البحث

عبارات مقترحة:

القدير

كلمة (القدير) في اللغة صيغة مبالغة من القدرة، أو من التقدير،...

السبوح

كلمة (سُبُّوح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فُعُّول) من التسبيح،...

الإسلام منهج حياة

العربية

المؤلف عبد العزيز بن عبد الله السويدان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب
عناصر الخطبة
  1. عرضٌ لما في الخطبة السابقة عن كون الإسلام منهج حياة .
  2. منظور الإسلام للدنيا من حيثُ قيمتُها بذاتها .
  3. منظور الإسلام للدنيا من حيث ارتباطها بالآخرة .
  4. قيمة النية الصادقة والعمل الصالح في المنهج الإسلامي .
  5. التشريع الإسلامي منهج حياة للبشرية .

اقتباس

فالله تعالى إنما شرع دين الإسلام ليكون منهج حياة للبشرية؛ ينظرون من خلاله إلى الحياة، ويسيرون طبق أحكامه وتعليماته على هذا الهدى، فما من شأن في هذه الدنيا قديمًا كان أو مستجدًا إلا وللإسلام فيه حكم وبيان، إما بنص واضح، وإما بالنظر إلى مقاصد الشرع. وهذا النظر ليس مشاعًا لكل إنسان كما يمارسه بعض الكُتاب والصحفيين ومن شابههم؛ وإنما هو ..

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومِن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضْلِلْ فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

وقفنا الأسبوع الماضي عند كون الإسلام دينًا ودنيا، وأنه منهج حياة، وبيَّنَّا أن معنى كون الإسلام منهج حياةٍ أن المجتمع المسلم بجميع مكوناته وأنظمته يلتزم بأحكام الإسلام وأخلاقه وقيمه ومبادئه، ويعظمها، ويجعلها مسلكًا له في الحياة، ومحدِّدة له لشتى مواقفه، وخطًّا يتميز به عن غيره من المناهج.

وبيَّنَّا أن أول من يلتزم بذلك هو الفرد المسلم في ذاته، في بيته، في مسلكه، في أخلاقه.

وعرفنا حينها أننا إذا كنا قد آمنا بوجوب اتخاذ الإسلام منهج حياة فلا بد أولاً أن نتعرف على رؤية الإسلام للحياة، فإن بذلك تأصيلاً للمنهج، وبالتالي يعيننا على فهمه فنطبقه عن علم ودراية، ومهما كان هذا الطرح صعبًا في ظن البعض فإن الله تعالى إنما يحاسب الإنسان على قدر استطاعته، وبهذا يفتح باب التنافس بين جميع أطياف المسلمين بالقرب من هذه المثالية أو ربما بالبعد عنها عند آخرين، كلٌّ بحسب قدرته وإمكاناته ومسؤولياته، فيرتقي هذا حتى يشار إليه بأن منهجه إسلامي، وينحدر الآخر تدريجيًّا حتى يشار إليه بخلاف ذلك تمامًا، مع أنهم في نفس البيئة؛ لكن الله هو الهادي إلى سواء السبيل.

معاشر الإخوة: الإسلام ينظر إلى الحياة الدنيا من منظورين: الأول: من حيث قيمتها، إما مستقلة بذاتها، الدنيا؛ أو متصلة بالآخرة، هذا منظور. والثاني: من حيث التعامل معها نية وعملاً.

أما من حيث قيمتها فكلنا يعرف كيف قيَّم القرآن الدنيا بأنها متاع قليل يغر المغتر، وكيف استنكر جهل وخسارة من باع الآخرة العظيمة الباقية من أجل أن يكسب شيئًا من الدنيا الفانية، فقال تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآَخِرَةِ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ) [البقرة:86].

وكلنا يدرك كيف ضرب النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- لقيمة الدنيا الأمثال تلو الأمثال، فمنها في صحيح مسلم من حديث جابر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مرّ بالسوق داخلاً من بعض العالية -مكان بأعلى المدينة- والناس كنفته -بجانبيه-، فمَرَّ بجَـديٍ أسكَّ ميت -أسك: صغير الأذنين، وهو عيب في الغنم- فتناوله فأخذه بأذنه، ثم قال: "أيكم يحب أن يكون هذا له بدرهم؟!"، قالوا: ما نحب أن يكون لنا بشيء؛ وما نصنع به؟! قال: "أتحبون أنه لكم؟!"، قالوا: والله لو كان حيًّا كان عيبًا فيه لأنه أسك؛ فكيف وهو ميت؟! فقال: "والله! لَلدنيا أهون على الله من هذا عليكم".

هكذا ينظر الإسلام إلى الدنيا من حيث قيمتها مستقلة بذاتها، لكن؛ ماذا عن قيمتها متصلة بالآخرة؟! إنه شيء آخر تمامًا! فالدنيا في نظر الإسلام مزرعة الآخرة، وحصادها يوم القيامة، ولذا قال تعالى: (وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) [آل عمران:185].

والدنيا بهذا الارتقاء سبيل لجنات عدن؛ ولهذا يقال في الجنة لمن تعامل في الدنيا على هذا الأساس: (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ) [الحاقة:24]، أيام الدنيا، ويقول -سبحانه-: (وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) [الأعراف: 43]، في الدنيا.

وجاء في صحيح الجامع من حديث جابر قوله -صلى الله عليه وسلم-: "خياركم أطولكم أعمارًا، وأحسنكم أعمالاً"، أو من حديث عبد الله بن بشر، قال -صلى الله عليه وسلم-: "خير الناس مَن طال عمره وحسن عمله".

فقيمة الدنيا إذًا تعظم كلما استُثْمِرت بالعمل الصالح، والعكس صحيح، تتضاءل قيمتها كلما تضاءل فيها العمل الصالح، حتى تصبح الدنيا لا قيمة لها في نظر الإسلام، أما إذا انعدم فيها العمل الصالح مطلقًا وساد فيها العمل السيئ، فإن الدنيا تصير على الإنسان شرًّا محضًا، نسأل الله العافية والسلامة.

ولذلك قال -صلى الله عليه وسلم-: "شر الناس من طال عمره وساء عمله"، جاء ذلك في صحيح الجامع من حديث أبي بكرة.

ذلك هو شر الناس: طال عمره وساء عمله، استغراقه في الدنيا بسوء عمل جعل الدنيا شرًّا عليه، إذًا؛ هكذا ينظر الإسلام إلى الدنيا من حيث قيمتها مستقلة بذاتها وقيمتها متصلة بالآخرة.

أما المنظور الثاني فهو نظر الإسلام إلى الدنيا من حيث التعامل نية وعملاً، أما النية؛ فكلّما اشتغل قلب المسلم باستحضار النية ومداومة الرجاء واحتساب الأجر عند الله تعالى في كل حركة كان ذلك أقرب للمنهج الإسلامي، وكلما غفل عن ذلك ابتعد عن المنهج، ولا يحتسب أعمال الدنيا للآخرة إلا مَن وفَّقه الله تعالى، وكان قلبه فعلاً معلقًا بالآخرة.

يقول -سبحانه-: (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) [البقرة:112]، أسلم وجهه بمعنى أخلص وجهه، مشتق من السلامة، أي: جعل وجهه سالمًا من كل غرض آخر سوى الله، فهو يتوجه إلى الله تعالى وحده في كل أمره، فإسلام الوجه -أي صحة القصد- ليس في العبادة فحسب؛ بل في سائر الأعمال، كما قال إبراهيم الخليل -عليه السلام-: (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ) [الأنعام:79]، فجعل النية لله تعالى في الأعمال الدنيوية من المحيا إلى الممات، وهو مغنم كبير، بل هو المغنم الكبير.

قال تعالى محفزًا إلى ذلك: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ) [الأنعام:162-163]، تجرُّدٌ كاملٌ لله تعالى في كل شيء، في المحيا والممات، حتى في نومك، حتى في ابتسامتك، حتى في اللقمة التي تناولها امرأتك توددًا وإحسانًا، حتى في إماطتك الأذى عن الطريق، حتى في وضعك حذاءك قبل دخولك المسجد في المكان المخصص، تحتسبه في ذلك لله -عز وجل-.

حتى في كلامك وفي صمتك لا يضيع سعيك أبدًا، لا يضيع لك سعي في هذه الدنيا، ولماذا يضيع؛ وبإمكانك كسبه؟! لماذا؟! ويا له من كسب! هذا هو منهج الإسلام: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الأنعام:162].

صحّ في البخاري من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "كل سُلامَى من الناس -سُلامَى: مفاصل عظام البدن- عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس".

على الخير الذي أعطاك الله -عز وجل- إياه بتحرك مفاصلك صدقة لكل مفصل، "يعدل بين الاثنين صدقة، ويعين الرجل على دابته فيحمله عليها أو يرفع عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وكل خطوة يخطوها إلى الثواب صدقة، وإماطة الأذى عن الطريق صدقة، وتسليمه على من لقي صدقة".

إذًا؛ فمنذ الصباح الباكر وحتى المساء والمسلم يسعى بالكسب الأخروي دون أن يتعارض ذلك مع كسبه الدنيوي أبدًا ما دامت فيه خصلتان: الأولى: نية واحتساب، والثانية: استقامة على الحلال.

أما النية؛ فقد يبلغ العبد بنيته الصالحة منزلة يقصر عنها حتى عمله ذاته، يكسب بنيته أكثر من العمل، إن كان له عذر في ذلك، ففي غزوة تبوك -مثلاً- يحدثنا جابر بن عبد الله الأنصاري -رضي الله عنه- فيقول: كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في غزاة فقال: "إن بالمدينة لرجالاً ما سرتم مسيرًا، ولا قطعتم واديًا إلا كانوا معكم، حبسهم المرض". وفي رواية: "إلا شاركوكم في الأجر". رواه مسلم.

تغزو في سبيل الله وأنت في بيتك! ما حبسهم إلا المرض، إلا العذر، وقس على ذلك كل عمل تتمناه صدقًا من قلبك ولكن لا تقدر عليه، ففي صحيح ابن ماجه بإسناد صحيح عن أبي كبشة الناري، قال -صلى الله عليه وسلم-: "مثَل هذه الأمة كمثل أربعة نفر: رجل آتاه الله مالاً وعلمًا فهو يعمل بعلمه في ماله، ينفقه في حقه؛ ورجل آتاه الله علمًا ولم يؤته مالاً فهو يقول: لو كان لي مثل هذا لعملت فيه مثل الذي يعمل"، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فهما في الأجر سواء"، فالثاني بنيته... الحديث.

وفي سنن الترمذي بسند صحيح، عن سهل بن حُنَيْفٍ، قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَن سأل الله الشهادةَ مِن قلبه صادقًا بلَّغَه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه".

فالمنهج الإسلامي -أيها الإخوة- يقتضي نية صادقة، وعملاً صالحًا، فإن لم يكن ثمة قدرة على العمل فلا يعدم النية الصادقة، فالنية لا تتوقف، تكسبك الأجر حتى لو عجزت عن العمل، وبتوقف النية يتوقف الأجر.

وهذا ما جعل الصحابي الجليل معاذ بن جبل -رضي الله عنه- يقول: "إني لأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي"، ومعاذ -رضي الله عنه- لا يفرط في أي عمل دنيوي يمارسه ولو كان العمل هو النوم والراحة.

وكذا ما ورد عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- في قوله: "إني لأستجم لقلبي بالشيء من اللهو ليكون أقوى لي على الحق"، وهذا يعني أن الترويح يمكن أن يكون له بُعد تعبدي إذا احتسبه الإنسان قربة إلى الله ليتقوى به على الطاعة.

يؤجر المسلم على اللهو المباح بهذه النية، ومن ثم تصبح جميع حياة المسلم عبادة حتى ما كان منها من ملذات وشهوات ما دامت مقترنة بالنية الصالحة، فقد جاء في صحيح مسلم من حديث أبي ذر قوله -صلى الله عليه وسلم-: "أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون؟! إن بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، وفي بُضع أحدكم صدقة". قالوا: يا رسول الله: أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟! قال: "أرأيتم إن وضعها في حرام؛ أَلا يكون عليه وزر؟! فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر"، حتى في الملذات والشهوات!!

هذا هو نظر الإسلام إلى الدنيا من حيث التعامل معها نيةً، أما العمل؛ فالعمل حتى يكون صحيحًا لابد أن يسبقه العلم، ولذلك قدم القرآن العلم حتى على شهادة التوحيد كي يكون معنى الشهادة واضحًا لدى من أقرّ بالتوحيد، قال -سبحانه-: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ) [محمد:19].

معاشر الإخوة: قد يرى البعض أن في هذا الموضوع صعوبة أو تعقيدًا، وليس الأمر كذلك أبدًا، فالعلم الشرعي لا يصعب الوصول إليه كما كان في السابق، بل هو متيسر اليوم جدًّا، وغالب الناس عندهم من العلم أصلاً ما يتيح لهم حسن التعامل مع كثير من مناحي الحياة بمنهج إسلامي قويم، أما ما يستدعي السؤال فيُسأل عنه.

أسأل الله تعالى أن يبصرنا بما ينفعنا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من سار على نهجه واهتدى بهداه إلى يوم الدين.

أما بعد:

فمن أهم ما يجب أن يؤمن به المسلم أن الدين له شأن في كل شيء، وأنه لا انفصال للدين عن الحياة كما هو مبدأ العلمانيين التائهين.

الله تعالى لم يبعث رسوله -صلى الله عليه وسلم-، لم يبعثه للناس كافة ويختم به الرسل من أجل العبادات المحضة فقط كالصلاة والزكاة والصوم ونحوها من العبادات، وإنما بعثه إلى ما هو أوسع من ذلك أيضًا، بعثه ليتلو عليهم آياته ويخرجهم بها من الظلمات إلى النور: (لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ) [آل عمران:164].

هناك تلاوة للآيات، وتعليم للكتاب، وتعليم للحكمة، وتزكية من الشرك ومساوئ الأخلاق، تلك هي مهام النبوة.

فالله تعالى إنما شرع دين الإسلام ليكون منهج حياة للبشرية ينظرون من خلاله إلى الحياة، ويسيرون طبق أحكامه وتعليماته على هذا الهدى، فما من شأن في هذه الدنيا قديمًا كان أو مستجدًا إلا وللإسلام فيه حكم وبيان، إما بنص واضح، وإما بالنظر إلى مقاصد الشرع.

وهذا النظر ليس مشاعًا لكل إنسان كما يمارسه بعض الكُتاب والصحفيين ومن شابههم؛ وإنما هو خاص بالعلماء النجباء الذين جمعوا بين فهم النوازل ودراسة أصول الشريعة، وبذلك يتحقق للعباد الغاية التي من أجلها خلقوا، وهي عبادة الله عن علم ودراية: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات:56].

يقول -سبحانه-: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) [النحل:89]، تبيانًا لكل شيء، قال الإمام الشافعي -رحمه الله-: "ليس ينزل بأحد في الدنيا نازلة إلا وفي كتاب الله تعالى الدليل على سبيل الهدى فيها".

قال القرطبي مكملاً ومفصلاً: "إمّا دلالة مبينة مشروحة في القرآن، وإما مجملة يتلقى بيانها من الرسول -عليه الصلاة والسلام-، وإما من الإجماع، أو من القياس لما ثبت بنص الكتاب".

وقد جاء في صحيح البخاري عن عبد الله بن مسعود قال: "لعن الله الواشمات والمتوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن؛ المغيرات خلق الله"، فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها: أم يعقوب، فجاءت فقالت: إنه قد بلغني أنك لعنت كيت وكيت، فقال: وما لي لا ألعن مَن لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو في كتاب الله؟! قالت: لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول، قال: لَئنْ قرأتيه لقد وجدتيه: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا) [الحشر: 7].

هكذا يسير المسلم -رجلاً كان أم امرأة- في حياته على هدى من الله، يُقبل على المباح ويعرض عن المحرم والمشتبه، فيسعد في دنياه ويفلح في آخرته، هكذا يكون على منهج إسلامي، وللحديث تتمة إن شاء الله تعالى...

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين...