الغني
كلمة (غَنِيّ) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (غَنِيَ...
العربية
المؤلف | عبد الله بن محمد البصري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | أهل السنة والجماعة |
ولكن من أولياء الله؟! وما صفاتهم؟! وهل يجوز أن نحكم لمعيّن بالولاية؟! ولو قُدّر أنّا عرفنا أن فلانًا من أولياء الله فهل لنا أن نرفعه فوق منزلته التي أنزله الله إياها؟! وهل يجوز له هو أن يخالف ما جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم-؟! تلكم أمور من العقيدة عظيمة، لبّسَ الشيطان فيها على عامة الناس، واستغل جهلهم بها لإضلالهم عن الحق، فتعلقوا ..
أما بعد: فاتقوا الله تعالى حق تقاته، وسارعوا إلى مغفرته ومرضاته: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) [الطلاق:2، 3].
أيها المسلمون: مما جاء في كتاب الله تعالى وكلام رسوله أن لله -سبحانه وتعالى- من خلقه أولياء، قال تعالى: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [يونس:62-64]، وروى ابن جرير عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن من عباد الله عبادًا يغبطهم الأنبياء والشهداء"، قيل: من هم يا رسول الله؟! لعلنا نحبهم، قال -صلى الله عليه وسلم-: "هم قوم تحابّوا في الله من غير أموال ولا أنساب، وجوههم نور، على منابر من نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس"، ثم قرأ: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ).
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله تعالى قال: من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب". رواه البخاري.
ولكن من أولياء الله؟! وما صفاتهم؟! وهل يجوز أن نحكم لمعيّن بالولاية؟! ولو قُدّر أنّا عرفنا أن فلانًا من أولياء الله فهل لنا أن نرفعه فوق منزلته التي أنزله الله إياها؟! وهل يجوز له هو أن يخالف ما جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم-؟!
تلكم أمور من العقيدة عظيمة، لبّسَ الشيطان فيها على عامة الناس، واستغل جهلهم بها لإضلالهم عن الحق، فتعلقوا بأناس وسموهم الأولياء، وعبدوهم من دون الله -عز وجل-، واستغل أقوامٌ ممن لا يرجون لله وقارًا هذا الأمر، وادعوا الولاية ليأكلوا أموال الناس بالباطل ظلمًا وعدوانًا، وهم في الواقع من أجهل الناس بعبادة الله وأضعفهم توحيدًا، فضلاً عن أن يكونوا من أوليائه.
أيها المسلمون: إن الولي في لغة العرب خلاف العدو، وهو مشتق ومأخوذ من الولاء وهو الدنو والتقرب، فولي الله هو من والى الله بموافقته محبوباته والتقرب إليه بمرضاته، ومن صحّت ولايته فهو من أهل الجنة ولا ريب.
ولما كان من عقيدة أهل السنة والجماعة أنهم لا يجزمون لمعين بالجنة؛ فإنه لا يجوز لنا أن نجزم بولاية أحد من الناس كائنًا من كان، قال القرطبي -رحمه الله تعالى- في تفسيره: "قال علماؤنا -رحمة الله عليهم-: ومن أظهر الله على يديه ممن ليس بنبيّ كرامات وخوارق للعادات فليس ذلك دالاًّ على ولايته، خلافًا لبعض الصوفية والرافضة... دليلنا أن العلم بأن الواحد منا ولي لله تعالى لا يصح إلا بعد العلم بأنه يموت مؤمنًا، وإذا لم يعلم أنه يموت مؤمنًا لم يمكننا أن نقطع على أنه ولي لله تعالى". اهـ.
وبالرجوع إلى قوله تعالى: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) [يونس: 62]، نعرف أهم صفات أولياء الله، فقد وصفهم الله بأنهم الذين آمنوا وكانوا يتقون. فما الإيمان؟! وما الشيء الذي آمنوا به؟! وما التقوى حتى نتصف بها، وحتى نعرف من أولياء الله؟!
أما الإيمان فهو الاعتراف المستلزم للقبول، وقد بيّنه المصطفى في حديث جبريل المشهور حينما سأله عن الإيمان فقال: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره".
أما التقوى -وهي الصفة الثانية من صفات أولياء الله- فهي أن يجعل العبد بينه وبين عذاب الله وقاية بفعل أوامره واجتناب نواهيه، جاء في تفسير الطبري عند تفسير قوله تعالى: (إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ) [الأنفال:34]، يقول: "ما أولياء الله إلا المتقون، يعني الذين يتقون الله بأداء فرائضه واجتناب معاصيه، (وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) [الأنفال:34]، يقول: ولكن أكثر المشركين لا يعلمون أن أولياء الله المتقون".
والتقوى هي المذكورة في قوله تعالى: (وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) [البقرة: 177].
ومن صفات أولياء الله أنهم إذا رُؤوا ذُكِر الله، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رجل: يا رسول الله: من أولياء الله؟! قال: "الذين إذا رُؤوا ذُكِر الله". رواه البزار وصححه الألباني.
ومن صفاتهم أنهم يحبون في الله ويبغضون في الله، ويوالون في الله ويعادون في الله، كما ورد في الحديث: "من أحب في الله وأبغض في الله ووالى في الله وعادى في الله فإنما تنال ولاية الله بذلك"، وروى الإمام أحمد والطبراني عن النبي قال: "لا يجد العبد صريح الإيمان حتى يحب لله ويبغض لله، فإذا أحب لله وأبغض لله فقد استحق الولاية لله".
ومن صفات الأولياء: المحافظة على الصلوات الخمس وصيام رمضان طاعة لله وإخراج الزكاة واجتناب الكبائر، في الحديث أن رسول الله قال في حجة الوداع: "ألا إن أولياء الله المصلون، من يقيم الصلوات الخمس التي كتبن عليه، ويصوم رمضان يحتسب صومه يرى أنه عليه حق، ويعطي زكاة ماله يحتسبها، ويجتنب الكبائر التي نهى الله عنها"، ثم إن رجلاً سأله فقال: يا رسول الله: ما الكبائر؟! فقال: "هي تسع: الشرك بالله، وقتل نفس المؤمن بغير حق، وفرار يوم الزحف، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، وقذف المحصنة، وعقوق الوالدين المسلمين، واستحلال البيت الحرام قبلتكم أحياءً وأمواتًا"، ثم قال: "لا يموت رجل لم يعمل هذه الكبائر ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة إلا كان مع النبي في دار أبوابها مصاريع من ذهب". قال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه".
ومن صفات الأولياء أنهم يخفون أعمالهم ولا يبرزونها للناس، بل قد لا يعرفهم الناس ولا يأبهون لهم، فعن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر خرج إلى المسجد فوجد معاذًا عند قبر رسول الله يبكي فقال: ما يبكيك؟! قال: حديث سمعته من رسول الله، قال: "اليسير من الرياء شرك، ومن عادى أولياء الله فقد بارز الله بالمحاربة، إن الله يحب الأبرار الأتقياء الأخفياء، الذين إن غابوا لم يفتقدوا، وإن حضروا لم يعرفوا، قلوبهم مصابيح الهدى، يخرجون من كل غبراء مظلمة". رواه ابن ماجه والحاكم وقال: "صحيح ولا علة له".
ومن صفات الأولياء: التحلي بالعلم الموروث عن رسول الله، والاتصاف بالفضل وصفاء القلوب والعقيدة والإخلاص لله تعالى والدعوة إليه، قال ابن عبد البر: "فمن الحب في الله حب أولياء الله، وهم الأنقياء العلماء الفضلاء، ومن البغض في الله بغض من حاد الله وجاهر بمعاصيه أو ألحد في صفاته وكفر به وكذب رسله أو نحو هذا كله".
ويروى عن الخليل بن أحمد كما في تهذيب الكمال أنه قال: "إن لم تكن هذه الطائفة -يعني أهل العلم- أولياء الله فليس لله ولي". وروى عبد الرزاق عن معمر عن الحسن البصري -رحمه الله- أنه تلا هذه الآية الكريمة: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ...) الآية [فصلت:33]، فقال: "هذا حبيب الله، هذا ولي الله، هذا صفوة الله، هذا خيرة الله، هذا أحب أهل الأرض إلى الله، أجاب الله في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته، وعمل صالحًا في إجابته، وقال: إنني من المسلمين، هذا خليفة الله".
وقال شيخ الإسلام: "فمن كان مخلصًا في أعمال الدين يعملها لله كان من أولياء الله المتقين أهل النعيم المقيم، كما قال تعالى: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [يونس:62-64].
والقائمون بحفظ العلم الموروث عن رسول الله الرُّبَّان، الحافظون له من الزيادة والنقصان، هم من أعظم أولياء الله المتقين وحزبه المفلحين، بل لهم مزية على غيرهم من أهل الإيمان والأعمال الصالحات، كما قال تعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) [المجادلة:11]".
وقال -رحمه الله-: "وأولياء الله هم الذين يتبعون رضاه بفعل المأمور وترك المحظور والصبر على المقدور".
وقال -رحمه الله-: "فالصراط المستقيم هو ما بعث الله به رسوله محمدًا بفعل ما أمر وترك ما حظر وتصديقه فيما أخبر، ولا طريق إلى الله إلا ذلك، وهذا سبيل أولياء الله المتقين وحزب الله المفلحين وجند الله الغالبين، وكل ما خالف ذلك فهو من طرق أهل الغي والضلال، وقد نزّه الله تعالى نبيه عن هذا وهذا، فقال تعالى: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى) [النجم:1-4]، وقد أمرنا الله سبحانه أن نقول في صلاتنا: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) [الفاتحة:6، 7]".
وقال -رحمه الله-: "كل من آمن بالله ورسوله واتقى الله فهو من أولياء الله".
أيها المسلمون: ومما لبّس به الشيطان على كثير من المخرّفة والصوفية أن أجرى أمورًا خارقة للعادة وخارجة عن المألوف على أيدي من يسمونهم أولياء وما هم بأولياء، ونسي أولئك الجهلة أو تناسوا أنه لا يشترط في الولي أن يكون له كرامات أو أمور خارقة للعادة.
قال الشيخ سليمان بن عبد الله ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمهم الله-: "وبالجملة فأولياء الله هم أحبابه المتقرّبون إليه بالفرائض والنوافل وترك المحارم، الموحدون له الذين لا يشركون بالله شيئًا، وإن لم تجرِ على أيديهم خوارق، فإن كانت الخوارق دليلاً على ولاية الله فلتكن دليلاً على ولاية الساحر والكاهن والمنجّم والمُتَفَرِّس ورهبان اليهود والنصارى وعُبّاد الأصنام، فإنهم يجري لهم من الخوارق ألوف، ولكن هي من قِبَل الشياطين، فإنهم يتنزلون عليهم لمجانستهم لهم في الأفعال والأقوال، كما قال تعالى: (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ) [الشعراء:221، 222]، وقال تعالى: (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) [الزخرف:36].
وتجد عمدة كثير من الناس في اعتقادهم الولاية في شخص أنه قد صدر عنه مكاشفة في بعض الأمور أو بعض الخوارق للعادة، مثل أن يشير إلى شخص فيموت، أو يطير في الهواء إلى مكة أو غيرها أحيانًا، أو يمشي على الماء، أو يملأ إبريقًا من الهواء، أو يخبر في بعض الأوقات بشيء من الغيب، أو يختفي أحيانًا عن أعين الناس، أو يخبر بعض الناس بما سرق له أو بحال غائب أو مريض، أو أن بعض الناس استغاث به وهو غائب أو ميت فرآه قد جاء فقضى حاجته أو نحو ذلك، وليس في شيء من هذه الأمور ما يدل على أن صاحبها مسلم فضلاً عن أن يكون وليًّا لله، بل قد اتفق أولياء الله على أن الرجل لو طار في الهواء ومشى على الماء لم يغتر به حتى ينظر متابعته لرسول الله وموافقته لأمره ونهيه.
ومثل هذه الأمور قد يكون صاحبها وليًّا لله، وقد يكون عدوًّا له، فإنها قد تكون لكثير من الكفار والمشركين واليهود والنصارى والمنافقين وأهل البدع، وتكون لهؤلاء من قبل الشياطين، أو تكون استدراجًا، فلا يجوز أن يظن أن كل من كان له شيء من هذه الأمور فهو ولي لله، بل يعرف أولياء الله بصفاتهم وأحوالهم وأفعالهم التي دل عليها الكتاب والسنة، وأكثر هذه الأمور قد توجد في أشخاص يكون أحدهم لا يتوضأ ولا يصلي المكتوبة، ولا يتنظف ولا يتطهر الطهارة الشرعية، بل يكون مُلابِسًا للنجاسات، معاشرًا للكلاب، يأوي إلى المزابل، رائحته خبيثة، رَكّابًا للفواحش، يمشي في الأسواق كاشفًا لعورته، غامزًا للشرع مستهزئًا به وبحملته، يأكل العقارب والخبائث التي تحبها الشياطين، كافرًا بالله، ساجدًا لغير الله من القبور وغيرها، يكره سماع القرآن وينفر منه، ويؤثر سماع الأغاني والأشعار ومزامير الشيطان على كلام الرحمن، فلو جرى على يدي شخص من الخوارق ماذا عساه أن يجري فلا يكون وليًا لله محبوبًا عنده حتى يكون متبعًا لرسوله باطنًا وظاهرًا". اهـ.
وقال في شرح العقيدة الطحاوية: "فلا طريقة إلا طريقة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ولا حقيقة إلا حقيقته، ولا شريعة إلا شريعته، ولا عقيدة إلا عقيدته، ولا يصل أحد من الخلق بعده إلى الله وإلى رضوانه وجنته وكرامته إلا بمتابعته باطنًا وظاهرًا. ومن لم يكن له مصدّقًا فيما أخبر ملتزمًا لطاعته فيما أمر في الأمور الباطنة التي في القلوب والأعمال الظاهرة التي على الأبدان لم يكن مؤمنًا فضلاً عن أن يكون وليًّا لله تعالى، ولو طار في الهواء، ومشى على الماء، وأنفق من الغيب، وأخرج الذهب من الخشب، ولو حصل له من الخوارق ماذا عسى أن يحصل، فإنه لا يكون مع تركه الفعل المأمور وعزل المحظور إلا من أهل الأحوال الشيطانية المبعدة لصاحبها عن الله تعالى، المقرّبة إلى سخطه وعذابه.
فمن اعتقد في بعض البُلْهِ أو المولَعِين مع تركه لمتابعة الرسول في أقواله وأفعاله وأحواله أنه من أولياء الله، وفضّله على متبعي طريقة الرسول، فهو ضالّ مبتدع مخطئ في اعتقاده، فإن ذاك الأبله إما أن يكون شيطانًا زنديقًا، أو زُوكَارِيًّا متحيّلاً، أو مجنونًا معذورًا، فكيف يفضّل على من هو من أولياء الله المتبعين لرسوله أو يساوى به؟! قال يونس بن عبد الأعلى الصدفي: "قلت للشافعي: إن صاحبنا الليث كان يقول: إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء فلا تغتروا به حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنة، فقال الشافعي: قَصَّرَ الليث -رحمه الله-، بل إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء ويطير في الهواء فلا تغتروا به حتى تعرضوا أمره على الكتاب".
وقال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في معرض كلامه عما استقر عند العامة أنّ خرق العادة يدل على أن من وقع له ذلك من أولياء الله تعالى قال -رحمه الله-: "وهو غلط ممن يقوله؛ فإن الخارق قد يظهر على يد المبطل من ساحر وكاهن وراهب، فيحتاج من يستدل بذلك على ولاية أولياء الله تعالى إلى فارق، وأولى ما ذكروه أن يختبر حال من وقع له ذلك، فإن كان متمسكًا بالأوامر الشرعية والنواهي كان ذلك علامة ولايته، ومن لا فلا". اهـ.
ألا فاتقوا الله -أيها المسلمون-، واعملوا بطاعته، واتبعوا سنة الحبيب -صلى الله عليه وسلم-، واتبعوا طريقته.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا) [النساء:69].
الخطبة الثانية:
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، واحذروا أسباب سخط ربكم -جل وعلا-؛ فإن أجسامكم على النار لا تقوى.
واعلموا -رحمكم الله- أنه لا يجوز لأحد -كائنًا من كان- الاستغناء عن شريعة محمد فضلاً عن مخالفتها، قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "من اعتقد أن في أولياء الله من لا يجب عليه اتباع المرسلين وطاعتهم فهو كافر يُسْتَتاب، فإن تاب وإلا قُتل، مثل من يعتقد أن في أمة محمد من يستغني عن متابعته كما استغنى الخضر عن متابعة موسى، فإن موسى لم تكن دعوته عامة، بخلاف محمد فإنه مبعوث إلى كل أحد، فيجب على كل أحد متابعة أمره، وإذا كان من اعتقد سقوط طاعته عنه كافرًا فكيف من اعتقد أنه أفضل منه أو أنه يصير مثله؟!".