المقيت
كلمة (المُقيت) في اللغة اسم فاعل من الفعل (أقاتَ) ومضارعه...
العربية
المؤلف | عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - المنجيات |
إنَّ عداوة الشيطان للإنسان قديمة ومتأصِّلة، وكيدَه ومكره به مستحكِمٌ ومتجذِّر؛ يبغي بالإنسان الغوائل، ويتربص به الدوائر، ويأتيه من كل طريق وسبيل كيدًا ومكرًا وصدًّا وإغواءً، وأزًّا إلى المعاصي والذنوب، وسَوْقًا إلى ارتكاب المحرمات والآثام، وصدًّا عن طاعة الرب الملك العلام ..
إنَّ الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، وصفيُّه وخليله، وأمينه على وحيه، ومبلِّغ الناس شرعه، ما ترك خيرًا إلا دلَّ الأمة عليه، ولا شرًّا إلا حذَّرها منه؛ فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمَّا بعد:
أيها المؤمنون.. عباد الله: اتقوا الله تعالى فإن تقواه نجاة، وأطيعوا الله -تبارك وتعالى- فإن طاعته فلاح، واحذروا -عباد الله- طاعة الشيطان؛ فإنَّ في طاعته العطب والهلاك.
أيها المؤمنون عباد الله: إنَّ عداوة الشيطان للإنسان قديمة ومتأصِّلة، وكيدَه ومكره به مستحكِمٌ ومتجذِّر؛ يبغي بالإنسان الغوائل، ويتربص به الدوائر، ويأتيه من كل طريق وسبيل كيدًا ومكرًا وصدًّا وإغواءً، وأزًّا إلى المعاصي والذنوب، وسَوْقًا إلى ارتكاب المحرمات والآثام، وصدًّا عن طاعة الرب الملك العلام.
وفي القرآن -أيها المؤمنون- آيٌ كثيرة تزيد على المائة والخمسين، فيها التحذير من هذا العدو وبيان مكره وكيده وخُبثه وشره ووساوسه وهمزه ونفثه؛ تحذيرًا للعباد من هذا العدو الخطير.
والله جل وعلا -عباد الله- أخبرنا في القرآن أنَّ الشيطان عدو لنا وأمَرنا باتخاذه عدوًا، قال الله -تعالى-: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) [فاطر: 6].
وأخبرنا -جل في علاه- أنَّ الشيطان في إغوائه للإنسان يخطو به خطواتٍ تلو خطوات إلى أن يوقعه في حمأة الفساد وعظيم الكبائر والذنوب، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) [النور:21]، وقال الله -تبارك وتعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) [البقرة: 208].
أيها المؤمنون عباد الله: وأخبرنا ربنا -جل في علاه- أن هذا العدو الخطير يرانا ولا نراه: ( إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ) [الأعراف:27]، قال مالك بن دينار -رحمه الله تعالى-: "إن عدوًّا يراك ولا تراه لشديد المؤنة، إلا من عصم الله".
أيها المؤمنون عباد الله: ولقد أخبرنا ربنا -جل وعلا- عن هذا العدو أنه يأتي للإنسان من كل طريق، ويكيد له في كل سبيل، ويتربص بالإنسان الدوائر بطرقٍ شتى، وأساليب متنوعة، يصُدُّ بها العباد عن دين الله -تبارك وتعالى-.
ولقد ظن هذا العدو -كما أخبر الله تعالى- ظن في القديم أن أكثر الناس سيكونون من أتباعه، فنزل أكثر الناس عند ظنه فاتبعوه، قال الله -تعالى-: (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [سبأ:20].
أيها المؤمنون عباد الله: وكيدُ الشيطان للإنسان ومَكْرُهُ به وحِيَله في صدِّه وإغوائه يكون بوسائلَ كثيرةٍ، وأساليب متعددة ومتنوعة، ذكَرها الله -سبحانه وتعالى- عنه في القرآن؛ قال الله -تعالى-: (قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا * قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا * وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا) [الإسراء:62-65].
وقال الله -تعالى- عنه: (وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا * وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا * يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا) [النساء: 118-120].
أيها المؤمنون عباد الله: هل عرفنا هذا العدو؟! وهل حذِرنا من خطواته؟! وهل اتخذناه عدوًّا كما أمرنا ربنا بذلك، أم أننا أطعناه واتبعناه؟! إنَّ الواجب على كل مسلم ناصح لنفسه أن ينظر في خطواته وأعماله: أهي من طاعة الرحمن أم من طاعة هذا العدو الشيطان؟! عجبًا لمن عرف ربه بكمال الصفات وعظيم النِّعم وجليل العطايا والمنن فعصاه! وعرَف الشيطان بصده وكيده ومكره فأطاعه واتبعه.
أيليق بالمسلم -عباد الله- أن يكون أسير هذا العدو ينساق وراءه ويمضي تحت لوائه ويتبعه في إغوائه؟! أسيرًا له، سائرًا على ما يطلب منه الشيطان؟! أرضي العبد لنفسه بهذا المصير، وقبِل لنفسه هذه الحياة، حياة الاستسلام للشيطان والطاعة لهذا العدو؟!
أيها المؤمنون عباد الله: ثم ماذا يكون المآل؟! وأي شيء يكون المصير لهؤلاء الأتباع مع ذلك المتبوع الشيطان؟! إنه -عباد الله- يقف يوم القيامة إذا دخل أهل الجنةِ الجنة وأهل النارِ النار خطيبًا في أتباعه خطبةً شوهاء جذماء يندم على إثرها الأتباع ندمًا لا يفيدهم، قال الله -تعالى-: (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ) [إبراهيم:22-23].
اللهم يا ربنا ويا سيدنا ومولانا: اجعلنا من عبادك أهل الجنات الذين يدخلونها بسلام، وأعذنا يا ربنا من الشيطان الرجيم. اللهم إنَّا نستعيذ بك يا سميع يا عليم من الشيطان الرجيم؛ من همزه ونفخه ونفثه.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
أيها المؤمنون عباد الله: اتّقوا الله -تعالى-؛ فإنَّ من اتقى الله وقاه، واعلموا أن تقوى الله -جل وعلا- سعادةٌ وفلاحٌ في الدنيا والآخرة. وتقوى الله -جل وعلا-: عملٌ بطاعة الله، على نورٍ من الله؛ رجاء ثواب الله، وتركٌ لمعصية الله، على نورٍ من الله؛ خيفة عذاب الله.
أيها المؤمنون عباد الله: لنحاسب أنفسنا قبل أن يحاسبنا الله، ولنزِن أعمالنا قبل أن توزن يوم القيامة.
عباد الله: أُخبرنا عن هذا العدو وعن عداوته ومكره وكيده ووسائله وطرائقه؛ فما الذي عملناه؟! وكيف كان اتقاؤنا له؟!
أيها المؤمنون: لننظر نظرةً حاسمة جادَّة في أعمالنا، في بيوتنا، في تنقلاتنا، في اجتماعاتنا ولقاءاتنا، في سائر شؤوننا؛ أفي كل ذلك نقوم بما يرضي الله؟! أم أنَّ في ذلك ما هو اتباع للشيطان وطاعة له؟! ما أجمل أن نحاسب أنفسنا قبل أن يحاسبنا الله!
أيها المؤمنون عباد الله: لنستعذ استعاذةً صادقةً بالله من هذا العدو، ولْنأخذ أنفسنا أخذًا صادقًا بلزوم شرع الله، وتجنُّب كيد هذا العدو ومكره، ومن يستعن بالله يُعنْهُ، ومن يستعذ بالله يُعِذْه، ومن يتوكل على الله يكْفِه، ومن يجاهد نفسه على طاعة الله -تبارك وتعالى- يهْدِه: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت:69].
اللهم أعنَّا أجمعين على ذكرك وشكرك وحُسن عبادتك، وأعِذنا أجمعين وذرياتنا من الشيطان الرجيم.
هذا؛ وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب: 56]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد. وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين: أبى بكرٍ، وعمرَ، وعثمانَ، وعليّ، وارضَ اللهمَّ عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم انصُر من نصَر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-، اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك. اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك اللهم من شرورهم.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفِّق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من سديد الأقوال وصالح الأعمال.
اللهم آتِ نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها. اللهم إنا نعوذ بك من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، ونعوذ بك من شر الشيطان وشركه، ونعوذ بك أن نقترف على أنفسنا سوءًا أو أن نجرَّه على أحدٍ من المسلمين.
ربنا إنّنَا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننَّ من الخاسرين. اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.