكم عليكم توسيعًا على العيال، وإكرامًا لهم، وإدخالاً للسرور عليهم.

من حقك -أيها المسلم- اليوم أن تعبر عن فرحتك بما شئت، شريطة أن لا تتعارض هذه الرغبات مع شرع الله -تعالى-، فتدنس العيد، أو تحوّل الاحتفال فيه إلى صورة عقيمة لا معنى لها ولا طعم.

أيها الأحباب: ها هو العيد أقبل كما يُقبل كُلَّ عام، أقبل وهو يلبس ثوب الفرح، أقبل وهو يخالج القلوب ويعيش في وهج المشاعر، أقبل بعد أن خلّف شهر رمضان في طيات الزمن، وكتب عليه الرحيل، فالعيد -على فرحته- صورة تمثل رمضان في إدباره ورحيله، إنه إحساس من الحزن يعم جميع القلوب المؤمنة على فراق رمضان، فلقد كان بيننا ثم طوى خيامه، وأنزل أعلامه، وانطلق تاركًا خلفه العبر والعبرات، والأسى والحسرات.

نعم، رحل رمضان ولم يبق لنا منه إلا هتاف علي -رضي الله عنه-: "ألا ليت شعري! من المقبول فنهنيه؟! ومَن المحروم فنعزيه؟!".

نعم، رحل رمضان ولم يبقَ لنا من رحيله إلا قول ابن مسعود -رضي الله عنه-: "أيها المقبول: هنيئًا لك! أيها المردود: جبَر الله مصيبتك!".

يا لائِمي في البُكَا زِدْنِي به كَلفًا

واسمَعْ غريبَ أحاديثٍ وأخبارِ
ما كان أحسنَنَا والشملُ مجتمِعٌ مِنَّا المُصَلِّي ومِنَّا القانتُ القاري

إن هذا الرحيل -يا عباد الله- صورة من صور الوداع المر في حياة الإنسان، والعاقل الفطن من يتجهز للرحيل المنتظر لحياته عن وجه الأرض، ولئن شهدنا اليوم توديع رمضان فإن الأيام حبلى بتوديع ذواتنا أو توديع أحبابنا في الرحلة الحتمية لبني الإنسان أين كان.

اللهَ اللهَ أن نبرهن بالعمل على صدق النية والاستعداد للنقلة! فإن الغد المنتظر أقرب إلى أحدنا من شراك نعله، ولا يغرنكم التسويف، فإن الآجال قد كتبت، وإن الأعمار قد حُددت.

فأعدوا العدة للقاء ربكم، واجعلوا من الأيام مطايا للاقتراب من مولاكم؛ تمكينًا للتوحيد في قلوبكم ودياركم ونواديكم، ومحاربة لكل بدعة، وكفًّا للسان عن الوقوع في الأعراض، واستعمالاً له في ذكر الله، وفي قراءة آياته، وتحقيقًا للمحبة فيما بينكم، ونشرًا للعفو والصفح، وتجاوزًا عن المسيء، وصلة للأرحام، وتفقدًا للمحاويج من القريب والبعيد، ونشْرًا للسلام قولاً وفعلاً، فتلكم صفات عباد الله الرحمن: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا) [الفرقان:63].

لقد جاء العيد -أيها الكرام- يحمل معه سؤالاً: أما آن للقلوب المتنافرة أن تتصافح؟! فهل -يا ترى- ينجح العيد في أن يعيد البسمة لشفاهٍ قد طال شقاقها؟! إن القلوب المتكبرة العنيدة المصرة على الشقاق والعناد والمكابرة، هذه القلوب -إن لم يفلح العيد في تغييرها- فوعيد الله غير بعيد، يقول الله: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) [محمد:22-23]، فأي راحة يطمع فيها مَن لعنه الله؟! وأي عيد يستشعره مَن أبعده الله؟!

جعلني الله وإياكم ممن ذكر فنفعته الذكرى، وأخلص لله عمله سرًّا وجهرًا، آمين، آمين، والحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية:

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر ما ذكر ذاكر، الله أكبر ما شكر شاكر، الله أكبر ما تعاقب الليل والنهار، الله أكبر ما تقرب إلى الله الصالحون الأبرار، الله أكبر ما سبَحَت في فلكها الكواكب، الله أكبر ما تقرب متقرب وأعرض ناكب.

الحمد لله الذي يهدي السبيل، ويجزي بالجزيل على القليل، أحمده على فضله، وأشكره على منته، وهو الملك الجليل.

والصلاة والسلام على زينة الأعياد، وسيد كل حاضر وباد، سيدنا محمد سيد العباد، وإمام العُبّاد، صلى الله عليه صلاة دائمة لا انقطاع لها إلى يوم التناد.

معاشر الأحباب: لقد رسم شهر رمضان في الكثير من النفوس أثر الإقبال على العبادة، وأودع في نفوس الكثيرين درسًا عظيمًا مفاده أن الإنسان مهما أظلته المعصية، وأركسته في حمأتها، وأحاطت بنفسه عن التحليق في روحانية العبادة، إلا أنه قادر -بإذن الله- على تجاوز هذا المنعطف في حياته متى ما أقبل على ربه، متلذذًا بكتابه.

لقد ارتقت النفوس في رمضان، وتطهرت وسمت، ولا شك أن كل واحد منا وجد أثر ذلك في نفسه، ونتساءل: هل يمكن أن تستمر هذه المعاني بعد رمضان؟!

إن الصيام الذي خلق في النفوس روحانية عجيبة لا زال اليوم موجودًا، والمسلم مدعو لامتثال قوله -صلى الله عليه وسلم-: "مَن صام رمضان وأتبعه ستًّا من شوال فكأنما صام الدهر".

ثم يبدأ بعد ذلك في تحقيق وصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في صيام ثلاثة أيام من كل شهر، أو في صيام الاثنين والخميس، وعن سر الصوم فيهما قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الأعمال تعرض فيها على الله، وأحب أن يعرض عملي وأنا صائم".

والصلاة التي وجد فيها سر المناجاة بين العبد وبين خالقه لا زالت هي هي، لم يغلق بابها، وفرص المناجاة لا تزال مفتوحة، فهذا رسولنا -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ينزل الله -تعالى- في الثلث الأخير من الليل إلى السماء الدنيا فيقول: هل مِن داعٍ فأجيبه؟! هل مِن سائلٍ فأعطيه؟! هل من مستغفِرٍ فأغفر له؟!".

فمَن يحول بينك وبين تلك المناجاة، وفرص الخير متاحة؟! وحين يتأمل الإنسان في معنى العبادة التي جاء لتحقيها يجد المعنى الذي قرره شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- حين قال: "العبادة اسمٌ جامعٌ لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة".

يجد أمام ناظريه الأذى في الطريق فيبادر إلى إزالته فيلقى على ذلك الأجر، وحينما يجد أخاه في الطريق فيبتسم له تعبيرًا منه على صدق المودة يجد العوض قريبًا والأجر حاضرًا، "وتبسمك في وجه أخيك صدقة".

بل يصل المعنى الذي قرره شيخ الإسلام إلى أن مداعبة الرجل لأهله على سبيل المزاح أمر يؤجر عليه المسلم، ويحصل به خيرٌ كثيرٌ عند ربه -جل وعلا- حين قال -صلى الله عليه وسلم-: "حتى اللقمة يرفعها إلى في زوجته له بها أجر"، إلى غير ذلك من أنواع العبادات التي حث الشرع عليها، وأرشد لها.

إنَّ الحزينَ على فراق رمضان يمكنه أن يعيش في ظل الإيمان، والبحث على الخير، والمحافظة على المعروف، حتى يصل بذلك إلى أرقى معاني العبودية بينه وبين ربه -تبارك وتعالى-.

أيها الأحباب: في غمرة الفرحة والبشرى بفضل الله وبرحمته وتوفيقه نمد أبصارنا نحو أمتنا الإسلامية، فنشعر بالحزن والأسى والألم لما نراه من معاناة المسلمين، فكثيرٌ منهم لا يستشعر حلاوة العيد ولا لذته، بعضهم يعاني من مجاعات طاحنة، يموت المسلمون جوعًا ولا يجدون ما يسدون به الرمق، وآخرون دماؤهم تسيل في الطرقات، بل وحتى في المساجد، في صورة من صور الوحشية والظلم والتخاذل، وآخرون في فلسطين يقتلون ويشردون وتقصف ديارهم، وفي أفغانستان وفي العراق وفي أماكن عديدة.

إن هذا الواقع يفرض علينا أن لا ننساهم ونحن في غمرة فرحتنا، فندعو الله لهم في كل وقت وحين أن يرفع عنهم البلاء واللأواء والظلم.

كما يجب علينا إزاء واقعهم أن نستحضر فضل الله علينا، وما بسط علينا من الخير والأمن، سالكين مسلك دوام هذه النعمة، المتمثل بالطاعة لله، والإذعان لأمره، واجتناب محاربته والتكبر على شرعه، مستحضرين كيف فعل الله -سبحانه وتعالى- بأقوام وأفراد طغوا وبغوا وظلموا، ورأينا كيف أباد الله سلطانهم، وهد بنيانهم، حتى غدت قصورهم وبيوتهم عرضة لكل عابث، وميدانًا لكل متفرج؛ ليصدق عليهم قول الله: (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [النمل:52].

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.

ألا فاتقوا الله -عباد الله-، واستمروا على طاعة ربكم، فإن السعيد من أقام على طاعة ربه في كل وقت وحين، فما بال أقوام إذا خرج رمضان هجروا المساجد، وقطعوا الصلة بالراكع والساجد؟! إنَّه مظهر مؤلم، مظهر صارخ من مظاهر قلة الأدب مع الله، مظهرٌ لا يليق بالموصولين بالله أن تمتلئ المساجد في رمضان، فإذا انسلخ رمضان خلت المساجد من روادها، فيقل العدد في صلاة الفجر من خمسة عشر صفًّا أو أكثر إلى صفين أو صف ونصف.

والله ثم والله إنه منظر مؤلم مفزع، يدل على عدم معرفة بالله، بل ويدل على عدم قبول العمل؛ لأن من علامة قبول الحسنة إتباعها بالحسنة، وقد سئل الإمام الحسن البصري -رحمه الله- عن قوم لا يعبدون الله إلا في رمضان، فقال: "بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان".

نعم، بئس القوم الذين يعبدون الله في رمضان ويجتهدون فيه فقط ثم يرجعون بعده إلى تكاسلهم ونومهم وغفلتهم، فراقِبوا أنفسكم، وأصلحوا أمركم، وجددوا مع الله عهدكم، وأقبلوا على ربكم، وتعرضوا لنفحاته في هذا اليوم الأغر، وأحسنوا به ظنكم، عساه يتولاكم، وأبشروا برحمة منه وفضل، فقد أمرتم بالصيام فصمتم، ودعيتم إلى القيام فقمتم، فأملوا الخير من رب كريم، يجزي بالحسنة إحسانًا، وبالسيئة تجاوزًا وغفرانًا.

اللهم أصلح أحوالنا...