البحث

عبارات مقترحة:

الغفار

كلمة (غفّار) في اللغة صيغة مبالغة من الفعل (غَفَرَ يغْفِرُ)،...

البارئ

(البارئ): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (البَرْءِ)، وهو...

الخلاق

كلمةُ (خَلَّاقٍ) في اللغة هي صيغةُ مبالغة من (الخَلْقِ)، وهو...

شكر النعم

العربية

المؤلف أسامة بن عبدالله خياط
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات
عناصر الخطبة
  1. استعمال النعم فيما يرضي الله تعالى .
  2. اقتران النعم بلزوم الشكر .
  3. مقابلة النعم باستخدامها في معصية الله .
  4. القطيعة بين العبد وربه .
  5. من عقوبات كفر النعمة .

اقتباس

ولئن تعدَّدَت نعمُ الله على عباده؛ فإن من أجلِّ هذه النِّعم -بعد نعمة الهداية إلى الإسلام- نعمة السمع والأبصار والأفئدة التي خصَّها الله بالذكرِ في قوله: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [النحل: 78]. وإنما خصَّها -سبحانه- بالذكر لشرفِها ومنزلتِها؛ إذ هي مفاتيحُ كلِّ علمٍ، وسببٌ مُوصِلٌ إلى الهداية إلى صراط الله المُستقيم، وسبيلٌ يُدرِكُ به المرءُ ما يرجوه ويُؤمِّلُه، ويُميِّزُ به...

الخطبة الأولى:

الحمد لله البرِّ الرؤوف الرحيم، أحمده -سبحانه- على نعمه وإحسانِه القديم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له هو الأولُ والآخرُ والظاهرُ والباطنُ وهو بكل شيءٍ عليم، وأشهد أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسوله الصادقُ المصدوقُ ذو الخُلُق العظيم، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبِه والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أما بعد:

فاتقوا الله -عباد الله-، (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [البقرة: 281].

أيها المسلمون: صرفُ النعم فيما يُرضِي المُنعِم، والتقوِّي بها على طاعته، وتوجيهُها الوِجهةَ الصالحةَ، واستِعمالُها في كل خيرٍ عاجلٍ أو آجِلٍ آيةٌ بيِّنةٌ على سعادة المرء؛ إذ سلَكَ مسالِكَ أُولِي الألباب، واقتفَى أثرَ المُتقين الذين يبتغون الوسيلةَ بذِكره -سبحانه- وشُكرِه الذي أمرَهم به في قولِه: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ) [البقرة: 152].

وهو شكرٌ يبلغُ به صاحبُه المزيدَ الذي وعَدَ الله به عبادَه الشاكِرين بقوله: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم: 7].

ولئن تعدَّدَت نعمُ الله على عباده؛ فإن من أجلِّ هذه النِّعم -بعد نعمة الهداية إلى الإسلام- نعمة السمع والأبصار والأفئدة التي خصَّها الله بالذكرِ في قوله: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [النحل: 78].

وإنما خصَّها -سبحانه- بالذكر لشرفِها ومنزلتِها؛ إذ هي مفاتيحُ كلِّ علمٍ، وسببٌ مُوصِلٌ إلى الهداية إلى صراط الله المُستقيم، وسبيلٌ يُدرِكُ به المرءُ ما يرجوه ويُؤمِّلُه، ويُميِّزُ به بين ما يضُرُّه وما ينفعُه.

وقد قرَنَ -جل وعلا- هذه النعم بلُزوم شُكره عليها شُكرًا يتجاوَزُ التلفُّظَ به إلى استِعمالها في طاعته، وصرفِها إلى ما يحبُّه ويرضاه من الأقوال والأعمال، بأن يستعينَ العبدُ بكل عُضوٍ من أعضائِه، وبكل جارِحةٍ من جوارِحِه على طاعة خالقِه ومولاه، فتكون عاقِبةُ هذا الشُّكر العمليِّ أن تغدُو كلُّ أفعاله لله -عز وجل-، فلا يسمعُ إلا ما أحلَّ الله، ولا ينظُرُ إلا إلى ما أحلَّ الله، ولا يعتقِدُ إلا ما يرضاه -سبحانه-.

فيكونُ كما جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري -رحمه الله- في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله قال: من عادَى لي وليًّا فقد آذنتُه بالحربِ، وما تقرَّبَ إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ مما افترضْتُ عليه، وما يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنوافِلِ حتى أُحِبَّه، فإذا أحببتُه كنتُ سمعَه الذي يسمعُ به، وبصرَه الذي يُبصِرُ به، ويدَه التي يبطِشُ بها، ورِجلَه التي يمشي بها، وإن سألَني لأُعطِيَنَّه، وإن استعاذَني لأُعِيذَنَّه...". الحديث.

وما أحسنَ هذه العاقبة، وما أعظمَ هذا الجزاء الضَّافِي، وما أجدرَه أن يكون مُبتغَى كل لبيبٍ ناصحٍ لنفسِه، مُريدٍ سعادتها وفلاحها، راغِبٍ في تزكِيَتها ونجاتها.

وعلى العكس من ذلك: من استعملَ هذه النعمَ فيما يُسخِطُ ربَّه؛ فنظرَ إلى ما حرَّم الله، واستمعَ إلى ما لا يحِلُّ له، ومنه ما تبُثُّه قنواتٌ فضائيَّةٌ، أو تنشُرُه صحفٌ ومجلاَّت، أو تشتمل عليه أماكنُ، أو تُروِّجُ له مواقِع ومشاهِد؛ فإنه قابلَ النعمَ أقبحَ مُقابَلة، وكان ممن بدَّل نعمةَ الله كُفرًا، وآلاءَه جُحودًا؛ مُتناسِيًا أن العينين تزنِيَان وزِناهُما النظر، وأن الأُذنَين تزنِيَان وزِناهُما السماع.

كما أخبرَ بذلك الصادقُ المصدوقُ -صلوات الله وسلامه عليه- في الحديث الذي أخرجه الشيخان في صحيحيهما.

فبذلك يكون قد باءَ بغضبٍ من الله، واستحقَّ من عاجلِ عقوبة المعصية -إذا أصرَّ عليها ولم يتُب منها- أنها تُوجِبُ القطيعةَ بين العبد وبين ربِّه -تبارك وتعالى-، كما قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-: "وإذا وقعَت القطيعةُ انقطَعت عنه أسبابُ الخير، واتَّصَلت به أسبابُ الشر؛ فأيُّ فلاحٍ وأيُّ رجاءٍ وأيُّ عيشٍ لمن انقطَعت عنه أسبابُ الخير، وقَطَع ما بينه وبين وليِّه ومولاه الذي لا غِنى له عنه طرفَة عينٍ، ولا بُدَّ له منه، ولا عِوَض له عنه، واتَّصَلت به أسبابُ الشر، ووصل ما بينه وبين أعدَى عدوٍّ له، فتولاَّه عدوُّه وتخلَّى عنه وليُّه، فلا تعلمُ نفسٌ ما في هذا الانقطاع والاتِّصال من أنواع الآلام وأنواع العذاب". وهذه من أعظم العقوبات.

ومنها: أنها تستدعِي نسيانَ الله لعبده، وتركَه، وتخلِيَته بينه وبين نفسِه وشيطانه، وهناك الهلاكُ الذي لا يُرجَى معه نجاة، وأنها تُزيلُ النِّعَم وتُحِلُّ النِّقَم؛ فما زالَت عن العبد نعمةٌ إلا بذنبٍ، ولا حلَّت به نقمةٌ إلا بذنبٍ.

وأنها تُمرِضُ القلبَ وتُضعِفُه، وتُعمِي البصيرة، وتُسقِطُ الكرامةَ، وتُصغِّرُ النفوس وتُدسِّيها وتُحقِّرُها، وتسلُبُ صاحبَها أسماءَ المدح والشرف، وتكسُوه أسماءَ الذمِّ والصَّغَار، وتجعلُه من السَّفَلة، وتمحَقُ البركةَ في العُمر والرِّزق والعمل. وهذا هو شأنُ المعاصِي كلِّها، وأثرُها في حياة العبد، وضررُها على دينِه ودُنياه.

فاتقوا الله -عباد الله-، واعمَلوا على شُكر نعمة الله عليكم، وخاصَّةً نعمتَيْ: السمع والبصر، باستِعمالهما في طاعة الله، تكونوا من الشاكرين حقًّا، الفائزين يوم الدين.

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، وبسنة نبيِّه -صلى الله عليه وسلم-، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنبٍ، إنه كان غفَّارًا.

الخطبة الثانية:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادِيَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمدٍ، وعلى آله وصحبِه.

أما بعد:

فيا عباد الله: إن محقَ البركة في العُمر وفي الرِّزق، وفي العلم وفي العمل، وفي الدين والدنيا، هذا الذي يجِده كل عاصٍ لله، بصرفِ نعمِ الله عليه إلى ما يُسخِطُه، إنما كان ذلك -كما قال بعضُ أهل العلم-: "لأن الشيطان مُوكَّلٌ به وبأصحابه، فسُلطانُه عليهم، وحوالَتُه على هذا الديوان وأهلِه وأصحابِه، وكل شيءٍ يتَّصِل به الشيطانُ ويُقارِنُه فبركتُه ممحوقة".

ولهذا شُرِع ذكرُ اسم الله تعالى عند الأكل والشرب، واللبس، والركوب، ودخول الدار، وغيرها؛ لما في مُقارنة اسم الله من البركة، وذِكرُ اسمه يطرُدُ الشيطان فتحصُلُ البركة، وكلُّ شيءٍ لا يكونُ لله فبركتُه منزوعة؛ فإن الربَّ هو الذي يُبارِكُ وحدَه، والبركةُ كلُّها منه، وكلُّ ما نُسِبَ إليه فهو مُبارَكٌ، وكل ما باعَدَه من نفسه من الأعيان والأقوال والأعمال فلا بركَةَ فيه، وقد لعَنَ عدوَّه إبليس وجعلَه أبعدَ خلقه منه، فكلُّ ما كان من جهته فله من لعنة الله بقدر قُربِه منه واتِّصاله به.

فمن ها هنا، كان للمعاصِي أعظم تأثير في محقِ بركة العُمر والرِّزق، والعلم والعمل.

وكل وقتٍ عُصِيَ الله فيه، أو مالٍ عُصِيَ الله به، أو بدَنٍ أو جاهٍ أو علمٍ أو عملٍ فهو على صاحبِه ليس له، فليس له من عُمره وماله وقُوَّتِه وجاهِه وعلمه وعمله إلا ما أطاعَ الله به.

فاتقوا الله -عباد الله-، واتَّخِذوا من طاعة ربِّكم والاستِعانة عليها بكل نعمةٍ أنعمَها عليكم سببًا لحُصول البركة في أعماركم وأعمالكم وأرزاقِكم، والحَظوة بالنعيم المُقيم عند خالقِكم.

واذكُروا على الدوام أن الله تعالى قد أمرَكم بالصلاة والسلام على خاتَم النبيين، وإمام المتقين، ورحمة الله للعالمين؛ فقال -سبحانه- في الكتاب المُبين: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمدٍ، وارضَ اللهم عن خُلفائه الأربعة: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الآلِ والصحابةِ والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واحمِ حوزةَ الدين، ودمِّر أعداء الدين، وسائرَ الطُّغاةِ والمُفسدين، وألِّف بين قلوب المسلمين، ووحِّد صفوفَهم، وأصلِح قادتَهم، واجمع كلمتَهم على الحق يا رب العالمين.