المهيمن
كلمة (المهيمن) في اللغة اسم فاعل، واختلف في الفعل الذي اشتقَّ...
العربية
المؤلف | صالح بن مبارك بن أحمد دعكيك |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - التاريخ وتقويم البلدان |
فإذا أدينا واجبنا بتوجيههم الوجهة الصالحة، وعمدنا إلى تربيتهم التربية الإسلامية، فإن مجتمعنا سيتخلص تحت إدارة هذه الصفوة من الشباب الطيب من أمراض اجتماعية وفكرية تضرب بأطنابها فينا، وتعكر صفو حياتنا، وأولياء الأمور والمدرسين والمدرسات يقع عليهم العبء الأكبر من هذا التوجيه والتربية؛ لأنهم...
الخطبة الأولى:
تستقبل البيوت والأُسر والأهالي والأولاد هذه الأيام العام الدراسي الجديد، يعود الطلاب إلى مدارسهم ليتلقوا العلم وليرتقوا في طريق المعرفة، وهي مراحل مهمة وأساسية في حياة الطلاب بل وفي حياة أهاليهم، فإن الذي لا يدرس يشكل عبئًا على أهله وعلى المجتمع إلا أن يشاء الله، وفي هذا الوقت الجميع يحرص على الطلاب وترغيبهم في المدرسة والتحصيل والعلم.
ولهذا فإننا نحتاج إلى التأكيد والتنبيه على قضايا لا تخفى علينا جميعًا، أن أبناء اليوم رجال الغد، وهم سيكونون في المستقبل قادة المجتمع الذين يديرون شؤونه ويوجهون طليعته ويدافعون عن حياض الأمة وشؤونها.
فإذا أدينا واجبنا بتوجيههم الوجهة الصالحة، وعمدنا إلى تربيتهم التربية الإسلامية، فإن مجتمعنا سيتخلص -تحت إدارة هذه الصفوة من الشباب الطيب- من أمراض اجتماعية وفكرية تضرب بأطنابها فينا، وتعكر صفو حياتنا، وأولياء الأمور والمدرسين والمدرسات يقع عليهم العبء الأكبر من هذا التوجيه والتربية؛ لأنهم يقضون معظم أوقاتهم مع الطلاب، فالأب والأم في البيت، والمدرسون مع الطلاب في المدرسة.
ويبلغ التأثير أعلاه حينما يكون الأب والمدرس كل منهما ملتزمًا بأحكام الإسلام وأخلاقه، معتزًا بدينه، شاعرًا بواجبه في الدعوة والتوجيه، فيفيضون على من يقومون بتربيتهم من نور الإيمان ما يجعلهم نبراسًا للناس، فليكن شعار المدرس: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ).
أيها الإخوة الكرام: إن أبناءنا يحتاجون منَّا جميعًا -آباء ومدرسين- إلى رفع معنوياتهم، والسمو بهمتهم، وتعويدهم على الجديِّة، وعلينا تشجيعهم ومؤازرتهم، حتى مَنْ كان مخفقًا منهم في بعض المواد نحاول أن نخلق فيه الأمل، فيتجاوز ذلك الإخفاق، ولا نسميه فشلاً حتى لا يشعر بالإحباط، فنغلق على نفسه في الدراسة والتعليم.
فينبغي أن نحثهم أن يجعلوا هذا العام عام الجديّة والتفوق، ونخفف عنهم العوائق والموانع، وهذه قضية نفسية مهمة ينبغي أن لا نهملها، وإن المدرس يقع عليه -في هذا الجانب- واجب كبير، فهو أكثر الناس اتصالاً بالطالب فيما يخص الجانب التعليمي، وله أثر عظيم لشحذ الهمة والتغلب على ما يراه الطالب عائقًا يوصله لليأس.
وعلى المدرس أن يكون حريصًا على نفع الطلاب ويعتبرهم أبناءه، فيخلص لهم النصيحة والتعليم، وهو راعٍ فيهم ومسؤول عن ذلك، وفي الحديث عند مسلم: "ما من عبد يسترعيه الله رعيّة يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنَّة".
إن من الحق على المدرس العناية بإزالة الحواجز النفسية بين الطلاب وبين بعض المواد التي يتوافقون ويتواصون على صعوبتها، ثم تقريب تلك المادة على أحسن وجه يصل إلى عقول الطلاب، ويثبت لهم من خلال الواقع عدم صعوبتها.
إن الشكوى في الحقيقة تتكرر حول منهجية بعض المواد وصياغتها ومعلوماتها، والبعض الآخر منها مثقل وفيه تراكمات من المعلومات، فتصبح المادة ثقيلة.
لا ندري هل وضعوا تلك المناهج الدراسية برغبتهم أم أن ثمة أيدٍ ذات بعدٍ وطابع عدائي لأجيالنا وأمتنا؟!
إن التدخل الخارجي اليوم في مناهجنا الدراسية أضحى مطلبًا من مطالب أعداء الأمة، أولئك الذين يريدون كفة العالم من خلال الهيمنة السياسية والاقتصادية والإعلامية، ويريدون الوصول إلى ثقافة أمتنا وأبنائنا من خلال التأثير على المناهج الدراسية، ويجب أن نقف جميعًا بالمرصاد لهذه المحاولات الطمسية التي تهدف لإخراج جيل مغيب في واقعه الثقافي والعلمي، فإنك قد تجد ألقابًا كبيرة ليس وراءها طائل.
نسأل الله أن يجعل كيد أعدائنا في نحورهم، ويبعدنا من شرورهم.
أقول ما تسمعون...
الخطبة الثانية:
مشكلاتنا التربوية –أيها الأحبة– متعددة، فليست المناهج وحدها هي المشكلة، فالضعف يأتي من كل موقع لا يؤدي واجبه بالأمانة الشرعية.
فحينما لا تضبط الأمور الإدارية عبر مدير المدرسة الذي هو عمود النظام في المدرسة، ويقع التفلت من المدرسين أو الطلاب، يقع الخلل.
حينما لا يكون المدرس مدرسًا أمينًا على حضوره وغيابه وتأخره، وكذا على أدائه للمادة بشكلها المطلوب، وملاحظة ضعاف الطلاب من غيرهم، وإيصال المعلومة إليهم، فهذا يؤدي إلى الضعف، بل إلى الفشل المستقبلي، حين يتراكم على الطالب الضعف بالمادة التي غالبًا ما يبنى ما بعدها عليها فيعجز عن مواكبة المواد خلال سنواته.
حينما يكون الطالب مهملاً في دراسته، ولا علم لأبيه ولا أمه بذلك لتقصيرهم في متابعته، فيتوالى عليه الإهمال إلى حد العجز عن مواكبة التعليم، هذا إذا لم يكن متهربًا من المدرسة بشكل متكرر، فيخرج من البيت، ولكن لا يصل إلى المدرسة، فيصبح مع شلته ربما في أمور خطيرة ذات طابع إجرامي أو لا أخلاقي.
ولا أدري كيف يجري ذلك بغير علم من المدرسة وأولياء أمور الطلاب؟!
ومسؤولية مَنْ أولئك الشباب الذين نلاحظهم هنا وهناك وقت الدوام الرسمي؟!
لا شك أنَّ هناك تقصيرًا كبيرًا من الأب وإدارة المدرسة، ربما يقول الأب: كان الواجب أن تخبرني المدرسة بتكرار الغياب للولد، نقول: نعم، هذا تقصير ظاهر، فإن واجب المدرسة إخبار الأولياء بغياب أبنائهم عن الدراسة بأكثر من وسيلة إذا هم تحملوا هذه الأمانة، ويكون الأمر أعظم خطورة عند الإناث حينما يتم التغيُّب المتكرر عن المدرسة، فهذا واجب عظيم على إدارة مدرسة الأولاد والبنات معًا.
لكن أيضًا هناك تقصير من أولياء الأمور بعدم التواصل مع المدرسة ولو بالهاتف.
هنا أريد أن أسأل الأب: كم مرة في العام الماضي زرت المدرسة لتفقد حال ولدك فيها؟! أو كم مرة -على الأقل- اتصلت بشكل مباشر أو عبر الزوجة والأولاد الكبار مثلاً؟!
ومن خلال هذا الجواب تعرف مدى تقصيرك فيما يعود على ولدك بالضرر البيٍّن حينما تفقد بعد ذلك الولد أو البنت، أولئك الذين كنت تؤمل فيهم أملاً كبيرًا.
أيها الإخوة: يجب أن نعلم علم اليقين أنَّ نجاح العملية التربوية والعلمية مرتبط بجهات متعددة، والتقصير في واجب الأمانة من المعنيين يحدث خللاً لا تخطئه الأعين، ونعاني منه بعد ذلك جميعًا.
متى يبلغ البنيان يومًا تمامه | إذا كنت تبني وغيرك يهدمُ |
وأخيرًا أريد أن أهمس في أذن الطالب والطالبة وأقول: يا معشر البنات والأبناء: إن جهودًا كبيرة تستنفر من أجلكم، جهودًا مالية وذهنية ووقتية، وكلهم يأملون فيكم آمالاً عريضة، الأهل والبيت والمجتمع والمدرسة.
يأملون التفوق والنجاح والعلم والتأهل للقيام بالواجب غدًا للأمة والمجتمع، والنجاح في سائر شؤون الحياة العملية فيما يعود بنفعه على الأهل والمجتمع والأمة، ولن تكون أمتنا قوية مرهوبة الجانب إلا إذا كان شبابها على قدر كبير من التسلح بالعلم والإيمان والهمة العالية في دفع عجلة الحياة إلى السؤدد والقوة، كما أراد الله أن تكون عليه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس، كما قال -جلَّ ثناؤه-: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ)، وكما قال في مقصد بعثة النبي –صلى الله عليه وسلم-: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ).
ولن تتم مقاصد الرسالة النبوية إلا بأن تقوم الأمة بواجبها، ويطَّلع كلٌّ بمهامه من موقعه، فكل واحد على ثغر من ثغور الإسلام، فإياه أن تؤتى الأمة من قبله.
نسأل الله الحي القيوم أن يصلح شأننا كله، وأن يصلح أمورنا كلها.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا.
هذا؛ وصلوا وسلموا...