البحث

عبارات مقترحة:

البر

البِرُّ في اللغة معناه الإحسان، و(البَرُّ) صفةٌ منه، وهو اسمٌ من...

السبوح

كلمة (سُبُّوح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فُعُّول) من التسبيح،...

المنان

المنّان في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) من المَنّ وهو على...

التفكر في الريح والرياح

العربية

المؤلف سعود بن ابراهيم الشريم
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التاريخ وتقويم البلدان
عناصر الخطبة
  1. الرياح آية من آيات الله في الكون .
  2. أنواع الرياح .
  3. النظرة المادية للظواهر الكونية .
  4. القرآن يشرح أنواع الرياح وأسبابها .
  5. الريح من جند الله .
  6. آداب التعامل مع الريح .

اقتباس

وقد جعلَ الله سبحانه تصريفَ الرِّياح من الآيات لقومٍ يعقِلون، فتكون باردةً وحارةً، وجنوبًا وشرقًا، وشمالاً ودبورًا، وتُثيرُ السَّحاب وتُؤلِّفُ بينَه، وتجعلُه رُكامًا يخرُج الودْقُ من خلاله، وتكونُ لواقِح للمطر والنبات، ومصدرًا للطاقة الكهربائية، والطواحين، وسير السُّفن، وحركة الطيران، ولا يُخرِجُها ذلكم كلُّه عن ..

الحمد لله المُتوحِّد في الجلال بكمال الجمال تعظيمًا وتكبيرًا، المُتفرِّد بتصريف الأحوال على التفصيل والإجمال تقديرًا وتدبيرًا، المُتعالي بعظمته ومجده، الذي نزَّل الفُرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله المُؤيَّد بالمُعجزات، والمنصورُ بالصَّبا من ربِّ البريَّات، عليه من الله أفضلُ صلاةٍ وأزكى تسليمٍ، وعلى آله بيته الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وعلى أصحابه ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله-، واعلموا أن أحسنَ الحديث كلامُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمور مُحدثاتُها، وكلَّ مُحدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وعليكم بجماعة المُسلمين؛ فإن يدَ الله على الجماعة، (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) [النساء: 115].

أيها الناس: آيةٌ من آيات الله في هذا الكون العظيم، تتوقَّفُ عليها الحياة في جسم الإنسان الحي، وتبعثُ النشاطَ والحركة، وتمنحُ العزيمةَ بعد الفتور، بوجودها يقوَى الإنسانُ بعد ضعفٍ، ويتَّسِعُ بعد ضيقٍ، إن تفكَّرَ فيها المرءُ ازدادَ إيمانًا بربِّه، وعلِمَ أنه خالقُ كلِّ شيءٍ ومليكُه، وأنه لا إله بحقٍّ سِواه.

هي آيةٌ في الأرض وفي السماء، أقسمَ الله بها في كتابه، وقد ذكَرَها الباري -جلَّ شأنه- في مُحكَم التنزيل مُتصرِّفةً في تسعةٍ وعشرين موضِعًا، وكلُّ قسَمٍ يُقسِمُه الله في كتابه فهو عظيمٌ، (وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) [الواقعة: 76].

كما أن له -سبحانه- أن يُقسِمَ بما شاءَ من مخلوقاته وآياته التي جعلَها عِظةً وعبرةً لأُولي الألباب، وحُجَّةً وحسرةً على كل غافلٍ عنها، لا يذكُرُ اللهَ بها، ولا يؤوبُ إليه بالنظر فيها ممن يصدُقُ فيهم قولُه -سبحانه-: (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ * وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) [يوسف: 105، 106].

نعم، لقد أقسمَ الله بهذه الآية العظيمة أربع مراتٍ في كتابه العزيز، فقد قال -سبحانه وتعالى-: (وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا * فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا * وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا) [المرسلات: 1- 3]، وقال -سبحانه-: (وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا) [الذاريات: 1]. إنها آيةُ الرِّيح والرياح -عباد الله-.

الرِّيح التي يُصرِّفُها الله كيف يشاءُ مُطيعةً له -سبحانه-، إنما يقول لها: كوني، فتكون، مُذلَّلةً لخالقها ومُدبِّرها كما ذلَّت السماوات والأرضُ له -سبحانه وتعالى-، (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) [فصلت: 11].

وقد جعلَ الله -سبحانه- تصريفَ الرِّياح من الآيات لقومٍ يعقِلون، فتكون باردةً وحارةً، وجنوبًا وشرقًا، وشمالاً ودبورًا، وتُثيرُ السَّحاب وتُؤلِّفُ بينَه، وتجعلُه رُكامًا يخرُج الودْقُ من خلاله، وتكونُ لواقِح للمطر والنبات، ومصدرًا للطاقة الكهربائية، والطواحين، وسير السُّفن، وحركة الطيران، ولا يُخرِجُها ذلكم كلُّه عن كونها آيةً من آيات الله، ومحلاًّ لإطلاق الفِكر والنظر في ملكوت السماوات والأرض وما خلقَ الله من شيءٍ.

وإن تعجَبوا -عباد الله-، فعجبٌ وصولُ فِكر بعض المُسلمين إلى درجةٍ من الهوان العقليِّ والدُّونِ العلميِّ؛ حيث إنهم قد خُدِعوا بدراساتٍ ومُعتقَداتٍ وثقافاتٍ ليست من الإسلام في شيءٍ، تجعلُ النظرةَ إلى الظواهر الكونيَّة، والكوارِث المُشاهَدة نظرةً ماديَّةً بحتةً، من جهة مصدرها، وسببها، ومن جهة التعامُل معها، في زمنٍ يُدرِكُ فيه بعضُ من يُنسَبُون إلى غير الإسلام في دراساتهم واكتشافاتهم لأحوال تلك الظواهر أن الأمرَ ليس مُوكولاً إلى الطبيعة لا ابتداءً ولا انتهاءً، وأن هذه الرِّياح لها حكمةٌ وحكيمٌ مُدبِّرٌ يعلمُ وهم لا يعلَمون.

وربما ازدادَ عجبُهم، بل وربما أسلمَ بعضُهم حينما يعلمُ أن الإسلامَ قد أصَّلَ هذا الجانبَ، وأن الرِّياحَ خلقٌ من مخلوقات الله العجيبة في كونه العظيم.

ففي الوقت الذي يظنُّ فيه بعضُهم أنه بلغَ درجةً من الاكتِشافِ لأسرار الرِّياح بعد أبحاثٍ ومُضيِّ أعمارٍ على أن الرِّياح لا تخلو من أربع حالاتٍ: إما أن تكون رِيحًا ساكنةً، أو رِيحًا هادئةً ساكِنةً عليلةً، أو رِيحًا عاصِفةً، أو رِيحًا قاصِفًا.

وتبلغُ الدهشةُ أوجَها، والمُفاجأةُ ذروتها حينما يعلَمون أنّ كتاب الله -سبحانه- قبل خمسة عشر قرنًا من الزمان قد بيَّن هذه الأصنافَ للرِّيح بهذا الترتيب في زمن الأمة الأُمِّيَّة التي لا تقرأُ ولا تكتُب؛ فقد قال -سبحانه وتعالى- عن الرِّيح الساكِنة: (وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ * إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) [الشورى: 32، 33].

وقد كان المفهومُ عند عموم المُفسِّرين الذين فسَّروا كتابَ الله تعالى منذ أمدٍ بعيدٍ أن المقصودَ بذلكم هي السُّفُن الشراعِية التي لا تستطيعُ السيرَ في البحر إذا سكَنَ الهواء، وإذا بالإعجاز العلميِّ في القُرآن الكريم يُبهِرُنا بأنه قد سبقَ الاكتِشافات الحديثة، وأنَّ الرِّيح إذا سكَنَت سُكونًا تامًّا فلن تستطيع السُّفُن السيرَ على البِحار؛ لا السُّفُن الشِّراعيَّة، ولا السُّفُن البُخاريَّة، ولا السُّفُن العملاقة التي تعملُ بالطاقة النوويَّة؛ لحاجةِ كلِّ مصادر الطاقة المُستخدَمة في دفع تلك السُّفُن إلى أوكسجين الهواء، فإذا سكنَت الرِّيح انعدمَ الأوكسجين فركَنَت السُّفُن.

وقولوا مثلَ ذلكم في الطائرات والطواحين الهوائيَّة ونحو ذلكم.

وأما الرِّيحُ الطيبة والرِّيحُ العاصِف، فقد ذكرَها الله بقوله: (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ...) [يونس: 22] الآية؛ حيث إن الموتَ يصِلُ في الارتفاع إلى درجةٍ تعلُو فوقَ السُّفُن، مع شدَّةٍ في السُّرعة مُغرقة، حيث استحالَت رِيحًا عاصِفًا بعد أن كانت رِيحًا طيبَةً.

وأما الرِّيحُ القاصِف، فهي التي تُسمَّى الإعصار، وهي التي تكونُ بشكلٍ عموديٍّ إلى السماء، وتجعلُ أمواجَ البحر شاهِقةً تُدمِّرُ السُّفُن وتغرَقُ بسببها، وقد يكونُ الإعصارُ فيه نارٌ، وقد يكونُ بلا نارٍ، وهو الأكثر.

ومن الاكتِشافات الحديثة عند رُوَّاد الأبحاث الجيولوجيَّة والجُغرافيَّة أنَّ الإعصارَ الذي فيه نارٌ إنما يكونُ ويتولَّدُ من حرائق الغابات الكثيفة، ومن المعلوم بداهةً أن القُرآن أُنزِل على أمَّةٍ يغلِبُ عليها الوضعُ الصحراويُّ وتُفتقَد فيه الغابات، ومع ذلك قال الله -سبحانه وتعالى- في زمنهم: (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) [البقرة: 266].

فها هو كتابُ الله قد سبقَهم بخمسة عشر قرنًا من الزمان، دينًا حقًّا قِيَمًا، هو صِبغةُ الله: (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ) [البقرة: 138].

وبعدُ -يا رعاكم الله-:

فإن الرِّيحَ جندٌ من جنود الله، تكونُ رأفةً لعباده المُؤمنين، وبُشرى بين يدي رحمته، تُقِلُّ سحابًا ثِقالاً فيسوقُه الله إلى بلدٍ ميِّتٍ ليُسقِيَه مما خلقَ أنعامًا وأناسِيَّ كثيرًا، وتكونُ نعمةً لعباد الله المُؤمنين، وهي من جنود ربِّ العالمين -سبحانه- حين يُرسِلُها على عدوِّهم ومن بغَى عليهم؛ فقد صحَّ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "نُصِرتُ بالصَّبا". رواه مسلم.

والصَّبا هي الرِّيحُ الشرقيَّة.

لم يُحصِ جُندَ الله في ملَكوته

غيرُ العليم القاهر التوَّابِ
قد أنجزَ النصرَ العظيمَ لعبده بجنُودِه كالرِّيحِ في الأحزابِ

وقد تكون الرِّيح نقمةً وعذابًا يرسِلُه الله على من يشاءُ من عباده وهو الحكيمُ العليمُ؛ فقد أهلكَ عادًا بالدَّبُور العقيم الصَّرصَر: (وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ) [الحاقة: 6]، وأهلكَ بها الأحزابَ الذين تآمَروا على النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، فقال الله عنهم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا) [الأحزاب: 9].

والرِّيحُ أيضًا من دلائل نبُوَّته -صلى الله عليه وسلم-؛ فقد قال جابرٌ -رضي الله عنه-: "قدِمَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- من سَفَر، فلما كان قُربَ المدينة هاجَت رِيحٌ شديدة تكادُ تدفِنُ الرَّاكِبَ، فقال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "بُعِثَت هذه الرِّيحُ لموت مُنافِقٍ"، فلما قدِمَ المدينة فإذا مُنافِقٌ عظيمٌ من المُنافقين قد مات". رواه مسلم في صحيحه.

ألا فاتقوا الله -عباد الله-، وتأمَّلوا في منَّة الله على عباده بالرِّيح الطيِّبة والرِّياح؛ حيث يقول -سبحانه-: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [الروم: 46].

قال بعضُ السَّلَف: "(أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ) فتفرحُ النفوسُ بالرِّياح، (وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ) أي: بالمطر الذي تحمِلُه الرِّياح، (وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ) أي: الفُلك التي تُحرِّكُها الرِّياح، (وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) أي: بتجارة البِحار التي تُحرِّكُ الرِّياحُ بواخِرَها، (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) أي: تشكُرون اللهَ على نعمة الرِّياح".

(وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [الأعراف: 57].

باركَ الله ولكم في القرآن العظيم، ونفعَني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، قد قلتُ ما قلتُ، إن كان صوابًا فمنَ الله، وإن كان خطأً فمن نفسي والشيطان، وأستغفر الله إنه كان غفَّارًا.

الخطبة الثانية:

الحمد لله وكفَى، والصلاة والسلام على رسوله المُصطفى، وعلى آله وصحبِه ومن اقتفَى.

وبعد:

فيا أيها الناس: لله ما أعظمَ هذا الدين وما أحسنَه، وما أوسَعه وأشملهَ!! لم يدَع شرًّا إلا حذَّرَ منه، ولا خيرًا إلا دلَّ عليه، قال أبو ذرٍّ -رضي الله عنه-: "لقد تُوفِّي رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- وما طائرٌ يُقلِّبُ جناحَيْه في السماء إلا ذكرَ لنا منه علمًا". رواه أحمدُ، وابن حبان.

وقد قال بعضُ المُشركين لسلمان -رضي الله عنه-: قد علَّمَكم نبيُّكم كلَّ شيءٍ حتى الخِراءة؟! فقال: "أجل؛ لقد نهانا أن نستقبِلَ القِبلةَ لغائطٍ أو بولٍ..". الحديث. رواه مسلمٌ في صحيحه.

وقد جاء في شريعتنا الغرَّاء ما هو محلُّ التوجيه والإرشاد إلى كيفيَّة التعامُل مع الرِّيح والرِّياح؛ فقد صحَّ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا عصَفَت الرِّيح يقول: "اللهم إني أسألُك خيرَها وخيرَ ما فيها وخيرَ ما أُرسِلَت به، وأعوذُ بك من شرِّها وشرِّ ما فيها وشرِّ ما أُرسِلَت به". رواه مسلم.

وقد نهانا -صلوات الله وسلامه عليه- عن سبِّ الرِّيح بأي نوعٍ من أنواع السبِّ أو الذَّمِّ؛ بل إنه -صلى الله عليه وسلم- إذا كان يومُ الرِّيح والغَيْم عُرِفَ ذلك في وجهه، وأقبَلَ وأدبَرَ، فإذا مطَرَت سُرَّ به، وذهبَ عنه ذلك. قالت عائشة -رضي الله عنها-: فسألتُه فقال: "إني خشيتُ أن يكون عذابًا سُلِّط على أمتي". رواه مسلم.

وكان من هديِه -صلى الله عليه وسلم- أن مُنادِيَه في الليلة المطيرة أو الليلة البارِدة ذات الرِّيح: "صلُّوا في رِحالِكم".

وقد ذكرَ أهلُ العلم جوازَ الجمع في الرِّيح الشديدة البارِدة، ونهَوا عن التبوُّل عكسَ الرِّيح حتى لا يقعَ عليه شيءٌ من النجاسة.

هذا هو دينُنا، وهذه هي شِرعتُنا، (رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا * أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا * أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا) [الإسراء: 66- 69].

هذا وصلُّوا -رحمكم الله- على خيرِ البرية، وأزكى البشرية: محمد بن عبد الله، صاحبِ الحوض والشفاعة؛ فقد أمركم الله بأمرٍ بدأ فيه بنفسه، وثنَّى بملائكته المُسبِّحة بقُدسه، وأيَّه بكم -أيها المؤمنون-، فقال -جل وعلا-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ وسلِّم وزِد وبارِك على عبدك ورسولك محمدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة: أبي بكرٍ، وعُمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر صحابةِ نبيِّك محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وعن التابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وجودك وكرمك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واخذُل الشركَ والمشركين، اللهم انصُر دينَكَ وكتابَكَ وسنةَ نبيِّك وعبادَكَ المؤمنين.

اللهم فرِّج همَّ المهمومين من المُسلمين، ونفِّس كربَ المكروبين، واقضِ الدَّيْن عن المدينين، واشفِ مرضانا ومرضَى المُسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم انصُر إخواننا المُستضعَفين في دينهم في سائر الأوطان، اللهم انصُر إخواننا المُستضعَفين في دينهم في سائر الأوطان، اللهم انصُر إخواننا المُسلمين في بُورما، وانصُر إخواننا المُسلمين في سُوريا، اللهم انصُرهم على من بغَى عليهم وطغَى يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم اجعل شأنَ عدوِّهم في سفال، وأمرَه في وبال، واجعلها عليه كسِني يوسف يا ذا الجلال والإكرام.