المحسن
كلمة (المحسن) في اللغة اسم فاعل من الإحسان، وهو إما بمعنى إحسان...
العربية
المؤلف | صالح المغامسي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - التاريخ وتقويم البلدان |
وبلادنا المملكة العربية السعودية كانت وما زالت، وستبقى -إن شاء الله- معقل السنة العظيم وقبلة المسلمين، وإليها يفد المسلمون من كل أنحاء الأرض، فبقاء أمنها وإظهار عمرانها والدعوة للخلفاء الراشدين الأربعة لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي على منابرها دينٌ وملة وقُربة لا يقبل مسلم أبداً أن يرتقي منبر أحد الحرمين، ثم يقف على ذلك المنبر فينال من عرض أبي بكر، وينتقص من عمر ويذم عثمان، وقد مضى النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى ربه وهو راضٍ عنهم كل الرضا -رضوان الله تعالى عليهم أجمعين-.
الخطبة الأولى:
الحمد لله وإن كان يقل مع حق جلاله حمد الحامدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين وإله الآخرين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبدُه ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين.
وبعد: عباد الله: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله في السر والعلن وخشيته تبارك وتعالى في الغيب والشهادة فإن تقوى الله أزين ما أظهرتكم وأكرم ما أسررتم وأعظم ما ادخرتم قال ربنا في كتابه العظيم (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ) [النساء: 131].
ثم اعلموا عباد الله أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما أظهر الله -عز وجل- دينه، ودخل الناس قبل ذلك في دين الله أفواجًا قدم إليه وفود العرب من كل ناحية، سواء كان ذلك ما بين صلح الحديبية وفتح مكة أو بعد ذلك أو قبله، وممن وفد عليه النابغة الجعدي -رضي الله عنه- صحابي معمّر عُمِّر كثيرًا، وكان يفد على المناذرة قبيل إسلامه، وعُرف بالشعر، فلما وقف بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبايع وأعلن إسلامه قال:
خَلِيلَيَّ عُوجا ساعَةً وَتَهَجَّرا | وَلُوما عَلى ما أَحدَثَ الدَهرُ أَو ذَرا |
تَذَكَّرتُ والذِّكرى تَهِيجُ لِذي الهَوى | وَمِن حاجَةِ المَحزونِ أَن يَتَذَكَّرا |
وهي مقدمة الوقوف على الأطلال جرت عادة شعراء العرب في ذلك العصر أن يبدءوا بها قصائدهم، ثم مدح النبي -صلى الله عليه وسلم- بأبيات حتى انتهى -رضي الله عنه وأرضاه- إلى قوله:
وَلا خيرَ فِي حِلمٍ إِذَا لَم تَكُن لَهُ | بَوَادِرُ تَحمي صَفوَهُ أَن يُكَدَّرا |
فقالوا: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما سمع هذا من النابغة الجعدي قال: "لا يَفْضُضِ الله فاك"، فعاش النابغة إلى أن بلغ مائة وخمسين عامًا ولم تسقط له سِنّ ببركة دعوة رسول الله –صلى الله عليه وسلم-.
هذا البيت من هذه الرائية التي أنشدها أبو ليلى النابغة الجعدي بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيت ينطق بالحكمة أجمع عليه عقلاء العرب في الجاهلية والإسلام
وَلا خيرَ فِي حِلمٍ إِذَا لَم تَكُن لَهُ | بَوَادِرُ تَحمي صَفوَهُ أَن يُكَدَّرا |
إن الرجل لا يُعَدّ حليمًا إذا بقي على حلمه، ورأى الأعداء والمتربصين يأكلون لحمه، ويفسدون دينه، وينتهكون عِرْضه ويتطاولون عليه وهو قادر على أن يدفعهم، ثم يزعم أن ذلك حلم يُحمَد عليه. فليس هذا من الحلم في شيء، ولا هو مما يُمدح به عاقل لا في الجاهلية ولا في الإسلام، ولهذا قال النابغة -رضي الله عنه-: "إذا لم يكن له" أي ذلك الحلم "بوادر" أي: قوة وغضب "تحمي" ذلك الحلم أن يُكَدَّر؛ لأن الناس إذا رءوا ذلك ظنوا ذلك الحلم ضعفًا وعجزًا، أما إذا علموا أن ذلك الحلم قد ينتهي إلى حدّ معين، وأظهر صاحبه ما يدل على قوة حزمه وشكيمته.
إذا كان الأمر كذلك مقررًا نقلاً وعقلاً وطبعًا وشرعًا؛ فإن بلاد اليمن بلاد أثنى نبينا -صلى الله عليه وسلم- على أهلها منذ قديم الدهر، وهي ألصق الدول مع غيرها ببلادنا المباركة المملكة العربية السعودية، وهذا الزمان الذي نحيا فيه والعصر الذي نعيشه ظهرت فيه جماعات وطوائف كُثر لا تخفى على أحد، فظهرت جماعة الحوثيين في اليمن منذ سنين غير بعيدة، وكانوا في أول أمرهم يزعمون أنهم يريدون أن يرفعوا ظلمًا ويحقّوا حقًّا ويريدوا إصلاحًا.
ثم ما مضت الأيام وانكشف أنهم خنجر مسموم في خاصرة هذه البلاد، يديره أعداؤها ممن هم أبعد الناس جوارًا عن اليمن لا في الأرض ولا في العرق ولا في المذهب والديانة، وكل ذلك -والعياذ بالله- يمر مع سنين متعاقبات تحلت هذه البلاد -وأعزها الله وحرسها- بالحلم، فكلما تفاقم الشر دعوا إلى الإصلاح ودعوا إلى الحوار، لكن الحوثيين غرهم أمور ثلاثة:
الأولى: تمكن من يفيئون إليه ويعتمدون عليه ومن جعلهم خنجرًا مسمومًا في خاصرة الأمة من بعض البلاد العربية حتى أصبحوا يتحكمون في شعوبها وقراراتها وسيادتها.
والأمر الآخر: وجود مصالح لبعض الخونة في اليمن معهم.
والأمر الثالث: حلم قادة هذه البلاد المباركة عليهم، وأنهم لا ينفكون من دعوتهم إلى الحوار والصلح وأخذ الأمور باللين.
فلما اجتمعت هذه الثلاث أصبح حالهم كحال من قال الله فيه: (وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ)[البقرة: 206]، فأخذتهم العزة بالإثم حتى ظهر جليًّا أنه ليس وراء ذلك إلا الشر المستطير.
وبلادنا المملكة العربية السعودية كانت وما زالت، وستبقى -إن شاء الله- معقل السنة العظيم وقبلة المسلمين، وإليها يفد المسلمون من كل أنحاء الأرض، فبقاء أمنها وإظهار عمرانها والدعوة للخلفاء الراشدين الأربعة لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي على منابرها دينٌ وملة وقُربة لا يقبل مسلم أبداً أن يرتقي منبر أحد الحرمين، ثم يقف على ذلك المنبر فينال من عرض أبي بكر، وينتقص من عمر ويذم عثمان، وقد مضى النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى ربه وهو راضٍ عنهم كل الرضا -رضوان الله تعالى عليهم أجمعين-.
إن تمكن مثل هذا الرأي، تمكن مثل هذه القوى، تمكن مثل هذه الفِرق من دولة الإسلام الكبرى من معقل المسلمين إثم عظيم وجرمٌ كبير ينبني عليه أن دفع مثل هذا الظلم ومثل هذا العدوان، وردّ هذا الكيد ودحر هذا البغي من أعظم القربات، ومن الجهاد المشروع في سبيل الله لا يرتاب في هذا مؤمن يعقل كتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، فكانت أيها المؤمنون ما سمعتموه ورأيتموه مما عرف بعاصفة الحزم ليتحقق قول النابغة الجعدي -رضي الله عنه-:
وَلا خيرَ فِي حِلمٍ إِذَا لَم تَكُن لَهُ | بَوَادِرُ تَحمي صَفوَهُ أَن يُكَدَّرا |
إن حق بلادنا علينا حق عظيم، وفي مثل هذه الأوقات والأحوال وإن كانت السمع والطاعة لولي الأمر هو دين وملة وقربة، أمر الله بها، وأمر بها رسوله -صلى الله عليه وسلم- فإن السمع والطاعة في غير معصية الله في مثل هذه الأوقات والأحوال يتأكد لزوم الجماعة، والحفاظ على لحمة البلاد وأهلها، واجتماع الكلمة، وعدم الفرقة عملاً بقول الله (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ) [آل عمران: 103].
وأنتم ترون تأييد علماء هذه البلاد العامة منهم والخاصة الرسميون وغير الرسميين لهذا القرار الشجاع، لهذا الملك المبارك؛ أيد الله به سلطان الدين، ونصر الله به حوزة المسلمين، وحمى الله به قبلة الإسلام كلهم صفّ واحد، وقفوا ينبئون عن تأييدهم الشرعي الذي يلقون -عز وجل- به لهذا القرار الحكيم الصائب الشجاع الذي يردّ به تلك الخناجر المسمومة والآثام والبغي عن بلادنا حرصها الله من كل مكروه.
فكيف إذا كان الاستنفار والاستغاثة بهذه البلاد -بعد الله- قادمة من حكم شرعي في اليمن لا يرتاب فيه اثنان، وهؤلاء -عياذًا بالله- غرّهم البغي والفساد فما زالوا يطوفون المدن والقرى، وكل ما يفيء إلى الصحابة بشيء، ويعلو به منار السنة هدموه وأزالوه، وما زال العقلاء ينصحونهم، لكنهم -عياذًا بالله- للفئة التي يفيئون إليها، ولخبث المعتقد الذي يحملونه أبوا إلا أن يستمروا على ما هم عليه، فأسأل الله أن يجعل عاقبة أمرهم خسرًا، وألا يجعل لهم سلطانًا لا على اليمن ولا غيرها، وأن يرد كيدهم، وأن ينصر جنودنا ومن معهم، وأن يمد جنودنا جل وعلا بالنصر والتأييد، إن ربي لسميع الدعاء.
وفقنا الله وإياكم لكل خير، وجعلنا الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى.
أما بعد: فقد جاء في رواية أبي ليلى -رضي الله عنه وأضاه- بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قوله بعد ذلك بأبيات:
بَلَغنَا السّما مَجداً وَجوداً وَسُؤدَداً | وَإِنّا لَنرجُو فَوقَ ذَلِكَ مَظهَرا |
فقال عليه الصلاة والسلام: "إلى أين المظهر يا أبا ليلى؟" قال: "إلى الجنة" قال: "قل إن شاء الله".
المسلم هو أحد رجلين إما منَّ الله عليه بالسعة في الرزق والجاه في الناس والحظوة وغير ذلك من نعم الدنيا التي يفيء بها الله -عز وجل- على بعض العباد؛ فلا ينبغي أن يشغله ما هو فيه من نعمة وحسن حال على أن تكون رغبته الأولى وغايته دخول الجنة، فإن الجنة نعيم لا ينفد وقرة عين لا تنقطع.
وإذا كان المسلم ممن ابتلي في الدنيا بضيق الرزق وكثرة العيال وقلة المال والأنصاب والأوجاع والآلام، فهذا أحرى وأولى أن يَسأل الله -عز وجل- الجنة، إذ ثبت في الصحيح وغيره من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه "يؤتى بأعظم الناس بؤسًا في الدنيا من أهل الجنة، فيقول الله -عز وجل-: اغمسوه في الجنة فيُصبغ فيه صبغة" قيل في أنهارها وكوثرها، ثم بعد أن يصبغ في الجنة صبغة يقال له: "يا ابن آدم هل رأيت شدة؟ هل مر بك بؤس قط؟ فيقول: لا والله يا رب ما مرت بي شدة ولا رأيت بؤسًا قط".
وأنت تعلم -أيها المؤمن- أن الجنة ليست دارًا يكذب أهلها، فهذا لم يكذب في قوله، لكن النعيم الذي وجده من تلك اللحظة في الجنة أنساه كل شيء من البؤس والضيق وقلة المال وكثرة الآلام في الدنيا كلها نسيت مع أول دخول له في الجنة.
ولهذا قال بعض أهل العلم: إن من لم يحزن في الدنيا فليس من أهل الجنة؛ لأن الله -عز وجل- قال عن أهل الجنة أنهم يقولون: (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ) [فاطر:34]، فكل ما مر ألم كل من مر به ضيق، كل من مر به حزن فليتذكر نعيم الجنة وليتطلع قلبه إلى ذلك النعيم المقيم عند ربا كريم قال ربنا (سَلَامٌ قَوْلًا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ).
اللهم إنا نسألك الجنة، اللهم إنا نسألك الجنة، اللهم إنا نسألك الجنة من غير حساب ولا سابقة عذاب، اللهم إنا نسألك الجنة من غير حساب ولا سابقة عذاب.
هذا وصلوا على أول من يقرع باب الجنة (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.