البصير
(البصير): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على إثباتِ صفة...
العربية
المؤلف | هلال الهاجري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - التاريخ وتقويم البلدان |
إن ما يحدثُ لمسجدِنا وإخواننِا في فلسطينَ .. من الاعتداءِ على الأقصى والأنفسِ والأعراضِ .. لهو مما تتفطَّرُ له القلوبُ .. وتعظمُ به الكُروبُ. فهل يُعقلُ أن يَمنعَ اليهودُ الفجرةُ المُصلينَ البررةَ من الصَّلاةِ في بيتِ المقدسِ؟ .. تخيَّلْ أنكَ ذلك الرَّجلُ الذي خرجَ من بيتِه لصلاةِ الفجرِ في المسجدِ الأقصى .. فإذا بكَ تُمنعُ من دخولِه .. والذي يمنعُكَ يهوديٌّ. وكيفُ يُتصوَّرُ أن يقتحمَ العسكرُ على الآمنينَ في بيتِ اللهِ تعالى فيطردونَهم ويُدنسونَ المسجدَ ويعبثونَ بالمصاحفِ؟ .. ويدخلُ بعدَهم المستوطنون اليهودُ ليؤدوا شعائرَ الشَّركِ والضَّلالِ .. في أمنٍ تحتَ حمايةِ الاحتلالِ.. هل علمتم الآنَ .. ما هو قَهرُ الرِّجالِ الذي نتكلمُ عنه .. فنعوذُ باللهِ من غَلبةِ الرِّجالِ.
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ الذي جعلَ بيتَ المقدسِ من خِيارِ ديارِ المسلمينَ، وربطَ مسجدَها الأقصى بعقيدةِ المؤمنينَ في قُرآنٍ يتلوه المؤمنونَ في مشارقِ الأرضِ ومغاربِها (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الإسراء: 1] ..
وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، أحلَّ بركتَه على هذه الدِّيارِ، فقالَ تعالى بحقِّ خليلِه إبراهيمَ -عليه السَّلامُ-: (وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الأرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَـالَمِينَ) [الأنبياء: 71] ..
وأشهدُ أنَّ سيِّدَنا محمَّداً عبدُه ورسولُه، أدَّى الأمانةَ، وبلَّغَ الرِّسالةَ، ونَصحَ للأمَّةِ، وتركَنا على بيضاءَ نقيَّةٍ، ليلُها كنهارِها لا يَزيغُ عنها إلا هالكٌ ..
أما بعد: عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّه عَنْهُ- قَالَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- قَالَ لِأَبِي طَلْحَةَ: "الْتَمِسْ غُلَامًا مِنْ غِلْمَانِكُمْ يَخْدُمُنِي حَتَّى أَخْرُجَ إِلَى خَيْبَرَ"، فَخَرَجَ بِي أَبُو طَلْحَةَ مُرْدِفِي، وَأَنَا غُلَامٌ رَاهَقْتُ الْحُلُمَ، فَكُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- إِذَا نَزَلَ فَكُنْتُ أَسْمَعُهُ كَثِيرًا يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ".
منْ يتأملْ الكلمةَ الأخيرةَ في هذا الدُّعاءِ الذي كانَ يُكثرُ منه رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ-، فإنه سيعلمُ أن من الأمورِ العظيمةِ التي يستعيذُ منها الصَّادقونَ هو "غَلَبَةُ الرِّجَالِ"، وهو ذلكَ القَهرُ الذي يُصيبُهم عند تسلُّطِ العدوِ واستيلائه عليهم، ولذلكَ جاءَ في روايةٍ: "اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الْعَدُوِّ، وَشَمَاتَةِ الأعْدَاءِ".
قالَ الشَّيخُ عبدُ العزيزِ بنُ بازٍ: "وغَلَبةُ الرِّجالِ لا شَكَّ أنَّها مُصيبةٌ عُظمى سواءٌ قهروه على قَتلِه، أو قَهروه على أَخذِ مالِه، أو بَعضِ مَالِه، أو قَهروه على ضَربِه، أو قَهروه على غَيرِ ذلك مما يَضرُّه، فكلُّه شَرٌّ وكلُّه بَلاءٌ عظيمٌ ومُصيبةٌ عظيمةٌ، فلهذا شَرعَ اللهُ الاستعاذةَ من ذلكَ" .. انتهى كلامُه رحمَه اللهُ.
يا أهلَ الإيمانِ .. يتعلثمُ الخطيبُ عن البيانِ .. ويتردَّدُ المتكلِّمُ عن الكلامِ .. لأنَّ قهرِ الرِّجالِ على مسجدِنا الأقصى ليسَ كأيِّ قهرٍ .. فهو بيتٌ من بيوتِ اللهِ العُظمى الذي تتابعَ على إمامتِه الأنبياءِ في كلِّ عصرٍ .. حتى قامَ فيهم آخرُهم محمدٌ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- إماماً ليلةَ الإسراءِ كما قالَ: "لَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي الْحِجْرِ وَقُرَيْشٌ تَسْأَلُنِي عَنْ مَسْرَايَ، فَسَأَلَتْنِي عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَمْ أُثْبِتْهَا، فَكُرِبْتُ كُرْبَةً مَا كُرِبْتُ مِثْلَهُ قَطُّ، قَالَ: "فَرَفَعَهُ اللهُ لِي أَنْظُرُ إِلَيْهِ، مَا يَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَنْبَأْتُهُمْ بِهِ، وَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي جَمَاعَةٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، فَإِذَا مُوسَى قَائِمٌ يُصَلِّي، فَإِذَا رَجُلٌ ضَرْبٌ، جَعْدٌ كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ، وَإِذَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَائِمٌ يُصَلِّي، أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ، وَإِذَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَائِمٌ يُصَلِّي، أَشْبَهُ النَّاسِ بِهِ صَاحِبُكُمْ - يَعْنِي نَفْسَهُ - فَحَانَتِ الصَّلَاةُ فَأَمَمْتُهُمْ".
ويزدادُ القَهرُ عندما يكونُ العدو هم أذلُّ خلقِ اللهِ تعالى: (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ) [البقرة: 61].. فهل تتخيَّلُ ما معنى أن يتسلَّطُ عليكَ ذليلٌ .. ويُهينُكَ حقيرٌ .. ويحكمُكَ مغضوبٌ عليه من ربِّ العالمينَ.
لقد أساؤوا الأدبَ مع ربِّهم ومعَ نبيِّهم .. (قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ) [المائدة: 24] .. فكيفَ بكَ وأنتَ ترى أجبنَ النَّاسِ .. يستعرضُ قوتَه في ساحاتِ بيتِ المقدسِ؟!
عدوٌ ليسَ كسائرِ الأعداءِ .. فهو أشدُّ الأعداءِ على المؤمنينَ كما قالَ تعالى: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ) [المائدة: 82] .. فما هي النتائجُ المتوَقَّعةُ إذا تُركَ هؤلاءِ ليفعلوا بإخوانِنا وبالمسجدِ الأقصى ما يَشَاءُونَ؟.
ما ظنُّكم بقومٍ فضَّلَهم اللهُ –تعالى- على أهلِ زمانِهم، (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ) [البقرة: 47]، فأبى المُعرضونَ منهم والمكذبونَ إلا أن يكونوا في أسفلِ سافلينَ .. (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ) [المائدة: 78]، فأيُّ خيرٍ فيمنْ لُعنوا على لسانِ الأنبياءِ وهم أرحمُ الخلقِ، وأيُّ سَلامٍ يُرجى من مثلِ هؤلاءِ الذي لم يسلمْ منهم الأنبياءُ.
ما هو شُعورُكَ أيُّها المسلمُ وأنت محرومٌ من شدِّ الرِّحالِ إلى المسجدِ الأقصى للصَّلاةِ فيه والعبادةِ والاعتكافِ كما قالَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: "لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ-، وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى" .. والسببُ .. هو اليهودُ؟.
أتدرونَ كم فاتنا من الخيرِ والفضلِ بسببِ هؤلاءِ المجرمينَ .. اسمع معي إلى هذا الحديثِ .. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رضيَ اللهُ عنهُما-، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- قَالَ: "لَمَّا فَرَغَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ مِنْ بِنَاءِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، سَأَلَ اللَّهَ ثَلَاثًا: حُكْمًا يُصَادِفُ حُكْمَهُ، وَمُلْكًا لَا يَنْبَغِي لَأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ، وَأَلَّا يَأْتِيَ هَذَا الْمَسْجِدَ أَحَدٌ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ فِيهِ إِلَّا خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ" .. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ-: "أَمَّا اثْنَتَانِ فَقَدْ أُعْطِيَهُمَا وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدْ أُعْطِيَ الثَّالِثَةَ" .. زيارةٌ وصلاةٌ دونَ عناءٍ أو تعبٍ .. يوازي فضلَ الحجِّ وما فيه من المشقةِ والنَّصبِ.
يقولُ أبو ذَرٍ -رضيَ اللهُ عنهُ-: تَذَاكَرْنَا وَنَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- أَيُّهُمَا أَفْضَلُ: مَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ-، أَوْ مَسْجِدُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ؟، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ-: "صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ فِيهِ، وَلَنِعْمَ الْمُصَلَّى، وَلَيُوشِكَنَّ أَنْ لَا يَكُونَ لِلرَّجُلِ مِثْلُ شَطَنِ فَرَسِهِ –أيْ حَبْلِ فَرَسِه- مِنَ الْأَرْضِ حَيْثُ يَرَى مِنْهُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ خَيْرٌ لَهُ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا" .. صدقتَ بأبي أنتَ وأمي يا رسولَ اللهِ .. فلأحدُنا يتمنى أنَّ له مثلَ حبلِ الفرسِ لنَطُلَّ به على بيتِ المَقدسِ .. لننظرَ بأبصارِنا مباشرةً .. إلى أولى القِبلتينِ .. ومسجدِ النَّبيِّينَ .. ومسرى إمامِ المُتقينَ .. (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) .. فمعَ مشاغلِ النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- .. ومع مُهمتِه العظيمةِ .. أرسلَ اللهُ تعالى له أفضلَ ملائكتَه ليأخذَه بالبُراقِ لزيارةِ ذلكَ البيتِ المباركِ في الأرضِ المُباركةِ .. فكيفَ بنا ونحنُ تشتاقُ النُّفوسُ وتطيبُ .. ولكنَّنا لا نستطيعُ تطبيقَ سنَّةِ الحبيبِ.
عبادَ اللهِ .. إن ما يحدثُ لمسجدِنا وإخواننِا في فلسطينَ .. من الاعتداءِ على الأقصى والأنفسِ والأعراضِ .. لهو مما تتفطَّرُ له القلوبُ .. وتعظمُ به الكُروبُ.
فهل يُعقلُ أن يَمنعَ اليهودُ الفجرةُ المُصلينَ البررةَ من الصَّلاةِ في بيتِ المقدسِ؟ .. تخيَّلْ أنكَ ذلك الرَّجلُ الذي خرجَ من بيتِه لصلاةِ الفجرِ في المسجدِ الأقصى .. فإذا بكَ تُمنعُ من دخولِه .. والذي يمنعُكَ يهوديٌّ.
وكيفُ يُتصوَّرُ أن يقتحمَ العسكرُ على الآمنينَ في بيتِ اللهِ تعالى فيطردونَهم ويُدنسونَ المسجدَ ويعبثونَ بالمصاحفِ؟ .. ويدخلُ بعدَهم المستوطنون اليهودُ ليؤدوا شعائرَ الشَّركِ والضَّلالِ .. في أمنٍ تحتَ حمايةِ الاحتلالِ.
يصفُ الحاجُّ الثَّمانيني أبو ناجي الموقفَ .. وقد بدتْ على وجهِ أحزانُ السنينِ .. ويقولُ: "شعرتُ بأنَّها النَّهايةُ وأنَّ المسجدَ الأقصى لم يَعدْ لنا بعدَ الآن، بعدما حاصرتْ القُواتُ الخاصةُ المعتكفينَ داخلَ المصلَّى القِبلي، وبدأتْ بإطلاقِ الرَّصاصِ المطاطي والقنابلِ الصَّوتيةِ والغازِ المدمعِ داخلَه، لا يمكنُ وصفَ الوحشيةِ التي استخدمَها الاحتلالُ ضِدَّ الشُّبانِ العُزَّلِ داخلَ الأقصى".
هل رأيتمْ ذلكَ الشَّابَ المسلمَ الشَّهمَ .. وهو يُقادُ إلى السِّجنِ وإلى مصيرٍ مجهولٍ كئيبٍ .. وليسَ له ذنبٌ إلا أنَّه فلسطينيٌّ مسلمٌ يدافعُ عن دينِه ووطنِه السليبِ.
هل سمعتمْ صرخةَ تلكَ الفتاةِ المسلمةِ التي يقودُها العِلجُ الكافرُ المُعادي .. ولكن لا حياةَ لمن تُنادي.
طفلٌ رضيعٌ وأبوهُ يُحرقَانِ في بيتِهما وهما يلعبانِ بأمانٍ .. ثمَّ تلحقْهما الأمُّ بعدَ شهرٍ إلى جوارِ الغفورِ الرَّحمنِ .. فلا أدري هل آثارُ الحروقِ هي السَّببُ .. أم أنَّ الحسرةَ واللَّهفةَ والحزنَ هم السببُ؟
هل علمتم الآنَ .. ما هو قَهرُ الرِّجالِ الذي نتكلمُ عنه .. فنعوذُ باللهِ من غَلبةِ الرِّجالِ.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ، يجيبُ المضطرَ، ويكشفُ السُّوءَ، فارجَ الهمِّ، كاشفَ الغمِّ، وهو على كلِّ شيءٍ قديرٍ، أحمدُه سبحانَه، وأسألُه الفرجَ القريبَ والنَّصرَ العزيزَ، وأشهدُ ألا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمداً عبدُه ورسولُه، أفضلُ الشَّاكرينَ، وقُدوةَ العالمينَ صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وأصحابِه الشَّاكرينَ ومن تبعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّينِ، وسلمَ تسليماً كثيراً ..
أما بعد:
أنا مسجدُ الإسراءِ أفخرُ أنني | شاهدتُه في جِيْئةٍ وذَهابِ |
أخَوايَ في البلدِ الحرامِ وطيبةٍ | يترقبانِ على الطريقِ إيابي |
يتساءلانِ متى الرجوعُ إليهما | يا ليتني أستطيعُ ردَّ جوابِ |
يا ليتني أستطيعُ أن ألقاهما | وأرى رحابَهما تضمُّ رحابي |
أَوَ لستُ ثالثَ مسجدينِ إليهما | شُدّتْ رِحالُ المسلمِ الأوّابِ؟ |
وَأنا هُنا في قَبضةٍ وَحشيّةٍ | يقفُ اليهوديُّ العنيدُ ببابي |
في كفِّه الرَّشاشُ يُلقي نَظرةً | ناريةً مَسمومةَ الأهدابِ |
يرمي به صَدرَ المصلّي كلُما | وافى إليَّ مُطهَّرَ الأثوابِ |
وإذا رأى في ساحتي متوجِّهاً | للهِ، أغلقَ دونَه أبوابي |
أيُّها المؤمنونَ ..
ليستْ هذه الخُطبةَ لتهييجِ المشاعرِ .. أو لتقليبِ المواجعِ .. وإنما لهي لتَّذكيرِ أنفسِنا وأجيالِنا بأن احتلالَ المسجدِ الأقصى لا يزالُ هو الهمُّ الأكبرُ للأمَّةِ .. وهو العارُ الذي وُصمتْ فيه ولن يرفعَه عنها إلا رجوعُه شامخاً آمناً يأتيه المسلمونَ آمنونَ من كلِّ مكانٍ .. زائرينَ وراكعينَ وساجدينَ وعاكفينَ.
أعلمُ أنه ليسَ لي ولكَ من الأمرِ شيءٌ .. وليسَ لنا إلا الدُّعاءَ لأهلِنا في فلسطينَ .. ولكن لا نجعلُ كثرةَ مآسي وأحزانِ الأمَّةِ تُنسينا مسجدَنا وأهلَنا .. ولعل اللهَ يُحدثُ بعدَ ذلك أمراً .. فالقلبُ يحزنُ .. والعينُ تدمعُ .. ولا نقولُ إلا ما يرضي اللهُ تعالى .. وإنا إلى لقائكَ يا بيتَ المقدسِ لمتشوِّقونَ.
اللهمَّ طهِّرْ المسجدَ الأقصى من رِجسِ يهودٍ، اللهمَّ عليكَ باليهودِ الغاصبينَ، والصهاينةِ الغادِرينَ، اللهمَّ عليكَ بهم فإنهم لا يُعجِزونك، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجِزونك، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجِزونك.
اللهم من أرادَنا الإسلامَ والمسلمينَ أو أرادَ بلادَ الإسلامِ والمُسلمينَ بسوءٍ، اللهم فأشغِله في نفسِه، واحبِسه في بدنِه، وعذِّبه في جسدِه، اللهم اكشِفْ سِرَّه، واهتِكْ سِترَه، وأبطِلْ مكرَه، واكفِنا شرَّه، واجعلهُ عِبرَةً يا ربَّ العالمينَ.