الرب
كلمة (الرب) في اللغة تعود إلى معنى التربية وهي الإنشاء...
العربية
المؤلف | صالح بن عبد الله الهذلول |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
والسبب الجامع الذي أراه ينتظم كل الأسباب في فشل الزواج هو التهاونُ والتساهل والتفريط حال الاستعداد والتجهيز للزواج، وترْكُ الأمر يقوده السفهاءُ والنساءُ، والضعفُ في أخذ الأمور بحزم وجدية، والتقليد الأعمى؛ فلان فعل ونحن لم نفعل! ومن المعلوم والبديهي أن الخطأ لا يورث إلا خطأً مثله، ولا يقود ..
أما بعد:
معشر المؤمنين بالله ورسوله: يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض" أخرجه الترمذي وابن ماجه والحاكم وحسنه الألباني.
يتقدم الشاب إلى أحد الآباء يخطب بنته، والأب لا يطعن في دين المتقدم، ولا في خلقه، ولا أهليَّته، ولا تكافئه، لكنه مع ذلك يرفضه ويرده؛ طمعاً في أن يتقدم من هو أكثر منه وجاهة، أو الأغنى مالاً، أو الأعلى مرتبة ووظيفة، ونحو ذلك من الأسباب المادية البحتة. إن الأب بهذا التصرف يكون وقع في المخالفة الشرعية.
وحتى لو رضيه الأب ورفضته البنت، فإن رفض البنت يكون في الغالب غيرَ مدروس، وإنما تخلصاً من ذلك الموقف، فلا تحسن إلا عبارة الرفض.
وكان الأولى بأبيها أو وليها أن يحسن عرض الأمر عليها، ويناقشها بهدوء، ويخبرها أن لا مطعن على من تقدم إليها، وعليها القبول؛ امتثالاً لأمر النبي -صلى الله عليه وسلم-: "فزوِّجوه"؛ وحذراً من الوقوع في مخالفته الذي قد تجر إليها العنوسة والتأخر في الزواج، أو أن تبتلى بزوج قد لا ترضى خلقه فيما بعد.
معشر المؤمنين: لعل تهاون كثير من الناس في هذا الأمر هو أبلغ أسباب العنوسة التي يشتكي منها الكثير من الآباء بتكدس بناتهم في البيوت.
يروي أحد الذين شاركوا في عملية التعداد السكاني أنه أثناء عملية التعداد ذهبنا إلى بيوت كثيرة، ووجدنا في بعض هذه البيوت غرائب وأعاجيب: امرأة في الثلاثين، وأخرى في الأربعين، وثالثة في الستين، وكلهن من غير زواج.
ويقول آخر: ذهبنا إلى بيت فوجدنا فيه خمس عوانس أعمارهن من الثلاثين إلى الخامسة والأربعين.
ويقول شيخ كبير تجاوز السبعين من عمره، وعمله تأجير البيوت: دخلنا بيوتاً فيها نساء أبكار في الستين والسبعين يشتمن المجتمع والأقارب، ويلعنّ من كان السبب في بقائهن عوانس إلى هذا السن، إذ لا يجدن مَن يقدم لهن الطعام والشراب، ولا من يناولهن الدواء، ولا يستطعن قضاء حوائجهن بسهولة ويسر، الآباء غير موجودين، وإن وجدوا فهم كبار يحتاجون إلى مَن يخدمهم، والإخوة مشغولون بأنفسهم وبيوتهم وأعمالهم وأولادهم، والأخوات كذلك.
وطبيبة تصرخ وتقول: خذوا شهاداتي وأعطوني زوجاً! تقول: الساعة السابعة من صباح كل يومٍ وقتٌ يستفزني، يستمطر أدمعي، لماذا؟! أركب خلف السائق متوجهة إلى عيادتي، بل إلى مدفني، بل زنزانتي.
ثم تقول: أجد النساء بأطفالهم ينتظرنني، وينظرن إلى معطفي الأبيض وكأنه بردةُ حريرٍ فارسية، وهو في نظري لباس حدادٍ عليّ.
ثم تواصل قولها: أدخل عيادتي، أتقلد سماعتي وكأنها حبل مشنقة يلتف حول عنقي، العقد الثالث يستعد الآن لإكمال التفافه حول عنقي، والتشاؤم ينتابني على المستقبل.
ثم تصرخ وتقول: خذوا شهاداتي ومعاطفي وكلَّ مراجعي، وجالبَ السعادة الزائفة(تعني المال)، وأسمعوني كلمة ماما!.
كان بإمكانها أن تجمع بين عمل الطب وأن تكون زوجة وأماً متى ما وازنت بين الأمرين واعتدلت في تناول شؤون الحياة ولم تغلب أمرا على آخر، ومتى رضيت ووافقت على الزواج ممن تقدم أياً كان إذا رضيت دينه وخلقه.
عباد الله: ولبعض الأمهات نصيب كبير في تلك المشكلة الاجتماعية التي باتت تؤرق العقلاء؛ إذ يتقدم الكفؤ إلى البنت فيوافق الأب عليه، وليس عند البنت مانع أيضا، لكن الأم تقف أمام ذلك؛ إما أنها تريد بنتها لأحد أقاربها هي(أي أقارب الأم)، أو طمعاً في خدمة البنت أو راتبها، أو ترى أنها لازالت صغيرة وليست على مستوى تحمل المسئولية! بينما البنت قد جاوزت العشرين أو الخمس وعشرين سنة!.
وقد تعارض الأم زواج بنتها لخلاف بينها وبين الأب لكون الأم مطلقة، أو غير مطلقة، لكن ثمة توافق بينها وبين الأب في كثير من القضايا، فتغلّب هواها وتنتصر لرأيها الأعوج، وتكون البنت المسكينة هي الضحية.
وإليكم نموذجاً مما أشرت إليه: فهذه فتاة من أسرة طيبة معروفة بأخلاقها، ووالدها كذلك، تقدم لخطبتها شاب مستقيم صالح، ولكن الأمور في هذه الأسرة ليست بيد الوالد، ولا بيد الفتاة، ولا بيد إخوتها؛ بل الأمر فيها إلى الوالدة.
وبعد أن تم العقد، وتكلف الشاب بتأثيث بيته الذي تفرض نوعيةَ الأثاث أمُّ البنت، وتتدخل في كل صغيرة وكبيرة، وحان موعد الزفاف في قصرٍ ضخم، وكانت أم البنت قد دعت مغنيةً لإحياء الحفل(بل لإماتته)، عندها صعق الشاب بهذه التكاليف الباهضة التي لا يستطيع القيام بحملها، والأم مصرة على قرارها، والأب ضعيف الشخصية لم يستطع أن يغيّر في الأمر شيئاً!.
وحاول الزوج معهم مع توسط أهل الخير، لكن المحاولات كلِّها باءت بالفشل، فما وجد الزوج حلاً سوى الانفصال عن تلك الفتاة!.
ثم تقدم إلى أسرة أخرى، واستخار الله تعالى، وحين علموا أنه شاب صالح سرعان ما زوجوه، ورزق بذرية، أما الفتاة الأولى فظلت في بيت أبيها عانساً، ووصل سنها إلى الرابعة والثلاثين لا يقربها الخطاب لكبر سنها أولاً، ولطلاقها ثانياً. اللهم...
الخطبة الثانية:
الحمدلله الذي خلق الإنسان من طين، ثم سواه ونفخ فيه من روحه، فأكرمه، وأعلا قدره، وفضله على كثير ممن خلق تفضيلاً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
يقول -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ مِن يُمْن المرأة تيسيرَ خطبتها، وتيسيرَ صداقها، وتيسيرَ رحمها" أخرجه احمد وابن حبان و البيهقي.
ومعنى تيسير رحمها: أي للولادة. قال عروة، أحد رواة الحديث: وأنا أقول من عندي، من أول شؤم المرأة أن يكثر صداقها، يعني مهرها. اهـ.
معشر الفضلاء: يتساءل البعض عن أسباب فشل بعض الزواجات التي تتم، الفشل الذي يتمثل في مظاهر مختلفة، منها الطلاق، ومنها التنغيص المستمر بين الزوجين الجديدين الذي قد تبدأ فعالياته من أول ليلة الدخول عليها -نسأل الله العافية-، ومنها الامتناع عن المباشرة بين الزوجين بسبب أحدهما أو كليهما، أو المعاناة الشديدة عند ذلك لتنقلب اللذة إلى همّ، ونحو ذلك.
والسبب الجامع الذي أراه ينتظم كل الأسباب في فشل الزواج هو التهاونُ والتساهل والتفريط حال الاستعداد والتجهيز للزواج، وترْكُ الأمر يقوده السفهاءُ والنساءُ، والضعفُ في أخذ الأمور بحزم وجدية، والتقليد الأعمى؛ فلان فعل ونحن لم نفعل! ومن المعلوم والبديهي أن الخطأ لا يورث إلا خطأً مثله، ولا يقود إلا للخسارة والندم، ولات حين مندم!.
ومظاهر ذلك تشاهد من خلال ما يلي:
أولاً: كثرة تدخل الأم(أم الزوج أو أم الزوجة)، وهي تظن أن من حقها المطلَق أن تطَّلع وتشرف على كل شيء يخص العروسين أثناء الإعداد للعرس أو بعد ذلك، وهي في الوقت الذي تفرض فيه فيه آراءً واقتراحاتٍ عوجاء نتيجة جهلها أو غلبةِ هواها ترى أنها عين الحكمة.
وثانياً: المبالغة في المهور أو ما يدخل تبعاً لها مما يطلب من الزوج، أو تفرض عليه، تقلب كرامة حياته الجديدة إلى متسولٍ هنا وهناك وتلقي بظلٍ ثقيل على نظراته من الشباب الذين لم يتزوجوا بعد: أن الزواج يعني الديون والهم، فيعزفون عنه، أو يؤخرونه.
ومن الملاحظ والمعلوم أن كثيراً من النفقات الباهظة التي تتم قبل الزواج لا يعود على الزوجين من نفعها شيء؛ كالإسراف في حفلة الزواج من دعوة القريب والبعيد، واستئجار أفخر القصور تجهيزاً، والاتفاق مع بعض المطاعم الخاصة مما يسمى البوفيه المفتوح، ونحو ذلك من مظاهر التفاخر والتكاثر التي لا يحمدهم عليها أحد؛ بل أخبرني أحد الأخوة أنه حضر زواجاً جرت فيه المظاهر السابقة مما دعا أحد الحاضرين أن يدعوا عليهم بعدم التوفيق لشدة امتعاضه مما رأى من مظاهر البذخ.
ثالثاً: مِن أسباب فشل الزواج التشبه بالكافرين والكافرات مما طرأ على الناس حديثاً، وهي بعيدة في الأصل عن روح الإسلام وسماحته وبساطته، ومن ذلكم ما يسمى بالكوشة، تصنع للعروس تجلس فيها ليلة الدخلة، وتكلف مبالغ كبيرة لا داعي لها، وقد حذرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- من التشبه بالكفار.
ومن مظاهر التشبه زفة العروس؛حين تمشي مشية معينة بهدوء وتقارب خطىً أمام النساء، مصحوبة بنغمات موسيقى، ويشتد الأمر نكارة إذا كان الزوج معها.
رابعاً: مظاهر التكلف المتمثلة في صور شتى، منها: تأخير الزواج انتظاراً لأحد أقارب الزوج أو الزوجة أن يقدم من سفره، أو يخرج من المستشفى.
ومن مظاهر التكلف: ما يسمى بالكوفيرا، وهي المرأة التي تجمل العروس لزوجها، فيبالغ في ذلك، بل يتوسع في الأمر ليشمل أم العروس وأخواتها، مما ينفق فيه أموال لا فائدة منها، وثمرتها الوحيدة التفاخر، وإثقال كاهل العروسين، بدعوى الفرح وإظهار السرور بالزواج.
أيها المسلمون: ومما يَسر ويُفرح، ويبعث الأمل الحسن في النفوس ظاهرةٌ وسنةٌ حسنة بدأت تأخذ مكانها في بعض الزواجات، وهي الحفل الجماعي؛ بأن يقام حفل واحد لزواجات متعددة، الأمر الذي يخفف النفقة، ويحدُّ من الإسراف، ويوثق المحبة، وينمي التآلف والتقارب والمودة بين المسلمين.
أخبرني أحد الأفاضل أنه حضر زواجاً في الرياض لأربعة من الشباب، كل واحٍد من قبيلة، وينتمي إلى منطقة بعيدة عن الأخرى، مما أثار إعجاب ودهشة الحاضرين، وشكْرهم، والدعاءَ لهم بالتوفيق والسعادة والهناء.
وكم تحسن بعض الجمعيات الخيرية وتنشر من الوعي والخير حين تعمد إلى صنع حفلِ زواجِ عددٍ من الشباب في ليلة واحدة ومكان واحد، فجزاهم الله خيراً وأجزل في مثوبتهم.