الجواد
كلمة (الجواد) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فَعال) وهو الكريم...
العربية
المؤلف | حسان أحمد العماري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - السيرة النبوية |
وقد أثبت التاريخ يومًا بعد يوم أن نكبة الأمة بالمنافقين تسبق كل النكبات، وأن نكايتهم فيها وجنايتهم عليها تزيد على كل النكايات والجنايات، فالكفر الظاهر -على خطره وضرره- يعجز في كل مرة يواجه فيها أمة الإسلام، ولن يحرز نصرًا عليها في أي موطن ما لم يكن مسنودًا ..
الحمد لله الذي رضي لنا الإسلام دينًا، ونصب لنا الدلالة على صحته برهانًا مبينًا، وأوضح السبيل إلى معرفته واعتقاده حقًّا ويقينًا.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا ضد له، ولا ندّ له، ولا صاحبة له، ولا ولد له، ولا كفو له، تعالى عن إفك المبطلين، وخرص الكذابين، وأباطيل الملحدين.
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفوته من خلقه، وخيرته من بريته، وأمينه على وحيه، وسفيره بينه وبين عباده، ابتعثه بخير ملّة، وأحسن شرعة، وأظهر دلالة، وأوضح حجة، وأبين برهان إلى جميع العالمين، إنسهم وجنهم، عربهم وعجمهم، حاضرهم وباديهم؛ الذي بشرت به الكتب السالفة، والأمم الخالية، وضربت لنبوته البشائر من عهد آدم أبي البشر، إلى عهد المسيح ابن البشر، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
عباد الله: بلغ النبي -صلى الله عليه وسلم- في السنة التاسعة الهجرية أن الروم تتجمع لحربه ولتهديد الدولة الإسلامية في ذلك الوقت، يريدون مبادرته بالحرب قبل أن يبادرهم؛ لكونه قد أذاقهم مرارة غزوة مؤتة التي جلبوا لها مائتيْ ألف، ولم يتمكنوا من إبادة ثلاثة آلاف مقاتل؛ بل ولا هزيمتهم، عند ذلك أعلن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولأول مرة عن مقصده، وأعلن التعبئة، ووضع الخطة، واستعد لإدارة صراع مرير مع الكفر والنفاق.
ولنقف مع موقف واحد من مواقفه العظيمة -صلى الله عليه وسلم- ليدرك كل مسلم أن هذه سنة الحياة، صراع بين الحق والباطل من أجل الحياة، ومن أجل إحقاق الحق وإبطال الباطل.
ونادى في المسلمين فتجهز أقوام وأبطأ آخرون، تجهز ثلاثون ألف مقاتل قد باعوا أنفسهم لله، وأعلنوا نصرة لا إله إلا الله.
تساقط المنافقون، ومَن يرد الله فتنته فلن تجد له سبيلاً! ها هو أحد المنافقين يقول المصطفى -صلى الله عليه وسلم- له: "هل لك في جلاد بني الأصفر؟!"، يعني الروم، فيقول: يا رسول الله: ائذن لي ولا تفتني؛ فوالله لقد عرف قومي أنه ما من رجل أشد عجبًا بالنساء منِّي، وإني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر أن لا أصبر.
فَرَّ من الموت وفي الموت وقع، أعرض عنه -صلى الله عليه وسلم- وعذَره، لكن الذي يعلم خائنة الأعين، والذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء فَضَحَهُ وأذلَّه وأنزل فيه قرآنًا يُتلى: (وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ) [التوبة:49].
ويتخلف أناس آخرون عن الخروج؛ رغبةً بأنفسهم عن نفس رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
ويأتي سبعة رجال مؤمنون صادقون، لكنهم فقراء لم يجدوا زادًا ولا راحلة، وعزّ عليهم التخلف، نياتهم صادقة لكن ليس هناك عدة، فأتَوْا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقولون: يا رسول الله: لا زاد ولا راحلة! ويبحث لهم -صلى الله عليه وسلم- عن زاد وراحلة فلا يجد ما يحملهم عليه؛ فرجعوا (وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ) [التوبة: 92].
ظِلّ السيف للمسلم مثل ظل حديقة خضراء، تنبت حولها الأزهار.
تدنو ثمار المدينة، ويشتد الحر، ويبتلي الله مَن يشاء مِن عباده: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ) [العنكبوت:2].
ويخرج -صلى الله عليه وسلم-، وقبل مسيره تقوم فرقةٌ للصَدِّ عن سبيل الله، تُثبِّط الناس بعد أن اجتمعوا في بيت إحداها، تقول -وهي تزهّد في الجهاد-: لا تنفروا في الحَرِّ! تشكك في الحق، وترجف برسول الحق، ويتولى الحق -سبحانه- الرد: (وَقَالُوا لاَ تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ) [التوبة:81].
هم في مؤامرة الصَدِّ عن سبيل الله، ويأمر -صلى الله عليه وسلم- بإحراق البيت عليهم، ويسير -صلى الله عليه وسلم- ويمر بديار ثَمُود، وما أدراكم ما تلك الديار! ديارٌ غضِب الله على أهلها، فتلك بيوتهم خاوية، وآبارهم معطَّلة، وأشجارهم مقطَّعة، فيدخلها وقد غطَّى وجهه، وهو يبكي، ويقول لجيشه: "لا تدخلوها إلا باكين أو مُتباكين؛ لئلا يصيبكم ما أصابهم".
وينزل -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنون منزلاً، يقول عمر: قد أصابنا عطش عظيم حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع، حتى إن الرجل لينحر بعيره، فيعتصر فرثه فيشربه.
وتضل راحلة النبي -صلى الله عليه وسلم- ويخرج أصحابه يبحثون عنها، فيقوم أحد المنافقين، فيقول: إن محمدًا يزعم أنه نبي ويخبركم بخبر السماء، وهو الآن لا يدري أين ناقته!
ويأتي جبريل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالخبر، فيقول: "إنَّ رجلاً منكم يقول: إنَّ محمدًا يزعم أنَّه نبي ويخبركم بأمر السماء وهو لا يدري أين ناقته، وإني -والله- ما أعلم إلا ما علمني الله، وقد دلني الله عليها... هي في هذا الوادي في شِعب كذا، قد حبستها شجرة بزمامها، فانْطَلِقُوا حتى تأتوني بها"؛ فذهبوا فوجدوها كما ذكر -صلى الله عليه وسلم-، وظهرت آية نبوته، وفُضِحَ هذا المنافق، وطُرِدَ عدو الله من جيش محمد -صلى الله عليه وسلم-.
قال ابن القيم -رحمه الله- وهو يتحدث عن المنافقين وخطرهم على الدين والأمة: "فلله كم من معقل للإسلام قد هدموه! وكم من حصن له قد قلعوا أساسه وخربوه! وكم من عَلم له قد طمسوه! وكم من لواءٍ له مرفوع قد وضعوه! وكم ضربوا بمعاول الشُّبَهِ في أصول غراسه ليقلعوها! وكم عمّوا عيون موارده بآرائهم ليدفنوها ويقطعوها! فلا يزال الإسلام وأهله منهم في محنة وبلية، ولا يزال يطرقه من شُبَهِهِم سريةٌ بعد سرية، ويزعمون أنهم بذلك مصلحون، ألا إنهم هم المفسدون، ولكن لا يشعرون، يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون". اهـ
وينتهي المسير بمحمد -صلى الله عليه وسلم- إلى تبوك، ويقيم بضع عشرة ليلة حافلة بالأحداث المثيرة.
يقول ابن مسعود -رضي الله عنه-: ونِمْنا تلك الليلة وانتبهتُ وسط الليل، فالتفتّ إلى فراش رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلم أجده، وإلى فراش أبي بكر فلم أجده، وإلى فراش عمر فلم أجده، وإذا بنار وسط الليل تضيء آخر المعسكر، فذهبت أتبعها؛ فإذا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد حفر قبرًا ومعه أبو بكر وعمر، وعند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سراج بيده، قد نزل إلى القبر، قال: قلت: يا رسول الله: من الميت؟! قال: "هذا أخوك عبد الله ذو البجادين".
من هو؟! إنه أحد الصحابة حلّت به سكرات الموت بالليل، فقام -صلى الله عليه وسلم- وشهد موته وودعه ودعا له، وحفر قبره بيده الشريفة، وأيقظ أبا بكر وعمر.
يقول ابن مسعود: فوالذي لا إله إلا هو! ما نسيت قوله -صلى الله عليه وسلم- وهو في القبر، وقد مد ذراعيه لذي البجادين، وهو يقول لأبي بكر وعمر: "أدنيا إليَّ أخاكما، فدلياه في القبر"، ودموعه -صلى الله عليه وسلم- تتساقط على الكفن.
ثم وقف -صلى الله عليه وسلم- لما وضعه في القبر رافعًا يديْه مستقبلاً القبلة يقول: "اللهم إني أمسيت عنه راضيًا فارض عنه، اللهم إني أمسيت عنه راضيًا، فارض عنه".
يقول ابن مسعود: "يا ليتني كنت صاحب الحفرة، لأنال دعاءه -صلى الله عليه وسلم-!".
من هو ذو البجادين؟! إنه صحابي جليل، أسلم وكان تاجرًا، فأخذ أهله وقومه ماله كله؛ لأنه آمن وهم يريدون له الكفر، أخذوا حتى لباسه، فذهب فما وجد لباسًا غير شملة قطعها إزارًا ورداءً، بجادين، وفر بدينه يريد الله والدار الآخرة.
قدم على المصطفى -صلى الله عليه وسلم- ذو البجادين، وأُخبِرَ -صلى الله عليه وسلم- بخبره، فقال: "تركت مالك لله ورسوله، أبدلك الله ببجاديْك إزارًا ورداءً في الجنة، أنت ذو البجادين"؛ فلُقِّب من تلك اللحظة بذي البجادين.
وكان مصرعه في تبوك، فمضى الركب وخلفوه هناك، لكنهم يجتمعون معه في جنة عرضها السماوات والأرض، (يَوْمَ لاَ يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ) [التحريم:8].
عباد الله: ويعود -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة، بعد إرهاب أعداء الله من نصارى ويهود ومشركين، يعود في يوم بهيج، لتستقبله المدينة، لتستقبل نور بصرها -صلى الله عليه وسلم-، يخرج الأطفال في فرح ليصطفُّوا على مداخل المدينة، وعلى أفواه الطرقات، ليستقبلوا رسول البرية -صلى الله عليه وسلم-.
وهنا قال -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ بالمدينة رجالاً، ما سرتم مسيرًا، ولا قطعتم واديًا، ولا وَطَئِتُم موطئًا يغيظ الكفار، إلا كانوا معكم، حبسهم العذر". قالوا: يا رسول الله: وهم بالمدينة؟! قال: "نعم، وهم بالمدينة".
ومن هنا تظهر أهمية النية الخالصة الصادقة في نيل الأجر والثواب، ولو حمل كل مسلم هم الدين ونصرته ونصرة إخوانه وكان صادقًا لكان له أجر عظيم.
ويتبسم -صلى الله عليه وسلم- ويمسح الرؤوس، ويقبّل، ويدعو.
وهكذا انتصر المسلمون في تبوك على شهواتهم وأنفسهم، وبالتالي انتصروا على أعدائهم؛ (وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج:40]، هذه غزوة تبوك قائدها محمد -صلى الله عليه وسلم-، جنودها صحابته -رضوان الله عليهم-، عزّ فيها المؤمنون، وسقط المنافقون، وذل الكافرون.
أيها المؤمنون: من الدروس من غزوة تبوك أن الله تعالى كتب العزة والقوة لهذه الأمة متى صدقت وأخلصت؛ فها هي دولة الإسلام الناشئة تقف في وجه الكفر كله بقواه المادية فتهزمه وتنتصر عليه: (وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ).
ومن هذه الدروس: أنه ما تسلل العدو سابقًا ولاحقًا إلا من خلال الصفوف المنافقة، ولم يكن الضعف والتفرقة في هذه الأمة إلا من قِبَل أصحاب المسالك الملتوية: (لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً وَلأوْضَعُوا خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ) [التوبة:47].
ومنها: مواجهة الأعداء لا يشترط فيها تكافؤ القوى؛ يكفي المؤمنين أن يعدُّوا أنفسهم بما استطاعوا من قوة، ثم يثقوا بالله، ويتعلقوا به، ويثبتوا، ويصبروا، وعندها يكون لهم النصر.
فها هو سلفهم ابن رواحة يقول: "والله ما نقاتل الناس بعَدد ولا عُدد! ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي كرمنا الله به".
ومنها أن الحق لابد له من قوة تحرسه، لا يكفي حق بلا قوة! وما يحدث في غزة من همجية صهيونية وصمود بطولي لأبناء فلسطين بما يمتلكون من قوة وعتاد بسيط ومن صنع أيديهم؛ ليدل بكل وضوح على أن إعداد القوة مهما كانت واجب شرعي.
فاللهم أنت الناصر لدينك، والمعز لأوليائك؛ افتح لنا ولإخواننا في فلسطين وغزة وكل مكان فتحًا مبينًا، وانصرهم نصرًا عزيزًا، واجعل لهم من لدنك سلطانًا نصيرًا، اللهم ثبِّت أقدامهم، وزلزل أعداءهم، اللهم أدخل الرعب في قلوبهم، واستأصل شأفتهم، واقطع دابرهم، وأَبِدْ خضراءهم، واجعل تدبيرهم تدميرهم، وأورثنا أرضهم وديارهم وأموالهم، وكن لنا وليًّا، وبنا حفيًّا.
قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخطبة الثانية:
عباد الله: من هذه الدروس: أن النفاق داء عضال، وانحراف خلقي خطير في حياة الأفراد، والمجتمعات، والأمم، فخطره عظيم، وشرور أهله كثيرة، وتبدو خطورته الكبيرة حينما نلاحظ آثاره المدمرة على الأمة كافة.
إن النفاق اليوم له قيادة، وهذه القيادة تخطط وتنظم حركة أتباعه، ويغذونهم بالباطل والكفر والخيانة، والقرآن يسمي هذه القيادة بالشياطين: (وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ ءامَنُواْ قَالُوا ءامَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَـاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ) [البقرة:14].
وقد أثبت التاريخ يومًا بعد يوم أن نكبة الأمة بالمنافقين تسبق كل النكبات، وأن نكايتهم فيها وجنايتهم عليها تزيد على كل النكايات والجنايات، فالكفر الظاهر -على خطره وضرره- يعجز في كل مرة يواجه فيها أمة الإسلام، ولن يحرز نصرًا عليها في أي موطن ما لم يكن مسنودًا بطابور خامس من داخل أوطان المسلمين، يتسمى بأسماء المسلمين، يمد الأعداء بالعون، ويخلص لهم في النصيحة، ويزيل من أمامهم العقبات، ويفتح لهم الأبواب.
وخطورة المنافقين تكمن في موالاة الكافرين ونصرتهم على المؤمنين، قال تعالى: (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) [النساء:138-139].
وأما عن مناصرة المنافقين لليهود فلهم في ذلك صولات وجولات، فقد سطرت كتب التاريخ مواقف غدر وخيانة لهم مع بني قينقاع وبني النضير، سجل القرآن أحداثها، يقول الله -عز وجل-: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) [الحشر: 11-12].
ومن خطورتهم العمل على توهين المؤمنين وتخذيلهم: (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً * وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً) [الأحزاب:12-13].
ومن ذلك تدبير المؤامرات ضد المسلمين، والمشاركة فيها، والتاريخ مليء بالحوادث التي تثبت تآمر المنافقين ضد أمة الإسلام، بل واقعنا اليوم يشهد بهذا، فما سقطت فلسطين واحتلت وتعرّض أبناؤها للقتل والاغتيالات والتشريد، وما دمّرت العراق وأفغانستان، وما حدثت المشاكل والحروب والقلاقل في بلاد المسلمين إلا كان للمنافقين الدور الأعظم في ذلك.
وما طُعن في الدين وأحكامه، وما نشرت الرذيلة وطمست الفضيلة في مجتمع إلا كان للمنافقين الدور الأكبر في ذلك.
عباد الله: إن على المسلم أن يحفظ دينه وعقيدته، وأن يقف من المنافقين موقف المفاصلة والبراءة منهم ومن أعمالهم، وإن القرآن الذي أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- وأتباعه بجهاد المنافقين سيظل يُتلى إلى يوم الدين، يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ جَـاهِدِ الْكُفَّـارَ وَلْمُنَـافِقِينَ وَغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) [التوبة:73].
والآية تدل على أن النفاق سيظل موجودًا وسيظل محسوسًا ملموسًا من أشخاص وهيئات ودول تُرى فيهم آيات النفاق.
وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خُلُوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل". رواه مسلم.
ولنثق جميعًا بنصر الله وتمكينه بعد أن نقوم بما علينا تجاه ديننا وأمتنا، وأن نعد ما نستطيع من قوة نحفظ بها أعراضنا ودماءنا وأرضنا وبلادنا، ولْندرك خطورة المنافقين ودورهم في نكسات الأمة وتفريق صفها وتثبيط عزيمتها وتوهين قوتها، وأن نفضح ونحذر من مخططاتهم في كل البلاد.
إن قوة الإيمان والصلة بالله حرز عظيم من كيدهم، (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفَاً) [النساء:76].
هذا؛ وصلوا وسلموا على نبيكم محمد، فقد أمرتم بالصلاة عليه: (إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56]، اللهم صلِّ على محمد وآل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم أصلح مَن في صلاحه صلاح للإسلام وللمسلمين، وأهلِكْ من في هلاكه صلاح للإسلام والمسلمين، اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يُعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك.
والحمد لله رب العالمين...