البحث

عبارات مقترحة:

المحسن

كلمة (المحسن) في اللغة اسم فاعل من الإحسان، وهو إما بمعنى إحسان...

الوكيل

كلمة (الوكيل) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (مفعول) أي:...

وقل اعملوا

العربية

المؤلف مراد كرامة سعيد باخريصة
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. شؤم مخالفة الأعمال للأقوال .
  2. تفرُّق الأمة مصيبة كبيرة .
  3. مفاسد عدم الاتحاد لوضع حلول لمشاكل اليمن الطارئة .
  4. مفاسد الحلول المستوردة على اليمن وأهلها .
  5. شدة معاناة اليمنيين من الاقتتال والفرقة. .

اقتباس

ألم يأنِ لنا أن تجتمع كلمتنا، وتتوحد صفوفنا، وتلتقي راياتنا؛ لتصب في هدف إقامة الدين، وتحكيم شرع رب العالمين، وتقديم مصالح البلد على مصالح الآخرين؟! ألم يأن لنا أن نشد أزر بعضنا، ونتعاون فيما بيننا، ونفرض أنفسنا بدلاً من انتظار الآخرين ماذا سيفعلون بنا، وماذا سيحققون لنا، وماذا سيقررون إذا اجتمعوا في المؤتمرات لأجل قضايانا؟! أليست كل الفصائل تدّعي أنها قامت من أجل مصلحة البلاد وخدمة العباد، فإذا كان هذا هو الهدف حقّاً فمصالح البلد معروفة، ومطالبه واضحة، واحتياجاته معلومة ومفهومة، ولم يبقَ إلا تنفيذها وتحقيقها. إن علينا جميعاً أن نفهم أن المؤتمرات الخارجية لن تفيد قضايانا شيئاً، وغالباً ما تضرنا أكثر مما تنفعنا...

الخطبة الأولى:

الحمد لله...

عباد الله: إن الأمة اليوم تحتاج إلى الأفعال لا إلى الأقوال، وتشتاق إلى التطبيق الفعلي لا إلى التنظيرات والفلسفات والكلام القولي؛ فقد سئمنا من الكلام، ومللنا من التصريحات الجوفاء، وشبعنا من المؤتمرات والندوات، وحفظ الناس الأساليب الإعلامية الرخيصة وعبارات الشجب والاستنكار وكلمات التشدق والتقعر، والذي ينقصنا اليوم هو التطبيق على أرض الواقع والتنفيذ الذي يلمسه الناس بأنفسهم ويرونه بأم أعينهم.

لقد ذم الله -سبحانه وتعالى- في كتابه العظيم الكلام الذي لا يتبعه فعل، وعاب على من يقول ولا يطبق فقال -سبحانه وتعالى- ناهياً عن ذلك (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) [الصف: 2- 3].

إن واقعنا اليوم مليء بأمثال هؤلاء الذين يهدرون كثيراً ويتكلمون كثيراً، ثم تأتي إلى رصيد أفعالهم فتجد أن أفعالهم لا تساوي شيئاً عند أقوالهم، وهذا هو واقع أكثر الناس اليوم إلا من رحم الله على المستوى العام والخاص.

كم في البلد اليوم من أحلاف ومجالس، وهيئات وتكتلات، ومؤسسات وشركات وتجار كبار ورجال مال وأعمال، ومع هذا كله لو نظرنا فقط إلى حال البلد مع الكهرباء مثلاً:

ألا يستطيع كل هؤلاء أن يعملوا للناس حلاً لهذه المشكلة المتكررة والمأساة الصعبة التي نعاني منها في كل عام وفي كل يوم؟

هل من المعقول أن يقف التجار والكبراء والمؤسسات والشركات والهيئات عاجزين عن حل مشكلة بسيطة كهذه المشكلة ويتركون الناس يتألمون والأطفال يبكون والعجزة في البيوت يئنون ويصيحون دون أن يسمعوا لأنينهم ويرحموا ضعفهم ويضعوا حلاً لهم؟!

أين هؤلاء جميعاً من سد هذا الأمر وحل هذه المشكلة، ووضع معالجات لهذه المعضلة، وخاصة في مثل هذه الأجواء الملتهبة والحرارة المرتفعة والرطوبة الزائدة؟

أسألكم بالله هل تجارنا فقط -لو استثنينا الشركات والمؤسسات والأحلاف والهيئات- يعجزون عن ذلك ولا يستطيعون أن يعملوا خيراً مع هذا الشعب المسكين المظلوم المغلوب على أمره؟!

أليست الفرصة اليوم فرصتهم لخدمة حضرموت وأهلها، وعمل ما في وسعهم عمله بعد ذهاب أكثر المعوقات التي كانت تعيقهم وتتحكم فيهم وفي مقاليد الأمور وشئون البلد، بدلاً من الانتظار القاتل أو البكاء على الأطلال وعرض المأساة دون فرض الحلول؟

لا يأتي أحد ويدعي أن معالجة مشكلة الكهرباء أو غيرها من مشاكلنا الداخلية أمر صعب جداً جداً، أو أن إصلاحها غير قابل للتنفيذ .. كلا لأن لكل مشكلة مهما بلغت صعوبتها وكل قضية مهما كانت شائكة إذا تضافرت عليها الجهود وصَدقت فيها النوايا وخلُص فيها العمل لله -سبحانه وتعالى- وحده؛ فإن الثمرة ستتحقق، والنتيجة ستأتي، والحل سيكون بإذن الله، والله سبحانه بمنّه وفضله سيعطي العاملين على قدر جهدهم وصدقهم وعملهم، وما علينا إلا التحرك والعمل وعلى الله -سبحانه وتعالى- التدبير والتيسير وتحقيق الخير وحصول المكاسب.

وأقرب دليل على ذلك من واقعنا مشكلة القات، كلنا كنا نقول: إن اجتثاثه من البلاد أمر مستحيل وإخراجه منها شيء صعب، وعدم السماح له بالدخول توقع خيالي، وحاول الكثيرون من قبل الهبة ومن بعدها منعه ومحاولة إخراج أسواقه من داخل المدن على الأقل، ومع ذلك باءت كل المحاولات بالفشل، واليوم -بفضل الله وحده- ثم بتضافر الجهود والعزم الصادق على التنفيذ وقع التنفيذ وحصل المنع، وتعطلت تلك الأسواق الموبوءة المشئومة التي دمرت أسرنا وشتّت طاقات أبنائنا، وأهدرت أموال شبابنا واجتمعت أسر بأبنائها بعد شتات دام أكثر من خمس عشرة سنة، وفرح الجميع إلا الشواذ بتنفيذ هذا القرار المبارك.

وفي هذا درس عظيم لنا جميعاً بأن كل شيء سيصلح وكل مشكلة عويصة قابلة للحل، ولكن إذا خلصت النيات وتحولت الأقوال إلى أفعال وتُرجم الكلام إلى التطبيق.

لا نريد اليوم من يتكلم نريد اليوم من يعمل ويفعل لا نريد اليوم تكتلات وأحلافًا ومجالس وتحزبات وفِرقًا وأحزابًا، فإنه يكفينا الذي فينا، وإنما نريد من يشتغل بإخلاص ويعمل بصمت يريد وجه الله، ويبتغي الأجر منه وكسب رضاه.

ليس من الضروري أن ينتمي الإنسان الذي يريد أن يعمل إلى حزب معين أو حلف مشكّل أو جهة بعينها، وإنما يستطيع الواحد منا أن يكون أمة بمفرده وجماعة لوحده كما قال الله سبحانه وتعالى عن سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً) كان يساوي أمة كاملة مع أنه شخص واحد فما هو السر يا ترى؟! اسمعوا إلى تمام الآية قال الله: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [النحل: 120]، فقنوته لربه وتوحيده له وتضرعه إليه وصدقه مع الله، وإخلاصه العمل لأجل الله -سبحانه وتعالى- هو الذي جعله أمة بمفرده، ويساوي أمة بأسرها.

اليوم يجب علينا أن نتحرك ونسعى ونبذل ونعمل ما في وسعنا؛ كلّ بحسب استطاعته، وكلّ بما في قدرته، فالحاجة كبيرة والثغرات كثيرة، وهموم البلد ومشاكله عظيمة والكلام كثير والعمل قليل، وهذا يتحتم على كل واحد منا أن يبذل ما في وسعه ويعمل بكل جهده وطاقته، فمن كان قوياً بنفسه فليشارك بنفسه، ومن كان قوياً بعقله وتفكيره فليشارك بآرائه وحلوله، ومن كان غنياً فلينفق من ماله، ويبذل من وسعه ولا يستحقر أحد نفسه أو يقلل من دوره؛ فكلٌّ ميسر لما خُلق له.

يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "طوبى لعبد أخذ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعث رأسه، مغبرة قدماه إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، إن استأذن لم يؤذن له وإن شفع لم يشفع".

والله سبحانه وتعالى يقول: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)[النحل: 76]، كلا، لا يستوون.

بارك الله لي ولكم ..

الخطبة الثانية:

الحمد لله...

والله لن يصلح حال البلد إلا إذا كان كل مكون، أو طرف أو جهة، أو تكتل يقدم مصلحة البلاد والعباد على مصالح الحزب والجماعة والمكون الذي ينتمي إليه، أما إذا كانت المكونات أو الأطراف والجهات تنتظر الحلول المستوردة والأوامر الخارجية، وتتلقى أوامرها من الخارج أو تستمد قوتها وتتلقى دعمها من غيرها؛ فلن يصلح الحال، ولن يزداد الوضع إلا سوءًا وتفرُّقًا.

ولا حلّ لنا ولا اجتماع لكلمتنا واتحاد لقوتنا إلا إذا اجتمعنا واتحدنا تحت كلمة التوحيد، وأُلغيت كل الرايات والتوجهات لتصير راية واحدة وأمة واحدة، كما قال الله تبارك وتعالى: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [البقرة: 213].

اليوم أمامنا فرصة سانحة وهبة نادرة نستطيع فيها أن نُثبت أنفسنا ونفرض واقعنا ونقول كلمتنا ونظهر توحدنا، ونحقق أهدافنا، ونحقق ما كنا نسعى إليه.

ولكن للأسف الأيام تثبت أننا لم ندرك هذه الفرصة، ونخشى أن تضيع بتفرقنا وتشرذمنا وعدم توحدنا، فكل فصيل -إلا من رحم الله- يعمل لوحده، وكل تكتل يريد أن يحيّد الآخرين، ويفرض نفسه ويستأثر بالأمور لصالحه، ويحب أن يكون له الحكم والسلطان دون غيره.

ألم يأنِ لنا أن تجتمع كلمتنا، وتتوحد صفوفنا، وتلتقي راياتنا؛ لتصب في هدف إقامة الدين، وتحكيم شرع رب العالمين، وتقديم مصالح البلد على مصالح الآخرين؟!

ألم يأن لنا أن نشد أزر بعضنا، ونتعاون فيما بيننا، ونفرض أنفسنا بدلاً من انتظار الآخرين ماذا سيفعلون بنا، وماذا سيحققون لنا، وماذا سيقررون إذا اجتمعوا في المؤتمرات لأجل قضايانا؟!

أليست كل الفصائل تدّعي أنها قامت من أجل مصلحة البلاد وخدمة العباد، فإذا كان هذا هو الهدف حقّاً فمصالح البلد معروفة، ومطالبه واضحة، واحتياجاته معلومة ومفهومة، ولم يبقَ إلا تنفيذها وتحقيقها.

إن علينا جميعاً أن نفهم أن المؤتمرات الخارجية لن تفيد قضايانا شيئاً، وغالباً ما تضرنا أكثر مما تنفعنا، وتذهب أدراج الرياح دون تنفيذ أو تطبيق إلا فيما هو لصالحهم، وكم! وكم من مؤتمرات عُقدت، واجتماعات نُفذت، وكلمات قِيلت، وتصريحات أُلقيت، وكلها في النهاية لا تسمن ولا تغني من جوع!! ويبقى الواقع كما هو؛ لأنها اجتماعات جوفاء ليس لها أي رصيد في الواقع، تولد ميتة وتخرج بقرارات وهمية أكثر من كونها حقيقية، وكأنها تتحدث عن أوهام وخيالات وأحلام ليس لها وجود في الحقيقة.

وأنى لها أن تحقق في الواقع شيئاً، وأغلب من يقوم على هذه المؤتمرات وأكثر من يحضرها ويشرف عليها هم من النخب السياسية الدبلوماسية العالية التي تعيش خارج البلد، وهي أصلاً بعيدة كل البعد عن الواقع الذي يعايشه الناس ويكابدونه.

ثم يأتي أولئك من الأبراج العالية والفنادق الراقية والغرف المغلقة والكراسي الفخمة ليقرروا ويحكموا على واقع لا يوجدون في ميدانه، ولا يعيشون بين أهله، ولهذا تنتهي هذه المؤتمرات في كل مرة عند البيان الختامي ويتبعه في العادة مؤتمر يتبعه مؤتمر، واجتماع وراءه اجتماع، والعدو يشتغل ويقتل ويحتل ويسيطر.

ولو أنهم صرفوا تلك الأموال الطائلة والمبالغ الهائلة التي تُصرف على عقد تلك المؤتمرات والاجتماعات في حل مشاكل البلد لحلوا بها الكثير والكثير من المشاكل والمعاناة التي يعاني منها الناس.

علينا أن نقتنع ونقنع أنفسنا أنه لا حل لكل مشاكل بلدنا إلا في الرجوع إلى كتاب الله، والتمسك بهدي الله، والالتفاف حول شرع الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فهذا هو الحل والنجاة من كل فتنة، والمخرج من كل محنة، والاجتماع لكل فرقة.

أما غير ذلك من الحلول المستوردة فإنما هي الشتات والضياع والفتنة والتحزب والتفرق، والقيل والقال، والكيد والتناحر، وسوء الأحوال، وتحكم الأمم والذلة والخزي والعار.

يقول الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ * إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) [الأنفال: 20- 23].

ويقول جل وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) [الأنفال : 24].

يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في مسند أحمد: "لَئِنْ أَنْتُمُ اتَّبَعْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَتَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللهِ، لَيُلْزِمَنَّكُمُ اللَّهُ مَذَلَّةً فِي أَعْنَاقِكُمْ، ثُمَّ لاَ تُنْزَعُ مِنْكُمْ حَتَّى تَرْجِعُونَ إِلَى مَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ، وَتَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ".

وصلوا وسلموا...