الحفيظ
الحفظُ في اللغة هو مراعاةُ الشيء، والاعتناءُ به، و(الحفيظ) اسمٌ...
العربية
المؤلف | سعود بن ابراهيم الشريم |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب |
لقد ظنَّ بعضُ من لا علمَ عندهم أن الكثرةَ هي معيارُ الحق والصواب، وأن القلَّة هي معيارُ الخطأ والعُدول عن الصواب. وهذا ظنٌّ مغلوطٌ لا بُرهان لصاحبه عند ربه؛ لأن الحق -وإن قلَّ تابِعوه- فهو كثيرٌ ببراهينه وحُججه لا بأتباعه، ولا تزيدُه الكثرةُ حقًّا، ولا تنقصُه القلَّة عن هذا الحق مثقالَ ذرَّة؛ لأن الحق لا يُوزن بالناس، وإنما ..
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوبُ إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70، 71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كلام الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمور مُحدثاتُها، وكل مُحدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين؛ فإن يدَ الله على الجماعة.
أيها الناس: الحق والحكمة ضالَّة كل مؤمنٍ مُنصفٍ عدلٍ، مُؤمنٍ بخالقه ومولاه، يلتمسُ رضا الله لا رضا خلقه، ويهتدي بهدي الحكيم العليم واللطيف الخبير؛ لأنه سبحانه وحده الذي يهدي إلى الحق، (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) [يونس: 35].
مِعيارُ الحق والعدل عند هذا المؤمنِ الصادقِ وضابطُ الاتباع والانقياد عنده: قولُ الله -جل وعلا- عن أمثاله: (رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) [آل عمران: 53]، هذا هو المؤمنُ البصيرُ الذي لا يخطفُ بصرَه أطيافٌ جذَّابة، ولا سرابٌ بقِيعة، ولا يستميلُ قلبَه تزويقٌ ولا تدليسٌ، قلبُه قلبُ المؤمن الصادق الذي يرى بنور الله، ويُدرِك أن الإثمَ هو ما حاك في صدر المؤمن وكرِه أن يطَّلِع عليه الناس، يتعامَلُ مع ربه كأنه يراه لإدراكه الجازم بأن ربَّه يراه.
ثم هو بذلك لا يُقيم وزنًا لأمر القلَّة أو الكثرة؛ فلا هو يغترُّ بالكثرة الكاثِرة إذا جانَبَت الصوابَ، ولا هو يستوحِش من القِلَّة القليلة إذا كانت على الحق.
ومثلُ هذا اللبيب يُوفِّقُه ربُّه لأن يعلمَ علمَ اليقين، وحقَ اليقين، وعينَ اليقين، وأن الأمر لله من قبلُ ومن بعدُ، والغايةَ لن تكون إلا لما يُرضِي اللهَ سبحانه، وأن الكثرةَ الكاثِرة لن تكون شافِعةً لمن يغشَى الزَّللَ في نهاية المطاف.
ولن تنفع المقولةُ المشهورةُ: الموتُ مع الكثرة رحمةٌ؛ لأنه يُدرِك قولَ الله -جل وعلا- عن صناديد الأمم وأشرافهم وعُتاتهم حينما يُلقون في النار: (وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ) [الزخرف: 39].
لقد ظنَّ بعضُ من لا علمَ عندهم أن الكثرةَ هي معيارُ الحق والصواب، وأن القلَّة هي معيارُ الخطأ والعُدول عن الصواب. وهذا ظنٌّ مغلوطٌ لا بُرهان لصاحبه عند ربه؛ لأن الحق -وإن قلَّ تابِعوه- فهو كثيرٌ ببراهينه وحُججه لا بأتباعه، ولا تزيدُه الكثرةُ حقًّا، ولا تنقصُه القلَّة عن هذا الحق مثقالَ ذرَّة؛ لأن الحق لا يُوزن بالناس، وإنما يُوزن الناسُ بالحق.
ومن شاءَ فليقرأ قولَ الله: (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) [الأنعام: 116].
وقد صحَّ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "عُرِضَت عليَّ الأمم، فجعل يمرُّ النبي معه الرجل، والنبي معه الرجلان، والنبي معه الرهط، والنبي ليس معه أحد". رواه البخاري ومسلم.
فها هُم الأنبياء يأتون في القلَّة من الأتباع، وبعضُهم لا تابِع له، ونوحٌ -عليه السلام- مكثَ في قومه ألفَ سنةٍ إلا خمسين عامًا فقال الله عنه: (وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ) [هود: 40]، فلم تكن هذه القلَّة دليلَ نقصٍ في نبوَّاتهم ورسالاتهم، كما أن كثرةَ خصومهم وسوادَ مُخالفيهم لم تكن دليلاً على أنهم على الحق، ولم تمنَعهم من كونهم على الباطل.
ولهذا قال الله عن فرعون وكثرة أتباعه: (يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ) [هود: 98].
وإن من المُؤسِف حقًّا: أن تكون حُجَّة كل مُقصِّر مُفرِّط في جنب الله هي أن أكثر الناس يفعلون كذا، أو يقولون كذا، أو يعتقِدون كذا! مِعيارُهم الوحيد هو ما يفعله الكثرةُ الكاثِرة من الناس، لا ما هو الحقُّ والدليلُ.
وهذه حُجَّةٌ فرعونيةٌ قد أبطلَها الله سبحانه في ذكر حوار موسى مع فرعون حينما دعاه إلى توحيد خالقه فقال له فرعون: (فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى) [طه: 51]؛ أي: ما بالُ الكثرة الكاثِرة من الأمم السابقة؟! أهم على ضلالةٍ وأنت على الهُدى؟! قال: (أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى) [طه: 57].
إن من كان هذا صنيعُه فهو أخرقٌ مأفونٌ، إمَّعةٌ لا استقلالَ له، إنما هو غِرٌّ سلَّم قيادَه للعدو لا للرَّشَد، وأرجعَ بصرَه للكم لا للكيف.
وقد قال ابنُ مسعود -رضي الله عنه-: "لا يكوننَّ أحدُكم إمَّعةً يقول: إنما أنا مع الناس؛ إن اهتدَوا اهتديتُ، وإن ضلُّوا ضللتُ، ألا ليُوطِّننَّ أحدُكم نفسَه على إن كفر الناس أن لا يكفُر".
فالمؤمنُ الصادقُ -عباد الله- لا تغرُره كثرةُ الناس، ولا أن يكون لها رواجٌ في التصحيح والتخطِئة، وادِّعاء أن ما عليه الكثرة هو الصحيح، وما عليه القلَّة هو الباطل.
ولقد أحسن ابنُ قُتيبة -رحمه الله- في وصف مثلِ هذا؛ حيث قال: "والناسُ أسرابُ طيرٍ يتبعُ بعضُها بعضًا، ولو ظهر لهم من يدَّعي النبوَّةَ مع معرفتهم بأن رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- خاتم الأنبياء، أو من يدَّعي الربوبية لوجدَ على ذلك أتباعًا وأشياعًا". انتهى كلامُه -رحمه الله-.
ولهذا -عباد الله- لو نظرنا إلى كتاب ربنا -جل وعلا- وما جاء فيه لوَجَدنا ما يدلُّ على أن الكثرةَ ليست مِعيارًا يُعتمَد عليه في تحديد الحق في جوانب كثيرة من أمور الدين:
ففي الجانب الإيماني قال الله سبحانه: (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) [يوسف: 103].
وفي جانب الحق وقبوله يقول سبحانه: (لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ) [الزخرف: 78].
وفي جانب القتال والدفاع يقول أيضًا: (وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) [الأنفال: 19]، ويقول: (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا) [التوبة: 25].
وفي جانب الشُّكر يقول -جلَّ شأنه-: (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) [سبأ: 13].
وفي جانب المُعاملات المالية يقول سبحانه: (وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ) [ص: 24].
وفي جانب صحة الاعتقاد يقول سبحانه: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) [يوسف: 106].
وأما في جانب العِظة والاعتبار أمام الآيات والبراهين يقول سبحانه: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) [الشعراء: 8، 9].
ففي هذه الآيات -عباد الله- نلحَظُ أن نظرة الإسلام في عددٍ من الجوانب عن الكثرة نظرةٌ سلبيَّةٌ؛ للتدليل على أن الكثرةَ ليست هي محلَّ الاعتبار والاعتماد، لما يترتَّبُ على هذا الاعتماد من المفاسِد والمَيل عن صراط الله المُستقيم، وإيكال الحق إلى الناس لا إلى براهِينه.
وفي الوقت نفسه نجِد أن الإسلام لم يُهوِّن من شأن القلَّة، وربما مدَحها في مواضع كثيرةٍ، أو كان أصحاب القلَّة ممن مدَحَهم الله في كتابه؛ لبيان أنك -أيها المؤمن- كثيرٌ بإيمانك وإن كنتَ وحدك، فقد قال سبحانه: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [النحل: 120].
وفي جانب الإيمان قال سبحانه: (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ) [الواقعة: 13، 14].
وفي جانب القتال والمُدافعة قال سبحانه: (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ) [البقرة: 249].
والحاصِلُ -عباد الله- أنه يتَّضِح لنا مما سبقَ ذِكرُه أن الكثرةَ ليست هي المِقياسَ للحقيقة، وليس هي الوسيلةَ لإعطاء المرء قيمتَه المعنويةَ والإيمانيةَ، وفي الوقت نفسه قد تُحمَدُ الكثرةُ حينما لا تتجاوزُ حدودَها المُعتبرة شرعًا، وربما وافقَت الهدفَ المنشودَ كما في ثناء الباري -سبحانه وتعالى- على من يُنفِقون أموالاً كثيرةً في سبيل الله، وللفقراء، والمساكين، واليتامى، وابن السبيل.
وفي المُقابل: نُدرِك أن القلَّة جاءت في مواطن كثيرةٍ في مقام المدح الإلهي؛ لأنها التعبيرُ الصادقُ عن رفضِ الانسياقِ وراء الأكثرية التي خُيِّل لها أن كثرتَها تجعلُها هي الأحق والأصوَب، ولذا لم تكُن القلَةُ في الأتباع، ولا القلَّة في المال، ولا القلَّة في القتال مانعةً الأنبياء عن وصفِهم أنهم أهل الحق والصواب الذين استحقُّوا الثوابَ والنصرَ والتمكينَ أمام كثرة خُصومهم وسواد أعدائهم.
وما ضرَّ أبا بكرٍ -رضي الله عنه- أن كان معه الحق في قضية قتال المُرتدِّين وهو واحدٌ بنفسه كثيرٌ بالحق.
وما ضرَّ أحمد بن حنبل أن كان معه الحق في فتنة القول بخلق القرآن وهو واحدٌ بنفسه كثيرٌ بالحق.
ما أكثرَ الناس لا بل ما أقلَّهُمُ | اللهُ يعلـمُ أنـي لم أقُـل فنَدًا |
إني لأفتحُ عيني حـين أفتحُها | على كثيرٍ ولكن لا أرى أحدًا |
ولقد صدق رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-؛ حيثُ يقول: "إنما الناسُ كالإبل المائة؛ لا تكادُ تجِدُ فيها راحِلة". رواه البخاري ومسلم.
باركَ الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعَني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ والحكمة، قد قلتُ ما قلتُ، إن كان صوابًا فمن الله، وإن كان خطأً فمن نفسي والشيطان، وأستغفرُ الله إنه كان غفَّارًا.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
وبعد:
فاتقوا الله -عباد الله-، واعلموا أنه بالحق قامَت السماوات والأرض، فاتبعوا الحق وأهلَه حيث كانوا، وتذكَّروا قولَ علي -رضي الله عنه-: "لا تزيدُني كثرةُ الناس حولي عزَّةً، ولا تفرُّقهم عني وحشةً".
فلا تستوحِشوا في طريق الهُدى لقلَّة من يسلُكُه.
ثم اعلموا -عباد الله- أن الله سبحانه بيَّن في كتابه حالَ أكثر الناس في قوله: (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [الأعراف: 187]، (وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) [المائدة: 103]، (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ) [الرعد: 1]، (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ) [البقرة: 243]، وقال أيضًا: (وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ) [المائدة: 49].
وما ذاك -عباد الله- إلا لأن العلمَ يتبَعُه العقل: (وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ) [العنكبوت: 43]، ومن علِم فقد عقل، ومن عقل آمنَ فشكرَ، ونأى بنفسه عن الفسق والانحراف، ولذا فإن من وقع في الفسق، فإن ذلك بسبب نُقصان واحدٍ من هذه الأمور؛ إما عدمُ العلم، أو عدمُ العقل، أو عدمُ الإيمان، أو عدمُ الشكر. وهذا كلُّه مُحبِطٌ للثبات والفلاح؛ لأن هلاكَ الأمم إنما يكونُ بالفسق المُقصِي للعلم، والعقل، والإيمان، والشكر: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) [الإسراء: 16].
وتوافُر العقل والعلم والإيمان والشكر يُولِّدُ -ولا شك- قيمةً مُطلقةً تتمثَّلُ في النُّصح والإصلاح للحِفاظ على كِيان الأمة، (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) [هود: 117]، (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ * كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) [ص: 28، 29].
هذا؛ وصلُّوا -رحمكم الله- على خيرِ البرية، وأزكى البشرية: محمد بن عبد الله، صاحبِ الحوض والشفاعة؛ فقد أمركم الله بأمرٍ بدأ فيه بنفسه، وثنَّى بملائكته المُسبِّحة بقُدسه، وأيَّه بكم -أيها المؤمنون-، فقال -جل وعلا-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم وزِد وبارِك على عبدك ورسولك محمدٍ، صاحبِ الوجهِ الأنور، والجَبين الأزهَر، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة: أبي بكرٍ، وعُمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر صحابةِ نبيِّك محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وعن التابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وجودك وكرمك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واخذُل الشركَ والمشركين، اللهم انصُر دينَكَ وكتابَكَ وسنةَ نبيِّك وعبادَكَ المؤمنين.
اللهم فرِّج همَّ المهمومين من المُسلمين، ونفِّس كربَ المكروبين، واقضِ الدَّيْن عن المدينين، واشفِ مرضانا ومرضَى المُسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.