الباطن
هو اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (الباطنيَّةِ)؛ أي إنه...
العربية
المؤلف | عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - المهلكات |
إنَّ دين الله عز وجل مبناه في التعامل مع عباد الله على النصح والرحمة، ومن يُكثر من الطعن في الناس فليس ناصحًا لهم، ومن يُكثر من لعنهم ليس رحيمًا بهم؛ ولهذا، من كان من أهل هذين الوصفين فإنه ليس أهلاً يوم القيامة لأن يكون شفيعًا للناس أو شهيدًا لهم ..
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، بلَّغ الرسالة وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، ما ترك خيرًا إلا دلَّ الأمة عليه، ولا شرًّا إلا حذَّرها منه؛ فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمَّا بعد:
أيها المؤمنون.. عباد الله: اتقوا الله -تعالى- وراقبوه -سبحانه- مراقبة من يعلم أن ربه يسمعه ويراه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أيها المؤمنون.. عباد الله: وصفان ذميمان وخُلُقان سيِّئان لا ينبغي لمسلم أن يكون متصفًا بهما، فهما ليسا من وصف المؤمن ولا من خُلقه؛ ألا وهما: الطعن، واللعن.
روى الإمام أحمد في مسنده، والترمذي في جامعه، وغيرهما، من حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لَيْسَ المؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا اللَّعَّانِ وَلَا الفَاحِشِ وَلَا البَذِيءِ".
والطعان -أيها المؤمنون- هو الذي يقع في أعراض الناس غيبةً ونميمةً وسخريةً واستهزاءً.
واللعَّان هو الذي يكثر مِن لعنهم بما يكون فيه الإبعاد من رحمة الله، سواء بلفظ اللعنة صريحًا أو بالألفاظ المؤدية إلى ذلك؛ كالدعاء عليهم بغضب الله، أو دخول النار، أو الخزي في الدنيا والآخرة، ونحو ذلك. قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا تَلاعَنُوا بِلَعْنَةِ اللَّهِ، وَلا بِغَضَبِ اللَّهِ، وَلا بِالنَّارِ". رواه أحمد والترمذي وأبو داود من حديث سمرة بن جندب -رضي الله عنه-.
أيها المؤمنون.. عباد الله: إنَّ دين الله -عز وجل- مبناه في التعامل مع عباد الله على النصح والرحمة، ومن يُكثر من الطعن في الناس فليس ناصحًا لهم، ومن يُكثر من لعنهم ليس رحيمًا بهم؛ ولهذا، من كان من أهل هذين الوصفين فإنه ليس أهلاً يوم القيامة لأن يكون شفيعًا للناس أو شهيدًا لهم؛ روى مسلم في صحيحه من حديث أبي الدرداء -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ وَلا شُهَدَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، وذلك -عباد الله- لأن الناس لم يسْلَموا في الحياة الدنيا من لعنهم وطعنهم؛ فلا يكونون أهلاً يوم القيامة للشهادة لهم بالخير أو الشفاعة لهم عند الله -تبارك وتعالى-، فهذا مقام عليٌّ عظيم ليس هؤلاء بأهلٍ له.
روى ابن جرير الطبري -رحمه الله تعالى- في تفسيره عن قتادة -رحمه الله تعالى- أنه قرأ قول الله -عز وجل- في ذِكر دعاء إبراهيم الخليل -عليه السلام-: (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [إبراهيم:36]، ثم قال: "اسمعوا إلى قول خليل الله إبراهيم -عليه السلام-؛ لا والله! ما كانوا طَعَّانين ولا لعَّانين"، ثم قال: "كان يقال: إنّ من أشرّ عباد الله كلَّ طعَّان لعَّان".
وتأمل مرة ثانية في الآية المتقدمة كيف أنَّ خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام عندما ذكر العصاة لم يقل: اللهم اخزهم أو اللهم العنهم أو نحو ذلك، وإنما قال: (وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)؛ أشفَق عليهم ورحِمهم فدعا لهم بالمغفرة والرحمة، وهو مقامٌ -عباد الله- جدير -إي والله- بالتأمل، والسلوك لهذا المنهج القويم، نهج النبيين -عليهم السلام-.
أيها المؤمنون.. عباد الله: وإذا تأمّلنا واقع الصحابة -رضي الله عنهم- العملي وما كانوا عليه من سرعة استجابةٍ لرسول الله فيما يأمرهم به أو يحذِّرهم عنه نرى في ذلك عجبًا من سرعة الاستجابة وكمال الانقياد، وهذا -عباد الله- مقامٌ يطول بذكر الأمثلة عليه؛ لكن أشير إلى شاهدين عظيمين نفيسين جليلين:
أحدهما: ما رواه البخاري في الأدب المفرد عن سالم بن عبد الله بن عمر قال: ما سمعتُ عبد الله -أي ابن عمر- لاعنًا أحدًا قط ليس إنسانًا -أي: إلا إنسانًا واحدًا-، وكان سالم يقول: قال ابن عمر: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا ينبغي للمؤمن أن يكون لعَّانًا".
فانظر إلى حال ابن عمر -رضي الله عنه-، منذ سمع هذا الحديث لم يُسمع منه لعن قط إلا مرة واحدة، وقد جاء في بعض الروايات أنه لعن خادمًا له أغضبه فأعتقه فورًا بعد لعنه له، وجاء في بعض الروايات أنه ما أتم كلمة اللعنة، فلما نطق بكلمة اللعنة وقف قبل أن ينطق بالنون فلم يتمها وقال: "هذه كلمة ما أحب أن أقولها"، ثم أعتق خادمه -رضي الله عنه-.
والمثال الآخر: لصحابيٍّ آخر وهو أبو جُرَيّ جابر بن سليم الهُجَيْمي -رضي الله عنه- قال: قلتُ: يا رسول الله: اعْهَدْ لِي. أي: أوصني وانصحني. قال: "لا تَسُبَّنَّ أَحَدًا"، قَالَ: فَمَا سَبَبْتُ بَعْدَهُ حُرًّا، وَلا عَبْدًا، وَلا بَعِيرًا، وَلا شَاةً. رواه أبو داود.
الله أكبر! ما أعظم هذا الانقياد! وما أجمل هذه الاستجابة! وما أعظم الالتزام الذي كانوا عليه! رضي الله عنهم وأرضاهم، وألحقنا وإياكم بهم وبالصالحين من عباده، وأعاذنا أجمعين من سيئات ومنكرات الأخلاق والأهواء والأدواء، إنه سميع الدعاء، وهو أهل الرجاء، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، أحمده -تبارك وتعالى- حمد الشاكرين، وأثني عليه ثناء الذاكرين، لا أحصي ثناءً عليه، هو كما أثنى على نفسه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
أيها المؤمنون.. عباد الله: اتقوا الله -تعالى-.
عباد الله: وتأملوا في المقام الذي مضى الحديث عنه ألا وهو الحذر من الطعن واللعن، تأملوا في هذا المقام ما رواه الإمام البخاري في كتابه الصحيح من حديث أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: إنَّ اليَهُودَ أَتَوا النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ. بحذف اللام، والسام: هو الموت، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: "وَعَلَيْكُمْ"، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: السَّامُ عَلَيْكُمْ، وَلَعَنَكُمُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْكُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَهْلا يَا عَائِشَةُ! عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ، وَإِيَّاكِ وَالعُنْفَ أَوِ الفُحْشَ!"، قَالَتْ: أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟! قَالَ: "أَوَلَمْ تَسْمَعِي مَا قُلْتُ؟! رَدَدْتُ عَلَيْهِمْ، فَيُسْتَجَابُ لِي فِيهِمْ، وَلاَ يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِيَّ".
الله أكبر! قالت عائشة في هذا المقام في شأن هؤلاء اليهود الذين قالوا تلك الكلمة الشنيعة في حق رسول الله، قالت -رضي الله عنها- من شدة غضبها: لَعَنَكُمُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْكُمْ. فقال: "مَهْلاً يَا عَائِشَةُ"، أي: تمهلي، وأمَرَها بالرفق، وحذَّرها من العنف، ونهاها عنه -صلوات الله وسلامه عليه-؛ فإذا كان قد قال نبينا -عليه الصلاة والسلام- ذلك في مثل هذا المقام ناهيًا ومحذرًا؛ فكيف الحال -أيها المؤمنون- بمن يكثر اللعن لأبنائه وإخوانه وزملائه من المسلمين والمسلمات؟! كيف بحال مَن أصبح اللعن في لسانه أكثر من السلام؟! بل بلغ الحال ببعضهم أن يخاطب ابنه بلعن مَن أنجبه، أي يلعن نفسه والعياذ بالله! فيا لها من حال مزرية وحال سيئة والعياذ بالله!!
ولهذا ينبغي على المسلم وقد سمع هذه الأحاديث -ولها نظائر كثيرة- أن يتقي الله في نفسه، وأن يصون لسانه، وأن يحذر من مثل هذه الأوصاف، وأن يتقي الله -تبارك وتعالى-، وأن يتمهل، وأن يترفَّق، وأن يبتعد عن مثل هذه الأوصاف بأن يربأ بنفسه عنها، وأن يصون لسانه من الوقوع فيها؛ حفظًا لإيمانه، وتحقيقًا لتقواه لربه -جل وعلا-.
وقد تقدّم معنا قول نبينا -عليه الصلاة والسلام-: "لَيْسَ المؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلا اللَّعَّانِ وَلا الفَاحِشِ وَلا البَذِيءِ"؛ لأن ذلك مما يتنافى مع كمال الإيمان الواجب.
ألا فلنتق الله -عز وجل-، ولنحرص على صيانة ألسنتنا وحفظ منطقنا، فإن العبد يُسأل يوم القيامة عما يقول، وكلامه في جملة عمله الذي يحاسبه الله عليه يوم القيامة.
وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى الله عَلَيْهِ عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد. وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين: أبى بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلي، وارض اللهمَّ عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واحْمِ حوزة الدين يا رب العالمين.
اللهم انصُر من نصَر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم انصرهم في أرض الشام وفي كل مكان، اللهم كن لهم ناصرًا ومعِينًا وحافظًا ومؤيدًا، اللهم احقن دماءهم، اللهم آمن روعاتهم، اللهم استر عوراتهم، اللهم احفظهم بما تحفظ به عبادك الصالحين، اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم إنَّا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك اللهم من شرورهم.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفِّق ولي أمرنا لما تحب وترضى، وأعِنه على البر والتقوى، وسدِّده في أقواله وأعماله، وارزقه البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين.
اللهم آتِ نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها. اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، والموت راحةً لنا من كل شر.
اللهم إنا نعوذ بك من منكرات الأخلاق والأهواء والأدواء، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت.
اللهم اغفر لنا ذنبنا كله، دقه وجلَّه، أوله وآخره، سره وعلنه؛ اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، اللهم اغفر لنا ما قدَّمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أنت أعلم به منا، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت.
اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارًا، فأرسل السماء علينا مدرارًا، اللهم إنا نسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت، نسألك بأسمائك الحسنى وبصفاتك العلى وبرحمتك التي وسعت كل شيء يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم يا رب العالمين أن تسقينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين. اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من اليائسين، اللهم إنا نسألك غيثًا مغيثًا، هنيئًا مريئًا، سحًّا طبقًا، نافعًا غير ضار، عاجلاً غير آجل، اللهم أغِث قلوبنا بالإيمان وديارنا بالمطر، اللهم سقيا رحمة لا سقيا هدم ولا عذاب ولا غرق، اللهم أغثنا! اللهم أغثنا! اللهم أغثنا!!
اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وزدنا ولا تنقصنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا. اللهم هذه أيدينا إليك مُدَّت ودعواتنا إليك رُفعت اللهم فلا تردنا خائبين، اللهم أجب دعوتنا وأعطنا سؤلنا يا رب العالمين.
ربنا إنَّا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننَّ من الخاسرين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله: اذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.