السيد
كلمة (السيد) في اللغة صيغة مبالغة من السيادة أو السُّؤْدَد،...
العربية
المؤلف | خالد بن عبدالله الشايع |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب |
لقد أوتي هؤلاء ذلاقة في اللسان، ومكرًا ودهاءً على عامة الناس، لهذا هم يجعلون أطروحتهم على الهواء مفتوحة للنقاش عبر المراسلات الصوتية والخطية، وإنما حداني لهذه الخطبة كثرة من رأيت من المتصلين، وقد انخدعوا بما يلبسون عليهم وأخذوا يؤيدون ما يطرح، غافلين -بل عمين- عن الحفرة التي سقطوا فيها، وإننا لنسمع من بعض الغيورين من الذين يتصلون عليهم النكير ضدهم، ولكنهم قد يضعفون أمام الشبه التي يعترض بها عليهم...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده...
أما بعد:
فيا أيها المؤمنون: اتقوا الله وراقبوه، فعما قليل أنتم ملاقوه، وستسألون عن أعمالكم، فأعدوا للسؤال جوابًا، وللجواب صوابًا.
عباد الله: لقد تفاقمت الأمور، وتلاطمت أمواج الفتن على المجتمعات الإسلامية من كل حدب وصوب، وتكالب أعداء الدين من كل ملة حتى من بني جلدتنا، والمسلمون في غفلة بل في سبات عميق، فليت شعري متى يفيقون لما يحاك ضدهم!!
إن العداء ضد الإسلام لا يستغرب وقوعه من أعداء الدين من اليهود والنصارى والوثنيين، كيف لا والله تعالى يقول: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا)، ويقول: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)، ويقول: (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً)، ولكن يطيش عقل المسلم عندما يرى أبناء المسلمين يغزون الإسلام، ويكيلون له الضربات، ويستغلون الفتن والمحن المحيطة بالدين وأهله، وينسبون إلى أهله كل قبيح، وكأنه دين غريب عليهم، فليتهم إذ نطقوا نطقوا بعلم أو سكتوا بحلم، بل ليتهم إذ أعياهم الواقع عن الدفاع عن الإسلام من معتقد صحيح، دافعوا عنه حميةً لأنه دين آبائهم، والحمية لأجل الدين محمودة، فهي حمية إسلامية لا حمية جاهلية.
معاشر المسلمين: إننا في هذا الوقت العصيب الذي تمر به الأمة الإسلامية نرى أن أعداء الدين قد غزوا ديننا وديارنا بأنفسهم، بل وبأبنائنا، وذلك بعد أن استأجروا عقولهم، فأصبحوا ينعقون في تلك القنوات الفضائية بسب الدين وعلماء الملة، بل إنهم ليظهرون بمظهر الناصح للأمة، وأحيانًا يظهرون بلباس الحياد وأنهم يبحثون عن الحق، وهم مع ذلك يكيلون التهم للمسلمين ولشباب الدين ولعلمائهم، ويظهرون كأنهم يدافعون عن الرأي المخالف، وإذا به يصدِّق على الرأي الخبيث، ويظهر ذلك لكل عاقل يعرف دينه، وليتأكد المسلم من ذلك لينظر من هؤلاء الذين تجرى معهم المقابلات، إنهم على نفس الفكر والاتجاه بل يزيدون قليلاً، وقد يكونون من مشايخهم في الطريقة.
لقد أجروا اللقاء مع من يقوم بسب العلماء ملبسًا ذلك ثوب النصيحة للأمة، زاعمًا حرية الفكر منددًا بأحاديته، وطالبًا من العلماء بل من الناس أن يدعوا كل فرد يفكر في فضاء حرية الرأي، وأن لا يلزم بفكر معين، بل إنهم لا يؤمنون بمسلمات في دينهم، فكل شيء قابل للنقاش عندهم، حتى النقاش في ذات الله، بل في وجود الله والعياذ بالله.
ولعل العاقل من المستمعين يعلم مرادهم من ذلك ألا وهو الإطاحة بالمرجعية الدينية في مجتمعنا، فلا مرجعية لديهم إلا الفكر الحر، فليس لأحد أن يلزم أحدًا بشيء في الدين، وهم بذلك يخرجون عن شرع الله، ويتعدون حدود الله، بل ويضربون بالنصوص الشرعية عرض الحائط، كل ذلك خوفًا من أحادية الفكر -زعموا-.
حقيقة لقد نجح أعداء الملة في مسخ هؤلاء من هويتهم، وجعلهم في خط النار لحرب الإسلام والمسلمين، ومما يؤسف له أن يتصدر هؤلاء تلك القنوات، ويسيطروا على عقول الجهال وعوام الناس، كل ذلك في جلود الضأن وقلوب الذئاب، وإن هؤلاء هم الذين حذَّرنا النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، وجعل أمارتهم أنهم يتتبعون المتشابه من النصوص، أخرج البخاري ومسلم من حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: "تَلا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَذِهِ الآيَةَ: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ)، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فَإِذَا رَأَيْتِ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكِ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ".
معاشر المسلمين: لقد أوتي هؤلاء ذلاقة في اللسان، ومكرًا ودهاءً على عامة الناس، لهذا هم يجعلون أطروحتهم على الهواء مفتوحة للنقاش عبر المراسلات الصوتية والخطية، وإنما حداني لهذه الخطبة كثرة من رأيت من المتصلين، وقد انخدعوا بما يلبسون عليهم وأخذوا يؤيدون ما يطرح، غافلين -بل عمين- عن الحفرة التي سقطوا فيها، وإننا لنسمع من بعض الغيورين من الذين يتصلون عليهم النكير ضدهم، ولكنهم قد يضعفون أمام الشبه التي يعترض بها عليهم، وإن أحسنوا الرد لم يفتحوا لهم المجال في إبداء الرأي، وتعللوا بضيق الوقت، وأحيانًا لا يجدون بدًّا من قطع الاتصال عليهم.
ألا وإني لأحذر من الاستماع إليهم أو المشاركة معهم، فهم كالذين يمدون لك طبقًا من ذهب فيه لحم خنزير، بل إنه ليحرم على المسلم الاستماع إليهم؛ وذلك للحفاظ على العقل الذي جاء الإسلام بحفظه وجعله من الضروريات الخمس.
كما يجب على المالكين لتلك القنوات أن يتقوا الله في عقول المسلمين ودينهم، وأن يقوموا بالواجب عليهم من نصرة الإسلام وأهله، وأن لا يكونوا عونًا عليه، وأن ينتقوا من خيرة شباب البلد من يقوم بتنقية الصحافة والقنوات عن الشبه التي تحاك ضد الإسلام وأهله، كما يجب على المحاورين في تلك البرامج أن يتقوا الله وأن يراجعوا عقيدتهم، وأن يتقوا الله في هذه الأمة، خصوصًا في هذا الزمن الذي هم يقودون الأمة رغمًا عنها إلى الحضيض، بل إلى مستنقع الضلال.
عباد الله: ما أكثر الهرج والمرج في هذه الأزمنة، وما أكثر العبث بعقول الناس حتى تشتت وهي في كل يوم لها معتقد ورأي جديد، ولهذا كان لزامًا على المسلمين أن يحافظوا على عقولهم، وأن يعودوا إلى تلك المعتقدات والثوابت التي كانوا عليها قبل زمن الفتن، جاء رجل من أهل الأهواء إلى الإمام مالك فقال له: يا إمام: أجادلك في تلك المسألة، قال الإمام مالك: فإن غلبتك؟! قال: أتبعك، قال: فإن غلبتني؟! قال: تتابعني، قال: فإن جاء رجل ثالث وغلبنا؟! قال: نتابعه، فقال الإمام مالك: يا هذا: أراك تتنقل والحق واحد.
وقال الخليفة عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-: "من جعل دينه عرضة للخصومات أكثر التنقل".
اللهم يا مقلب القلوب...
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين...
أما بعد:
فيا أيها الناس: ما ذكرنا في الخطبة الأولى إنما هو صنف جديد من مؤامرات أعداء الدين، ولنلقي في هذه الخطبة على صنف آخر ليس بالجديد ولكنه يقوى مرة ويخسأ أخرى، تلكم هي المهاجمة الصريحة لصمام الأمان، فأهل الشر يظنون أنه جاء الوقت لإطفاء نور ذلك الجهاز الذي جعل على أعينهم غشاوة فلا يستطيعون رؤية طريق المعاصي واضحًا، ولو سلكوه لوجدوهم بالمرصاد لهم، ذلكم الجهاز هو جهاز هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلقد تطاول عليهم أذناب العلمانيين وبعض من في قلوبهم مرض، ظانين أنهم يستطيعون الإطاحة بهذا الجهاز العظيم، وما علموا أن الله لهم بالمرصاد، وما علموا أنهم يكيدون كيدًا، والله يكيد بهم، وما علموا أنهم يمكرون بأهل الإسلام والله يمكر بهم، وهو خير الماكرين، ومن ذلك أن الله أيد هذا الجهاز بكلمة حق خرجت على لسان الأمير نايف بن عبد العزيز عندما قال له ذلك الصحفي الساقط متبجحًا وفي ثقة عمياء: ألم يأن -يا صاحب السمو- أن يُقضى على الهيئات التي تفرخ الإرهابيين؟! فكان جواب الأمير كالصاعقة على كل العلمانيين الذين هم على نفس النمط والفكر، وذلك عندما قال: إن جهاز الهيئة جزء من أجهزة الدولة، وهو قائم ما قام الإسلام في المملكة التي بنيت على الإسلام، ولو صدر منهم خطأ فهم كبقية أجهزة الدولة يصدر منهم أخطاء، والكل معرّض لذلك، وليس في التخطيط إزالة هذا الجهاز، بل هو جزء من الدولة.
عباد الله: إن هؤلاء الواقعين في الهيئات يهذون بما لا يدرون، ويهرفون بما لا يعرفون، بل يقلد بعضهم بعضًا ويتحاكون تحاكي الببغاء، وهم لما مُنعوا من قضاء شهواتهم المحرمة حنقوا على الهيئات، كما قال الأول:
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه | وصدّق ما يعتاده بالتوهمِ |
معاشر المؤمنين: إن الحسبة وأهلها هم -بإذن الله- من يدفع العذاب عن هذه الأمة.
أخرج أحمد من حديث حذيفة -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده، لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابًا من عنده، ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم".
وهم الذين بهم يُدرأ الفساد في الأرض؛ قال تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)، فكم من عِرض كاد أن يدنس فصانوه، وكم من بيت عهر أغلقوه، وكم من شاب ضال هدوه، وكم من مروِّج للخمور قد أوقفوه، وكم من أشرطة فاضحة، وسموم مهلكة منعوا شرها عن المسلمين، وكم من تارك للصلاة، إلى حظيرة الإسلام ردوه، وكم وكم... إلى ما لا يأتي عليه الحصر، وهم مع ذلك يسعون للستر أكثر من غيرهم، فالإحصائيات تدل على أن ثمانية وستين بالمائة من القضايا تحل داخل أسوار المركز بالستر على أهلها.
وارجعوا إلى التقرير الإحصائي لإنجازات الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لتروا كم يعمل رجال الحسبة مع عددهم الضئيل بالنسبة لتلك الأرقام.
ولا غرو أن يسموا رجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ورجال الحسبة، وصمام الأمان، وهيئة التقويم والإصلاح.
يا هيئة الإرشاد وجهك مشرق | والمكرمات روائح وغوادي |
أمـر بمـعروف ونهي صادق | عـن منكر وتحـلل وفساد |
فهم للأمة كسفينة نوح؛ من ركب فيها نجا، ومن تخلف عنها هلك:
كم من فتاة قد حفظتم عرضها | وتصـونها باللـيـن أن تـتسترَ |
كـم غافل أرشدتموه إلى الهدى | إذ عـاد من بعد الضلالة مبصرًا |
يا مـن إذا نمـنا بثـوبِ أماننا | فتحوا العيـون الناعسات لتسهرَ |
هيئاتنـا تـاج عـلى هاماتـنا | أخـشى بدونهـمُ بأن لا نمطرَ |
ألا فلنتق الله -عز وجل-، ولنذب عن أعراض إخواننا من أن يكونوا فاكهة المجالس، فإن أعراضهم مسمومة، وليكن حالنا أن نذكر ما نعرف عنهم من خير، وإذا وقع منهم غلط كحال البشر فلندفنها، ولا نكن كحال أعداء أنفسهم الذين عكسوا الأمر:
إن يسمعوا سبة طاروا بها فرحًا | هذا وما سمعوا من صالح دفنوا |
فنقول بملء فينا:
أقلوا عليهم لا أبًا لأبيكمُ | أو سدوا المكان الذي سدوا |
فما أعظم أثرهم على الناس!! وما أقبح أثر الناس عليهم!! ولكن حسبنا أن نقول: صبرًا رجال الحسبة، فالأجر عند الله تعالى، نسأل الله تعالى أن يهدي ضال المسلمين، وأن يرده إلى الإسلام ردًّا جميلاً، كما نسأله أن يبارك في الهيئات وأن يزيدهم قوة وصلاحًا إلى قوتهم وصلاحهم.
اللهم أرنا الحق حقًّا...