البحث

عبارات مقترحة:

الطيب

كلمة الطيب في اللغة صيغة مبالغة من الطيب الذي هو عكس الخبث، واسم...

القوي

كلمة (قوي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من القرب، وهو خلاف...

المجيد

كلمة (المجيد) في اللغة صيغة مبالغة من المجد، ومعناه لغةً: كرم...

الطفل وسؤال الطهر

العربية

المؤلف صالح بن عبد الله الهذلول
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. مآسي اللقطاء .
  2. سحقا لدعاة الاختلاط! .
  3. الزانية ومفتاح الجريمة .
  4. حسم المتحرشين. .

اقتباس

يا حسرةً على أولئك الصغار المساكين! بيوتهم هي الملاجئ، محرومون من صلة القلب الرحيم، كل شيء عابسٌ في وجوههم، يظلم عليهم حتى النور، ليس لهم ماضٍ وتاريخ كغيرهم، يحملون ويرقبون الغم المقبل عليهم حين يبلغون، ليس لهم عمٌّ ولا خال، ولا جدٌّ ولا جدّة، ولا أخ ولا أخت؛ لأنه ليس لهم أمٌّ ولا أب! فسحقاً لأولئك الرجال الذين أولدوا النساء هؤلاء ..

الحمد للهِ الحكيم في شرعه، الرحيم في أمره ونهيه، (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) [الملك:2]، (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا) [النساء:26-27]. 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، ما ترك خيراً إلا دعا أمته إليه، وبشر به؛ ولا شراً إلا حذر منه وأنذر. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد: زار أحد العلماء الأدباء مركزاً يعنى برعاية اللقطاء، ورآهم وهم يدرسون، ويلعبون، ويأكلون، ويتنزهون، ويركبون الحافلات المخصصة لهم؛ رآهم في نزهة على البحر، وقد نزلوا من حافلتهم المكتظة بهم متألمين من شدة الزحام، لكن؛ أنى لهم أن يشتكوا؟ فليس ثمة أبٌ يصغي لشكواهم، ولا أمٌ تحن عليهم. إلا أن امرأتين تقومان على شأن اللقطاء ترافقانهم في الحافلة، وكأنهما أمان لهم، غير أنهما مزورتان!.

وحين وصلت الحافلة إلى المكان المقرر لها الرسوّ فيه، انحدرت منها إحدى المرأتين، وظلت الأخرى فيها تناولها الصغار، للتأكد من جرد البضاعة!.

نزل الأطفال للساحل، لكن اللافت في الأمر أنهم لم ينشغلوا بالنظر إلى البحر وما فيه، وأمواجه ومراكبه، وإنما صرفوا أعينهم إلى الأطفال من غيرهم ممن يرافقهم آباؤهم وأمهاتهم، في منظر يقطع نياط القلب، ويبعث الأسى والهم والحزن، ويحوِّل بهجة الرحلةِ والفسحة بنسيم البحر إلى جوٍ منتنٍ من فساد وساوس أولئك الرجال والنساء الذين غلبتهم شهواتهم وشقوتهم فكان نتاجهم هؤلاء الأبرياء الذين خرجوا إلى الدنيا بلا أم ولا أب؛ ليظلوا هكذا حتى يموتوا!.

أي رجل سيكون -فيما بعد- ذلك الطفل؟ وأي امرأة ستكون تلك الطفلة؟ وأي منهما لا يعرف أباه ولا أمه! بل مجرد مصطلح الأب والأم ليس له مكان مطلقاً في قاموسه!.

حُرموا الحنان، وفقدوا الأمان، وخرجوا إلى الدنيا والنقمة تلازمهم على المجتمع الذي حرمهم عطف الأبوين، فلا ينظرون إلى أنفسهم إلا أنهم سيئاتٌ وذنوب؛ لأنهم نتاج جريمة.

كم من الإثم والظلم والغدر يحمله الزاني! أما الزانية حين حملت وفاءت إلى أمرها، وذهب عنها جنون الرجلِ والرجلُ معاً؛ انطوت على الثأر والحقد والضغينة ومقاساة الآلام؛ لأن مَن سيخرج منها ابنُ عارٍ، وليس ابنَ شرف، ابنُ سفاح لا نكاح.

وبدلاً من أن تفكر بتجهيز وشراء ما يلزم القادمَ، تجهد ذهنها في اختيار موقع ترمي به وليدها، وكأنها تغذيه وهو في بطنها شعورَ الحسرة والبغض والمقت والكراهية.

أي شرٍ أعظم من شرِّ تلك النزوة البهيمية التي غلبت ذلك الرجل، واستجابت له المرأة، فنسي كل منهما -أو تناسى- حق الآدمي الذي سيخرج منهما؟.

إنها الشهوات حين ينساق المرء خلفها، ويكثر التفكير فيها!.

يا حسرةً على أولئك الصغار المساكين! بيوتهم هي الملاجئ، محرومون من صلة القلب الرحيم، كل شيء عابسٌ في وجوههم، يظلم عليهم حتى النور، ليس لهم ماضٍ وتاريخ كغيرهم، يحملون ويرقبون الغم المقبل عليهم حين يبلغون، ليس لهم عمٌّ ولا خال، ولا جدٌّ ولا جدَّة، ولا أخ ولا أخت؛ لأنه ليس لهم أمٌّ ولا أب!.

فسحقاً لأولئك الرجال الذين أولدوا النساء هؤلاء المنبوذين! يزعمون لأنفسهم الرجولة! فهذه رجولتهم: ذكورة فقط كذكورة الحيوانات. هذه شهامتهم، وهذه أخلاقهم وآدابهم.

إن سيئات اللصوص والقتلة كلها قد تُنسَى وتتلاشى؛ لكن سيئات العاشق تعيش وتكبر!.

تفجع الزانية بثلاث فجائع: في كرامتها التي ابتذلت، وفي الحبيب الذي تبرأ منها، وفي طفلها الذي قطعته بيدها من قلبها وتركته لما كتب عليه.

إن هذا لا يعوضه في الطبيعة والتقدير المادي إلا أن يكون لكل زانٍ ثلاثة أرواح، فيقتَل ثلاث مرات: واحدة بالشنق، والثانية بالحرق، والثالثة بالرجم بالحجارة، (لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ)!.

ومن هنا ندرك الحكمة في رجم الزاني والزانية؛ إنَّ ألمه لا شيء مقابل الآلام التي يجرها لمجتمعه.

أيها الأفاضل: تبعثَر اللقطاء على الساحل جماعات وأفرادا، فوقف أحدهم على طفل صغير يلعب بما بين يديه، وأمه ترقبه، فنظر الطفل إلى اللقيط، ثم قال له: أأنتم جميعاً أولاد هاتين المرأتين أم إحداهما؟.

قال اللقيط: هما المراقبتان، وأنت؛ أليست هذه المرأة التي معك مراقبة؟.

قال الطفل: ما معنى مراقبة؟ هذه ماما.

قال الآخَر [اللقيط]: ما معنى ماما؟ هذه مراقبة.

قال الطفل: وكلكم أهل دار واحدة؟.

قال اللقيط: نحن في الملجأ، ومتى كبرنا أخذونا إلى دورنا.

فقال الطفل: وهل تبكي في الملجأ إذا أردت شيئاً ليعطوك؟ ثم تغضب إذا أعطوك ليزيدوك؟ وهل يسكتونك بالقرش والحلوى، والقبلة على هذا الخد أو على هذا الخد؟ إن كان هذا فأنا أذهب معكم إلى الملجأ، فإن أبي قد ضربني اليوم، وقد أمر ماما أن لا تعطيني شيئاً إذا بكيت، ولا تزيدني إذا غضبت.

أيها المؤمنون الغيارى على دينكم وأمتكم ومجتمعكم: ينعق في بلادنا أقوام ينادون بالاختلاط بين الرجال والنساء, بين الطلاب والطالبات, يصادمون الأحكام الشرعية, والأنظمة المرعية, والآداب الأصيلة, وتقاليد المجتمع, ويسعون جاهدين لجر البلاد لمستنقع الرذيلة؛ حتى يكثر فيها اللقطاء والشذاذ والفاشلون والمجرمون، ليكونوا براميل متفجرات تنفجر في الوقت المناسب لهم؛ ليمزقوا جمع هذه الأمة, مأرز الأيمان, ومهبط القرآن, وحاضنة الإسلام.

فاللهم خيب آمالهم, واكشف أستارهم, ورد كيدهم في نحورهم.
 

الخطبة الثانية:

الحمد لله القريب الذي يجده مَن طلبه، حض على التقوى ووصى، وأحاط بكل شيء علماً وأحصى، (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [المجادلة:7].

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، من توكل عليه كفاه، ومن احتمى بعز عظمته عصمه وحماه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، النبي المجتبى، وخليله المصطفى، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه.

أما بعد: أيهما أعظم جرماً: الزاني أم الزانية؟ وأيهما يملك فتح باب الجريمة، أو مفتاح العار: الرجل أم المرأة؟.

لقد بدأ الله -جل وعز- بالمرأة قبل الرجل في آية سورة النور، حين قال -جل ذكره-: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [النور:2].

"فقدم ذكر الزانية على الزاني للاهتمام بالحكم؛ لأن المرأة هي الباعث على زنى الرجل، وبمساعفتها الرجلَ يحصل الزنى، ولو منعت المرأة نفسها ما وجد الرجل إلى الزنى تمكيناً".

إن الرجل الذي في قلبه مرض، مهما كان له من منصب أو جاه أو درجة علمية أو مال، ذليل حقير مَهين أمام المرأة، ليس شيئاً، وبصقة واحدة منها تغرقه، وصفعة واحدة منها تهزمه، وضربة واحدة بحذائها له تجعله يلوذ بالفرار لا يلوي على شيء؛ إضافة إلى أن الشريعة معها، والأنظمة تسندها.

فلو أن الذين يتحرشون بالنساء في الأسواق أو عند مدارسهن، أو من يدخلون عليهن في جامعاتهن وكلياتهن، أو مقرات عملهن، يُقابَلون بهذه المعاملة الحازمة من النساء والبنات، لما تجرأ أحد عليهن.

وعلى كل أب أن يوصي بناته بالموقف الحازم ممن يريد النيل من شرفها أو شرف بنات جنسها من زميلاتها، ولو فُعل ذلك لاختُصر كثيرٌ من الإجراءات والمطالبات.