الحي
كلمة (الحَيِّ) في اللغة صفةٌ مشبَّهة للموصوف بالحياة، وهي ضد...
العربية
المؤلف | عبد البديع أبو هاشم |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | القرآن الكريم وعلومه - الحياة الآخرة |
آدم أول إنسان في هذه الدنيا مع جميع أولاده من بنين وبنات، ورجال ونساء، الكل يبعث يوم القيامة، تغشاهم هذه الغاشية في البعث والعرض والنشور والحساب، بل يمتد أمر الغاشية ليشمل الجن كذلك ويبعثون يوم القيامة، وليشمل...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ولن تجد له وليا مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يرفع إلى الجنات العالية من سبح باسمه الأعلى، ويذل بالنار من أعرض عن ذكره الأسمى، وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله نبي الخير والهدى، نشهد أنه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح للأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده، حتى أتاه اليقين، صل يا ربنا وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وصل علينا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أما بعد:
ففي سلسلة الحديث عن مقاصد سور القرآن الكريم، نعيش اليوم في ظلال سورة الغاشية التي تذكر بأمر الغاشية، بأمر الطامة، الصاخة، القارعة، الساعة، القيامة.
هكذا سمى الله هذه السورة بهذا الاسم الحكيم، وردت في الأحاديث باسم: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ) [الغاشية: 1].
وفي المصاحف وكتب التفسير باسم "الغاشية" وبعض المفسرين سماها سورة: "هل أتاك" حيث لم تبدأ سورة أخرى بهذا السؤال، هناك: (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ) [الإنسان: 1].
وهناك في القرآن ثلاث مرات غير هذه: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ) [الذاريات:24]، (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ)[البروج:17])، (هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى)[النازعات:15]، ولكن في أثناء السور، فهذه هي السورة الوحيدة التي بدأت بهذا السؤال فسماها البعض بهذا الاسم: "هل أتاك".
لكن الاسم الذي اشتهرت به هو سورة: "الغاشية" وما الغاشية؟
الغاشية بمعنى المغطية، من غش إذا غطى، والليل إذا يغشاها، يغشى الدنيا بظلامه، والمراد بها: القيامة؛ لأنها تغطي المخلوقات كلها بأحداثها وأهوالها؛ يوم أن يبعث الخلق أجمعون.
آدم أول إنسان في هذه الدنيا مع جميع أولاده من بنين وبنات، ورجال ونساء، الكل يبعث يوم القيامة، تغشاهم هذه الغاشية؛ في البعث والعرض والنشور والحساب، بل يمتد أمر الغاشية ليشمل الجن كذلك، ويبعثون يوم القيامة، وليشمل الحيوانات ويبعثها الله يوم القيامة ويقتص للشاة القرعاء من الشاة القرناء، ثم يقول لها: كوني ترابا، وساعتها يقول الكافر: (يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا) [النبأ:40].
فلأنها لا تترك شيئا إلا وتغشاه بأحداثها وأهوالها سميت بالغاشية، أي الحادثة العامة؛ كما سماها بالطامة، من طم وطف الكيل، والإناء امتلأ وفاض حوله، فكذلك يوم القيامة يبعث الكل يومها، ويعرض الكل على الله يومها ، هذه السورة تبدأ بالحديث عن يوم القيامة، ونهاية المستقر فيه.
يقدم الله فيها ذكر الكفار أولا، حيث يسيرون إلى جهنم، ويسقون من ماء حار شديد الحرارة والسخونة، من بئر كلها كذلك، وربما كانت أعينا وآبارا، ثم يثني على ذلك بذكر ما للمؤمنين من نعيم في جنة عالية، لا تسمع فيها لا غية، فيها وفيها وفيها من الخيرات ما لا يعد ولا يحصى.
ثم ختم السورة بقوله سبحانه: (إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ)[الغاشية:25] أي رجوعهم، رجوع الخلق (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ)[الغاشية:26] فالحساب أشد من الرجوع في عُرف الصناعة، ولكن الله تعالى ليس عنده هين وأهون، وبالتالي هين وصعب وسهل وعسير، لا، (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)[يس:82].
بدأ بذكر القيامة وختم بذكر القيامة، وسمى السورة باسم الغاشية. إذاً هذه السورة في هدفها تقصد إلى التذكير بيوم القيامة.
سيحدثنا الله من خلال هذه السورة عن يوم القيامة تذكرة سريعة قصيرة، ولو أن معنا لغة عربية صحيحة؛ تلك الميزة التي قضى عليها أعداؤنا، وفرطنا فيها، لو أن معنا لغة عربية تلك اللغة التي أنزل بها القرآن؛ لفهمنا أكثر وأكثر.
هذه السورة لما كانت بهذه اللهجة، فهي سورة مكية؛ تذكر بعقيدة البعث، ركنٌ ركين من أركان العقيدة، البعث يوم القيامة، الحساب، الجنة والنار، فهي سورة نزلت قبل الهجرة إلى المدينة، وسياقها عجيب، وتناسبها جميل.
أما عن تناسبها مع السورة السابقة، فإن السورة السابقة أمر الله فيها بالتسبيح باسمه؛ لأنه الرب الأعلى، وليس فرعون ولا أمثاله، ولا حجرا ولا شجرا ولا حيوان، ولا شيء من ذلك ألبتة، إنما الرب الأعلى هو الله، فقال: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى)[الأعلى:1] يعني قدس ربك، عظم ربك، اعبد ربك، اخضع لله الأعلى، ولا ترضى أن تخضع لأدنى.
ومن الأشياء الدنية والآلهة الدنية: النفس الإنسانية، والهوى، والرغبة، والشهوة التي يريد الناس أن يتحاكموا إليها تحت مظلة دولة مدنية يشرعون لأنفسهم ما يريدون، إنما ينبغي أن يخضع الخلق جميعا للرب الأعلى: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى).
لما أمر الله بهذا، ويعلم الله سبحانه أن من عباده من يستجيب ويسبح، وأن منهم من يعرض ويتولى ويدبر، فقد توعدهم الله في هذه السورة "الغاشية"، فبين جزاء من يطيع، وجزاء من يعصي الله.
فبين أن المؤمنين في جنة عالية، فيها الخير والراحة والنعيم، وأما من أعرض وتولى فإنه في نار جهنم، وجهُه ذليل، ونظراته منكسرة يوم القيامة، من لم يخشع لله برغبته وبحبه لله في الدنيا؛ الله يخشعه يوم القيامة، ويظهر الذلة على وجهه.
ولما قال الله تعالى في السورة السابقة "الأعلى" للنبي صلى الله عليه وسلم: (سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى * إِلَّا مَا شَاء اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى * وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى * فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى)[الأعلى: 6-9].
أمره أن يذكر الناس بربهم حيث نفعت الذكرى، فلتذكر، ولكن هل عليه شيء آخر بعد التذكرة وفوق البلاغ؟
سورة الغاشية تبين هذا في قول الله تعالى: (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ) [الغاشية:21] يعني ما أنت إلا مذكر، ليس عليك إلا أن تذكر فقط، وتنذر وتحذر، فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فعليها، وما عليك من حسابهم من شيء إن عليك إلا البلاغ.
فالسورتان تتكاملان في بيان مهمة النبي صلى الله عليه وسلم تجاه هذه الأمة أن مقامه فيها للتذكير فقط.
ومن باب الأولى الدعاة من بعده والعلماء، الهم الذي يتحملونه والعمل الذي يقومون به، وحسابهم على الله، عليهم أن يذكروا العباد فقط، لكن أن يستجيب العباد أو لا يستجيبون فتلك مسألة أعلى من النبي صلى الله عليه وسلم، ومن باب الأولى الدعاة والعلماء.
فالله تعالى هو الذي يعلم ما في القلوب، فيعلم القلب الصادق في طلبه الهدى، فيهديه ويثبته: (وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى)[مريم: 76].
ويعلم المنافق الكاذب فيضله، ولو بعد حين، سكت الله عن المنافقين قرابة تسع سنوات بعد الهجرة للمدينة، سكت عنهم، وتركهم يخادعون الله والذين أمنوا، ويخادعون الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم أوقع بهم نتيجة الخداع في العام التاسع من الهجرة؛ أنزل سورة التوبة وفضحهم فيها قبل فضيحة الآخرة.
فالاهتداء والإتباع هذا فضل من عند الله يعطيه الله تعالى لمن صدق في طلبه، ولمن جد في وجوده، ولمن حرص على تحصيله: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ)[محمد:17].
(يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء) [إبراهيم:27] فالسورتان ملتقيتان على وجه عظيم من التناسب ، أما سياق وحركة هذه السورة في تقديمها للهدف وعرض هذه العبرة للأمة؛ ليكونوا دائما على ذكر بيوم القيامة، بيوم الحساب، حتى يصلح أمرهم، يبدأ الله تعالى السورة بقوله: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ) [الغاشية:1].
والله يعلم إن كان هذا الخبر والحديث قد أتى النبي صلى الله عليه وسلم أو لم يأته، فإذا كان السائل يعلم الجواب فليس مقصوده أن يقال له نعم أو لا، ليس مقصوده أن يعلم وأن يفهم، فهو عالم وهو عليم، ولكن سؤاله لغرض آخر.
(هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ) يعني إنه حديث عظيم، حديث خطير، حديث مهم، حديث يبكي ويضحك في الوقت نفسه، حديث يقتل من تفكر فيه.
إن رجلاً سمع سورة الإنسان من رسول الله صلى الله عليه وسلم فعاش معها، ومع آياتها: (إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا)[الإنسان: 5-6].
-وهكذا تتكلم السورة في حديث طويل عن الجنة ونعيمها- إلى أن قرأ النبي عليه الصلاة والسلام قوله تعالى: (إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاء وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا)[الإنسان:22] شهق الرجل شهقة فمات، فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم: "إنما قتل صاحبكم شوقه إلى الجنة".
سمع بالقلب، تشوق لهذا النعيم، فقضى الله أجله، وعجل الله له بلقاء هذا النعيم، خبر عظيم، خبر القيامة، الناس في غفلة عنه، الناس لا يذكرون، ويوم أن يذكره الدعاة والخطباء في خطبهم وفي أحاديثهم، يقال لهم: لا تنفروا الناس! إن كان ولا بد فتكلموا عن الجنة فقط، بشروا الناس بالجنة، الناس في ظلم وعناء، وكذا، فلا داعي أن تزيدوا همهم!.
لا، إن حديث الآخرة يروح النفس، وزيارة ديار الآخرة –المقابر- تروح النفس، من كان ذا هم؛ فذهب إلى المقابر، أو تذكر الموت، أو تذكر الآخرة؛ علم أن هذا الهم زائل، وهذا الكرب لا بقاء له، إما أن يزول عني قبل أن أموت، وإما أن أموت وأتركه، فهو على كلا الوجهين زائل ومنقضي، فأتسلى بهذا، فله نهاية فأرضى، ويطمئن قلبي.
إنما ينكد على صاحب الهم، ويكرب صاحب الكرب؛ أنه يظن دوام هذا الكرب، واستمرار هذا الهم، لا ينفرج أبداً، إنما حينها أن الدنيا زائلة، وهؤلاء إخواني سبقوني بالوفاة، وهذا فلان سبحان الله كان يعيش هما أكبر من همي، ومات واستراح من همه، ذهب عنه كربه، إذاً أتسلى بهذا.
أصحاب الغرور في الدنيا من وجد في نفسه ضعفا، وتعلقا بالدنيا، وتشبثا بها؛ فليقرأ عن الدار الآخرة، وليسمع عن القيامة من القرآن، أو حديث أحد من الشيوخ والدعاة، فإن هذا يضبط نفسه ويهذبها.
علام أغتر؟ هذا المال سأتركه، هذا الجاه والسلطان سأمضي وأتركه، كذا وكذا، كل شيء إلى زوال في هذه الدنيا ، فحديث الآخرة حديث شيق، حديث مهم، لا بد من ذكرها دائما، ففيها صلاح كبير (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ).
بداية الدرس سؤال، وسيلة تربوية عالية؛ إنها تنبه الأذهان في المخاطبين، تستحضر عقولهم، ليتلقوا هذا الخبر بوعي، فليس خبرا كجميع الأخبار، أو كغيره من الأخبار، إنما هو نبأ عظيم، أنتم عنه معرضون، الناس معرضون عنه بدنياهم، ولهوهم، ومشاغلهم، وأولادهم، كل ذلك ينسي أمر الآخرة، والله سماها نبأ عظيم.
ثم تحدث الله عن الغاشية، فقال: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ) ذليلة، ذلة لا يرفعها شيء، ذلة يراها الخلق جميعا، وكلهم محشورون والكل ينظر -ستر الله علينا في الدنيا والآخرة-.
(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ) مما يحصل أنها: (عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ) في الدنيا ما خفت عن العمل، عملت في كد وتعب وعناء بجهد كبير، وكل عملها هذا هباءٌ منثور، لا قيمة له، لا بقاء له في الدار الآخرة؛ لأنه عمله في الدنيا فأثابه الله عليه في الدنيا، ولم يبق له شيء إلى الآخرة؛ لأنه لم يطلبها.
حتى في المسلمين الآن أهم شيء يهتم به، وفي سبيله يترك الدين عمدا، في بعض تشريعاته، كأن يترك الصلاة، ويأكل من حرام ويترك الطيب، ماذا تريد؟ أريد أن أعمل مستقبلا لأولادي! .. جميل جدا، مستقبل في الدنيا أم الآخرة؟ في الدنيا طبعا! هذا شيء طيب، ولكن لا يستحق أن أترك ديني في سبيله، فشر الناس من ضحى بدينه في سبيل أن يحيي دنيا غيره، ولو كانوا أولاده.
اعمل لأولادك مستقبلا في الدنيا بالماديات ولا مانع، ولكن لا تترك شيئا من دينك في مقابل هذا، وإن كنت تسعى لمستقبل ضمنه الله أصلا ، فالرزق مضمون مأمون عند الله، تنشغل بمستقبلهم غير المضمون يوم القيامة، هل يجتمعون معك ويصحبون معك إلى الجنة؟ أم أنك في الجنة وتحرم رؤيتهم؟
كن كالذين قال الله فهيم: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ) [الطور:21] يجمع الله الأولاد من مكانتهم في الجنة، فيرفعهم إلى مكانة الآباء والأمهات العالية في الجنة، ويجمع الأسرة كلها مع بعضها، فضلا منه ونعمة، حتى لا يعذب الآباء والأمهات بألم الشوق إلى أولادهم؛ لأنها دار لا شقاء فيها ولا عناء.
كن كذلك، كن كعمر بن عبد العزيز رضوان الله تعالى عليه خامس الخلفاء الراشدين؛ تصدق بكل ماله، فقيل له: وأولادك؟ قال: والله إن كانوا صالحين فلن يضيعهم الله أبداً، سيرزقهم الله، ولست أنا الرازق، وإن كانوا غير صالحين فلن أعينهم على غير الإصلاح، وهو الإفساد.
لا أوفر لولدي مالا وهو فاسد، أو ربما يكون فاسدا ، يقين عظيم في الله أن أولاده لن يجوعوا؛ لأنهم في عناية الله وليسوا في عنايته ، إنه زائل وميت يوما ما، والله باقي لا تأخذه سنة ولا نوم، فتصدق بكل ماله، ومن قبله أبو بكر رضي الله عنه: ماذا تركت لأولادك يا أبا بكر؟ تركت لهم الله ورسوله.
لا مانع أن نقدم مستقبلا في الدنيا لأولادنا، ولكن أمن الشيء غير المؤمَّن؟، فرزق الدنيا ومستقبله عملت له أو لم تعمل، فهو مضمون، ولكل رزقه، وربما يرزق اليتيم بعد موت أبيه أكثر مما كان يرزق في وجود أبيه، ولكن مستقبل الآخرة أهم.
عمل الناس الكفار في الدنيا عملا كثيرا، وجهدا عظيما، ولكنه ضائع، عملوا حتى النصب والتعب: (عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ) وماذا يوم القيامة؟ (تَصْلَى) هذه الوجوه وأصحابها: (نَارًا حَامِيَةً * تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ) [الغاشية:4 - 5].
كلمة تعطي الأمل: (تُسْقَى) فيها أمل، ولكن الشراب من عين آنية، وآنية يعني مستوية من شدة النار، الماء من شدة الحرارة استوى على النار؛ كما قال الله تعالى للصحابة رضي الله عنهم، وكانوا يكثرون الجلوس عند النبي عليه الصلاة والسلام ويأكلون، وهكذا، قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ)[الأحزاب: 53] أي غير منتظرين أن يستوي الطعام، تذهب قبل الطعام وموعده، والطعام لا يزال على النار، وتجلس في بيت النبي عليه الصلاة والسلام وتعطله، وتشغل أهله، والطعام لا يزال على النار حتى ينضج ويستوي، وأنت تستوي استواء الطعام، لا، انتظر حتى يستوي الطعام، وادخل بيت النبي صلى الله عليه وسلم على الطعام مباشرة: (فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ) لأن وراءه بناء أمة.
فآنية، يعني مستوية من شدة النار تحته، الماء يستوي كأنه بلغ أقصى درجات الغليان: (تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ) -نسأل الله العافية-.
هذا الشراب، وأما الطعام: (لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيعٍ * لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِن جُوعٍ)[الغاشية:6-7] طعام في النار، فتخيل كيف يكون؟ طعام للكافرين الذي كفروا بالله عز وجل؛ ماذا تتخيل؟
ولكن شبه العلماء هذا الضريع بضريع الدنيا تقريبا للصورة، وتوضيحا للمقال، في الدنيا ما يسمى بالضريع؟
ولكن فرق بين ضريع الدنيا وضريع الآخرة؛ إنه شجرة شوكية، ليس له ورق، تنبت في الجبال، وهي خضراء تأكلها الجمال، وترعاها الإبل، ولكن إذا يبست وجفت صار شوكها كالمسامير لا تستطيع الإبل أن تأكلها، وإلا قطعت أمعاءها: (وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ) [محمد:15].
فهذا يقطع أمعاء البهائم إذ أكلته، ويوم القيامة يأكل أهل النار طعاما في النار يقطع أمعاءهم كذلك، ليس بين هذا وذاك من الشبه إلا الاسم فقط، هذا اسمه ضريع وهناك ضريع، ولكن فرق بين الضريعين: (لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيعٍ * لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِن جُوعٍ) [الغاشية:6-7].
وبالتالي يحتاجون إلى أكل كثير؛ طعام وراء طعام، وكل طعام من هذه الأطعمة عذاب -نعوذ بالله-.
على الجانب الجميل الآخر -جعلنا الله فيه-: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ) [الغاشية:8].
إذ قلت ناعمة الملمس، فالوجه الذي ينعم صاحبه وجهه ناعم.
الإنسان المنعم يكون وجهه ناعم، الإنسان الذي شقي في العمل في الدنيا وتعرض للشمس والهواء والماء والغبار، وغير ذلك؛ تجد وجهه خشنا، فالوجه يدل على النعيم أو الشقاء: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ).
ولا مانع أن يجمع الله الخيرين لأهل الجنة؛ فهم منعمون ووجههم ناعمة الملمس كذلك: (تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ) أي تنظر وترى: (نَضْرَةَ النَّعِيمِ) [المطففين:24].
(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ) هذا هو المظهر الظاهر من الداخل: (لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ)[الغاشية:9] لما عرفت عملها، ورأت جزائها؛ فرحت ورضيت: (لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ) أين؟ (فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ) [الغاشية:10] لما سبح ربه الأعلى أسكنه جنة عالية.
فطريق الرقي هو الدين، رقي في الدنيا، تسمو بنظرك إلى أعلى، وتهفو بقلبك إلى أعلى، كلك تسعى إلى السماء، ولولا أننا غير معدين لهذا ارتقينا إلى السماء، وسكنا السماء.
وقد ضرب الله لنا مثلا بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ خلق من أوله من طين، كأبيه أدم، ثم خلق كبقية البشرية من ماء مهين، ومع ذلك علا فوق الملائكة، وصعد إلى ما لا يصعد إليه جبريل المخلوق من نور، بالإيمان، بالطاعة، بالعبودية لله سبحانه وتعالى.
ولولا أن الله قضى أننا خلفاء في الأرض لرتقينا إلى السماء، وعشنا في الفضاء، ولكن يكفي أننا نعيشها بأرواحنا، فكلنا نتجه إلى الله بدعائنا وطلباتنا وعباداتنا؛ كل ما في حياتنا نتجه به إلى جهة السماء؛ حيث أنه عالي فوق خلقه، مستوٍ على عرشه سبحانه وتعالى، لا على مثله ولا أعلى منه.
وفي الآخرة في جنة عالية، انتهى ضجيج الدنيا وصراخها: (لَّا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً)[الغاشية:11] كلمة لا داعي لها لا تسمعها، هدوء وسكون وراحة (فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ * فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ)[الغاشية:12-13].
ورفعة السرير إلى أعلى فيه طهارة، وفيه نظافة، وفيه رقي؛ حتى السرير مرتفع، وكلما أردت أن تنزل من عليها نزل بك، فإذا ركبت وأردت أن ترجع إلى مكانك في العلو رجع بك ، ولا تعجب، فهذا الجمل في الدنيا خلقه الله كذلك؛ ينزل بصاحبه ويرقى به، فلا عجب أن يفعل الله مثل ذلك في الآخرة للمؤمنين.
(وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ) [الغاشية:14] تشرب من أي كوب، إبريق له عروة، وله خرطوم، قد يحلو لك أن تشرب من كوب مثل هذا الشكل، أو من كوب له عروة فقط، وهي الأكواب، أو من كأس بغير عروة ولا خرطوم كما تشاء، خذ الكوب الذي يعجبك من زجاج رائق جدا، أبيض بياضه كبياض الفضة، ونقاؤه وشفافيته شفافية الزجاج.
(وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ) [الغاشية:15] وهي الوسائد التي يتكئ عليها: (وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ)[الغاشية:16] تلك السجاجيد التي فرشت على الأرض، كل ما رأته عينك من أفخم السجاد في الدنيا، ليس هناك شيئا منه في الآخرة، بل هناك أعظم وأعظم وأعظم، إنه صناعة ربانية؛ لا إيطالية ولا تركية، ولا إيرانية، ولا كذا، بل صناعة ربانية خالصة، لم تمتد إليه يد بشر، ذلك بعض النعيم وليس كله.
كما أن ما ذكر الله في سيبل الكفار ليس على سبيل الاستحقاق؛ إنما هو مجرد مثال، نموذج.
عجبا لمن يكفر! وهذه القيامة تنتظره؛ هنا جنة عالية بما فيها من النعيم، وهناك على المقابل نار نازلة هابطة دركات إلى أسفل، وفيها العذاب كله؛ ماءها عذاب، وطعامها عذاب، وحياتها عذاب، فراشها نار، ملابسها نار، كل ما فيها نار، أو زمهرير من البرد الشديد -نسأل الله العفو والعافية-.
كيف بإنسان عاقل يسمع هذا الكلام، ويرى هذا الوصف، ولا يؤمن؟! أتدري لماذا لم يؤمن؟
لأنه لم يفكر، له عقل لم يستعمله، له جهاز ميزه الله به من بين المخلوقات لا يزال يغلق عليه.
فكر يا أخي في أي شيء، فتح الله لنا في هذه السورة، وللكفار خاصة أربع صفحات من بين صفحات كثيرة في كتاب الكون المنصوص نبه إليها، وأشار إليها في سور كثيرة، لكن هنا قال وهو يخاطب الإنسان العربي البدوي كعرب مكة والجزيرة؛ الذين كانوا يركبون الجمال، فيعلو فوق مستوى الأرض، فينظر بعيدا، فلا يرى إلا السماء أمامه، ويرفع بصره، فإذا هي السماء، وإذا نزل عند حدود السماء، وكأنها نازلة إلى الأرض تصطدم عينه بمناظر شاهقة للجبال الراسية، فإذا ما نزل من على الجمل، أو ينام، فالأرض تحته يجلس عليها، ويستريح فوقها للنوم، ومتاعه كله فوق الأرض، والأرض ممدودة مبسوطة مفروشة، فيها الخيرات والنعم.
هذه كاللفافة يلتف بها الطفل حيث ما استدار الإنسان.
أراه الله آيات تدعوه إلى الإيمان به، والإقرار به سبحانه وتعالى، فقال سبحانه: (أَفَلَا يَنظُرُونَ)[الغاشية:17] وكأنه ما رأى! هو نظر لكن ما رأى! إذاً نظرٌ كعدمه، إنما ينبغي أن ينظر نظرة تدخل إلى قلبه، فيعقلها (أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ)[الغاشية:17].
وخلق الإبل خلق عجيب، وتركيبته تركيبة عجيبة، والعلماء اليوم يبحثون في خلق الجمل؛ كما بحثوا في غيره من الحيوانات، فرؤوا فيه عجبا، رؤوا إعجازا، ليس المجال الآن مجال سرده، ولكن من أراد فالإعجاز العلمي في القرآن موجود، فليقرأ وليسمع، وفي الصور على الانترنت أشياء يندهش لها العلماء قبل البسطاء.
(أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) ومن العجب الذي ندهش له جميعا، وربما لا يعرف العلم سره إلى الآن؛ النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن خلق الجمل في حديث رواه الإمام أحمد رحمه الله بسند صحيح، قال: "إن الجمل خلق من شيطان" فتعجب الصحابة! شيطانٌ صار جملاً! قال عليه الصلاة والسلام: "ألا ترون نفرته" ألا ترونه حين يغضب وينفر عن صاحبه، شيطان ساعتها، يدمر يكسر، يقتل، وهذا يعرفه أصحاب الجمال "الجمالون".
يقولون الجمل يخزن، يعني يخزن المواقف لصاحبه، ضربه اليوم وأجاعه من الطعام غدا، وبعد غد أكثر شغله بما لا يطيق، وبعد كذا عمل كذا، لا يريحه كل هذه الاهانات يحتفظ بها الجمل ليوم من الأيام ينتقم فيها من صاحبه.
شيطان! عجب! يكفي هذا السؤال الذي يفتح كل الآفاق أمام كل الأعين: (أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) انظر لترى، انظر كيف شئت، انظر إلى عينيه، انظر جسده، انظر إلى وبره، انظر أن بوله ولبنه شفاء.
من أخطر الأمراض الآن أمراض الكبد؛ كان على عهد النبي عليه الصلاة والسلام، وشفى الله بها أقواما سقاهم النبي عليه الصلاة والسلام من أبوال الإبل وألبانها، فشفوا بإذن الله، وكانوا قد وصلوا إلى مرحلة الاستسقاء، كبرت بطونهم، وتجمع فيها الماء، ولم ينتظم نظام توزيع الماء في الجسم، فتكور البطن، شربوا ماءا، شربوا لبنا، وبول الإبل فشفاهم الله تبارك وتعالى.
وفي المقابل: "من أكل لحم جمل فليتوضأ" هكذا قال النبي عليه الصلاة والسلام.
ويروى في ذلك قصة عجيبة ظريفة جميلة؛ لكنها غير صحيحة، إنما أطرح من هذا الحديث الصريح، حينما جاء رجل إلى النبي عليه الصلاة والسلام وسأله عن الغنم والجمال، فقال عليه رضوان الله: "أنتوضأ من لحوم الغنم؟" قال: "إن شئت" قال: "أنتوضأ من لحوم الإبل؟" قال: "نعم".
فأجاب بنعم صراحة حينما سأله عن لحوم الإبل، أما لحم الضأن إن شئت، وضوؤك صحيح وباق، تحب أن تجدد الوضوء بعد أكل هذا اللحم، تبقى على وضوئك وتصلي لا مانع، أما لحم الجمل قال فيه: نعم، وهذا سؤال وجواب بعيد عن تلك القصة المؤلفة.
(وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ) [الغاشية:18]؛ لأنه ارتقى فوق الجمل، فرأى السماء هناك في مقابل وجهه على البعد البعيد في الصحراء، والله تعالى قال: (وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ)؛ لأن السماء خلق لا نراه حتى يشكك البعض فيما نراه، هذا ليس السماء، أو ليس اللون الحقيقي للسماء؛ إنما هي انعكاسات ضوئية على السماء، فرأينا لونا أزرق، الله أعلم ما وصل أحد إلى هناك، لكن ما لفت الله النظر إلى لون السماء؛ إنما لفت النظر إلى شيء واحد، يمكن أن نتخيله بالقلب، أرأيت إلى هذا السقف العظيم العالي الواسع الممتد، أوسع بكثير وكثير من الأرض، ولا يقوم على عمود واحد!!
(اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا) [الرعد: 2] أي كما ترونها بغير عمد، وهناك تفسير آخر أن الله خلقها بعمد رفعها على عمد، أي أعمدة لا ترونها، وعجيب إن كان هذا أو ذاك بغير عمود، فعجب عجاب، وإن كانت بأعمدة لا ترى وتحركنا في البر والبحر والجو والطيور، وكل المواصلات تتحرك، والأجسام الغريبة تتحرك، والطلقات النارية والقنابل في الحروب، وفي الجو هنا وهناك، وما اصطدم أحد بعمود من الأعمدة، ولم يكتشف العلم بأشعته المختلفة في التصور صورة عمود واحد، فهذا أو ذاك عجب عجاب من الله سبحانه وتعالى.
(وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ)[الغاشية:19] قائمة طويلة عالية، والعلماء يعرفون في ذلك أكثر، كيف أنها تثبت الأرض وتمكنها وتمهدها تحت أقدامنا لضرورة حياتنا بهدوء.
(وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ)[الغاشية:20] يتحرك عليها الإنسان في امتدادها كيفما شاء، يصنع ويزرع، يجلس وينام، يقوم ويقعد، يفعل ما يشاء، والأرض مذللة تحت قدميه، يبحث فيها عن رزق الله له.
(فَذَكِّرْ) يعني هذه يا محمد هذه آيات كونية، فادعُ كل إنسان عاقل -إن فكر قليلا- إلى الإيمان بالله، من لزم شيئا من هذا وتفكر فيه لن يعود إلا أن يقول: "لا إله إلا الله" ثم تأتيه الشريعة ليقول: "وأشهد أن فلانا رسول الله" الرسول الذي يبعثه الله، وقد بعث بالقرآن منذ 1400عام ويزيد إلى يوم القيامة رسولا واحد لا نبي بعده، هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ليقول الناس بالفكر: لا إله إلا الله، وبالشرع محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبالتالي ما عليك إلا أن تذكر: (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ * لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ) [الغاشية:21-22].
كما قال في آية أخرى: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) [القصص:56].
فلا ترهق نفسك في هدايتهم، ولا تحزن حزنا يهلكك على أنهم كفروا: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا)[الكهف:6].
لعلك تهلك نفسك أنهم لن يؤمنوا فلا يؤمنوا، لا حاجة لنا فيهم، لكن أنت لا تذهب نفسك عليهم حسرات، لا تهلك نفسك حزنا عليهم، وإلا فافعل ما تشاء، وافعل ما بدا لك، ولن تفعل شيئا.
هكذا يتحدى الله النبي عليه الصلاة والسلام من شدة حبه لإيمان الناس وهدايتهم، ووصولهم إلى الجنات، فقال له: (وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاء فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى) [الأنعام:35].