الحميد
(الحمد) في اللغة هو الثناء، والفرقُ بينه وبين (الشكر): أن (الحمد)...
العربية
المؤلف | عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الحياة الآخرة |
عباد الله: إن الله -تبارك وتعالى- قسَمَ الناس إلى فريقين: فريق منَّ عليهم بالهداية، وشرح صدورهم للإسلام، ووفقهم لطاعة الرحمن، وفريق حقت عليهم الضلالة فهم في غيِّهم يعمهون، وفي باطلهم يتقلَّبون، وعن طاعة ربهم وعبادته سبحانه معرضون، قال...
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، وصفيُّه وخليله، وأمينه على وحيه، ومبلِّغُ الناسِ شرعه، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أَما بعد: أيها المؤمنون -عباد الله-: اتقوا اللَّه -تعالى-؛ فإن من اتقى الله وقاه، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه.
أيها المؤمنون -عباد الله-: فريقان جاء الحديث عنهما في مواضع عديدةٍ من القرآن بذكر أعمال كلٍّ وأوصاف كل؛ جديرٌ بالمؤمن أن يتأمل في آيات القرآن الكريم المشتملة على أوصاف الفريقين، وأعمال الفريقين، ومآل الفريقين لا سيما -عباد الله- وقد انصرفت أذهان كثيرٍ من الناس في هذا الزمن عند الحديث عن الفريق أو الفِرَق إلى أمورٍ هي لعبٌ وهزل، وإذا قيل مع فريق مَن؟ أو نحو ذلك لم تنصرف الأذهان إلا إلى ذلك النوع من اللعب واللهو. جدير بنا أمة الإسلام أن نهتدي بهدايات القرآن، وأن نتأمل في الفريقين الذَيْن جاء الحديث عنهما في مواضع عديدة من كتاب الله -جل وعلا-.
عباد الله: إن الله -تبارك وتعالى- قسَمَ الناس إلى فريقين: فريق منَّ عليهم بالهداية، وشرح صدورهم للإسلام، ووفقهم لطاعة الرحمن، وفريق حقت عليهم الضلالة فهم في غيِّهم يعمهون، وفي باطلهم يتقلَّبون، وعن طاعة ربهم وعبادته سبحانه معرضون، قال الله -تعالى-: (فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ)[الأعراف: 30].
عباد الله: ولقد بعث الله أنبياءه ورسله وأصفياءه دعاةً إلى الإيمان والحق والهدى، ونهاةً عن الكفر والباطل والردى؛ وانقسم الناس تجاه دعوة النبيين إلى فريقين، قال الله -تعالى-: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ)[النحل: 36]، وقال الله -تبارك وتعالى-: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ)[النمل: 45] أي: فريقٌ قبِل دعوة النبيين وآمن بهم، وفريقٌ أبى ذلك ولم يرضَ لنفسه إلا الكفر طريقا؛ ثم هم كما وصف الله: (يَخْتَصِمُونَ) أي: كلُّ فريق يدَّعي أن الحق معه وأنه هو صاحبه، وقد جرت العادة -عادة فريق أهل الباطل، فريق أهل الكفر والضلال- العُجب بحضاراتهم، والاغترار بدنياهم، ويجعلون ذلك مقياساً على أحقيَّتهم، وتأمل في هذا قول الله -تعالى-: (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا)[مريم: 73] أي نحن أم أنتم؟ وها نحن نتمتع بحضاراتٍ وصناعاتٍ وأمور دنيوية ليس عندكم منها شيء؛ (أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا)، ونسي هؤلاء أنَّ ما يتحدثون عنه وما جعلوه مقياساً إنما هو حطامٌ زائل ومتاعٌ فان، ولهذا قال الله -تعالى- في الآية التي تلي هذه الآية: (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا)[مريم: 74].
أيها المؤمنون -عباد الله-: وفي حديث القرآن عن الفريقين ضرب الرب -جل وعلا- مثلاً عظيما يتضح به جليًّا حال الفريقين ويتجلى أمرهما تماما، قال الله -تعالى-: (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ) تأمل في هاتين الحالتين (هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ)[هود:24] أي: لا يستوي أهل الإيمان بما عندهم من بصيرةٍ ونورٍ وهدايةٍ وضياء، وأهل الكفر الذين هم في عمايةٍ وضلالٍ وغوايةٍ وصدود.
أيها المؤمنون -عباد الله-: ومن هدايات القرآن وبياناته العظيمة لحال الفريقين ذِكْر المآلات؛ مآل هؤلاء ومآل هؤلاء، وهو مقامٌ جديد بالعناية والتأمل، قال الله -تعالى-: (فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)[الأنعام: 81] أي فريق أهل الإيمان أو فريق الكفر والطغيان؟
والجواب الذي لا جواب غيره على ذلك هو قول الله -تعالى- في الآية التي تلي هذه الآية: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ)[الأنعام: 82].
والحديث عن المآلات -مآلات الفريقين- حديثٌ واسع، وهو من الأمور التي تكررت بياناً وإيضاحاً وتجليةً في كتاب الله، من ذلكم قول الله -تعالى-: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ)[الشورى :7]؛ إنه مآلٌ -أيها المؤمنون- جدير بالتأمل: (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ) أي كتب الله -جل وعلا- لهم النجاة والفوز والسعادة الأبدية حيث إنَّ الله عزَّ وجل نجَّاهم من النار وجعلهم من أهل الجنة بنعيمها العظيم وخيرها الدائم المستمر (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)[آل عمران: 185].
أما الفريق الآخر فإنه فريق يُركَمُ بعضه على بعض في نار جهنم فيبقون فيها أبد الآباد.
فهذه حال الفريقين وهذا هو مآلهما وجديرٌ بالمؤمن -عباد الله- أن يتأمل في حال الفريقين وأن ينحاز دوماً وأبداً إلى فريق أهل الإيمان سائلاً ربه تبارك و-تعالى- ومولاه أن يثبِّته على الإيمان وأن يجعله في ركب الهداية وفريق الإسلام، وأن يعيذه من فريق الضلال والغي والباطل والكفر.
حمانا الله وإياكم، ووقانا ووقاكم، وهدانا أجمعين إليه صراطاً مستقيما، وأصلح لنا شأننا كله.
أقولُ هذا القول، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كل ذنب فاستغفروهُ يغفِر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أَما بعد: أيها المؤمنون: اتقوا اللَّه -تعالى-.
عباد الله: إن هذه الحياة الدنيا ميدان ابتلاء ودار امتحان بل ومضمار سباق، وفي هذا المضمار فريقان مرَّ الحديث عنهما وذكر أوصافهما وذكر مآلاتهما، (أحدهما داخل المضمار في تنافس وسباق وهم فريق الإيمان، والآخر خارجه وهم فريق الكفر)، والواجب على العبد المؤمن أن يتقي الله ربه وأن يجاهد نفسه على اللحوق بركب الإيمان وفريق الطاعة وفئة الإقبال على الله -تبارك وتعالى-، وأن يستعيذ بالله من طرق أهل الضلال وسبل أهل الغواية وهي كثيرة لا حدَّ لها، وقد قال الله -تعالى-: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[الأنعام: 153].
والكيِّس -عباد الله- من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني.
واعلموا أن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدى هدى محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة.
وصلُّوا وسلِّموا رعاكم الله على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب: ٥٦]، وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى الله عَلَيْهِ عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين؛ أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنَّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-. اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم انصرهم في أرض الشام وفي كل مكان، اللهم كن لهم ناصراً ومُعِينا وحافظاً ومؤيِّدا، اللهم احفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم، اللهم آمن روعاتهم واستر عوراتهم، اللهم احقن دماءهم يا رب العالمين. اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك اللهم من شرورهم.
اللهم آمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفِّق ولي أمرنا لما تحب وترضى، وأعِنه على البر والتقوى، وسدِّده في أقواله وأعماله، وألبسه ثوب الصحة والعافية، وارزقه البطانة الصالحة الناصحة. اللهم وفِّق جميع ولاة أمر المسلمين للعمل بكتابك واتباع سنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-.
اللهم يا ربنا ويا مولانا وسيدنا وإلهنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا وبأنك أنت الله لا إله إلا أنت أن تولي على المسلمين أينما كانوا خيارهم، اللهم ولِّ عليهم خيارهم، اللهم ولِّ عليهم خيارهم واصرف عنهم شرارهم يا رب العالمين.
اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى، اللهم أصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
اللهم اغفر لنا ذنبنا كله؛ دقه وجله، أوله وآخره، سره وعلنه.
اللهم اغفر لنا ما قدَّمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنَّا وما أنت أعلم به منا، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت.
ربنا إنَّا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننَّ من الخاسرين.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة: 201].
عباد الله: اذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم: (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت: 45].