البحث

عبارات مقترحة:

الوتر

كلمة (الوِتر) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، ومعناها الفرد،...

الرحيم

كلمة (الرحيم) في اللغة صيغة مبالغة من الرحمة على وزن (فعيل) وهي...

الشكور

كلمة (شكور) في اللغة صيغة مبالغة من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...

أخبار السلف مع الصلاة

العربية

المؤلف إبراهيم بن صالح العجلان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك
عناصر الخطبة
  1. مؤامرة خبيثة لرافضي خبيث .
  2. عظمة الصلاة في نفس أمير المؤمنين عمر .
  3. حال السلف مع الصلاة في المحافظة عليها والخشوع فيها .
  4. آثار وقصص ومواعظ عن السلف مع الصلاة .
  5. أهمية تعلق القلوب بالصلاة وعمارة المساجد .
  6. لا حظ في الإسلام لمن ضيع الصلاة .
  7. نداء بمراجعة أحوالنا مع الصلاة ونصيحة في ذلك .

اقتباس

إِنَّ مِمَّا يُؤْسَفُ لَهُ -عِبَاد اللهِ- أَنَّ التَّفْرِيطَ فِي شَأْنِ الصَّلاةِ وَالجَمَاعَاتِ أَصْبَحَ ظَاهِرَةً فِي بُلْدَانِ كَثِيرٍ مِنَ المُسْلِمِينَ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي، وَقَلِّبْ نَظَرَكَ -أَخِي المُبَارَكَ- وَقَارِنْ بَيْنَ أَعْدَادِ المُصَلِّينَ فِي صَلاَةِ الفَجْرِ، ثُمَّ فِي مَوَاكِبِ النَّاسِ خَارِجَةً لِعَمَلِهَا! يَرْتَدُّ إِلَيْكَ الطَّرْفُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ، فَآهٍ مِنْ نُفُوسٍ تُحَرِّكُهَا مَصَالِحُهَا وَلَذَّاتُهَا العَاجِلَةُ، وَلاَ تَتَحَرَّكُ ..

إِخْوَةَ الإِيمَانِ: المكان: مسجد رسول الله. الزمان: السنة الثالثة والعشرون من الهجرة. الحَدَثُ: مُؤَامَرَةٌ مَجُوسِيَّةٌ تَسْتَهْدِفُ اغْتِيالَ خَلِيفَةِ المُسْلِمِينَ. 

مَشْهَدُ ذَلِكَ الحَدَثِ يُصَوِّرُ لَنَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ يَخْرُجُ مِنْ دَارِهِ إِلَى مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، حَتّى إِذَا دَخَلَ المَسْجِدَ جَعَلَ يُسَوِّي الصُّفُوفَ، وَيَقُولُ: "اسْتَوُوا"، حَتَّى إِذَا لَم يَرَ فِيهِمْ خَلَلاً تَقَدَّمَ فَكَبَّرَ لِصَلاَةِ الفَجْرِ، وَالنَّاسُ لاَ يَكَادُ يَعْرِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا مِنَ الظَّلاَمِ.

وَبَعْدَ التَّكْبِيرِ وَفِي أَثْنَاءِ قِرَاءَةِ الفَاتِحَةِ يَنْطَلِقُ مُجْرِمٌ مَجُوسِيٌّ قَدِ اخْتَرَقَ قَلْبَهُ غَيْظٌ وَحِقْدٌ عَلَى الإِسْلامِ، فَتَحَرَّكَ مِنْ طَرَفِ الصَّفِّ بِسُرْعَةٍ نَحْوَ الخَلِيفَةِ، وَمَعَهُ خِنْجَرٌ ذَاتُ طَرَفَيْنِ، فَوَسَّطَهَا بَطْنَ الفَارُوقِ، ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِطَعَنَاتٍ عِدَّةٍ.

وَيَسْقُطُ الفَارُوقُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- مُضرجًا بِدِمَائِهِ، وَيَنْقَطِعُ صَوْتُهُ عَنِ النَّاسِ، فَجَعَلَ مَنْ كَانَ فِي خَلْفِ الصُّفُوفِ أَوْ أَطْرَافِهَا يُسَبِّحُونَ، سُبْحَانَ اللهِ، سُبْحَانَ اللهِ!!

وَانْطَلَقَ المَجُوسُيُّ أَبُو لُؤْلُؤَةُ يَشُقُّ الصُّفُوفَ لاَ يَمُرُّ عَلَى أَحَدٍ إِلاَّ طَعَنَهُ بِخِنْجَرِهِ المَسْمُومِ، حَتَّى طَعَنَ ثَلاثَةَ عَشْرَ رَجُلاً، فَتَقَدَّمَ نَحْوَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَطَرَحَ عَلَيْهِ بُرْنُسًا لَهُ، وَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ الرِّجَالُ، فَلَمَّا تَيَقَّنَ المَجُوسُيُّ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ لاَ مَحَالَةَ نَحَرَ نَفْسَهُ بِالسِّكِّينِ ذَاتِهَا.

وَيُحْمَلُ الفَارُوقُ إِلَى بَيْتِهِ وَقَدْ أُغْشِي عَلَيْهِ، وَجُمُوعُ النَّاسِ تَتَقَاطَرَ إِلَى دَارِهِ، وَقَدْ بَلَغَ بِهِمُ الخَوْفُ مِنْ مَصِيرِهِ كُلَّ مَبْلَغٍ، وَيَجْتَمِعُ الصَّحَابَةُ عَلَى رَأْسِ عُمَرَ وَقَدْ أَسْفَرَ الصُّبْحُ.

فَجَعَلُوا يُنَادُونَهُ بِاسْمِهِ وَلَقَبِهِ وَعُمَرُ لا يَرُدُّ لَهُمْ كَلامًا، فَقَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ مِمَّنْ يَعْرِفُ حَالَ عُمَرَ: إِنَّكُمْ لَنْ تَفْزَعُوهُ بِشَيْءٍ مِثْلَ الصَّلاةِ، فَقَالُوا: "الصَّلاةُ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، الصَّلاةُ"، فَانْتَبَهَ عُمَرُ مِنْ غَشْيَتِهِ، وَفَتَحَ عَيْنَهُ، وَقَالَ: "الصَّلاةُ وَاللهِ".

ثُمَّ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ: أَصَلَّى النَّاسُ؟! قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ عُمَرُ: "لاَ حَظَّ فيِ الإِسْلامِ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلاةَ"، ثُمَّ دَعَا بِالمَاءِ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى وَجُرْحُهُ يَنْزِفُ دَمًا.

نَعَمْ، هَكَذَا كَانَ حَالُ سَلَفِنَا مَعَ صَلاَتِهِمْ حَتَّى وَهُمْ يُفَارِقُونَ الحَيَاةَ كَانُوا مَعَ الصَّلاةِ، كَيْفَ لاَ وَقَدْ سَمِعُوا مِنْ نَبِيِّهِمْ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يُوَدِّعُ الدُّنْيَا وَنَفْسُهُ تُعَالِجُ سَكَرَاتِ المَوْتِ: "الصَّلاةَ الصَّلاةَ، وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ".

عِبَادَ اللهِ: لَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ عَنْ وُجُوبِ الصَّلاةِ أَوْ فَضَائِلِهَا، وَلا عَنْ أَحْكَامِهَا أَوْ صِفَاتِهَا، وَإِنَّمَا سَيَكُونُ الْحَدِيثُ فِي هَذَا الْمَقَامِ عَنْ أَحْوَالِ مَنْ سَبَقَنَا، وَأَخْبَارِ سَلَفِنَا مَعَ أَعْظَمِ شَعِيرَةٍ وَأَوْجَبِ فَرِيضَةٍ، نَقِفُ مَعَ أَرْبَعِ صَفَحَاتٍ مُضِيئَةٍ تُتَرْجِمُ لَنَا بِلِسَانِ الْحَالِ شَأْنَ هَذِهِ الصَّلاةِ عِنْدَ صَالِحِي أُمَّتِنَا.

فَلَعَلَّ قُلُوبَنَا مَعَ أَخْبَارِهِمْ تَسْتَيْقِظُ مِنْ غَفْلَتِهَا، وَلَعَلَّ هِمَمَنَا بَعْدَ سَمَاعِ أحَوْالَهِمِ تَتَحَرَّكُ مِنْ سُبَاتِهَا، فَتَرَاجِمُ الرِّجَالِ مَدَارِسُ للأَجْيَالِ، وَرُبَّمَا كَانَتِ الْقِصَّةُ أَبَلَغَ مِنَ الْوَعْظِ وَالتَّذْكِيرِ.

وَفِي مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ: (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [الأعراف: 176]، (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ) [يوسف: 111].

الصَّفْحَةُ الأُولَى: تَعَلُّقُ قُلُوبِهِمْ بِالصَّلاةِ؛ هَذِهِ القُلُوبُ البَشَرِيَّةُ إِذَا أَحَبَّتْ شَيْئًا تَعَلَّقَتْ بِهِ، وَهَامَتْ شَوْقًا إِلَيْهِ، وَهَكَذَا كَانَتِ الصَّلاةُ مَعَ أَهْلِهَا الخَاشِعِينَ، فَهِيَ مَلاذُهُمْ وَأُنْسُهُمْ وَرَاحِتُهُمْ، فَهَذَا إِمامُ العَابِدِينَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "كَانَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ فَزِعَ إِلَى الصَّلاةِ"، وَمِنْ حُبِّهِ وَتَعَلُّقِهِ بِهَا كَانَ يَقُولُ لِبِلاَلٍ: "أَرِحْنَا بِالصَّلاةِ يَا بِلاَلُ"، سَمِعَهُ النَّاسُ مِرَارًا وَهُوَ يَقُولُ: "وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلاةِ".

وَهَا هُوَ الخَلِيفَةُ الصَّالِحُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ شَهِدَ لَهُ أَهْلُ عَصْرِهِ أَنَّهُ كَانَ قَوَّامًا بِالصَّلاةِ مُتَعَلِّقًا بِهَا تَعَلُّقًا يَعِزُّ نَظِيرُهُ، رَوَى الطَّبَرَانِيُّ أَنَّ زَوْجَةَ عُثْمَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَتْ لِلثُّوَّارِ الَّذِينَ حَاصَرُوا دَارَهُ: "إِنْ تَقْتُلُوهُ أَوْ تَتْرُكُوهُ؛ فَإِنَّهُ كَانَ يُحْيِي اللَّيْلَ كُلَّهُ فِي رَكْعَةٍ؛ يَجْمَعُ فِيهَا القُرْآنَ".

وَهَذَا حَبْرُ الأُمَّةِ وَتُرْجُمَانُ القُرْآنِ ابْنُ عَبَّاسٍ يُصَابُ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ بِالعَمَى، فَقَالَ لَهُ الطَّبِيبُ: "نُدَاوِيكَ عَلَى أَنْ تُصَلِّيَ مُسْتَلْقِيًا"؛ يَعْنِي أَنَّهُ سَيَتْرُكُ السُّجُودَ وَالجَمَاعَةَ أَيَّامًا، فَاخْتَارَ ابْنُ عَبَّاسٍ العَمَى؛ لأَنَّ صَلاةَ الجَمَاعَةِ وَتَمْرِيغَ وَجْهِهِ بِالسُّجُودِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ بَصَرِهِ.

أَمَّا العَلَمُ الهُمَامُ أَوَّلُ جَاهِرٍ بِالقُرْآنِ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ فَكَانَ مِنْ شِدَّةِ تَعَلُّقِهِ وَحُبِّهِ لِلصَّلاَةِ أَنَّهُ كَانَ يَدَعُ صِيَامَ النَّافِلَةِ؛ لأَنَّ الصِّيَامَ يُضْعِفُهُ عَنِ الصَّلاةِ، وَالصَّلاةُ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الصِّيَامِ.

وَيُصَوِّرُ لَنَا عُدَيُّ بْنُ حَاتِمٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- تَعَلُّقَهُ بِالصَّلاةِ فَيَقُولُ: "مَا جَاءَ وَقْتَ صَلاَةٍ قَطُّ إِلاَّ وَقَدْ أَخَذْتُ لَهَا أُهْبَتَهَا، وَمَا جَاءَتْ إِلاَّ وَأَنَا إِلَيْهَا بِالأَشْوَاقِ". أَخْرَجَهُ ابْنُ المُبَارَكِ.

الصَّفْحَةُ الثَّانِيَةُ: شِدَّةُ مُحَافَظَتِهِمْ عَلَى الصَّلاةِ: أَمَرَ المَوْلَى بِالمُحَافَظَةِ عَلَى هَذِهِ الشَّعِيرَةِ العَظِيمَةِ: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاة الْوُسْطَى) [البقرة: 238]، وَقَالَ سُبْحَانَهُ: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) [المؤمنون: 9]، وَقَالَ -عَزَّ وَجَلَّ-: (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) [الأنعام: 92]، وَتَوَاتَرَتِ الأَحَادِيثُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي فَضْلِ المُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَوَاتِ.

عَرَفَ هَذَا الفَضْلَ حَقًّا وَتَمَثَّلَهُ صِدْقًا سَلَفُ أُمَّتِنَا، فَهَذَا صَاحِبُ رَسُولِ اللهِ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ يَقُولُ عَنْ نَفْسِهِ: "مَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مُنْذُ أَسْلَمَتُ إِلاَّ وَأَنَا عَلَى وَضُوءٍ".

وَهَذَا إِمَامُ التَّابِعِينَ سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ، يَقُولُ لَهُ أَحَدُ أَصْحَابِهِ: لَوْ تَبَدَّيْتُ -يَعْنِي عِشْتُ فِي البَادِيَةِ- فَقَالَ: فَكَيْفَ بِشُهُودِ العَتَمَةِ -أَيِ العِشَاء-.

وَحِينَ نَزَلَتْ بِسَعِيدٍ سَكَرَاتُ المَوْتِ، وَقَفَ عِنْدَ رَأْسِهِ بُنْيَّاتُهُ يَبْكِينَ فِرَاقَهُ وَوَدَاعَهُ، فَقَالَ لَهُنَّ: "أَحْسِنُوا الظَّنَّ بِاللهِ، فَوَاللهِ مَا فَاتَتْنِي تَكْبِيرَةُ الإِحْرَامِ فِي هَذَا المَسْجِدِ مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً".

وَهَذَا العَلَمُ سُلَيْمَانُ بْنُ مِهْرَانَ المُلَقَّبُ بِالأَعْمَشِ، قَالَ عَنْ نَفْسِهِ: "لَمْ تَفُتْنِي تَكْبِيرَةُ الإِحْرَامِ مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً".

وإِبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْمُونَ المَرُّوزِيُّ أَحَدُ رِجَالاتِ الحَدِيثِ كَانَ يَعْمَلُ صَائِغًا، فَكَانَ إِذَا رَفَعَ المِطْرَقَةَ فَسَمِعَ النِّدَاءَ وَضَعَهَا وَلَمْ يَرُدَّهَا.

وَهَذَا ثَابِتُ بْنُ عَامِرِ بْنِ عَبْد اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ كَانَ كَثِيرًا مَا يَدْعُو: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ المَيْتَةَ الحَسَنةَ"، قَالُوا: وَمَا المَيْتَةُ الحَسَنَةُ؟! قَالَ: "أَنْ يَتَوَفَّانِي اللهُ وَأَنَا سَاجِدٌ".

وَصَدَقَ مَعَ اللهِ، فَبَلَّغَهُ اللهُ مُنَاهُ، فَنَزَلَتْ بِهِ سَكَرَاتُ المَوْتِ قَبْلَ صَلاةِ المَغْرِبِ حَتَّى إِذَا وَصَلَ سَمْعَهُ: حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ، حَيَّ عَلَى الفَلاحِ، قَالَ: احْمِلُونِي إِلَى المَسْجِدِ، قَالُوا: عَذَرَكَ اللهُ وَأَنْتَ مَرِيضٌ، قَالَ: أَسْمَعُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الفَلاحِ، ثُمَّ لاَ أُجِيبُ؟! احْمِلُونِي إِلَى المَسْجِدِ، فَحَمَلُوهُ عَلَى أَكْتَافِهِمْ.

فَصَلَّى مَعَ النَّاسِ قَاعِدًا حَتَّى إِذَا كَانَتِ السَّجْدَةُ الثَّانِيَةُ مِنَ الرَّكْعَةِ الأَخِيرَةِ قُبِضَتْ رُوحُهُ إِلَى بَارِئِهَا عَلَى خَاتِمَةٍ عَاشَ عَلَيْهَا وَمَاتَ عَلَيْهَا.

الصَّفْحَةُ الثَّالِثَةُ: شِدَّةُ تَحَسُّرِهِمْ عَلَى فَوْتِ الصَّلَاةِ: كَانَتْ تَتَحَسَّرُ نُفُوسُهُمْ وَتَتَلَوَّعُ أَفْئِدَتُهُمْ إِذَا فَاتَتْهُمْ صَلاَةُ الجَمَاعَةِ، كَانَ الوَاحِدُ مِنْهُمْ يَعِيشُ غَمًّا أَيَّامًا عِدَّةً؛ لِأَنَّهُ مَا أَدْرَكَ الجَمَاعَةَ، كَانَ أَحَدُهُمْ يَبْكِي كَالطَّفْلِ إِذَا فَاتَتْهُ الجَمَاعَةُ، بَلْ كَانُوا يَعُدُّونَ تَرْكَ الجَمَاعَةِ مِنْ إِحْدَى الكُبَرِ.

هَذَا نَبِيُّنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَنْشَغِلُ هُوَ وَصَحَابَتُهُ بِقِتَالِ المُشْرِكِينَ يَوْمَ الخَنْدَقِ، حَتَّى خَرَجَ وَقْتُ صَلاَةِ العَصْرِ، وَلَمْ يَشْعُرْ بِهَا المُسْلِمُونَ، فَجَعَلَ النَّبِي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ مُتَحَسِّرًا وَمُتَأَلِّمًا وَدَاعِيًا عَلَى الكُفَّارِ: "شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ الوُسْطَى، مَلأَ اللهُ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا".

أَمَّا الصَّحَابِيُّ العَابِدُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ فَقَدْ فَاتَتْهُ صَلاَةُ العِشَاءِ مَعَ الجَمَاعَةِ، فَأَحْيَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ بِالصَّلَاةِ؛ تَحَسُّرًا عَلَى فَوَاتِ أَجْرِهِ.

وَهَذَا مُحَمَّدُ بْنُ سمَاعَةَ التَّمِيمِيُّ يَقُولُ عَنْ نَفْسِهِ: "مَكَثْتُ أَرْبَعِينَ سَنَةً لَمْ تَفُتْنِي التَّكْبِيرَةُ الأُولَى إِلاَّ يَوْمَ مَاتَتْ أُمِّي، فَصَلَّيْتُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ صَلاةً أُرِيدُ التَّضْعِيفَ".

وَهَذَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ التَّنُوخِيُّ إِمَامُ الشَّامِ فِي عَصْرِهِ كَانَ إِذَا فَاتَتْهُ صَلاةُ الجَمَاعَةِ بَكَى، رَحِمَهُ اللهُ.

وَكَانَ سَلَفُنَا -رَحِمَهُمُ اللهُ- يَعُدُّونَ تَضْيِيعَ الصَّلَاةِ مِنْ أَعْظَمِ الخَطِيئَاتِ، وَمِنْ عَلامَاتِ النِّفَاقِ، كَتَبَ الفَارُوقُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- إِلَى أُمَرَائِهِ وَعُمَّالِهِ فِي الأَمْصَارِ: "إِنَّ أَهَمَّ أُمُورِكُمْ عِنْدِي الصَّلَاةُ، مَنْ حَفِظَهَا وَحَافَظَ عَلَيْهَا حَفِظَ دِينَهُ، وَمَنْ ضَيَّعَهَا فَهُوَ لِمَا سِوَاهَا أَضْيَعُ، وَمَنْ نَامَ عَنْهَا فَلاَ نَامَتْ عَيْنُهُ".

وهَذَا ابْنُ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يُحَدِّثُنَا عَنْ رَأْيِ أَهْلِ عَصْرِهِ فِيمَنْ تَخَلَّفَ عَنِ الصَّلاةِ فيَقُولُ: "وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهُ إِلاَّ مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ الرَّجُلَ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَفِي هَذَا يَقُولُ ابْنُ عُمَرَ: "كُنَّا إِذَا فَقَدْنَا الرَّجُلَ فِي الفَجْرِ أَوِ العِشَاءِ أَسَأْنَا بِهِ الظَّنَّ". صَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ.

الصَّفْحَةُ الرَّابِعَةُ: خُشُوعُهُمْ فِي الصَّلاةِ وَإِحْسَانُهُمْ فِيها: وَحَقِيقَةُ الخُشُوعِ هُوَ خُضُوعُ القَلْبِ للهِ مَهَابَةً وَتَوْقِيرًا وَتَذَلُّلاً، هَذَا الخُشُوعُ هُوَ لُبُّ الصَّلَاةِ، وَهُوَ مِعْيَارُ القَبُولِ فِيهَا، وَفِي الحَدِيثِ: "إِنَّ العَبْدَ لَيُصَلِّي بِصَلاَةٍ مَا يُكْتَبُ لَهُ مِنْهَا إِلاَّ عُشْرُهَا، تِسْعُهَا، ثُمْنُهَا، سُبْعُهَا، سُدُسُهَا، خُمْسُهَا، رُبْعُهَا، ثُلُثُهَا، نِصْفُهَا".

كَانَ خَبَرُ سَلَفِنَا مَعَ الخُشُوعِ عَجَبٌ مِنَ العُجَابِ، فَقُلُوبُهُمْ قَدْ تَنَاهَى لِينُهَا مِنْ خَشْيَةِ اللهِ، فَيُرْمَى بِالمِنْجَنِيقِ فَلاَ يَلْتَفِتُ فِي صَلاَتِهِ، ذَاقُوا طَعْمَ المُنَاجَاةِ فَلَمْ يَصْرِفْهُمْ عَنِ الصَّلَاةِ صَارِفٌ.

هذا عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ المُلَقَّبُ بِزَيْنِ العَابِدِينَ كَانَ يُصَلِّي فِي المَسْجِد، فَانْصَدَعَ أَحَدُ أَرْكَانِ المَسْجِدِ، فَلَمْ يَشْعُرْ بِشَيْءٍ وَمَضَى فِي صَلاَتِهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ مِنْهَا قَالَ: مَا هَذِهِ الغَبَرَةُ؟! قَالُوا: أَمَا سَمِعْتَ المَسْجِد قَدْ سَقَطَ، قَالَ: "لَمْ أَشْعُرْ بِذَلِكَ؛ كُنْتُ فِي شُغُلٍ عَنْهَا".

وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: "رَأَيْتُ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ بَعْدَمَا كَبُرَ وَضَعُفَ يَقُومُ إِلَى الصَّلَاةِ فَيَقْرَأُ مِائَتَيْ آيَةٍ مِنَ البَقَرَةِ وَهُوَ قَائِمٌ".

تِلْكَ -عِبَاد اللهِ- بَعْضُ الصَّفَحَاتِ المُضِيئَةُ وَالصُّوَرُ البَرَّاقَةُ مِنْ سِيَرِ أَسْلاَفِنَا مَعَ صَلاتِهِمْ وَشَيْءٍ مِنْ أَخْبَارِهِمْ، وَالأَخْبَارُ كَثِيرَةٌ، فَإِنْ أَعْجَبَتْكَ -يَا عَبْدَ اللهِ- فِعَالُهُمْ فَكُنْها تَكُنْ مِثْلَ مَا يُعْجِبُكَ، فَلَيْسَ عَلَى الجُودِ وَالمَكْرُمَاتِ إِذَا جِئْتَهَا حَاجِبٌ يُحْجُبُكَ.

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ.

الخُطْبةُ الثَّانِيَةُ:

فَيَا أَيُّهَا النَّاسُ: هَذَا خَبَرُ سَلَفِنَا مَعَ صَلَاتِهِمْ، فَمَا خَبَرُنَا مَعَ صَلاَتِنَا؟! مَا حَالُنَا مَعَ أَوَّلِ فَرِيضَةٍ سَنُسْأَلُ عَنْهَا؟! مَا هِيَ اسْتِجَابَتُنَا لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى لِنَبَيِّهِ: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاة وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) [طه: 132].

إِنَّ مِمَّا يُؤْسَفُ لَهُ -عِبَاد اللهِ- أَنَّ التَّفْرِيطَ فِي شَأْنِ الصَّلَاةِ وَالجَمَاعَاتِ أَصْبَحَ ظَاهِرَةً فِي بُلْدَانِ كَثِيرٍ مِنَ المُسْلِمِينَ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي، وَقَلِّبْ نَظَرَكَ -أَخِي المُبَارَكَ- وَقَارِنْ بَيْنَ أَعْدَادِ المُصَلِّينَ فِي صَلاَةِ الفَجْرِ، ثُمَّ فِي مَوَاكِبِ النَّاسِ خَارِجَةً لِعَمَلِهَا! يَرْتَدُّ إِلَيْكَ الطَّرْفُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ.

فَآهٍ مِنْ نُفُوسٍ تُحَرِّكُهَا مَصَالِحُهَا وَلَذَّاتُهَا العَاجِلَةُ، وَلاَ تَتَحَرَّكُ لِنِدَاءِ الرَّحْمَنِ يُنَادِيهَا لِرَحْمَتِهِ وَرُضْوَانِهِ.

آهٍ مِنْ غَفْلَتِنَا وَرَقْدَتِنَا عَنْ كُنُوزِ الحَسَنَاتِ وَبِحَارِ الأُجُورِ الَّتِي ضَيَّعَهَا مَنْ ضَيَّعَ يَوْمَ ضَيَّعَ صَلاَتِهِ، فَيَا مَنْ جَعَلَ صَلاَتَهُ خَلْفَهُ ظِهْرِيًّا هَذِهِ هَمْسَةٌ مِنْ قَلْبٍ مُحَبٍّ، وَوَقْفَةُ عِتَابٍ مِلْؤُهَا النُّصْحُ، أَلاَ يَضْطَرِبُ قَلْبُكَ أَخِي أَنْ تَلْقَى اللهَ وَأَنْتَ مُتَهَاوِنٌ في الصَّلَاةِ، مُضَيِّعٌ لِجَمَاعَاتِهَا، مُؤَخِّرٌ لِأَوْقَاتِهَا؟!

اللهم...