المعطي
كلمة (المعطي) في اللغة اسم فاعل من الإعطاء، الذي ينوّل غيره...
العربية
المؤلف | عبدالرحمن بن عبدالله آل فريان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المهلكات - المنجيات |
ولقد برهن الصدق عن أهله وشرفهم، كما في قصة الثلاثة الذين صدقوا مع الرسول، ولم يعتذروا بالكذب مثل المنافقين؛ فتاب الله عليهم، وعفى عنهم، حيث اعترفوا بذنبهم، وصدقوا في قولهم. ويترتب على الصدق: المحبة وتقوية الروابط الأخوية بين المسلمين, في مواعيدهم، وفي بيعهم ..
الخطبة الأولى:
الحمد لله المتصف بالكمال والجمال، والمتنزه عن كل عيب ونقص ومثال، المعز لمن أطاعه واتبع شرعه، ولو قل عنده السلطان والمال، والمذل لمن عصاه وخالف أمره، ولو كثرت عنده العدة والرجال، فسبحانه من إله عظيم، تسبحه الأفلاك، والأملاك في الماضي والحاضر والمآل: ( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) [الإسراء: 44]، وهو الكبير المتعال.
وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، ولا ند له ولا أمثال. وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، الذي جاهد في الله حق جهاده، حتى انمحى الشرك وزال، وقرر التوحيد والصدق، وطبق الأقوال بالأفعال. اللَّهم صل وسلم عليه، عدد حصى الجبال، وحب الرمال، وارْضَ اللهم عن آله، والمتبعين لهم بإحسان من سكان الأرض، من كل الأجيال إلى يوم المآل.
أما بعد:
فيا أيها الناس: اتقوا الله تعالى، وأطيعوا أمره ولا تعصوه، وعليكم بالصدق في الأقوال والأفعال، واعلموا أن الصدق نور ومنجاة من ملة اللسان والجدال، ويكفي في فضل الصدق، أن الله سبحانه أمر بالانضمام مع أهله، وذلك ترجيح لمقامهم، ورفع لشأنهم في الحال والمآل، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة:119].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " من سأل الله الشهادة بصدق؛ بلغه الله منازل الأبرار، والشهداء، وإن مات على فراشه".
وقال الله تعالى في مدحه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وصاحبه أبي بكر الصديق: (وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) [الزمر: 33].
وسُمي أبو بكر الصديق؛ لقوة صدقه وتصديقه.
ويبلغ الصدق بأهله مرافقة الأنبياء في الجنة، كما قال تعالى: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ) [النساء: 69]، وقال: (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ ) [الحديد: 19].
ولقد برهن الصدق عن أهله وشرفهم، كما في قصة الثلاثة الذين صدقوا مع الرسول، ولم يعتذروا بالكذب مثل المنافقين؛ فتاب الله عليهم وعفى عنهم، حيث اعترفوا بذنبهم، وصدقوا في قولهم.
وقال تعالى: (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) البقرة: من [الآية177]، وكذلك الصدق مع الناس في مواعيدهم ومكالماتهم.
ويكفي في فضل الصدق، أنه من صفات المؤمنين، ويكفي في ذم الكذب، أنه من صفات المنافقين: (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) [البقرة:10] .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في ذم المنافقين: " أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كان فيه خصلة منهن، كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا ائتمن خان" وفي لفظ "إذا خاصم فجر".
وبين النبي صلى الله عليه وسلم فضل الصدق وثمرته الطيبة، في حديث ابن مسعود رضي الله عنه المتفق عليه فقال: " عليكم بالصدق؛ فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق؛ حتى يكتب عند الله صديقاً، وإياكم والكذب؛ فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب، ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً".
وكذلك حديث الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك؛ فإن الصدق طمأنينة/ والكذب ريبة". حديث صحيح قاله الترمذي.
وكذلك حديث أبي سفيان، في بيان دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم للناس، حين سأله هرقل ملك الروم قال: " كان يأمر أن نعبد الله، ولا نشرك به شيئاً، وأن ندع ما كان يعبد أباؤنا، ويأمر بالصلاة والصدق والصلة".
ويترتب على الصدق: المحبة، وتقوية الروابط الأخوية بين المسلمين، في مواعيدهم،وفي بيعهم، وفي انتشار الخير والبركة, كما قال صلى الله عليه وسلم: " البيّعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا؛ بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما؛ محقت بركة بيعهما".
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) [الأحزاب:35].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.