الواحد
كلمة (الواحد) في اللغة لها معنيان، أحدهما: أول العدد، والثاني:...
العربية
المؤلف | صالح بن عبد الله الهذلول |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
يقول الله -تبارك وتعالى-: (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ)، وذلك يومَ القيامة يومَ الزلازل والأهوال، حينما يأتي الجليل لفصل القضاء بين عباده ومجازاتهم، فيكشف عن ساقه الكريمة التي لا يشبهها شيء، فيرى الخلائق من جلال الله وعظمته ما لا يمكن التعبير عنه ولا وصفه، وحينئذ يدعون إلى السجود لله تعظيماً، فيسجد ..
أما بعد: فإن الله -تعالى- في كتابه المبين كثيراً ما يمدح الذين يقيمون الصلاة، في مثل قوله -تعالى-: (الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) [البقرة:1-3].
وقال جل ذكره: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ) [البقرة:43]، وقال -سبحانه-: (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ) [الأعراف:170].
وقال -جل شأنه-: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) [الحج:41]، وغير ذلك من آي الكتاب العزيز التي تنص على إقامة الصلاة.
وإقامة الصلاة -معشر المؤمنين- ليس أداؤها فقط؛ فالله -تعالى- لم يأمر بالصلاة حيثما أمر، ولا مدح بها حيثما مدح إلا بلفظ الإقامة -وليس الأداء فقط- تنبيهاً على أن المقصود بها توفية شروطها، والإتيان بهيئاتها كاملة مستكملة الفرائض والسنن، لا الإتيان بالهيئة فقط.
وقول الله -تعالى- على لسان خليلة إبراهيم -عليه السلام-: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ) [إبراهيم:40]، أي: وفقني لتوفية شرائطها وآدابها كاملة.
عباد الله: يقول الله -تبارك وتعالى-: (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ) [القلم:42]، وذلك يومَ القيامة يومَ الزلازل والأهوال، حينما يأتي الجليل لفصل القضاء بين عباده ومجازاتهم، فيكشف عن ساقه الكريمة التي لا يشبهها شيء، فيرى الخلائق من جلال الله وعظمته ما لا يمكن التعبير عنه ولا وصفه، وحينئذ يدعون إلى السجود لله تعظيماً، فيسجد المؤمنون الذين كانوا يسجدون لله طوعاً واختياراً، ويعجز غيرهم.
روى الشيخان في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "يكشف ربنا عن ساقه -يعني يوم القيامة- فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة، ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياءً وسمعة، فيذهب ليسجد فيعود ظَهره طبقاً واحداً".
وأولئك الذين لا يستطيعون السجود يوم القيامة هم الذين كانوا في الدنيا (... وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ) [القلم:43]، قادرون على السجود، لكنهم يستكبرون، ويرفضون السجود.
لمَّا قيل لأحد الكفار عن الصلاة، رفضها وقال: أكره أن يعلوني دبري؛ يعني حال السجود، فعاقبهم الله -تعالى- يوم القيامة بنقيض ما كانوا عليه، عوقبوا بالذلة المرهقة، والأبصار الخاشعة المقابلان للهامات الشامخة والكبرياء المنفوخة في الدنيا، (خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ...) [القلم:43].
عباد الله: نجد بعض المصلين يتكبر أن يعطي السجود حقه والركوع حقه، ففي السجود لا يمكِّن جبهته، وربما لا يمس أنفه الأرض، ويُبقي كفيه مقبوضتين، أو لا يسجد منها إلا أطراف الأصابع فقط.
وفي الركوع لا يحني ظهره إلا قليلاً، وكأنه يستعيب أن يأتي بالركوع المشروع المسنون، وهو أن يجعل رأسه حيال ظهره واضعاً يديه على ركبتيه مفرقاً أصابعه مطمئناً في ركوعه.
أو يستعيب أن يفعل السجود المشروع على أعضائه السبعة: الجبهة مع الأنف واليدين والركبتين، وبطون أصابع الرجلين، مطمئناً في ذلك، مستقبلاً بأصابع رجليه ويديه القبلة، ضاماً أصابع يديه، ماداً لها، مجافياً عضديه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه، وفخذيه عن ساقيه، ويرفع ذراعيه عن الأرض؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اعتدلوا في السجود، ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب".
ليعلم الكفار الذين لا يصلون مطلقا، وكذا المفرطون من المسلمين في شأن الصلاة، والمتساهلون في إقامتها، ولا يؤدونها في وقتها أنهم في خطر عظيم، وأن إمهال الله لهم في الرزق أو الصحة أو الأمن أو الجاه أو المنصب والعمل إنما هو استدراج لمصير أسوأ، وعاقبة مؤلمة، فليتنبه المفرطون، وليستدركوا حالهم قبل فوات الأوان، فكيد الله متين، يبلغ كل مبلغ...
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي جعل الصلاة على المؤمنين كتاباً موقوتاً، وأمرهم بإقامتها بشرائطها وسننها، حتى غدت للمؤمنين أنساً وسلوة وراحة وقوتا، يحزنون إذا فاتتهم، ويفزعون إليها إذا الضراء مستهم.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، جعل الله قرة عينه في الصلاة، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه البررة الأزكياء وسلم تسليماً كثراً.
أما بعد معشر الفضلاء: فإن الصلاة عبادة تقرب صاحبها من ربه، قال -تعالى-: (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) [العلق:19].
إلا أن هذا القرب يتفاوت، فعلى قدر إقبال المصلي على ربه وخشوعه بين يديه، يكون اقتراب ربه منه، كما جاء في الحديث: "لا يزال الله مقبلاً على العبد في صلاته ما لم يلتفت، فإذا صرف وجهه انصرف عنه" رواه أحمد وأبو داوود والنسائي.
وفي عصرنا هذا، نرى ظاهرة بدت تفشو بين المصلين، وهي التساهل في حضور الجماعة، بل إن بعضهم ربما أخر بعض أداء الصلوات حتى يخرج وقتها، ولا يندم، ولا تؤلمه خطيئته أو تحرقه معصية التفريط، ظناً منه أن عمله مشروع، تأثراً بما يسمع من فتاوى تسهل من شأن الصلاة، و يرى أصحابها عدم كفر تارك الصلاة، وعدم وجوب الجماعة.
ومنشأ هذا الرأي نابع من عقيدة أولئك الذين يعتقدون مذهب المرجئة في أن الإيمان قول باللسان، وتصديق بالقلب، ولا يدخلون العمل في مسمى الإيمان، فأخذوا يغلِّفون عقائدهم بما يبثونه من فتاوى عبر القنوات الفضائية أو مواقع الشبكة.
يظن المتساهلون من شبابنا أن في الأمر رخصة وسَعَة؛ فليتق الله أولئك المفرطون، وليعلموا أن أول من يتبرأ منهم أمام الله -تعالى- يوم القيامة هم أولئك المصدرون لتلك الفتاوى، وليعلموا أن كل نفس بما كسبت رهينة، فلن ينفك عملك عنك، وستجد حسابه وافياً.
فاحرص على ما ينفعك، واعلم بأنك تتعامل مع علام الغيوب.
هذا وصلوا...