البحث

عبارات مقترحة:

الله

أسماء الله الحسنى وصفاته أصل الإيمان، وهي نوع من أنواع التوحيد...

النصير

كلمة (النصير) في اللغة (فعيل) بمعنى (فاعل) أي الناصر، ومعناه العون...

الحكيم

اسمُ (الحكيم) اسمٌ جليل من أسماء الله الحسنى، وكلمةُ (الحكيم) في...

وقفات مع الامتحانات

العربية

المؤلف خميس بن سعد الغامدي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك
عناصر الخطبة
  1. حالة طوارئ في البيوت بسبب الاختبارات المدرسية .
  2. امتحان الدنيا يذكرنا بالامتحان الأكبر .
  3. وقفات مع هذا الامتحان ونتائجه .
  4. على الآباء أن يهتموا بدين أبنائهم كما يهتمون بدنياهم .
  5. التحذير من الغش في الاختبارات .
  6. أهمية التوكل على الله في الامتحانات .

اقتباس

غدًا، وما أدراك ما غدًا!! يوم يكرم فيه المرء أو يهان، يوم يعلم المجتهد فيه نتيجة جهده، كما يعلم الكسول فيه نتيجة كسله، فمن جدّ وجد، ومن زرع حصد. كل عام يتكرر هذا الموقف، وهذا المشهد، مشهد دخول الطلاب والطالبات إلى قاعات الامتحانات، هذا المشهد لابد من الوقوف معه وقفات تربوية، علها تحثّ على بذل الجهد، وتشجع على التحصيل، وتثمر عند الحصاد.

الخطبة الأولى:

أما بعد:

غدًا، وما أدراك ما غدًا!! يوم يكرم فيه المرء أو يهان، يوم يعلم المجتهد فيه نتيجة جهده، كما يعلم الكسول فيه نتيجة كسله، فمن جدّ وجد، ومن زرع حصد.

أيها المسلمون: كل عام يتكرر هذا الموقف، وهذا المشهد، مشهد دخول الطلاب والطالبات إلى قاعات الامتحانات، هذا المشهد لابد من الوقوف معه وقفات تربوية، علها تحثّ على بذل الجهد، وتشجع على التحصيل، وتثمر عند الحصاد.

الوقفة الأولى: أبناؤنا غدًا تفتح لهم أبواب قاعات الامتحانات، ويجلس الواحد منهم يُسأل وحيدًا فريدًا لا معين له ولا مُسدد إلا الله، ثم ما بذله من جهد في الاستذكار.

غدًا الامتحانات، يُسأل فيه التلميذ عما حصّله في عامه الدراسي، وحاله في وجل واضطراب، عما تخفيه له ورقة النتيجة من مفاجئات ربما لم يكن متوقعًا لها، يخاف من عدم النجاح، من الفضيحة بين أقاربه وأهله، يخاف من العقوبة لو لم ينجح في الامتحان، يخاف من ذل الخسارة، وليس بملوم في كل ذلك، ولكنني أبشّر كل طالب اجتهد وثابر، ترك الراحة والكسل والهجوع من أجل النجاح أبشره بالفوز، أبشره بالسرور في يوم إعلان النتائج، واستلام صحائف الدرجات.

أيها المسلمون: ما أشبه اليوم بغدٍ، أتدرون أي غدٍ أعني!! إنه يوم الامتحان الأكبر، يوم السؤال عن الصغيرة والكبيرة، السائل رب العزة والجلال، والمسؤول هو أنت، ومحل السؤال كل ما عملته في حياتك، من صغيرة أو كبيرة، يا له من امتحان!!

ويا له من سؤال!! ويا له من يوم يجعل الولدان شيبًا، عند مسلم عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ اللَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ، فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّم،َ وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلا يَرَى إِلاّ مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلا يَرَى إِلَّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِه، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ".

نعم إنه امتحان مهول يدخله كل الخلق في يوم مهول، عند مسلم من حديث طويل عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يُنْزِلُ اللَّهُ مَطَرًا كَأَنَّهُ الطَّل -أي يوم القيامة-، فَتَنْبُتُ مِنْهُ أَجْسَادُ النَّاسِ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ، ثُمَّ يُقَالُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ هَلُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ: (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ) [الصافات:24]". قَالَ: "ثُمَّ يُقَالُ: أَخْرِجُوا بَعْثَ النَّارِ، فَيُقَالُ: مِنْ كَم؟! فَيُقَال: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ، قَالَ: فَذَاكَ يَوْمَ يَجْعَلُ الْوِلْدنَ شِيبًا [المزمل:17]. وَذَلِكَ يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ [القلم:42]".

عباد الله: تذكروا -وأبناؤكم في قاعات الامتحانات الفسيحة- تذكروا عرصات يوم القيامة، والناس قيام شاخصة أبصارهم، ألجمهم العرق من هول يوم السؤال، ورعب يوم الحساب؛ يقول -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ الْعَرَقَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيَذْهَبُ فِي الأَرْضِ سَبْعِينَ بَاعًا، وَإِنَّهُ لَيَبْلُغُ إِلَى أَفْوَاهِ النَّاسِ أَوْ إِلَى آنَافِهِمْ".

تذكروا -عند إلقاء السؤال في الامتحان- سؤال الملكين في تلك الحفرة المظلمة، تذكروا -إِذَا وُضِعَ الواحد منا فِي قَبْرِهِ، وَتولى وَذَهَبَ أَصْحَابُهُ حَتَّى إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ، وجاء الممتحِنون، وما أدراك ما الممتحِنون!! هما "مَلَكَانِ يقْعدانه فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-؟! فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، فَيُقَالُ: انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنْ النَّارِ، أَبْدَلَكَ اللَّهُ بِهِ مَقْعَدًا مِنْ الْجَنَّة"، هذه حال الفائز الناجح، أما الراسب الذي لم يستعد للامتحان "فَيَقُول: لا أَدْرِي، كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ، فَيُقَالُ: لا دَرَيْتَ وَلا تَلَيْتَ، ثُمَّ يُضْرَبُ بِمِطْرَقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً بَيْنَ أُذُنَيْهِ، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ إِلَّا الثَّقَلَيْن".

تذكر -يا عبد الله- عند إلقاء السؤال في قاعة الامتحان بسؤال الله يوم القيامة يوم يدنيك رب العزة فيقررك بذنوبك؛ يقول سبحانه: "تَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟!".

تذكر -يا عبد الله- يوم توزيع الشهادات على الطلاب، ذلك اليوم العظيم الذي توزع فيه الصحف: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَـابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُاْ كِتَـابيَهْ * إِنّى ظَنَنتُ أَنّى مُلَـاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِى عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * فِى جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُواْ وَشْرَبُواْ هَنِيئَاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِى الأيَّامِ الْخَالِيَةِ * وَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَـابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يالَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَـابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يالَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنّى مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنّى سُلْطَـانِيَهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِى سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاْسْلُكُوهُ) [الحاقة:18-32].

الوقفة الثانية: سؤال مهم: لماذا ندرس؟! ولماذا نُمتحن؟! لماذا كل هذا العناء؟! أليس الذي جعل الشوارع نزهته، والأرصفة مسمره، والطرب منتهى أحلامه، أليس في راحة وهدوء بال؟! إذًا فلم كل هذا العناء؟! دراسة وجهد وسهر ثم امتحان ثم ماذا؟!

هل الهدف من الدراسة هي مجرد تلك الشهادة لتعلق على الجدار؟! أم أن الهدف أن يفتخر المرء بأنه درس وتفوق؟! أم أن الأمر مجرد ملء للفراغ وإشغال للوقت؟! أم أن الهدف وظيفة مرموقة، وكرسي دوّار وثير؟! أم أنه منصب نسعى له، فنلبس العباءة المزركشة بالذهب، ونشرف الحفلات؟! يا ترى ما هو الهدف؟!

إنني لأتساءل: يا ترى ما الأهداف التي نبتغيها من دراسة أبنائنا وتفوقهم؟! والتي نزرعها في أفئدتهم طيلة سنواتهم الدراسية.

أيها المسلمون: إن الواجب على كل أب أن يزرع في ابنه حب التفوق لأنه لبنة بناء في مجد الأمة؛ لأنه مصدر إنتاج في الوطن الإسلامي، لأنه مشعل تستضيء به الأمة في هذا الظلام الدامس الذي انتابها في هذه العهود.

نعم، كيف نبني؟! وكيف نصنع؟! وكيف نعلم ونطبب ونهندس؟! وكيف نخطط وننتج؟! بل كيف نستغني عن الاستعانة بالخبير الأجنبي الذي ليس همه إسلام ولا أمة بل همه تدمير الأمة ورجالاتها.

نعم، علينا أن نحيي في نفوس أبنائنا أنهم بناة المجد، وهامة العلو، والقوة التي ننتظرها، والحصن الحصين الذي تتحصن به الأمة.

ليس الهدف مجرد شهادة ووظيفة وراتب عالٍ ومنصب، بل الهدف أشد رفعة من سمو الجبال الراسخة.

إذًا ندرس من أجل الإنتاج، ندرس من أجل أن يكون الواحد منا بنَّاء لمجد أمة الإسلام، لا يكن هم الواحد منا من الآباء والطلاب مجرد تحصيل الدنيا ونيل أجرها ونعيمها، فإن الله قد تكفل بالرزق، عند الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ كَانَتْ الآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ".

الوقفة الثالثة: عند مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: "مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا"، ويقول ابن عباس -رضي الله عنهما-: "من خادع الله يخدعه الله".

نعم، إن الغش في الامتحان تزوير ممقوت، وخُلُق سمج، وتطبّع إجرامي، بل إن الغش جريمة في حق المجتمع؛ لأننا نخرج طلابًا زورًا وبهتانًا، ولأننا سنخرج أطباء مزوِّرين ومهندسين مزوِّرين بل ومعلمين مزوِّرين، فيموت الإبداع في كل مجال، ويوسَّد الأمر إلى غير أهله، فتشيع الخيانة، وينتشر الضعف في كل مجال، فيُعلى علينا ولا نعلو، ونُهزم ولا ننتصر؛ لأن مراكز العلو، ومراكز الإنتاج قد تولاها غشاشون مزوِّرون لا كفاءة لديهم، ولا إبداع.

نعم، هذا هو مآل التزوير والغش في الامتحان، لا تحسبوه هينًا -يا عباد الله- فإنه عظيم جد عظيم، وإن من يكشف غاشًّا في قاعة الامتحان، أحسبه أنجد الأمة من مِعْوَل هدم سيهدم بناءها في المستقبل القريب، بجهله وكسله وتفريطه، ثم بغشه وتزويره.

الوقفة الرابعة: نقف فيها مع ذلك الأب الرحيم، وتلك الأم الرحيمة، الذي أجهد كل واحد منهما نفسه، وأثقل وزره من أجل ابنه، فكأنه هو الذي سيُمتحن غدًا ليس ابنه، فلا يرتاح له بال حتى يغادر ابنه إلى قاعة الامتحان، ويا للهول لو نام الابن عن الامتحان، مصيبة عظيمة وذنب لا يمكن اغتفاره، وهو فعلاً كذلك، ولكن السؤال هنا: هل عملت مع ولدك لامتحان الآخرة ما تعمله الآن معه لامتحان الدنيا؟!

هل سعيت لإنقاذه من فشل امتحان الآخرة، كما تسعى الآن لإنقاذه من فشل امتحان الدنيا؟! هل بذلت جهدك المتواصل في تعليمه وتفهيمه ما يعينه على امتحان الآخرة، كما تفعل ذلك لامتحان الدنيا؟!

اسأل نفسك: هل توقظ ابنك لصلاة الفجر وهو شاب بالغ عاقل، بنفس الحرص الذي توقظه به لحضور الامتحان؟!

هل تعتني بتوجيهه وإرشاده إذا أخطأ في أمر شرعي، كما تعتني بتوجيهه وتصحيح خطئه في مذاكرته؟!

بل اسأل نفسك: هل أنت حريص على أن ينال ابنك الفوز في الآخرة، بنفس الحرص والحماس الذي تسعى له في نجاح ابنك في الامتحانات الدراسية بتفوق؟!

عبد الله: تذكر أنك مسؤول عن هؤلاء الأبناء، ليس فقط من أجل نجاحهم في امتحان الدنيا، بل أنت مسؤول حتى عن نجاحهم في الآخرة، في الحديث المتفق عليه عن عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ َقُالُ: "كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِه،ِ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ -قَالَ: وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ:- وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ ومَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ".

اعلم أن الفوز الحقيقي الذي تبحث عنه لابنك هو فوز الآخرة، فاحرص عليه: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَـامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَوةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَـاعُ الْغُرُورِ) [آل عمران: 185].

الخطبة الثانية:

أيها الطلاب: الوصية بتقوى الله -عز وجل-، فمن اتقى الله جعل له من كل همّ فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ومن اتقى الله جعل له من أمره يسرًا، وجعل العسير يسيرًا وآتاه خيرًا كثيرًا.

خذوا بأسباب النجاح وأسباب الصلاح والتوفيق والفلاح، استذكروا واجتهدوا، فإن تعبتم اليوم فغدًا راحة كبيرة، عندما يحزن الكسلاء لكسلهم، ويفرح حينها الفائزون بفوزهم، عندها وكأنه لم يكن هناك تعب ولا نصب.

ألا واعلموا أن أفضل أسباب النجاح وأجمعها وأصلحها: أن تعلموا علم اليقين أنه لا حول ولا قوة للعبد إلا بالله رب العالمين، ثم التوكل على الله وتفويض الأمور كلها له سبحانه، فلا تعتمدوا على الذكاء والحفظ ولا على النبوغ والفهم فقط، بل فوضوا مع ذلك أموركم لله، والتجئوا إليه، واعلموا أن الذكي لا غنى له عن ربه، وأن الذكاء وحده ليس سببًا للنجاح، بل إرادة الله وتوفيقه أولاً.

ولقد أوصى النبي ابنته فاطمة أن تقول: "يَا حَيّ يَا قَيُّوم: بِرَحْمَتِك أَسْتَغِيث، أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلّه، وَلا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَة عَيْن".

إذا أراد الله بعبده التوفيق جعله مفوضًا الأمور إليه، ووفقه وسدده لكي يعتمد على حول الله وقوته، لا على حوله وقوته، وإذا وكل الله العبد إلى نفسه وكلَه إلى الضعف والخور.

ألا وصلوا...