البحث

عبارات مقترحة:

الحيي

كلمة (الحيي ّ) في اللغة صفة على وزن (فعيل) وهو من الاستحياء الذي...

السيد

كلمة (السيد) في اللغة صيغة مبالغة من السيادة أو السُّؤْدَد،...

المقيت

كلمة (المُقيت) في اللغة اسم فاعل من الفعل (أقاتَ) ومضارعه...

رضا الله تعالى واستقبال العشر المباركة

العربية

المؤلف إبراهيم بن صالح العجلان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات
عناصر الخطبة
  1. رضا الله غاية الغايات .
  2. طلب الأنبياء والمرسلين لرضا الله تعالى .
  3. كيف يدرك العبد رضا ربه؟! .
  4. أحق الناس برضوان الله .
  5. فضائل عشر ذي الحجة .

اقتباس

لأجلِ رضا اللهِ سعى الأنبياءُ وعَمِلُوا، وصابَرُوا وصَبَرُوا، فهذا كَلِيْمُ الرَّحمنِ موسى بنُ عمرانَ يقولُ: (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى)، ودعا نبي الله سليمان: (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ)، وسأل زكريا ربَّه ..

الحمد للهِ الكريمِ الحليمِ، هو الأوَّلُ والآخرُ، والظاهرُ والباطنُ، وهو بكلِّ شيءٍ عليمٌ، أحمدُه سبحانَه وأشكرُه على فضلِهِ وخيْرِه العَميمِ، وأشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له ربُّ السموات وربُّ الأرضِ ربُّ العرشِ العظيمِ، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، هدانا بأمرِ الله إلى صراطٍ مستقيمٍ، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبِه وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا. 

أمَّا بعد: فاتَّقوا لله -معاشرَ المسلمينَ- حقَّ التَّقْوى، فمن اتَّقى ربَّه، شَرَحَ اللهُ صدرَه، ويسَّرَ له أمرَه، ووسَّعَ له رِزْقَه: (فَمَنْ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ[الأعراف:35].

إخوة الإيمان: مَنْ مِنَّا لم يطلبْها!! مَنْ مِنَّا لمْ يخْفِقْ قلبُهُ شَوْقًا إليها!! كم يَهُونُ التَّعبُ من أجلِها!! وكم يَحلوْ السَّهرُ في سبيلِها!!

هي الغايةُ التي يَصْغُرُ دونها كلُّ مطلوبٍ، والنِّهايةُ التي يتضاءَلُ بعدها كلُّ مرغوبٍ، فكَمْ تَلَجْلَجَتْ لها الدَّعَواتُ!! وكم تَرَقْرَقتْ في سبيلها الدمعات!!

فاللهم يا حيُّ يا قيوم يا ذا الجلالِ والإكرامِ ارْضَ عنَّا.

مرضاةُ اللهِ -تبارك وتعالى- أمنيّةٌ تنفهق لها أرواحُ المؤمنينَ، وأَمَلٌ تَتَطلَّعُ إليه نفوسُ الصالحينَ، وهَمٌّ تَتَحَرَّك له هِمَمُ العاملين.

فهنيئًا لنفوسٍ مؤمنةٍ رضيَ عنها ربُّها، هنيئًا لنفوسٍ مؤمنة تَكْنَفُها مرضاةُ اللهِ هنا، ثم تُكافَأ هناك: (فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي[الفجر29 :30].

لأجلِ رضا اللهِ سعى الأنبياءُ وعَمِلُوا، وصابَرُوا وصَبَرُوا، فهذا كَلِيْمُ الرَّحمنِ موسى بنُ عمرانَ يقولُ: (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى[طه:84]، ودعا نبي الله سليمان: (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ[النمل:19]، وسأل زكريا ربَّه الولد: (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً[مريم:5]، ثم سأل له الرِّضا من ربِّه: (وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً[مريم:6].

وكان من دعاء سيِّد البشرِ -صلى الله عليه وسلم- في حال السَّفر: "اللهم إنِّي أسألك البِرَّ والتَّقْوى، ومن العمل ما ترضى".

وأخبرَ سبحانه أنَّ أهلَ طاعتِه يُسافرونَ ويَعملُون، ويَنْصَبُونَ ويَجْهَدُونَ، كلُّ ذلك ابتغاءَ مرضاةِ الله: (وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَاناً) [المائدة:2].

كم في النفسِ مِنْ حُبِّ المالِ، وَرَغْبَةِ الإمساكِ، ولكن هذه الشهوةَ تُجَاهَدُ وتُلْجَمُ بالإيمانِ طلبًا لرضوان الله، ومن الأمثلةِ التي ضرَبَها الله في القُرآنِ: (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ[البقرة:265].

كيفَ لا يَطْلُبُ العبدُ مَرْضَاةَ اللهِ ونِعَمُه سبحانَه تدَّفَّق عليه بكرةً وعشيًَّا؟! كيفَ لا يَطْلُبُ العبدُ مَرْضَاةَ ربِّه ولُطْفُ اللهِ يَكْسُوهُ في شدَّتِه ورخائِه؟! كيفَ لا يَطْلُبُ العبدُ رضا الرَّحمن وجنَّةُ الرَّحمنِ لا تُدخلُ إلا بعد رِضا خالقها؟!

فيا أخي المبارك: هل تُريدُ أنْ تكونَ عندَ ربِّك مَرْضيًّا؟! أبْشِرْ أُخيَّ فرِضا الله سبيلٌ مُدْرَك، فأعْمالٌ صالحاتٌ، وطاعاتٌ يسيراتٌ يُدْرِكُ بها العبدُ هذه الغايةَ المَنْشُودةَ، فاسْتَجْمِعْ معي هذه الأعمالَ، لعلَّنا وإيَّاك ننتَظمُ مع قافلةِ أهلِ الرِّضوانِ.

يا مَنْ يرجو رضوانَ اللهِ: اِعْلَمْ -رحمك الله- أنَّ أعظمَ عملٍ يُدْرَك به هذا الفَضْلَ هو الإيمان والعمل الصالح، إيمانٌ لا يخالطه شكٌّ ولا شِرْكٌ، وعملٌ صالحٌ لا يَشُوبُه رياءٌ ولا بِدْعَةٌ.

وإذا وفِّقَ العبدُ للإيمانِ والعملِ والثَّبات عليه كان مِنْ خيرِ النَّاسِ في دنيا النَّاس، واستحقَّ بعدَها -بفضل من الله- أنْ يكونَ مِنْ أهلِ الرِّضوان: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ[البينة7 :8].

عباد الله: نِعَمُ اللهِ على الخلقِ دارَّةٌ لا تنقضي، وشُكْرُ المُنْعِمِ سبحانَه باللسانِ والجوارحِ والجَنَانِ عَمَلٌ صالحٌ يُحِبُّه اللهُ ويرضى عن أهلِه، قال تعالى: (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) [الزمر:7].

وفي الحديث عند مسلم: "إنَّ اللهَ لَيَرْضَى عَنِ العَبْدِ أنْ يَأكُلَ الأَكْلَةَ، فَيَحمَدَهُ عَلَيْهَا، أَوْ يَشْرَبَ الشّرْبَةَ، فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا".

وحِينَ يَجْعَلُ العبدُ موالاةَ اللهِ فوقَ كلِّ شيء، فيحبُّ ما يُحبُّه اللهُ، ويُبْغِضُ ما يُبغِضُهُ اللهُ، ويوالي للهِ، ويُعادي للهِ، يَكْتُبُ اللهُ سبحانه له جزاءَ عملِه إيمانًا، ويزيدُه رضوانًا: (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْه[المجادلة:22].

وفي محكم التَّنزيل وَعَدَ ربُّنا -جلَّ جلالُه- الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِى جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ الله أَكْبَرُ، استَحَقُّوا هذا الرِّضْوَانَ بأعمالٍ صالحاتٍ هي: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ[التوبة:71].

إخوة الإيمان: للوالدينِ حقُّ في الدنيا وأَيُّ حَقٍّ، ويتأكد الحقُّ ويزيدُ إذا شابَ منهما الرأسُ، وتجعَّدَ الوجْهُ، واحْدَوْدَبَ الظَّهْرُ، وتقاربَتِ الخُطَا، فإرضاؤُهما وإِسْعَادُهُما سببٌ لرِضَا اللهِ عنِ العبدِ، قال من لا ينطق عن الهوى: "رِضَا اَللَّهِ فِي رِضَا اَلْوَالِدَيْنِ، وَسَخَطُ اَللَّهِ فِي سَخَطِ اَلْوَالِدَيْنِ". أَخْرَجَهُ اَلتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ اِبْنُ حِبَّانَ.

وكم من ولدٍ ابتسمتْ له الحياةُ، وطابَ له العيشُ، وبُوْرِكَ له في عَمَلِه وَرِزْقِه بسببِ برِّه بوالدَيْه أو أحدِهما، وهذه بعضُ ثمراتِ البِرِّ في الدنيا، وما عندَ اللهِ خيرُ وأبقى.

نبي الله إسماعيل -عليه السلامُ- كان من أهل الرضوان، قال تعالى: (وكان عندَ ربِّه مَرْضِيًَّا[مريم:55]، وذكر سبحانه أهمَّ أعمالِهِ الصَّالحةِ، التي استحق بها أنْ ينالَ رضا الله أنَّه كان صادق الوعد، وكان يأمرُ أهلَهُ بالصَّلاةِ والزَّكاة.

وأَسْعَدُ النَّاسِ برضوانِ اللهِ -عزَّ وجلَّ- هُمْ من اطمأنَّتْ أنفسُهم بالله ربًّا، وبالإسلامِ دينًا وبمحمدٍ -صلى الله عليه وسلم- نبيًّا، ثم نَطَقَتْ ألْسِنَتُهم بهذا الرِّضا، قال -عليه الصَّلاةُ والسلامُ-: "مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَقُولُ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي ثَلاثَ مَرَّاتٍ: رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَبِيًّا، إِلا كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُرْضِيَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". رواه الإمامُ أحمدُ وغيرُه، وهو حديثٌ صحيح.

البلاءُ والمكدِّراتُ مصائبُ كَتَبَها اللهُ على الإنسانِ في هذه الدَّارِ، ولذا كان حَمْدُ العبدِ واسْتِرْجاعُه على ما يصيبُه من لأْوَائِها سببٌ لرضا الله عن العبد، قال سيِّدُ البشرِ -صلى الله عليه وسلم- بعد أنْ فُجِعَ بموت ابنه إبراهيم: "إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ، وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلا نَقُولُ إِلا مَا يُرْضَى رَبُّنَا".

عباد الله: وأحقُّ النَّاسِ برضوانِ اللهِ هم من اتَّبعوا هديَ وسبيلَ سَلَفِ الأُمَّةِ بإحسانٍ: (وَالسَّابِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ[التوبة:100].

وربُّكم -تبارك وتعالى- جوادٌ كريمٌ؛ إذا رَضِيَ عنِ العبدِ أثابَهُ، وإذا أثابَهُ أرضاهُ، ولذا تكرَّرَ في الكتاب العزيز: (رَضِيَ اللهُ عَنْهُم وَرَضُوا عَنْهُ).

فيا أخي المبارك: ليكن رضا ربِّك أكبرَ همِّك، ومشروعَك الأولَ في الحياة، فهو خيرٌ لك في دينِك ودنياك، ولا تَلْتَفِتْ يمينًا وشمالاً وإنْ أَنِفَكَ مَنْ أَنِف، وسَخِطَ عليكَ مَنْ سَخِطَ، ولْيَكُنْ حالُك كما قال الشاعر:

فليتَكَ تَحْلُو والحياةُ مَـرِيـرةٌ

وليتَكَ ترضَى والأنامُ غضابُ
إذا صَحَّ مِنْكَ الوِدُّ فالكلُّ هَيِّنٌ وكلُّ الذي فَوقَ التُّرَابِ تُرَابُ

جاء في الحديث الحسن الذي خرَّجه التِّرمذي وغيرُه: "مَنْ الْتَمَسَ رِضَا اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ، وَمَنْ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ".

فرضا النَّاسِ غايةٌ لا تدرك، ورضا الخالق غايةٌ لا تترك، فاترك ما لا يُدْرَك، وأدرك ما لا يترك، رضا النَّاس كما قال القائلُ:

ضَحَكْـتُ فقالـوا ألا تحتَشِم

بَكيتُ فـقالــوا ألا تَبْتَسِـمْ
بَسَمْتُ فــقالوا يُـرائي بها عَبَسْتُ فقالوا بَدَا ما كَـتَــمْ
صَـمَتُّ فقـالوا كليلَ اللسانِ نَطَقْتُ فقــالوا كـثيرَ الكَلِمْ
حَلِمْتُ فقالوا صـنيعُ الجـبانِ ولـو كــان مُقْتَدِرًا لانْتَقَـمْ
فأيقـنتُ أنـي مهمـا أردتُّ رضـا الـنَّاس لا بـدَّ أن أُذَمْ

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله فاستغفروه.

الخطبة الثانية:

الحمد لله وحده، والصَّلاة والسَّلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أمَّا بعد:

فيا إخوة الإيمان: وها نحنُ نتحيَّنُ موسمًا من مواسم الرحمة والرِّضوان، أيَّامٌ يُحِبِّها اللهُ ويَرْضاها، ويَجزي أهلَها الجزاءَ المُضَاعَفِ.

لقد عمَّ فضل الله على أُمَّة محمد وطاب، بهذه العَشْرِ المُباركات التي أوْدعَ اللهُ فيها من الخيريةِ والفضائِلِ ما لمْ يُودِعْهُ في غيرها، ويكفي اسْتِشْعارًا لفضلها أنَّ الجهادَ في سبيلِ اللهِ -والذي هو ذَرْوةُ سَنَامِ الإسلامِ، وأََعَدَّ اللهُ لأهله مائةَ درجة في الجنَّة- لا يعادل أجرُه وثوابُهُ العملَ الصالحَ في مثلِ هذه الأيَّامِ، قال -عليه الصَّلاةُ والسَّلاُم-: "مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ، قَالُوا: وَلا الْجِهَادُ؟! قَالَ: وَلا الْجِهَادُ، إِلا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ". رواه البخاري.

فهذه الأيام الغالية حقُّها أنْ يُفرحَ ويُحتفى في استقبالها، حقُّها أن تُجدَّد فيها التَّوبةُ الصَّادقةُ مع اللهِ، فكلنا مقصر، وكلنا ذلك الخطَّاء. حقُّ هذه الأيام الثمينة أن تُملأَ بالذكرِ والقرآنِ، والبِرِّ والإحسانِ، ومن وصايا نبينا -صلى الله عليه وسلم- فيها: "فأكثروا فيهنَّ من التهليل، والتَّكبير، والتَّحميد".

وثبت عن حبِيبنا -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يصوم تسع ذي الحِجَّةِ. رواه النسائي وصححه الألباني.

فأيَّامُكم القادمةُ قليلٌ زمانها، لكنَّها مَلأَى بكنوزِ الحسناتِ وعظيمِ الأجورِ، فليكن شعارنا ولسان حالِنا: لعلي لا ألقاكِ بعدَ عامي هذا.

اللهم أعِنَّا لعمل الصَّالحات، وجنِّبنا المنكرات، واهدنا لسبيل الرَّشادِ، ووفِّقنا للاستعداد ليوم المعادِ.

وصلوا على خير البرية، وأزكى البشرية...