الحفي
كلمةُ (الحَفِيِّ) في اللغة هي صفةٌ من الحفاوة، وهي الاهتمامُ...
العربية
المؤلف | خلاف بن علال الغالبي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - السيرة النبوية |
إذا كان خمسة من مشركي قريش قد سعوا في نقض صحيفة مقاطعة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، فإننا نتساءل بحرقة: ألا يوجد في الأمة المسلمة مثل هؤلاء الخمسة (هشام بن عمرو، والمطعم بن عدي، وأبي البختري بن هشام، وزمعة بن الأسود، وزهير بن أمية البختري)؟! الآن يجب أن ينبري مثل هؤلاء الخمسة الأشراف الأحرار من ذوي المروءات من كبار الأغنياء والوجهاء السياسيين والقادة والمسؤولين الحزبيين ممن يسعى لتقطيع وتمزيق هذا الحصار على الشعب...
الخطبة الأولى:
اجتمع مشركو قريش وتحالفوا على بني هاشم وبني المطلب أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم ولا يجالسوهم ولا يخالطوهم ولا يدخلوا بيوتهم ولا يكلموهم حتى يسلّموا إليهم رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- للقتل، وكتبوا بذلك صحيفة فيها عهود ومواثيق: أن لا يقبلوا من بني هاشم صلحًا أبدًا، ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يسلّموا محمدًا -صلى الله عليه وسلم- للقتل.
تم هذا الميثاق، وعلّقت الصحيفة في جوف الكعبة، فانحاز بنو هاشم وبنو المطلب مؤمنهم وكافرهم إلا أبا لهب، وحبسوا في شعب أبي طالب ليلة هلال المحرم سنة سبع من البعثة. واشتد الحصار، وقطعت عنهم الميرة والمادة، فلم يكن المشركون يتركون طعامًا يدخل مكة ولا بيعًا إلا بادروه فاشتروه، حتى بلغ بالمسلمين الجهد، والتجؤوا إلى أكل أوراق الشجر والجلود، وحتى كان يسمع من وراء الشعب أصوات نسائهم وصبيانهم يتضاغون من الجوع، وكان لا يصل إليهم شيء إلا سرًّا، وكانوا لا يخرجون من الشعب لشراء الحوائج إلا في الأشهر الحرم، وكانوا يشترون من العير التي ترد مكة من خارجها، ولكن أهل مكة كانوا يزيدون عليهم في السلعة قيمتها حتى لا يستطيعوا الشراء.
ها هو التاريخ يعيد نفسه؛ ها هي سياسة الحصار الجاهلية تظهر من جديد، وها هي إسرائيل دولة الاحتلال تطبّق حصارًا ظالمًا على أزيد من مليون ونصف مليون فلسطيني في غزة الصامدة؛ عقابًا لهم على اختيارهم لحركة حماس، لعلّ هذا الشعب الجائع المحاصَر الذي يفتقد أدنى مقوّمات العيش ينتفض ضد من اختارهم بصورة شرعية، ويسقط من وضع ثقته فيهم. هذا الحصار الذي بُدِئ تنفيذه منذ ستة أشهر وبلغ ذروته خلال هذا الأسبوع.
لقد كان الشاعر العربي صادق التعبير موفقًا حين قال:
قتل امرئ فِي غابة | جريمة لا تغتفر |
وقتل شعب كاملٍ | مسألة فيها نظر |
إن قتل أو أسر جندي إسرائيلي -وهو الغاصب المحتلّ المعتدي- تقوم له الدنيا ولا تقعد، وتتوالى الإدانات والتهديدات والاستنكارات، أما قتل شعبنا في غزة بالتجويع والحصار ومنع الدواء والغذاء والتدفئة والوقود وبالاستهداف المباشر وقصف المنازل فيواجه بالصمت المطبق؛ لأن الأمر فيه نظر.
أيها الإخوة والأخوات: لقد طال حصار النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن معه في شعب أبي طالب ثلاثة أعوام كاملة، وكانت قريش بين راضٍ بهذا الميثاق وكارهٍ له، فسعى في نقض الصحيفة من كان كارهًا لها، وعلى رأسهم خمسة سعوا لنقض الوثيقة الظالمة الجائرة وهم: هشام بن عمرو، والمطعم بن عدي، وأبو البختري بن هشام، وزمعة بن الأسود، وزهير بن أمية البختري.
لقد تم نقض الصحيفة وفكّ الميثاق الظالم عن النبيّ وصحبه وعشيرته في شهر المحرم من السنة العاشرة من البعثة، وفي شهر الله المحرم أيضًا كان الكسر الجزئي للحصار، والذي صنعه أهل غزة بأياديهم الشريفة قبل يومين، بعد أن خذلهم العالم وخذلهم المتشدّقون بحقوق الإنسان، فلعله يكون بداية فك الحصار وبداية انفراج الأزمة عن أهلنا وإخوتنا المظلومين هناك.
إن وضع إخوتنا في فلسطين كلّها وفي غزة اليوم يملي علينا -نحن المسلمين- أينما كنا واجبات كثيرة، نذكر منها:
الواجب الأول: المساندة المالية: يجب على المسلمين جميعًا -أفرادًا وجماعات ومنظمات وحكومات- أن يكسروا الحصار عن أهل غزة خاصة وفلسطين عامة ماليًّا، ولقد جاء ذكر الجهاد بالمال مقدمًا على الجهاد بالنفس في القرآن الكريم في أكثر من موضع، يقول تعالى: (انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) [التوبة: 41].
وفلسطين وغزة أرض جهاد ومقاومة، وإخوتنا في حاجة ماسة لكل شيء، هم في حاجة للغذاء والكساء والدواء، وهم في حاجة لدعم المقاومين وتجهيزهم، فعن زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَفَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا". رواه البخاري.
والمسلم الحق لا يتردّد في البذل والعطاء في مواطن الجهاد والفداء، (هَا أَنتُمْ هَؤُلاَء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَللَّهُ الْغَنِىُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُواْ أَمْثَـالَكُم) [محمد:38].
الواجب الثاني: المساندة الفعلية من خلال المواقف الصحيحة الجريئة: إذا كانت مروءة العرب قد دفعت مشركي بني هاشم وبني المطلب أن يقفوا في خندق واحد مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه أثناء الحصار، ودخلوا معهم في هذه المقاطعة حتى كان يسمع أصوات غير المسلمين من النساء والأطفال والصبيان يتضاغون من الجوع، ألا نتعلم من هذه المساندة درسًا يوجهنا نحو الموقف الذي تمليه المروءة على العرب والمسلمين قاطبة تجاه أهلهم في فلسطين؟! هل نحب أن نكون لإخوتنا في غزة كما كان أبو طالب وبنو هاشم وبنو المطلب عمومًا لمحمد ومن معه من المسلمين، يجري علينا ما يجري على إخوتنا، ونعاني مما يعاني منه إخوتنا، ولا نخذلهم ولا نسلمهم لأعدائهم يفعلون بهم ما يشاؤون، أم نحب أن نكون كأبي لهب الذي حالف الظلمة ضد الحق وضد أهله ورحمه؟!
إذا كان خمسة من مشركي قريش قد سعوا في نقض صحيفة مقاطعة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، فإننا نتساءل بحرقة: ألا يوجد في الأمة المسلمة مثل هؤلاء الخمسة (هشام بن عمرو، والمطعم بن عدي، وأبي البختري بن هشام، وزمعة بن الأسود، وزهير بن أمية البختري)؟! الآن يجب أن ينبري مثل هؤلاء الخمسة الأشراف الأحرار من ذوي المروءات من كبار الأغنياء والوجهاء السياسيين والقادة والمسؤولين الحزبيين ممن يسعى لتقطيع وتمزيق هذا الحصار على الشعب الفلسطيني عامة وعلى أهل غزة خاصة، وعليه يجب كسر الحواجز التي وضعت على المعابر ومنافذ الحياة لإخواننا في غزة.
والمؤسف حقيقة أن هذا الحصار ما كان ليتم وغزّة تتمتع بعمق عربي إسلامي يتمثل في الحدود المشتركة مع مصر، هذا الاتصال الحدودي البري بين غزة ومصر المفروض منه أن يكسر كل حصار ويحطم كل مخطط لعزل إخوتنا في غزة وتجويعهم والتضييق عليهم، وأن يُفشِل كل محاولة لإذلال الشعب الفلسطيني وتركيعه حتى يرضخ لرغبة الصهاينة ومن يحميهم ويدعمهم فيقبل بالحلول الاستسلامية المنقوصة المشوهة التي دفع الرئيس الراحل ياسر عرفات حياته ثمنًا لرفضها، تلك الحلول الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية وعلى رأسها مسألة القدس ومسألة عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم. إنه لولا الاتفاقية القائمة بين مصر ودولة الكيان الصهيوني ما نجح هذا الحصار.
إن وقوفنا كالمتفرج على إخوتنا في غزة عاجزين عن القيام بأي شيء لَظلم شديد لهم، وما أشد ظلم الأهل والأحباب على النفوس، كما قال الشاعر العربي:
وظلم ذوي القربى أشد مضاضـة | على النفس من وقع الحسام المهند |
إن ديننا الحنيف ينهانا عن خذلان إخوتنا المسلمين وظلمهم وتركهم لقمة سائغة أمام عدوهم مصداقًا لقوله -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري: "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
إن من المواقف التي يجب علينا القيام بها دعمًا لإخوتنا تلك المسيرات السلمية والتظاهرات الشعبية والمهرجانات الخطابية الداعمة لهم والمدافعة عن حقهم في المقاومة واسترداد ما سلب منهم، وهي ممارسات لا شك ترفع من معنويات إخوتنا في فلسطين وتزيد من همتهم، وما أحوجهم إلى رفع المعنويات وإعلاء الهمم، كما تضغط بشكل أو بآخر على النظام الدولي وعلى العدو للتخفيف من وطأته على أهلنا في الأرض التي بارك الله حولها.
الواجب الثالث: المقاطعة الاقتصادية للبضائع الصهيونية والأمريكية غير الضرورية: إن محاربة السلوك الاستهلاكي للمنتجات الصهيونية والأمريكية جهاد اقتصادي أفتى به عدد كبير من علماء الأمة، وذلك في كل ما له بديل وفي كل ما لا ضرورة في استهلاكه. وقد كان للمقاطعة الاقتصادية دورها الحاسم في طرد الاستعمار من جميع بلدان العالم الإسلاميّ وغيره خلال القرن الماضي.
الواجب الرابع: المساندة الإعلامية: إنها دعوة لذوي الأقلام الحرة والنفوس الأبية والحمية الإسلامية والغيرة العربية أن يعبّروا عن الرفض لهذا القهر والظلم الأمريكي الصهيوني لأمتنا عامة وإخواننا في فلسطين والعراق وأفغانستان والسودان وغزة خاصة، نريد أن يكتب أصحاب الأقلام في الصحف، والشعراء والأدباء والقصاصون والرواة في دواوينهم، والمنشدون في أناشيدهم، والمسرحيون في عروضهم، والفنانون والرسامون في لوحاتهم؛ وبالمناسبة نذكر أن جمعية (Fair Event) الموجودة بفرنسا دعت عن طريق وزارة التعليم الفرنسية إلى مسابقة دولية في الرسم في نسختها لعام 2008م عنوانها: "ارسم لي السلام"، والمنظمة تحت شعار التسامح واكتشاف الآخر والتي تسعى إلى تجميع الأطفال الفائزين من عرب وإسرائيليين وأوروبيين في باريس لفترة معينة يتعارفون فيها فيما بينهم ويتعايشون. في هذا الوقت العصيب الذي يمر به أطفال فلسطين وأطفال غزة وهم يعانون من كل ألوان المعاناة وأصنافها مما لا يعلم مداه إلا الله، يطلب من أطفالنا في المغرب في المدارس الابتدائية والإعدادية المشاركة في هذه المسابقة التي تحمل عنوان "ارسم لي السلام"، وكان من الأجدر في هذه الظروف أن ننظم لأطفالنا مباراة في الرسم تحمل عنوان: "ارسم لي الغطرسة الصهيونية والظلم الدولي لأهل غزة"، أو "ارسم لي الحق الفلسطيني في أرضه"، أو "ارسم لي كيف تشعر بمعاناة أهل غزة تحت الحصار".
لا بد أن نحسّ بكافة المسلمين من حولنا، ونهتم بأمورهم، فقد روى الطبراني عن حذيفة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، ومن لم يُمسِ ويصبح ناصحًا لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم فليس منهم".
يجب أن تنطلق حملة إعلامية تواجه هذا الكذب المفضوح الذي يظهر الصهاينة المعتدين بمظهر الضحية والفلسطينيين المظلومين بمظهر الجلاد. إن هذه المساندة الإعلامية ثغر من ثغور الجهاد صارت اليوم من ضرورات الواقع، مواجهة لهذا القصف الإعلامي الصهيوني الذي يزيف الحقائق ويثير الفتن ويدعو إلى الرذيلة.
الواجب الخامس: المساندة المعنوية: ولعل هذا النوع من المساندة يمثل الحد الأدنى الذي ليس وراءه حبة خردل من إيمان، وتتمثل في مضاعفتنا للصيام وإكثارنا من القيام، وأن نجأر بالدعاء إلى الملك العلام أن يكشف البلاء عن أهل غزة رمز العزة والإباء، ولعل دعاء المخلصين في مختلف بقاع الأرض لإخوانهم في فلسطين أن يكون أمضى من حجارتهم وبنادقهم وصواريخهم في أعدائهم من الصهاينة المعتدين. ولنا في رسول الله الأسوة الحسنة، فقد كان -عليه الصلاة والسلام- في معركة بدر وقد وعده ربه بالنصر يتوجه إلى الباري -جل وعلا- بالدعاء قائلاً: "اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض أبدًا".
كيف تكون مسلمًا تعيش آمنًا مطمئنًا ولا يشغلك حال مَن حولك؟! أين نحن من حديث النبي –صلى الله عليه وسلم-: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى". رواه مسلم.
وإنه لمن المهمّ أن تتحوّل هذه المساندة بكل أشكالها وبشتى صنوفها وأنواعها إلى سلوك فرد وأسرة ومجتمع، حتى يأذن رب الأرض والسموات بالفرج القريب رغم أنف الصهاينة وأعوانهم من المتخاذلين والمتخاذلات.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
أدانت المملكة المغربية بشدة لجوء السلطات الإسرائيلية "لإنزال عقوبات جماعية على الأشقاء الفلسطينيين في خرق سافر لأحكام المواثيق الدولية والقانون الإنساني الدولي"، معبّرة عن انشغالها الكبير للتردي المتزايد للأوضاع الإنسانية في قطاع غزة بالأراضي الفلسطينية جراء الحصار المضروب من طرف إسرائيل. وذكر بلاغ لوزارة الشؤون الخارجية والتعاون يوم الأربعاء أنه بتعليمات سامية من ملك البلاد محمد السادس رئيس لجنة القدس: "ما فتئ المغرب يقدم الدعم الكامل للشعب الفلسطيني الشقيق ويبذل المساعي العاجلة على الصعيد الدولي والأممي بتنسيق وتشاور مع المجموعة العربية والإسلامية لفك هذا الحصار بصفة نهائية وكاملة".
أفلا نكون في مستوى هذه التعليمات السامية ونقدم لإخوتنا في فلسطين وغزة كل ما نستطيع تقديمه، فإن الواجب يدعونا للدفاع عن شرف أمتنا وديننا وأوطاننا بكل الوسائل المشروعة والمتاحة، بالدعم المادي والإعلامي، بالدعاء والمسيرات وكل ما نستطيعه من وسائل التعبير والدعم، وذلك حتى آخر رمق من حياتنا.
لقد برهن المغاربة على مر التاريخ على ارتباطهم بأرض فلسطين شعوبًا وقيادات، ولا يزال حي المغاربة المجاور للمسجد الأقصى شاهدًا على مشاركة المغاربة الشرفاء في الدفاع عن المسجد الأقصى، كما يذكر التاريخ المغربي بفخر واعتزاز مساهمة السلطان يعقوب المنصور الموحدي في نصرة إخوانه المسلمين في مصر والشام إبان الحروب الصليبية، عندما أرسل أسطولاً بحريًّا شارك في المعركة التي اندحر فيها الصليبيون الغزاة. أفلا نربط الحاضر بالماضي ونكون كأجدادنا الذين هبوا لنجدة الأقصى وفلسطين، فنهب لنجدة غزة والغزيين ونفدي الأقصى وفلسطين؟!
عباد الله: يجب علينا أن نعي حقيقة الوعي أننا في حاجة لإخوتنا في غزة وفلسطين مثل ما هم في حاجة إلينا أو أكثر، إنهم لا يدافعون عن أنفسهم وحقوقهم المشروعة فقط، إنهم يدافعون عن شرف الأمة الإسلامية جمعاء، إنهم بضعة ملايين يدافعون عن شرف مليار ونصف مليار مسلم ومسلمة، وإنهم وغيرهم من المجاهدين المقاومين في مواطن الجهاد الأخرى هم من يقف في وجه المشروع الصهيوني الأمريكي في أرض الإسلام والمسلمين الساعي إلى استغلال خيرات الأمة واستنزافها وإبقاء الأمة متخلفة متأخرة مذلولة تابعة لا تملك من أمر نفسها شيئًا.
لقد كانت غزة هاشم الصخرة التي كسرت ظهر التتار الهمجيين -معركة عين جالوت عام 658هـ، بقيادة الأمير المسلم قطز-، ولعلها تكون أيضًا الصخرة التي تقصم ظهر المشروع الاستيطاني الصهيوني في أرض الإسراء والمعراج أرض الأنبياء والرسالات، وتكون القاطرة التي تقود إلى فك الأسر عن الأقصى وتحرير فلسطين وتطهيرها من تدنيس الصهاينة المحتلين لها.
أيها الإخوة في الله: إنه ليس يصلُح أمرُ آخر هذه الأمة إلا بما صلَح به أولها، فلا بد في مواجهة هذا الصراع مع العدو الصهيوني الغاشم للأمة من العودة إلى الذات، إصلاحُ بنائها من الداخل، اعتصامُها بحبل الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، والوقوفُ صفًّا واحدًا أمام العدو المتربِّص، والتفطّنُ للعدو من الصديق. وإن التفريط في الثوابت ودخول النقص على الأفراد والمجتمعات في عقيدتها وقيمها وأخلاقها وفضائلها سببٌ لحلول الهزائم في الأمم والانتكاسات في الشعوب والمجتمعات، فلن يُحرَّر الأقصى إلا بالقيام بما أمر الله به واجتناب ما نهى عنه، ولن تُسترَدَّ المقدسات إلا برعاية العقيدة والشريعة في كل مناحي الحياة.
إن كل الأحداث التي تجري لا تخرج عن نطاق قدر الله، وإن الصراع الدائرة رحاه اليوم على أرض الرباط فلسطين السليبة سيؤول بالضرورة إلى انتصار الحق وأهله واندحار الظلم وأشياعه، مصداقًا لقوله تعالى: (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) [القصص: 5]، (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) [الشعراء: 277]، (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) [المنافقون: 8].