التواب
التوبةُ هي الرجوع عن الذَّنب، و(التَّوَّاب) اسمٌ من أسماء الله...
العربية
المؤلف | صالح بن عبد الله الهذلول |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصيام |
ومن مسائل الصيام التي يتعين معرفتها: لو أفطر شخص لمصلحة الغير، كمن ينقذ غريقاً، أو إطفاءً لحريق، أو احتاج شخص مريض إلى دمه، وكان مهدداً بالموت فللعلماء في ذلك قولان: الأول: يلزمه القضاء والإطعام عن كل يوم مسكيناً، قياساً على ..
الصيام: تعبُّدٌ لله تعالى بالإمساك عن الأكل والشرب وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وهو واجب بالنص والإجماع، ورتبته في الدين الإسلامي أنَّه أحد أركانه.
ويجب الصوم بشروط خمسة: أولها: الإسلام، فالكافر لا يلزمه الصوم، ولا يصح منه. والثاني: أن يكون بالغاً، عاقلاً.
والثالث: القدرة على الصيام؛ فإن كان عاجزاً عن الصيام عجزاً طارئاً من مرض أو سفر، فعدة من أيام أخر، وإن كان عجزه دائماً من مرض لا يرجى برؤه، أو شيخوخةٍ وهرم ٍ فإنه يطعم عن كل يوم مسكيناً، لكل مسكين نصف صاع من أي طعام.
وإن صنع طعاماً، أو اشترى وغدَّى أو عشَّى مساكين بعدد الأيام التي عليه أجزأه، ويطعم عن كل يوم بيومه، وإن أخره إلى آخر يوم صح ذلك منه.
والشرط الرابع من شروط وجوب الصيام في رمضان: الإقامة، فلا يجب الصوم على المسافر لنص الآية.
والمسافر مخير بين الفطر والصيام، والخلاف في أيهما أفضل في حقه؟ والصحيح أنه يفعل الأيسر به، إلا إن كان في الصوم ضررٌ حال سفره، فيحرم عليه الصوم؛ لقوله تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) [النساء:29].
وإن كان الفطر والصيام سواءٌ، فالأولى الصيام لأنه أسرع إلى إبراء الذمة، ولأنه أسهل على المكلف غالباً، حيث يصوم مع الناس، وليدرك الزمن الفاضل، وهو رمضان.
أما إن كان يشق عليه لكنه لا يضره الصيام، فالفطر أولى، أخذاً بالرخصة الشرعية، فإن الله تعالى "يجب أن تؤتى رخصه، كما يجب أن تؤتى عزائمه".
والشرط الخامس -عباد الله- من شروط وجوب الصوم في رمضان: الخلو من الموانع: وهذا في حق النساء، والموانع: الحيض والنفاس، فلا يلزمهما الصوم، بل لا يصح منهما، بإجماع أهل العلم.
أيها المسلمون: إذا طهرت الحائض أثناء نهار رمضان، أو قدم مسافر مفطراً أثناء النهار، أو برئ مريض أثناء النهار في رمضان، فلا يلزمهم الإمساك بقية يومهم، وإنما يلزمهم القضاء بعد رمضان، على الراجح من أقوال العلماء.
ومن مسائل الصيام التي يتعين معرفتها: لو أفطر شخص لمصلحة الغير، كمن ينقذ غريقاً، أو إطفاءً لحريق، أو احتاج شخص مريض إلى دمه، وكان مهدداً بالموت فللعلماء في ذلك قولان: الأول: يلزمه القضاء والإطعام عن كل يوم مسكيناً، قياساً على الحامل والمرضع إذا خافتا على ولديهما. وذهب آخرون إلى أنه يلزمه القضاء فقط؛ لأن النص إنما ورد في الحامل والمرضع دون غيرهما.
معشر الصائمين: التكلف في النية ليس من الشرع، (قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللهَ بِدِينِكُمْ) [الحجرات:16]؟ فمَن نام بعد العشاء في أول ليلة من ليالي رمضان، ولم يعلم بالخبر إلا حين أصبح لصلاة الفجر، وصام، فإن صومه صحيح، ولا يدخل هذا في عدم تبييت النية قبل طلوع الفجر، لأن حقيقته أنه مضمر في نفسه لو كان غداً رمضان لصام.
كما لا يلزمه التكلف في استحضار النية كل ليلة، لأنه من المعلوم أن كل مسلم يعلم يقيناً أنه في رمضان، وأن الصوم واجب، فهو مستحضر النية أصلاً، (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج:78].
ثم اعلموا -أيها الأفاضل- أن أصول المفطرات ثلاثة، تنتظمها الآية الكريمة: (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) [البقرة:187].
وقد أجمع العلماء على مدلول هذه الآية، فيحرم على المسلم إدخال شيء إلى معدته من شراب أو طعام عن طريق الفم سواء كان نافعاً أو ضاراً، أو لا نفع فيه ولا ضرر، كما لا يجوز ذلك لو كان عن طريق الأنف، لأن الأنف منفذ يصل إلى المعدة، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "وبالِغْ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً".
ومما يُفطر الصائم تعمد القيء، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَن استقاء عمداً فليقْضِ، ومن ذرعه القيء -أي: بدون اختياره-، فلا قضاء عليه" أخرجه أحمد والترمذي.
والاستمناء يفسد الصوم، وهو طلب خروج المني بأي وسيلة، فإذا أنزل فسد صومه، ثبت ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث القدسي عن ربه -عز وجل-: "يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي" متفق عليه. والاستمناء شهوة، وخروج المني شهوة.
أمَّا مَن احتلم فلا يفسد صومه، لأن النائم غير قاصد لذلك.
إخواني الصائمين: إذا دخل شهر رمضان عل مسلم مريض من أول الشهر، أو صام بعضاً منه ثم حدث المرض. فما حكم ذلك؟.
إن كان يرجى برؤه بقي الصوم عليه واجباً حتى يشفى، فإن استمر به المرض حتى مات، فهذا لا شيء عليه، لأن الواجب عليه القضاء ولم يدركه.
وإن كان مرضه مما يرجى زواله، ثم عوفي، ثم مات قبل أن يقضي ما عليه، صام عنه وليه، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَن مات وعليه صوم، صام عنه وليه" متفق عليه.
وهذا أمكنه القضاء ولم يفعل، فيصوم عنه وليه، وهو الوارث استحباباً لا وجوباً، والذي صرف الأمر للاستحباب قوله تعالى: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) [الأنعام:164]، فإن لم يفعل وليه الصيام تعين الإطعام عنه، عن كل يوم مسكيناً.
أما إن كان مرضه مما لا يرجى زواله فعليه الإطعام ابتداءً , لكن؛ لو فرض أن الله تعالى عافاه وكان قد أطعم فلا يلزمه الصوم؛ لأنه يجب عليه الإطعام, وقد أطعم فبرئت ذمته إذاً.
اللهم وفقنا لهدي كتابك، واتباع سنة نبيك -صلى الله عليه وسلم-، وأعنا على صيام رمضان وقيامه، وتقبل منا يا كريم.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، ولي الصالحين، يدافع عن المؤمنين، ويوفق الطائعين، يمن على يشاء باستباق الخيرات، ويشرح صدر من يشاء إلى فعل الطاعات والقربات، واغتنام الأوقات، مَن تعرَّض لنفحاته سعد وفاز، ومن فرط وسوف وتساهل خسر خسراناً مبيناً. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له...
أما بعد: فثمة مسائل تتكرر ويكثر السؤال عنها تتعلق بمفطرات الصوم، ومن ذلكم: بخاخ الربو، فذهب العلامتان ابن باز وابن عثيمين، وكذا اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة إلى أنه لا يفطر، لأن البخاخ يتبخر، ولا يصل إلى المعدة، وإنما يصل إلى القصبات الهوائية، وقياساً على المضمضة والسواك.
ومن ذلكم -أيضاً- منظار المعدة، فذهب جمهور العلماء إلى أن من أدخل شيئاً إلى جوفه أفطر ولو كان غير مغذ، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: إنما الفطر مما دخل، وليس مما خرج.
وذهب بعض المالكية وشيخ الإسلام ابن تيمية إلى أن ما دخل إلى المعدة لا يفطر إلا ما كان طعاماً أو شراباً، وهو اختيار ابن عثيمين أن المنظار لا يفطر إلا إذا وضع مع المنظار مادة دهنية مغذية تسهل دخول المنظار، فهذا يفطر الصائم بهذه المادة لا بدخول المنظار؛ لأنه لا يفطر إلا المغذي.
وهو مذهب الحنفية، حيث اشترطوا استقرار الداخل في الجوف، وأن لا يبقى منه شيء في الخارج، بينما المنظار لا يستقر في الجوف، بل يبقى طرفه في الخارج.
وأما قطرة الأنف فتفطر إذا وجد طعمها في الحلق، وأما إذا لم يجد ذلك فلا تفطر.
وأما غاز الأكسجين الذي يحتاجه بعض مرضى الجهاز التنفسي فلا يفطر؛ لأنه ليس أكلاً ولا شرباً ولا في معناهما، ومثله بخاخ الأنف، وكذلك قطرة العين والأذن لا تفطران.
أما المراهم واللصقات العلاجية وقطرة الأذن، وغسول الأذن، وقطرة العين، وكحل العين، فهذه كلها لا تفطر؛ وكذلك الحقنة الجلدية أو العضلية لا تفطر؛ لأنها ليست أكلا ولا شرباً، ولا بمعناهما، خلافاً للحقنة الوريدية المغذية، فإنها تُفطر؛ لأنها في معنى الأكل والشرب.
أما التبرع بالدم، فيقاس على الحجامة، فيفطر المتبرع بالدم، وأما أخذ عينة من الدم للتحليل، فلا تفطر لأنها قليلة لا تضعف الجسم.
اللهم كفر عنا سيئاتنا، وتوفنا مع الأبرار.
اللهم...