المجيب
كلمة (المجيب) في اللغة اسم فاعل من الفعل (أجاب يُجيب) وهو مأخوذ من...
العربية
المؤلف | صالح بن عبد الله الهذلول |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
إن الإسلام يهدف إلى إقامة مجتمع نظيف، لا تهاج فيه الشهوات في كل لحظة، ولا تستثار فيه دفعات اللحم والدم في كل حين؛ لأن عمليات الإستثارة المستمرة تنتهي إلى سعار شهواني لا ينطفئ، ولا يرتوي، والنظرة الخائنة، والحركة المثيرة، والزينة المتبرجة -وهي تحصل في اختلاط الجنسين-كلها لا تصنع شيئاً إلا أن ..
وبعد: الاختلاط يأتي بمعنى التداخل، ومنه اختلاط الرجال بالنساء، أي التداخل بينهم.
ويكون على ثلاث حالات:
الأولى: اختلاط النساء بمحارمهن من الرجال، وهذا لا إشكال في جوازه.
الثانية: اختلاط النساء بالرجال الأجانب بغرض الفساد، وهذا لا إشكال في تحريمه.
والثالثة: اختلاط النساء بالرجال الأجانب من غير محارمهن في المدارس والجامعات والمعاهد، والمحلات التجارية والمكاتب والمستشفيات والحفلات، ونحوها.
من المعلوم أن الله تعالى جبل الرجال على القوة والميل إلى النساء، وجبل النساء إلى الميل إلى الرجال مع وجود ضعف ولين، فإذا وقع الاختلاط بين الجنسين نتج عنه انشغال كل منهما بالآخر، والنفس أمَّارة بالسوء، والهوى يُعمي ويصم، والشيطان يأمر بالفحشاء والمنكر.
معشر المؤمنين: الشريعة المطهرة مبنية على المقاصد ووسائلها، والوسائل لها حكم المقاصد، فالنساء مواضع قضاء وطر الرجال، والشارع الحكيم سد الأبواب المفضية إلى تعلق كل فرد من أفراد النوعين بالآخر من غير طريق الحلال.
والأدلة من الوحيين متضافرة على المنع، فمن ذلك: قول الله سبحانه: (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) [يوسف:23]، ووجه الدلالة: أنه لما حصل اختلاط بين امرأة عزيز مصر، وبين يوسف -عليه السلام-، ظهر منها ما كان كامناً -رغم أنها متزوجة- فطلبت منه أن يواقعها، ولكن الله تعالى أدركه برحمته فعصمه منها، وذلك في قوله -جل ذكره-: (فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [يوسف:34].
إن الاختلاط إذا وجد اختار كل من النوعين من يهواه من النوع الآخر، وبذل ما يستطيع من الوسائل ليصل إليه ويناله.
والدليل الثاني على منع الاختلاط وتحريمه أن الله تعالى أمر الرجال والنساء بغض البصر، فقال -جل وعز-: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ) [النور:30-31]، فأمر الله تعالى المؤمنين والمؤمنات بغض البصر، والأمر يقتضي الوجوب، وبين سبحانه أن ذلك أزكى وأطهر.
وخاطبهم بوصف الإيمان، وهو أعلى وصف وأشرفه ليعلم الجميع أنه لا حصانه لأحد في الاختلاط، حتى المؤمنين، ومخالفة هذا الأمر يوقع في الحرج، وقد يجر إلى ما وراء ذلك.
[إن الإسلام يهدف إلى إقامة مجتمع نظيف، لا تهاج فيه الشهوات في كل لحظة، ولا تستثار فيه دفعات اللحم والدم في كل حين؛ لأن عمليات الإستثارة المستمرة تنتهي إلى سعار شهواني لا ينطفئ، ولا يرتوي، والنظرة الخائنة، والحركة المثيرة، والزينة المتبرجة -وهي تحصل في اختلاط الجنسين-كلها لا تصنع شيئاً إلا أن تهيج ذلك السعار الحيواني المجنون، وإلا أن يفلت زمام الأعصاب والإرادة، فإما الإفضاء الفوضوي الذي لا يتقيد بقيد، وإما الأمراض العصبية والعُقَد النفسية الناشئة من الكبح بعد الإثارة، لأنها أشبه ما يكون بعملية تعذيب... والنظرة تثير، ثم النبرة المعبرة عن هذا الميل تثير]، والوقاية خير من العلاج.
معشر الأفاضل: ومن الأدلة على تحريم الاختلاط، ما رواه الإمام أحمد في المسند عن أم حميد امرأة أبي حميد الساعدي -رضي الله عنها- أنها جاءت النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقالت: يا رسول الله، إني أحب الصلاة معك. قال: "قد علمتُ أنك تحبين الصلاة معي، وصلاتُكِ في بيتك خير من صلاتِكِ في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي". قال، فأمرت فبني لها مسجد في أقصى بيت من بيوتها وأظلمه، فكانت والله تصلي فيه حتى ماتت!.
وروى ابن خزيمة في صحيحه عن عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن أحب صلاة المرأة إلى الله في أشد مكان في بيتها ظلمة".
فإذا كان المشروع والأفضل في حق المرأة أن تصلي في بيتها، وأنه أفضل حتى من الصلاة في مسجد الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومعه، فلأن يمنع الاختلاط من باب أولى.
ومن الأدلة أيضاً: ما رواه مسلم وغيره عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها"، فوصف النبي -صلى الله عليه وسلم- أول صفوف النساء بالشر، والمؤخر منهن بالخيرية، وما ذلك إلا لبعد المتأخرات من الرجال عن مخالطتهم ورؤيتهم، وتعلق القلب بهم عند رؤية حركاتهم وسماع كلامهم، وذم أول صفوفهن لحصول عكس ذلك.
ووصف آخر صفوف الرجال بالشر إذا كان معهم نساء في المسجد لفوات التقدم والقرب من الإمام، ولقرب الصفوف المتأخرة من صفوف النساء اللائي يشغلن البال، وربما أفسدن عليه العبادة، وشوشن النية والخشوع.
فإذا كان الشارع الحكيم بيَّن هذه المعاني، وأنها متوقعة الحصول في مواطن العبادة، مع أنه لم يقع اختلاط، وإنما هو مقاربة ذلك، فكيف إذا وقع الاختلاط، وتعمد النساء التجمل والتزين والتطيب، مع الجراءة على الضحك والمحادثة والنظر، وربما المداعبة؟ (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلَاً عَظِيمَاً) [النساء:27].
الخطبة الثانية:
الحمد لله، أرسى قواعد الملة بالبراهين والبينات، وحفظ الدين من البدع والضلالات، أمر وحض على استباق الخيرات، ونهى وحذر عن المحرمات.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، رب الأرض والسماوات، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، الهادي إلى رضوانه، وجنته، اللهم صل على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وسلم تسليماً.
أما بعد: ومن الأدلة على تحريم الاختلاط بين الرجال غير المحارم والنساء، ما رواه الإمام مسلم عن زينب زوجة عبدالله بن مسعود -رضي الله عنهما- قالت: قال لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيباً".
وروى الإمام أحمد والشافعي في مسنديهما وأبو داوود في سننه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، ولكن ليخرجن وهن تفلات"، أي تاركات للطيب.
قال ابن دقيق العيد: فيه حرمة التطيب على مُريدة الخروج إلى المسجد؛ لما فيه من تحريك داعية الرجال وشهوتهم، وربما يكون سبباً لتحريك شهوة المرأة أيضاً... ويلحق بالطيب ما في معناه، كحسن الملبس والحلي الذي يظهر أثره، والهيئة الفاخرة.
ومن الأدلة على تحريم الاختلاط ما رواه أسامة بن زيد -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: " ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء" متفق عليه. قال العلماء: كيف يجمع بين الفاتن والمفتون، ثم يستبعد أن يقع محذور؟!.
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فناظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء" رواه مسلم. والعاقل من اتعظ بغيره.